الفصل الثاني

الفتح العربي

استعداد العرب نحو الأقباط، وطابع غزوتهم، وموقف الأقباط منهم

استن المشرع المسلم لأهل الذمة عددًا من القوانين استلهمها من تعاليم القرآن والحديث، غير أن الفقهاء لم يستطيعوا دائمًا فرض وجهة نظرهم على الحكام، وكان هؤلاء يحيدون عنها كلما اضطرتهم ظروفهم ومصالحهم إلى ذلك.

ولكن وجود الفروق بين المبدأ والحقيقة، وتردد الإدارة إزاء أهل الذمة في أثناء الفتوحات، كان له بعض الأثر بلا شك في العلاقات بين الشعب المقهور وسيده الجديد؛ أي: بين الأقباط والمسلمين.

ولتوضيح العلاقات بين هذين العنصرين اللذين ينتميان إلى شعب واحد، لا يكفينا الرجوع إلى أصول الفتح الإسلامي، بل يجب أن نضع أنفسنا في جو الأحداث ذاتها؛ ذلك لأننا لا نستطيع أن نفهم موقف العرب أو رد فعل الأقباط إن كنا نجهل ما ظهر من نيات الطرفين وما بطن، ثم لا نستطيع التمييز بين التدابير التي اتخذها العرب نحو الأقباط وبين التدابير ذات الطابع العام.

إن الفترة الأولى من الفتح الإسلامي كثيرة الغموض والإبهام، لذا يجمل بنا أن نلقي بعض الضوء عليها، موضحين النقط التي تبدو لأول وهلة غريبة عن الموضوع ولكن لها أثرًا بينًا في مجرى العلاقات بين المسلمين والأقباط.

(١) استعداد العرب نحو الأقباط

(١-١) النبي يعطف على الأقباط

يبدو أن فتح العرب لمصر كان مقررًا قبل وفاة النبي، وعلى كلٍّ فكانت مصر تحتل مكانًا مرموقًا في خطط توسع الإسلام العسكري، ألم يشاطر المقوقس، حاكم مصر، ملك الفرس والنجاشي وعاهل بيزنطيا، شرف استقبال الرسول الذي أوفده النبي ليدعوه إلى الإسلام؟ وعلى الرغم من أن النبي لم يزُر مصر قط، فإنه كان يكن للأقباط عطفًا ملحوظًا، وفي الحديث: «استوصوا بالقبط خيرًا، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم»،١ إن جميع المؤرخين والكُتاب المسلمين يتنافسون في ذكر هذه الأحاديث المطبوعة بطابع العطف البليغ، ومنها وصيته عند وفاته: «الله، الله، في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله»، ومن حديث له أيضًا: «قبط مصر فإنهم أخوال وأصهار وهم أعوانكم على عدوكم وأعوانكم على دينكم»، ولما سُئل: «كيف يكونون أعوانًا على ديننا يا رسول الله» قال: «يكفونكم أعمال الدنيا وتتفرغون للعبادة»، وقال النبي أيضًا: «لو بقي إبراهيم، ما تركت قبطيًّا إلا وضعت عنه الجزية».٢

ولا نخفي أن كلامًا يقوله النبي بهذه الدقة عن شعب لا يعرفه ويفكر في غزوه، لمدعاة إلى الدهشة والاستغراب، غير أننا نستطيع الجزم بأن صاحب الدعوة الإسلامية كان يضمر كل خير لسكان مصر الأصليين، ونتساءل الآن: هل كان لمارية القبطية تأثير حسن على شعور النبي؟ هل أحيط النبي علمًا بعداء الأقباط لحكامهم البيزنطيين؟ وهل استنتج من هذه العداوة ميل الأقباط إلى التعاون مع الفاتح المسلم؟ لو صدقنا هذا التأويل لاستطعنا أن نفسر مغزى الرسالة التي أرسلها النبي إلى المقوقس، مع كون المقوقس مرءوسًا لعاهل بيزنطيا.

وعلى كلٍّ، كانت مصر من الوجهة الجغرافية بعيدة عن جزيرة العرب، فكان لزامًا على العرب، وهم لا يملكون أسطولًا بحريًّا لاجتياز البحر الأحمر، أن يقطعوا على أقدامهم أراضي سوريا ولبنان لغزو مصر، ثم لما انتصر النبي على قريش ودخل مكة ظافرًا، اهتم أولًا بتوحيد جزيرة العرب وإدارتها، ولم يفكر جديًّا في بسط سلطانه على أراضٍ جديدة، وقد صرف من بعده خليفته أبو بكر معظم سني حكمه في تدعيم وحدة القبائل العربية وتطهير أوكار المقاومة بين القبائل الثائرة، ولم يشعر العرب فعلًا بقدرتهم على إظهار نشاطهم الحربي خارج الجزيرة إلا في خلافة عمر بن الخطاب.

(١-٢) العرب لا يجدون مبررًا سياسيًّا لفتح مصر

تساءل كثير من الكُتَّاب عن الأسباب التي دعت العرب إلى فتح مصر، وحاول بعضهم أن يجد حلًّا لهذه المسألة، غير أنه من الصعب الوصول إلى مبرر سياسي لهذه الفتوحات، لا سيما وأن المؤرخين المسلمين وفَّروا على أنفسهم مشقة البحث في هذا المضمار.

والواقع أن الفرس والروم كانوا ينشدون الراحة؛ لأن الحروب التي وقعت بينهم أنهكتهم، ثم لم يتوجسوا خيفة من القبائل التي تسكن الفيافي العربية المترامية الأطراف، وإذا اقتفينا آثار المؤرخين العرب الذين اهتموا بالرسالتين التي قد أرسلهما النبي إلى عاهلي إمبراطورية الفرس وإمبراطورية بيزنطيا، وجدناهم متفقين على أن عاهل بيزنطيا لم يُبالِ قط بالرد على الدعوة التي وُجِّهَت إليه، كما أن ملك الفرس مزق علانية الرسالة، معلنًا احتقاره للجنس العربي.

نقول هذا كله لنقيم البرهان على أن الفتوحات العربية لم ترتكز على أغراض دفاعية، وما أسهل الكشف عن أسباب الفتوحات، لقد وحَّد الإسلام القبائل العربية، التي اعتادت شن الإغارات على بعضها، كما اعتادت السلب والنهب لسوء أحوالها الاقتصادية، فلما حلت بينها روح الإخاء التي نشرها الإسلام محل العداء المألوف، بحث سكان الجزيرة بطبيعة الحال عن أرض أقل جدبًا ليرتزقوا منها، فلم يتردد المسلمون — وقد حفزتهم قوة إيمانهم واقتناعهم بأن الشعوب التي لا تعتنق الإسلام تضمر لهم العداء — أقول لم يتردد المسلمون إلى الخروج عبر حدود بلادهم لينتزعوا من المشركين والوثنيين بقاعهم الغنية.

