غادة إشبيلية

أفدي بروحي غِيدَ إشبيليَهْ
وإنْ أذقْنَ القلبَ صابَ العذابْ

•••

عَلِقْتُ منهنَّ بِترْبِ النَّهارْ
وجْهًا، وصِنْوِ اللَّيْلِ فرعًا وعَيْنْ
في مثلِها يخلعُ مثلَي العِذارْ
ولا يبالي كيف أمسى، وأينْ
أشربُ مِنْ فِيها وكأسِ العُقارْ
معًا، فكيف الصحوُ من سكرتين؟
لَهْفي عليها يومَ شطَّ المزارْ
وساقها البينُ إلى (النَّيْرَبين)
وَدَّعتُها، ومُهجتي مُشفيَهْ
لم يَشْفني رشفُ الثنايا العِذابْ
وَوَدَّعتْ بالنظرةِ المغرِيَهْ
تصحبُ لُبِّي معها في الرِّكابْ

•••

يا أعصُرَ الأندلسِ الخالياتْ
قد فازَ مَنْ عاش بتلك الربوعْ
أهكذا كانت هناك الحياةْ
مُتْرَفةَ الأيَّامِ ملءَ الضلوع؟
أهكذا الفتنةُ في الغانياتْ
ونشوةُ الوصلِ، وَحَرُّ الولوع …
لئِنْ مضى عهدُ ذوينا وفاتْ
ولم يَعُدْ من أملٍ في الرجوع
فذمَّتي بعهدهمُ مُوفِيَه
أرُدُّ ماضيهِمْ ببذْلِ الشبابْ
أنا (ابنُ زيدونَ) وتصبو لِيَهْ
(وَلَّادةٌ) في دمِها والإهابْ …

•••

أوَّلُ عهدي بفنونِ الهوى …
بيروتُ، أَنْعِمْ بالهوى الأوّلِ …
وقيل هل يرشُدُ قلبٌ غوى
والرشدُ غيٌّ في الصِّبا المقبلِ
مَدَدْتُ — لما قلتُ قلبي ارتوى —
يدي، فردّتْهُ عن المنهلِ
بيروتُ، لو شئتُ دفعتُ النوى
طَوْعًا، ولم أهجركِ، فالويلُ لي
في ذمّة اللهِ مُنًى مُودِيَه
باسقةٌ خضراءُ، لُدْنٌ رِطابْ
لعلَّ في أختكِ يا سُورِيَه
حُسْنَ عزاءٍ عن جليلِ المصاب

•••

يَلَذُّ لي يا عينُ أن تسهدي
وتَشتري الصَّفْوَ بطيب الكرى
لي رقدةٌ طويلةٌ في غدٍ
لِلّه ما أعمقَها في الثرى
ألم تَرَيْ طيرَ الصِّبا في يدي؟
أخشى مع الغفلةِ أن ينفِرا
طال جناحاه وقد يهتدي
إلى أعالي دوحِه مُبْكِرا
أرى الثلاثين ستعدو بِيَهْ
مُغيرةٌ أفراسُها في اقترابْ
وبعد عشرٍ يلْتوي عُودِيَه
وينضَبُ الزَّيتُ ويخبو الشهاب

•••

لا بدَّ لي إنْ عِشتُ أن أعطفا
على رُبى الأندلسِ الناضرهْ
وأجتلي أشباحَ عهدِ الصَّفا
راقصةً فتّانةً ساحرهْ
هناك لا أملِكُ أن أذرِفا
دمعي على أيّامِنا الغابره
عساكَ يا دمعَ مُحبٍّ وَفَى
ترُدُّ جنّاتِ المنى زاهره
يومئذٍ أُلقي على عُودِيَهْ
لحنَ الهوى أمزجُهُ بالعتابْ
أفدي بروحي غِيدَ إشبيليهْ
وإن أذقْنَ القلبَ صابَ العذاب
نابلس، في ١٢ تموز ١٩٣٢، ونشرت في ١٣ آب ١٩٣٢

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