قيل: إن الحاجة تبرر كل عمل عدائي، ويحدثنا التاريخ بأن قبل ظهور الإسلام بعهد بعيد، قام العرب بأعمال عدائية بحثًا عن القوت؛ فغزوا مصر في عهد الفراعنة، واستقروا فترة من الزمن في «آشور» كما توصلوا إلى دخول الحبشة، ولم يتفق حدوث هذه الغزوات مع ظهور ديانة أو رسالة جديدة، ويقول الدكتور سليمان حزّين، العالِم الجغرافي: إنه توجد علاقة بين هذه الغزوات المتكررة والأحوال الجوية، ودافع بدوره عن نظرية التغييرات الجوية، ويقول أيضًا: إنه يوجد ما يثبت أن مناخ بلاد العرب الشمالية والجنوبية في الفترة الواقعة بين القرن الثاني عشر قبل الميلاد والقرن الثالث بعد الميلاد، كان أشد رطوبة مما هو عليه اليوم، وأن الأمطار بدأت تخف ابتداء من القرن الثالث، ثم تناقصت تدريجيًّا إلى بداية القرن السادس، حيث وصل الجفاف إلى الذروة، ولكنه يبادر بالإضافة قائلًا: إنه من المبالغ فيه تعليل توسع العرب إلى جفاف مناخ الجزيرة، ومع كلٍّ فلا بد أن يكون هذا الجفاف قد أثر في هذا التوسع.٣

(١-٣) أسباب الفتح الإسلامي لم تكن دينية فحسب

يميل بعض المفكرين إلى تصوير الغزاة العرب الأولين بمظهر المبشرين المسلمين، الذين دفعهم إيمانهم إلى فتح العالم بأسره.

ولا شك أن للحماس الديني عامله الكبير بين معتنقي الدين الجديد، ولكنا لا نستطيع الجزم بأن الرغبة في التبشير كانت السبب الرئيسي لهذه الفتوحات، ويقول لنا ابن خلدون: إنه عندما بويع عمر بن الخطاب بالخلافة على المسلمين، وقف يخطب في الجمع حاثًّا المؤمنين الصادقين على فتح العراق قائلًا: «إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النجعة، ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك، أين القراء المهاجرون عن موعد، سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها.».٤

تغيرت سياسة قواد العرب تغييرًا شاملًا بعد اتصالهم بالعالم الخارجي، فقد رأينا النبي يهنئ نفسه علانية لما انتصر الإمبراطور المسيحي هرقل على الفرس الوثنيين دون أن يبالي بما قد تجره هذه الانتصارات من نتائج سيئة على الدين الإسلامي، وقد رأيناه أيضًا في موقعة بدر في السنة الثانية للهجرة ينازل ألف قريشي وهو على رأس ثلاث مئة محارب فقط، ولكن مسئولية الحكم جعلت خلفاءه يحسبون لكل قدم حسابه، وكانت الاعتبارات السياسية قد حلت محل الاعتبارات العاطفية.

إن اتساع رقعة الإمبراطورية العربية شرقًا وغربًا قللت فعلًا من شأن العامل الديني، فاضطر الخليفة عمر بن الخطاب أن ينتهج سياسة حكيمة تتنافى مع الحماس والجرأة التي اتصف بها أول من اعتنق الدين الجديد، هذا ما فهمناه على كل حال مما كتبه المؤرخون المسلمون، فقد وصفوا لنا فتح مصر كأنه عمل حربي قرره الزعماء العرب بعد تردد طويل، وهم أيضًا يؤكدون أن موافقة عمر لم تعطَ بسهولة بل انتزعت منه انتزاعًا، وقد اعترض أحد الكُتَّاب المعاصرين على حقيقة هذه التفاصيل محتجًّا بأنها مخالفة لطباع الخليفة المشهورة، فهو يقول: «لا يعقل أن عمر الذي أخضع بلاد الفرس والروم، وفرَّ من جيوشه أعظم ملوك الأرض، يأذن للجند بالمسير إلى الغزو والجهاد، ثم يتراجع ويوقف السير وهو يعلم ما يترتب على ذلك من الوهن في عزيمة الجند وطمع العدو.».٥
ولكن عمر، الذي اشتهر بحكمته وتبصره، لم يستطع أن يخوض عن طيب خاطر غمار حرب حامية الوطيس، هل كان العرب يعرفون شيئًا عن مصر؟ كانوا يجهلون غالبًا كل ما يتعلق بتلك البلاد، ولما كانوا لا يملكون الخرائط الجغرافية، فقد سلكوا طريق الغزوات الذي اتخذه غيرهم، والذي تعرف عليه عمرو بن العاص في أثناء رحلاته إلى مصر، ألم يقل لنا المؤرخون: إن القوات العربية كانت تجهل تمامًا منطقة الفيوم، وإن الذي كشف لهم عن طريقها هو دليل اتبعوه على غير هدى؟ ألم يذهب حنا النقيوسي إلى جد الإثبات بأن المسلمين لم يكونوا يعرفون مدينة مصر؟٦
ونعتقد أنه لولا إلحاح عمرو، لتأخر فتح مصر وقتًا طويلًا؛ لأن عمرًا كان في الواقع أول من حرض العرب على فتحها ودخولها ظافرين منتصرين، كان عمرو بن العاص، في عصر الجاهلية، يقوم بالتجارة مع مصر،٧ وقد أضفت الأسطورة جمالًا على الحقيقة فادعت أن إحدى المقابلات التي حدثت له صدفة في فلسطين جعلته يستأنف سيره إلى الإسكندرية؛ حيث شاهد فيها حفلة قام المدعوون في أثناءها بلعبة تقليدية تتلخص في إلقاء كرة على الحاضرين، فمن تقع عليه يعتبر حاكم مصر القادم، ولقد سقطت الكرة على عمرو الذي حضر متفرجًا، فأثار هذا الحادث عجب اللاعبين، وكانوا صفوة شعب الإسكندرية.
درس عمرو دون شك أحوال البلاد في أثناء أسفاره المتكررة، ولعله لاحظ روح الكراهية التي كان يضمرها الأهالي لحكامهم البيزنطيين، ولمس الفوضى المتفشية في الإدارة وضعف القوات المناط بها الدفاع عن البلاد، وبهره خصب التربة وكثرة الخيرات التي كان يراها، فراح يصف، في الوقت المناسب، للخليفة عمر هذه البلاد بقوله: «إن فتحها كانت قوة للمسلمين وعونًا لهم، وهي أكثر الأرض أموالًا وأعجزها عن القتال والحرب.».٨
ولما خضعت أرض فلسطين للحكم العربي، خلا عمرو بعمر فاستأذنه في المضي إلى مصر قائلًا: «إني عالم بها وبطرقها، وهي أقل شيء منعة وأكثر أموالًا، فكره أمير المؤمنين الإقدام على من فيها من جموع الروم، وجعل عمرو يهون أمرها.»٩ هذا ما قاله الكندي حرفيًّا، ونستنتج من ذلك أن عمر رفض بادئ ذي بدء طلب عمرو، «ولم يزل عمرو يعظم أمرها عند عمر بن الخطاب ويخبره بحالها ويهون عليه فتحها حتى ركن لذلك عمر، فعقد له على أربعة آلاف رجل كلهم من عكا، ويقال: بل ثلاثة آلاف وخمس مئة.».١٠
وينقل لنا أيضًا ابن الحكم كلام عمر هذا: «سر وأنا مستجير الله في مسيرك.»١١ ويضيف إلى ذلك أن عمرًا لم يتوانَ لحظة واحدة في الرضوخ للأمر، فلما خيم الليل قام بجيشه إلى مصر دون أن يشعر به أحد، ويقول لنا ابن عبد الحكم أيضًا:١٢ إن عثمان بن عفان دخل بعد ذلك عند عمر، فأخبره عمر بزحف عمرو نحو مصر، ويقال: إن عثمان عقَّبَ على هذا الخبر قائلًا: «يا أمير المؤمنين، إن عمرو لمجرؤ وفيه إقدام وحب للإمارة، فأخشى أن يخرج في غير ثقة ولا جماعة، فيعرِّض المسلمين للهلكة رجاء فرصة لا يدري تكون أم لا.»، فندم عمر بن الخطاب على كتابه إلى عمرو إشفاقًا مما قال عثمان، فكتب إليه: «إن أدركك كتابي قبل أن تدخل مصر، فارجع إلى موضعك، وإن كنت دخلت، فامضِ لوجهك.».١٣

وذكر السواد الأعظم من مؤرخي العرب كيف تسلم عمرو الرسالة التي تلقاها من عمر، وقالوا: إن عمرًا لم يفضها إلا بعد أن وطأ بقدميه أرض مصر خوفًا من أن تكون الرسالة متضمنة إلغاء الأمر بالزحف.

إن كانت هذه الوقائع صحيحة، فهي تدل على أن العرب عندما احتكوا بالعالم الخارجي أخذوا يعملون على التوفيق بين مبادئهم الدينية وغاياتهم العسكرية والاقتصادية، وأن حروب الجهاد لم تعد سببًا للفتح، بل أصبحت نتيجة له، وسوف نرى، عند التحدث عن الإدارة العربية، أن الحكام كانوا يهدفون إلى النفع المادي بجانب حض الشعوب المغلوبة على اعتناق الإسلام.

(١-٤) التفوق العنصري عند العرب

وهناك نقطة ثالثة يجدر بنا توضيحها لنفهم مغزى الحوادث التي أعقبت فتح مصر، وهذه النقطة هي شعور العرب بتفوقهم العنصري بالنسبة للشعوب المغلوبة، كان عرب الجزيرة شديدي التعصب لأصلهم، وكانوا يمنعون الأجانب من الانتساب إلى قبائلهم، ويقول المستشرق «بولياك» Poliak في دراسة له، دعمها بالحجج القوية وبأسانيد أبي يوسف الفقيه: «إن الإقامة في شبه جزيرة العرب والتفوه باللغة العربية لم يكونا كافيين لاعتبار القاطنين فيها عربًا إذا كانوا من المهاجرين، حتى لو كانت هجرتهم ترجع إلى عدة قرون، كما أن العربي الأصيل، من ناحية، لم يفقد جنسيته بعد إقامته في بلد أجنبي، حتى لو طالت إقامته عدة قرون.»،١٤ ويقول المستشرق بعد ذلك: «إن كلمة «عربي» لم يكن يُراد بها المعنى الوطني كما هو منصوص عليها الآن؛ ذلك لأن العرب كانوا يجهلون ما هو التجنس وما هو فقدان الجنسية، وكان المسلم الذي عاش قبل الثورة العباسية،١٥ يعتبر العرب قبيلة اجتماعية متوارثة تضمن لأعضائها بعض الامتيازات بقدر ما تقيدهم به من واجبات، ولم يكن الأصل سببًا لوحدتها، بل كان الموطن الواحد (أي: جزيرة العرب) سبب هذه الثورة.».
وبقي عرب شبه الجزيرة متمسكين بهذا المبدأ حتى قبض العباسيون على زمام الحكم، ويلاحظ الكاتب الأب «جانو» Janot أن معتنقي الإسلام من الموالي، والمسيحيين، واليهود، والسامرين الذين لم ينحدروا من أصل عربي، كانوا لا يدخلون المجتمع العربي الإسلامي دخولًا كليًّا بمجرد إسلامهم، بل كان عليهم أن يلتمسوا انتسابهم من إحدى القبائل العربية، وكانوا يدفعون غالبًا ثمن الانتساب، ومع ذلك لم يكونوا يُعتبرون إلا مسلمين من الدرجة الثانية.١٦
ونستنتج من ذلك أن الشعوب المغلوبة التي اعتنقت الإسلام في السنوات الأولى من الدعوة الإسلامية، لم يستقبلهم العرب بعاطفة الفرح والأخوة، ولكنهم وضعوهم في مركز أدبي وضيع بالنسبة إليهم، وتأخذنا الدهشة أيضًا لو قارنا بين وضاعة مركز المسلمين غير المنتسيبن إلى أصل عربي، وبين المعاملة الممتازة التي كان يخص بها المسلمين القبائل العربية الأصلية التي ظلت مسيحية بعد ظهور الإسلام، وكانت هذه المعاملة استمرارًا منطقيًّا لحالة واقعية ترجع إلى عصر الجاهلية، ويلاحظ الأب «لامنس» في هذا الصدد: «أن التجار السوريين في المدينة كانوا يعملون علانية في سبيل الدعاية لمعتقداتهم … وكان يرى محمد وهو يتردد بحرية على الأوساط المسيحية … ولم يسمع أبدًا أن نقابة التجار القريشيين أوجست خيفة من وجود الرهبان بينهم ومن دعايتهم الدينية في أثناء إقامة الأسواق بالقرب من مدينتهم، وظل العدد القليل من القريشيين المسيحيين يتمتعون بالمركز الذي يؤهله لهم مولدهم وبراعتهم، والدليل على ذلك أن قبيلة بني أسد — التي أظهرت بوجه خاص عطفها على المسيحية — قد ظلت مساكنها بجوار الكعبة، بينما انتقل الأجانب «أي: العرب غير الأصليين» إلى الأحياء المتطرفة من المدينة أو في الضواحي.».١٧

ولما سيطر النبي على شبه جزيرة العرب، أراد أن يضم إليه القبائل المسيحية، فأثار عفوًا مشكلة المسيحيين العرب؛ لم يستطع أحد أن يطعن في جنسيتهم العربية بينما صممت تلك القبائل على أن تحتفظ بمنزلتها وعزتها، ورفضت كلية أن يعاملها المسلمون معاملة العرب من الدرجة التالية.

وكان النبي أول من كتب إلى مسيحيي نجران يدعوهم إلى إبرام ميثاق معه، وكان ذلك في السنة العاشرة من الهجرة، فأرسلت قبيلة نجران وفدًا ليفاوض النبي للحصول على أحسن الشروط ولإفهامه أن القبيلة لن تتنازل عن عقيدتها مهما كان الثمن.

وقد ذهب الوفد إلى مكة، وبمجرد وصوله دخل المسجد؛ حيث كان النبي، وأخذ الأعضاء يصلون على الطريقة المسيحية … متجهين عكس القبلة، فاغتاظ المسلمون لهذا المسلك ولكن محمدًا أمرهم بأن يتركوهم وشأنهم، وعندما انتهوا من الصلاة توجهوا إلى النبي، ولكنه أدار لهم ظهره ورفض أن يجيبهم محتجًّا بأنهم وارفون في حلل غالية الثمن.

وفي اليوم الثاني، قابلوا النبي الذي دعاهم إلى اعتناق الإسلام، ولما احتد النقاش، صرفهم بعد أن عيل صبره، غير أن الوفد عرض عليه إبرام معاهدة على أساس منح صاحب الدعوة الإسلامية بعض الفوائد المادية.

ولم يجرؤ أحد أن يفرض الجزية على هؤلاء العرب، ولكن قبيلة نجران وافقت على بعض الشروط، التي فُرضت فيما بعد على الشعوب المغلوبة، ومع ذلك حرص المسلمون أشد الحرص، عند تحرير الميثاق، على عدم جرح عواطف مواطنيهم المسيحيين، فلم يعطوا لهذا الاتفاق قوة التنفيذ، ولدينا بعض الأمثلة:
  • (١)

    كان للنبي أن يتصرف في أملاك وعبيد القبيلة، ولكنه في الواقع ترك لها حق استثمارها مقابل دفع ضريبة سنوية قدرها ألف حلة.

  • (٢)

    وكان على أهل نجران المسيحيين أن يستضيفوا مبعوثي النبي «لا يذكر الجند بوجه التحقيق» وذلك لمدة ما بين عشرين يومًا فما دون ذلك، ولا تحبس رسل فوق شهر.

  • (٣)

    وإذا نشبت الحرب في اليمن، كان عليهم أن يقرضوا ثلاثين جملًا وثلاثين حصانًا.

  • (٤)

    وكان عليهم أيضًا أن يكفوا عن مزاولة الربا.

  • (٥)
    ولا يستطيع أحد أن يُكره رجال القبيلة على ترك دينهم وذلك مهما كانت الظروف.١٨
وكذلك لم يفكر أحد في فرض الجزية على مسيحيي قبيلة بني تغلب، وطلبوا منهم فقط أن يدفعوا ضعف ما كان يدفعه المسلمون من الزكاة، على أن تشمل الضريبة نساءهم، ويستنتج من ذلك أن ما فرضه المسلمون على هؤلاء العرب على أنه زكاة، كانوا يفرضونه على مسيحيي البلاد المغلوبة على أنه جزية.١٩
وإذا تركنا جانبًا تلك الشروط، نقول: إن المسيحيين العرب نعموا مدة طويلة بامتيازات أنكرها العرب على الشعوب الأخرى التي اعتنقت الإسلام، ومثال ذلك انخرط المسيحيون العرب في سلك الجيش، وقاتلوا ضمن الفرق التي غزت بلاد الفرس وزحفت على مصر، في حين أن الأقباط الذين اعتنقوا الإسلام لم يقبلوا في الحال في صفوف الجيش العربي، وعندما قبلوا فيما بعد، أُدخلوا في فرق المشاة، وهذا يعني أنه في حالة انتصار الجيش، لم يكن لهم الحق إلا في نصف نصيب الفرسان في الغنائم،٢٠ وأخيرًا نقول: إن إسلام العرب الوثنيين كان فرضًا واجبًا يعاقب مخالفه بالموت، إن كان ذكرًا بالغًا، وبالعبودية، إن كان صبيًّا أو امرأة، أما العرب المسيحيون، فكان في استطاعتهم البقاء على دينهم، غير أن السلطات كانت تبذل جهدها في سبيل إسلامهم.٢١

ولا ننكر أن استمرار وجود العناصر المسيحية بين الجماعات الإسلامية في شبه جزيرة العرب أصبح غير مرغوب فيه، ويقال: إن النبي، قبل وفاته، عبَّر عن رغبته في ألا يكون في بلاد العرب دينان، وقد قلق مسيحيو نجران لهذا النبأ، فأرسلوا في الحال وفدًا إلى أبي بكر، ولكن الخليفة أكد لهم أن الاتفاق الذي أبرموه مع النبي لم يزل قائمًا.

أما عمر بن الخطاب، فقد اتبع سياسة أخرى نحو العرب المسيحيين وبدأ يناصبهم العداء بحجة أنهم يزاولون الربا،٢٢ وهاجم بعد ذلك بني تغلب وأراد أن يفرض عليهم الجزية، فما كان منهم إلا أن غادروا بلاد العرب ولجئوا إلى العراق، وفي هذا الأثناء قصد الخليفة شخص يدعى النعمان بن زرعة بن النعمان، وعاب عليه سياسته إزاء المسيحيين قائلًا: «أنشدك الله في بني تغلب، فإنهم قوم من العرب نائفون من الجزية وهم قوم شديدة نكايتهم، فلا يغن عدوك عليك بهم.»،٢٣ ولما سمع عمر هذا الكلام، أرسل في طلبهم واشترط عليهم ألا «يصبغوا صبيًّا وألا يكرهوه على دينهم وعلى أن عليهم الصدقة مضاعفة.».
ولا نعلم إذا كان أفراد القبيلة رضوا بهذا الشرط، والواقع أنهم لم يبالوا به، مما دعا علي بن أبي طالب أن يصرح التصريح التالي: «لأن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي، لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذريتهم فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم.».٢٤
وهكذا فإن العرب المسلمين مع أسفهم لبقاء بعض مواطنيهم على ديانتهم المسيحية، لم يحاولوا أن يمسوهم بأدنى سوء، غير أن هذا الموقف المتناقض أخذ يتلاشى شيئًا فشيئًا، ولما أخذت انتصارات المسلمين تتوالى وتزداد أهمية، اعتبر العرب الغزاة إخلاص بعض إخوانهم للعقيدة المسيحية بمثابة تحدٍّ لهم، لقد هدد علي بن أبي طالب ووعد أكثر من مرة، ولكنه لم يستطع أن يضع تهديداته ووعيده موضع التنفيذ، إلا أن الأمويين حققوا ما عجز عليُّ عن تنفيذه، ومن الغريب أن معاوية فكر جديًّا في أن يمنع أقباط مصر من اعتناق الدين الإسلامي بدعوى أن انتقالهم دفعة واحدة إلى الدين الحنيف قد يكبد خزانة الدولة خسائر جسيمة؛ لأنه سيخفض إيراد الجزية، ولكن بعد بضع سنوات — أي: في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك — «أراد محمد، قائد الطائيين،٢٥ بعد أن عاث في بلاد ما بين النهرين فسادًا وأشبع أهلها تقتيلًا، أراد هذا القائد أن يعتنق العرب المسيحيون الديانة الإسلامية، فأمر بإحضار رئيس التغلبيين واسمه «معاذ» وطلب إليه أن يرتد عن دينه، فأبى معاذ بالرغم من تملق القائد له، فأمر القائد بإلقائه في حفرة مليئة بالوحل، ثم قتله ومنع دفنه.».٢٦
إلا أننا لم نجد أبدًا هذا اللون العنيف من الدعاية الدينية عند العرب وقتئذ، أما موقفهم الشاذ إزاء العرب والمسيحيين، فيرجع إلى الشعور بالتفوق الجنسي الذي كان سائدًا عند العرب، والفقرة التالية التي اقتبسناها من تاريخ ميخائيل السوري تثبت هذا القول، ونصها: «قال الوليد للراهب «سمع الله التغلبي»: «إن عبادتك للصليب، مع كونك رئيسًا لقبيلة عربية، تجعلهم يخجلون منك.».٢٧

(٢) هل كان انتصار العرب رائعًا؟

نريد، قبل أن نحدد موقف الأقباط من الفتح الإسلامي، أن نجرد الأعمال الحربية التي قام بها عمرو من المبالغات التي أُسندت إليها.

صور لنا المؤرخون والمستشرقون فتح العرب لمصر على أنه عملية حربية سهلة في بلاد منيعة، تدفع عنها فرق عديدة، مدربة أحسن تدريب على القتال، ولكن أليس من المبالغ أن يقال: إن هذا الفتح «تحقق بسرعة فائقة» أو أنه «معجزة من المعجزات»؟٢٨ قد نحاول عبثًا أن نجد عند المؤرخين العرب هذا الحماس المتدفق عندما يصفون الانتصارات الإسلامية في مصر.
ولما دونوا هذه الأحداث، لم يحاولوا أن يقللوا من الصعاب التي حاقت بهم، ولا بالخسائر الباهظة،٢٩ ولم يدعوا أبدًا أن مقاومة الأعداء لهم كانت غير ذات بال، أو أن زحف جيوشهم كان خاطفًا، أو أن السكان كانوا يبادرون إلى عقد الاتفاقات مع الفاتح، نعم إنهم كانوا يميلون حقًّا إلى المبالغة في ذكر قوة أعدائهم العددية، ولكنهم كانوا يفعلون ذلك بحسن نية؛ لأنهم كانوا يجهلون حالة الإمبراطورية البيزنطية على حقيقتها، أما المؤرخون البيزنطيون، فقد ظلوا متكتمين النكبة التي أحاقت بجيوشهم، إلا أننا نستطيع اليوم أن نوضح حالة الفريقين على وجه التقريب.

(٢-١) مقارنة بين الإسكندر المقدوني وعمرو بن العاص

وادي النيل فريسة سهلة ومغرية لكل من يريد غزوها، وقد انتهزت الدول المجاورة مرارًا فرصة ضعف السلطة المركزية لاجتياح هذا الوادي، فغزاه الهكسوس، ثم الليبيون فالأحباش والآشوريون والفرس.

غير أن غزوة الإسكندر كانت بدون شك أكثر هذه الغزوات نجاحًا، وخلاصة الرواية أن الإسكندر وصل إلى الفرما بعد أن فتح مدينتي صور وغزة وتقدم منها إلى مدينة منف «أي: العاصمة»، دون أن يقذف بسهم واحد، وطرد الفرس، ففرح لذلك الأهلون الذين كانوا يرزحون تحت نير هؤلاء الطغاة، وأظهروا حماستهم للغازي الجديد، وتوجه الإسكندر بعد ذلك نحو الشمال وأسس مدينة الإسكندرية، ثم سار على ساحل البحر الأبيض المتوسط حتى بلغ مرفأ مرسى مطروح، وتوغل نهائيًّا في واحة سيوة قبل أن يعود إلى منف، وقد استطاع الإسكندر، في أقل من سنة، أن يفتح مصر وينظمها.

ويشبه الفتح العربي الفتح المقدوني إلى حد كبير، كان عمرو بن العاص يعلم، كما كان يعلم بذلك الإسكندر، أن الشعب يرغب في حكام جدد، وكان يعلم أيضًا أن البلاد خالية من وسائل الدفاع المتينة، وأن في استطاعته أن يقتحمها بسهولة، لذلك رضي أن يقوم بفتحها ومعه ٣٥٠٠ أو ٤٠٠٠ جندي، وضعهم الخليفة عمر تحت تصرفه، غير أنه يبدو أن عمرًا لم يكن مستعدًا لخوص غمار حرب تحصينات، وعلى الرغم من النجدات التي أرسلها الخليفة إليه مرتين من بلاد العرب، لم يقضِ على المقاومة إلا بعد قتال دام ثلاث سنوات، وفوق ذلك، يظهر أن الغزو العربي لم يكن نزهة عسكرية كما يتصوره البعض، ولم تكن الروح المعنوية بين المقاتلين عالية، ويقول لنا ابن كثير فيما يقول: «إن عمرو بن العاص، لما التقى بالمقوقس، جعل كثيرًا من المسلمين يفر من الزحف، فجعل عمرو يأمرهم ويحثهم على الثبات، فقال له رجل من أهل اليمن: إنا لم نخلق من حجارة ولا حديد.»، فقال له عمرو: «اسكت، فإنما أنت كلب.»، فقال له الرجل: «فأنت إذًا أمير الكلاب.».٣٠
وإذا درسنا أهمية القوات التي أُرسلت إلى مصر، رأينا أن عمرًا كان على حق في شكواه من بطء سير العمليات الحربية في الجبهة المصرية.٣١

(٢-٢) الجيش العربي

إن البيانات التي تحصلنا عليها فيما يختص بعدد الفرق العربية التي قامت بفتح مصر تعوزها الدقة، ولكن لم يعترض عليها مؤرخ إلى الآن.

كانت الفرق العربية مكونة أول الأمر من أربعة آلاف محارب، وضعهم الخليفة تحت إمرة عمرو بن العاص، ولكن ما لبث أن ظهر عدم كفايتها للقيام بالمهمة التي أُسندت إليها، ففي أثناء حصار قلعة بابليون، طلب عمرو بن العاص إلى الخليفة المدد مرتين، وقد أرسل له عمر ثمانية آلاف مقاتل على دفعتين بقيادة الزبير بن العوام، فبلغ عدد المقاتلين الذين تحت قيادته اثني عشر ألف مقاتل، وتقول بعض المصادر التي اعتمد عليها الكندي أن عدد القوات بلغ ١٥٥٠٠ جندي.٣٢

وما من أحد يستطيع أن يشك في قيمة هؤلاء المحاربين وشجاعتهم؛ إذ كانت هذه الصفات من أهم الأسباب التي أضعفت الروح المعنوية للقوات البيزنطية، كانوا فرسانًا جسورين يجيدون استخدام السلاح، ولكنهم مع ذلك لم يكونوا يبلون أحسن البلاء إلا في ساحات القتال المنبسطة أمامهم، فإذا اعترضتهم الأسوار المحصنة، وقفوا أمامها لمدد طويلة أو قصيرة حسب الظروف.

فقد اضطروا مثلًا إلى القتال أمام الفرما شهرًا تقريبًا، وصمد حصن بابليون أمامهم سبعة أشهر، وظلت الإسكندرية تقاوم أربعة عشر شهرًا.

أما قواد الحملة، ولا سيما عمرو والزبير، فلم يتخذوا من الحرب صناعة، إلا أنهم تدربوا على أساليب القتال في سوريا ولم تنقصهم سعة الحيلة.

(٢-٣) الجيش البيزنطي

لم نكن نعرف الشيء الكثير عن نظام الجيش البيزنطي قبل أن يقدم لنا جان ماسبيرو كتابه عن «النظام العسكري لمصر البيزنطية»،٣٣ وبالفعل، فإن المستشرق «ألفرد بتلر»٣٤ كان يؤكد — قبل ظهور كتاب جان ماسبيرو بعشر سنوات — في مؤلفه الذي يضم معلومات كثيرة عن هذا الجيش، أن في العصر الذي غزا فيه العرب مصر «لم يكن يوجد قبطي واحد في ساحة القتال، وأنه من الخطأ أن يدعى أن الأقباط كان في استطاعتهم في ذلك الوقت أن يجتمعوا أو يقاتلوا أو يفاوضوا العرب.».

وقد استطاع جان ماسبيرو أن يقدم لنا، بفضل دراسته لأوراق البردي، معلومات في غاية الأهمية والدقة، فإن مؤلفه هو المرجع الصحيح فيما يختص بحالة الجيش البيزنطي.

أعاد الإمبراطور «جوستنيان» Justinien تنظيم الجيش البيزنطي بمصر على أساس إلغاء القيادة الموحدة، خوفًا من أن يقوم قائد جيش الاحتلال بإعلان الثورة على الحكومة المركزية، وكذلك حطم وحدة البلاد الإدارية التي حافظ عليها الرومان طوال أيام حكمهم، وأنشأ بدلًا من أبروشية Diocése مصر، خمس «دوقيات» Duchee يحكمها خمسة محافظين أو «دوقات» Ducs يعينهم الإمبراطور رأسًا ويكونون مسئولين أمامه مباشرة، وكان هؤلاء المحافظون في البداية من الأجانب، ثم ما لبث أن حل مكانهم الوطنيون، وكان المحافظون يجمعون بين السلطتين المدنية والعسكرية.

ويتبين من ذلك جليًّا المهمة التي وكلت إلى هذا الجيش الذي كان يرأسه المدنيون، نعم إنه كان مكلفًا بالدفاع عن أراضي مصر، إلا أنه قصر في ذلك أيما تقصير عندما دخل الفرس مصر عام ٦١٩؛ أي: قبل الفتح الإسلامي بزمن قليل.

وسبب ذلك أن الجيش كان مرهقًا بأعمال بوليسية، كالضرب على أيدي اللصوص والمحافظة على الأمن ومساعدة محصلي الضرائب، والتدخل لصالح الإمبراطورية في الخلافات المذهبية، فلم يوجد جيش بمعنى الكلمة يتفرغ للقتال، وأن ما كان يُطلق عليه خطأ هذا الاسم لم يكن إلا قوة بوليسية ليس لها قيادة موحدة، ولا قائد عسكري، بل كانت موزعة على خمسة رؤساء مدنيين يتمتعون بسلطات مماثلة.

ويقول ماسبيرو: إن هذا الجيش كان يتألف من ٢٣ ألف رجل، وإن هذا العدد كان كافيًا أو قل — أكثر من الكافي — لصد الاثني عشر ألف أو الخمسة عشر ألف مقاتل الذين وُضعوا تحت إمرة عمرو، ولا سيما أنه كان يحتمي وراء تحصينات، ولكن بينما كان العرب كلهم تحت قيادة مركزة وكانوا يهجمون على العدو بقوات كبيرة، لم يفكر البيزنطيون قط في وضع خطة للدفاع مبنية على التعاون، وهكذا، بينما كان العرب يشددون الخناق على حصن بابليون، لم يأتِ محافظ واحد لنجدة المحاصرين، فقد كان كل واحد منهم ينتظر بدوره هجمات العدو، مما جعل العرب يتفرقون دائمًا على البيزنطيين من حيث العدد.

ويجمل جان ماسبيرو أسباب الانتصارين الفارسي والعربي بقوله: إن كانت مصر قد انهارت أمام غزوات القرن السابع، فلا يرجع ذلك إلى افتقار الجيش إلى الرجال، ثم إن التحصينات التي أقيمت في الأماكن المعرضة للغزو على حدود البلاد كانت في حالة تسمح لها بالصمود.

كان جيش مصر مجزأً، وكانت القيادة موزعة على عدة قواد، كل واحد منهم يقاتل لمصلحته، ومن المؤكد أيضًا أن محافظ ليبيا لم يسهم في القتال إلا عندما هاجمه العرب رأسًا بعد احتلال وادي النيل بأسره.

ثم اشتهر البيزنطيون بعدم مبالاتهم بالصالح العام وعداوتهم الشخصية وعدم تعاونهم، ولم يكن هناك ضباط صناعتهم الحرب».

ولم يكن في الجيش المصري إلا عدد قليل جدًّا من الجنود الأعجميين المرتزقة، وكان معظمه مؤلفًا من سكان مصر «أي: من الأقباط» الذين فقدوا صفاتهم الحربية منذ قرون مضت.

ويستنتج مما ذكره المؤرخ حنا النقيوسي أن الجيش البيزنطي كان عبارة عن رؤساء يعوزهم الفن العسكري والخبرة الحربية، يفقد معظمهم أعصابهم أمام الخطر ويعجزون عن اتباع خطة منسقة، حيث كان كل واحد منهم يقاتل لحسابه الخاص غير متبع لنظام، كما أن الجنود كانوا غير مدربين وغير مخلصين لرؤسائهم.

والسبب الرئيسي لانكسار البيزنطيين في وادي النيل، هو هبوط مستوى الجيش، هذا الجيش الذي قام تحت ضغط الظروف بمهمة الدفاع عن مصر.٣٥

(٢-٤) انحطاط روح البيزنطيين المعنوية

وهناك عامل آخر لم يذكره ماسبيرو، بل تركنا نستنبطه من سياق الكلام، ألا وهو انحطاط روح البيزنطيين المعنوية بعد انتصارات العرب على الفرس، فإذا سلمنا بما ورد في تاريخ ميخائيل السورى، لاحظنا أن هرقل بدلًا من أن يعسكر في الأراضي المعرضة للخطر لينظم الدفاع عنها ويرفع روح جنوده المعنوية، يئس من النصر قبل أن يلتقي بالعدو على ساحة القتال، ولما رأى امتداد التخريب والدمار، رحل حزينًا عن أنطاكيا قاصدًا القسطنطينية، ويروى أن كلمة وداعه كانت: «ابقِ بسلام يا سوريا.»، ثم كتب إلى ما بين النهرين ومصر وأرمنيا وإلى جميع الرومان الموجودين فيها يحذرهم من أن يشتبكوا في معارك مع العرب وأن الذي يستطيع أن يحتفظ بوظيفته فليبقى هناك.٣٦
هل فهم البطريرك قيرس، محافظ الإسكندرية، من هذه الرسالة أن الأمر متروك لتقديره الشخصي فانتهز الفرصة ليتفاوض مع عمرو؟ هل عدل القائد العربي، في وقت من الأوقات، عن غزو مصر مقابل جزية قدرها مئتا ألف دينار يسددها المصريون سنويًّا؟ لا يجوز على كل حال أن نهمل هذا الافتراض، فقد وردت في تاريخ محبوب٣٧ تفاصيل كثيرة عن هذه المسألة، ويقول المؤلف — ونحن نسوق ما جاء فيه دون أن نتمكن من التحقق من صحته — إنه عندما أبرم الاتفاق، حكم قيرس البلاد بحزم مدة ثلاث سنوات لم تطأ فيها قدم عربي أرض مصر خلالها، غير أن عددًا من أهالي مصر ذهب يشكو إلى الإمبراطور هرقل هذا البطريرك قائلًا: إنه يأخذ مال المصريين ليعطيه للعرب، فأقال هرقل البطريرك وأقام القائد «مانويل» محله، ولما طالب العرب مانويل بالجزية، قال لهم: «لست بالأسقف قيرس الذي كان يعطيكم الذهب ليأمن من شركم، فهو راهب كرس حياته لخدمة الله، أما أنا فإني رجل نزال وحرب وشجاعة.»، ونستطيع تفسير إقالة قيرس بأن الإمبراطور قد عاوده حزمه مؤقتًا ورغب في استئناف القتال.
وفعلًا، شعر الفرس والبيزنطيون بهبوط روحهم المعنوية عندما سمعوا بانتصارات العرب الأولى، ويقص علينا ميخائيل السوري قصة تفسر لنا حالة تلك الشعوب عندما خاضوا غمار الحرب، فيقول: «كان أحد الأبطال، وهو يرتدي درعه وحاملًا أسلحة كثيرة، يفر أمام عربي يلاحقه، وكان هذا العربي خاليًا من السلاح ما عدا حربة كان يمسكها بيده، ومرتديًا ملابسه الخفيفة، وما أن وصل الفارسي إلى قرية، حتى وجد رجلًا في حقل فطلب إليه أن يدله على مكان يختبئ فيه حتى لا يراه مطارده، فأخفاه الرجل معتقدًا أن عدد الذين كانوا يتبعونه كبير، وبعد فترة، وصل رجل ليس عليه ما يدل على أنه جندي، وكان يركب حصانه بطريقة تدل على أنه لم يتدرب على ركوب الخيل،٣٨ ودُهش الفلاح، وازداد عجبه عندما رأى بساطة مظهر الرجل، وقال في نفسه: «كيف يفر مرتجفًا، هذا الرجل ذو الجسم الضخم والمنظر المخيف والذي يرتدي درعًا ويحمل أسلحة مختلفة، أمام رجل نحيف؟» وقد اغتاظ الفلاح من هذا المنظر وأخذ يضحك من الفارسي ويسخر من فراره واختبائه من العربي، وقد أجابه الفارسي: «لا تلومني عليَّ مسلكي ولكن انتظر وأصغ بعينيك لتصدق.»، ثم أخذ سهمًا وصوبه بقوسه إلى مجرفة حديدية فاخترقها وقال: «لقد صوبت نحو العربي الذي رأيته مثل هذه الضربة عدة مرات، ولكنه كان يبعد عنه السهام بيديه كما لو كان يطرد الذباب عنه، ومن هنا تأكدت أن الله هو الذي منحهم النصر، وما كان مني بعد ذلك إلا أن أدرت ظهري ولذت بالفرار.».٣٩

(٣) موقف الأقباط

(٣-١) مرشدو العرب من اليهود

رأى الإمبراطور هرقل في منامه، عندما أخذ نجمه في الأفول، أن شعبًا مختونًا سيثور عليه ويهزمه ثم يحكم العالم كله، اعتقد هرقل أن هذا الشعب ما هو إلا الشعب اليهودي، فأمر في الحال بتعميد جميع اليهود والسامريين، الذين كانوا يقطنون في مختلف ولايات الإمبراطورية.٤٠

ولم يكن اليهود في ذلك الوقت يفكرون في القيام بثورة، ولم تكن عندهم الوسائل التي تسمح لهم بالقيام ضد الإمبراطورية البيزنطية، ولكن عندما تغلغل العرب في أراضي العدو، تذكر اليهود أعمال العنف والاضطهاد التي تحملوها في عهد البيزنطيين، وعرضوا في الحال على العرب الغزاة خدماتهم وأعطوهم المعلومات التي تفيدهم، وبذلوا لهم المساعدة في سوريا ومصر.

هل يصح أن نعتمد على هذه الأحداث ونقول إن الأقباط، مثل اليهود، أرادوا أن ينتقموا ممن اضطهدهم في تلك الظروف الحرجة؟ لا نجرؤ على ذلك؛ لأن الأقباط فوجئوا بتقدم العرب غير المنتظر، فبقوا حيارى زمنًا طويلًا وتركوا الحوادث تقرر مصيرهم، ولما أرادوا أن يتخذوا موقفًا إيجابيًّا، كان السيف قد سبق العزل؛ لأن قرارهم جاء متأخرًا.

ولو تواطأ العرب مع كبار الأقباط أن يخوضوا المعركة لاستطاعوا دون شك أن يعتمدوا على تعاون الشعب لهم، ولكن الشعب كان يجهل نيَّات العرب، فخاف أن يظهر عداءه لبيزنطيا في أثناء المعركة، قبل أن تصبح بيزنطيا على هاوية الانكسار.

(٣-٢) كان الأقباط يريدون تغيير حكامهم

اضطهد هرقل اليعقوبيين ليفرض عليهم الحل الذي اقترحه باسم «الإكتيز» ويعيدهم إلى الكنيسة البيزنطية، فزاد كره الأقباط لبيزنطيا، ولكن هذا الاضطهاد لم يكن السبب الوحيد، الذي دعى الشعب إلى الرغبة في تغيير حكومته، لقد كان في استطاعة هرقل أن يحد من الأثر السيء الذي أحدثته سياسته الدينية في روح هذا الشعب لو أنه خفض قيمة الضرائب، وكان القائد «نكيتاس» قد اختبر هذا الحل بعد انتصاره على «فوكاس» فأرجأ دفع الضرائب لمدة ثلاث سنوات، واعترف حنا النقيوسي «بأن المصريين أظهروا له ولاءً عظيمًا».٤١

والمعلوم أن المصري كره دفع الضرائب منذ العصور القديمة، فكان يُظهر طاعته للحكام الذين كانوا يضربون صفحًا، لسبب من الأسباب، عن تحصيل الضرائب المستحقة عليه، بينما كان لا يكتم عداوته للسلطة التي تفرض عليه تلك الضرائب.

وكتب «اميان مرسيلان» Ammien Marcellin، المؤرخ الروماني الذي عاش في القرن الرابع، يقول: «كان المصريون في العصور القديمة يعتبرون أنفسهم سذجًا فيما لو سددوا ما عليهم دون أن يضطروا إلى ذلك بالقوة، أو على الأقل بالوعيد.»،٤٢ ويضيف «جاستون فييت» إلى ما تقدم «أنه فيما يختص بتلك المسألة المالية الحقيرة، اقتصر الكُتاب على ذكر ما ورد في كتاب اميان مرسيلان أو خطاب من هادريان Hadrien، ولم يحاول أحد أن يلفت النظر إلى قوانين البطريرك بطرس الشهيد التي كانت تفرض بعض الواجبات على المرتدين، الذين كانوا يرغبون في العودة إلى حظيرة الكنيسة، ولكن قانونًا من هذه القوانين كان غريبًا في حد ذاته؛ إذ كان يرفع العقاب عن المسيحيين الذين كانوا يدفعون ضرائبهم عن طيب نفس منزهين أنفسهم باحتقارهم للمال.».٤٣
وذكرت «جرمين روبار» Germaine Rouibard أن الشعب، في القرن الرابع، كان يفتخر بالضرب الذي يناله من الجباة،٤٤ وأن إرادة الإمبراطور تحطمت أمام مقاومة دافع الضرائب المصري، وكانت المقاومة تزداد كلما ازدادت الضرائب المفروضة على الشعب تحت الحكم البيزنطي، وكان طبيعيًّا أن يصغي الشعب راضيًا إلى وعود المنتصر بتخفيض الضرائب أو إلغائها جميعًا، وأن الذين تعرضوا للموت والعذاب لتشبثهم بنظريتهم الخاصة بالطبيعة الواحدة، أنكروا إيمانهم بالديانة المسيحية عندما طولبوا بدفع الضرائب إلى الغزاة المسلمين.٤٥

(٣-٣) هل استقبل الأقباط المسلمين كمحررين؟

لما توغل العرب في الأراضي المصرية، كان الأقباط يجهلون كل شيء عن نواياهم، فلا يعلمون إذا كان العرب سيرغمونهم على اعتناق الإسلام، أو سيصادرون أملاكهم، أو سيحتفظون بنظام الضرائب البيزنطي، وظلت هذه المسائل محل استفهام الأقباط، فلم يدركوا أغراض العرب إلا في أثناء حصار حصن بابليون؛ أي: عندما أثيرت مسألة الهدنة بين المتحاربين، وأدرك الأقباط حينئذ أن الحاكم العربي أكثر تسامحًا من الحاكم الفارسي أو الحاكم البيزنطي؛ إذ خيرهم بين حلول ثلاثة: إما اعتناق الديانة الإسلامية والامتناع عن دفع الضرائب، وإما قبول الحماية الإسلامية مع دفع دينارين عن كل رجل يصلح للقتال، وإما استئناف القتال وقبول ما يترتب عليه من نتائج.

زد على ذلك أن العرب لم يحاولوا قط أن يطمئنوا الشعب المصري على نواياهم؛ إذ كانوا يجهلون اللغتين اليونانية والقبطية، كما لم يحيطوا أعمالهم الحربية بأية دعاية، ومع أنهم قاتلوا — على عكس الفرس — بشيء من الرفق، ولم يقوموا بأعمال تخريبية منظمة أو بإراقة دماء الشعب، إلا أنهم تمادوا مضطرين في بعض الأحيان في اقتراف أعمال مشينة وحركات قمع دامية مما لم يساعدهم على كسب ثقة الشعب وعطفه عليهم.

وقد اهتم الأسقف حنا النقيوسي — وهو المصدر الوحيد المعاصر للحملة — بالشكوى من هذا التمادي أكثر من ذكر الأعمال التي تشرف الفاتح، فيطلعنا في تاريخه عن سيئات الفتح، ولم نستطع مع الأسف أن نتحقق في صحة أقواله؛ لأن المؤرخين العرب لم يتحصلوا، عندما كتبوا مؤلفاتهم، على جميع تفاصيل المعارك، ويقول مثلًا حنا النقيوسي: «إن عمرًا أمر بإلقاء القبض على القضاة الرومان وتكبيل أيديهم وأقدامهم بسلاسل حديدية وأتوار خشبية، واغتصب الأموال وضاعف الضرائب المفروضة على الفلاحين، وكان يضطرهم أن يحضروا علف الخيل كما أنه اقترف كثيرًا من أعمال العنف.».٤٦

وقد يكون حماس المسلمين الديني سببًا في ارتكاب بعض الأعمال العنيفة، فيقول حنا النقيوسي أيضًا: «إنه عندما يدخل المسلمون المدن، ومعهم المصريون الذين ارتدوا عن المسيحية، كانوا يستولون على أملاك المسيحيين الفارِّين ويسمون خدام المسيح أعداء الله.».

وعلى كلٍّ، لم يستطع الأقباط أن يستقبلوا العرب كمحررين؛ ذلك لأن الغزاة كانوا يدينون بديانة أخرى، حقًّا، لقد حرر العرب اليعقوبيين من نير البيزنطيين، ولكن لم يكن هؤلاء اليعقوبيون يرتاحون إلى حكام آخرين عقيدتهم تخالف العقيدة المسيحية.

وإننا لو درسنا سلوك الأقباط في مختلف أدوار المعركة، لاستطعنا أن نلقي ضوءًا على موقفهم، ولكن يجدر بنا، قبل ذلك، أن نذكر شيئًا عن شخصية المقوقس الغامضة.

(٣-٤) صعوبة تحقيق شخصية المقوقس

إن الشخص الذي يطلق عليه مؤرخو العرب اسم المقوقس، لم يزل غامضًا هل كان قبطيًّا؟ هل كان من أصل يوناني؟ هل المقوقس الذي سلَّم القاهرة، هو نفسه الذي أبرم اتفاقية الإسكندرية؟ لم يصل المستشرقون، بعد بحث وتنقيب خلال قرن أو أكثر، إلى جواب دقيق على هذه الأسئلة. نعم، إننا اليوم أقرب إلى الحقيقة من أمثال «شامبليون فيجاك» Figeac Champolion٤٧وهو شقيق شامبليون، الذي صور لنا قيرس على أنه قس قلق ومفسد، خلف البطريرك جورج عام ٦٣٠، بينما حكم مصر أحد الأقباط، كريم الأصل ومن أغنى أغنياء البلاد، اسمه المقوقس، غير أن المستندات التي تحصلنا عليها حتى الآن، لا تسمح لنا بعد بتفسير هذا اللغز التاريخي تفسيرًا تامًّا.
استعمل المؤرخون كلمة «مقوقس» باعتبارها اسم شخص معين، على أننا متأكدون تقريبًا من أصل هذه الكلمة: إن البطريرك قيرس، الذي عيَّنه الإمبراطور هرقل محافظًا على دوقية الإسكندرية، كان قبل تعيينه أسقفًا لمدينة «فاز» وهي من مدن القوقاس، فلُقب في مصر بلقب «قوقيوس» (القوقاسي) كما يشهد على ذلك أحد المستندات القبطية النادرة التي كُشف عنها، وأشار عليها «إميلينو» Amelineau: «… أما القوقيوس، هذا الأسقف المزعوم، فقد ترك الحقد يوغر في صدره إلى أن وصل إلى مدينة الفيوم٤٨ … ولما أدرك الأب صموئيل أنه سيفارق الحياة، قال له «أي: للقوقيوس»: «أنت أيضًا أيها الكلسيدوني المخادع.».٤٩

وإنه من المرجح أن العرب حرفوا هذا الاسم، والمسألة في ذاتها ليست خطيرة، ولكن الخطر كل الخطر هو ذلك اللبس، الذي وقعوا فيه عندما كانوا يتحدثون عن محافظي مصر المختلفين، ويبدو أنهم أهملوا هذه الحقيقة ألا وهي أن كل محافظ «دوق» كان مسئولًا أمام بيزنطيا مباشرة، وعليه أن يرفع تقاريره إلى رئيس الإدارة الشرقية فقط، حقًّا، إن قيروس، بطريرك ودوق الإسكندرية، كان يتمتع بمركز ممتاز بالنسبة إلى سائر الدوقات؛ لأنه كان مكلفًا بجباية الضرائب إلى جانب وظيفته، وبعد، إنه لم يكن يستطيع الخروج على النظام المتبع أو أن يفرض سياسته الشخصية على زملائه، أو أن يبرم اتفاقات مع الفاتح، ثم يوقعها بالنيابة عنهم.

ونميل إلى الاعتقاد — دون أن نجزم قطعيًّا — بأن المقوقس الذي فاوض في تسليم بابليون هو شخص آخر غير البطريرك قيرس الذي أبرم صلح الإسكندرية، بل إنه حاكم قبطي، وأمسك المؤرخون العرب عن التثبيت من شخصية هذا الحاكم، على أن المؤرخ الكاثوليكي ابن بطريق يشير إلى المقوقس على أنه «يعقوبي مبغض للروم، إلا أنه لم يكن يتهيأ له أن يظهر مقالة اليعقوبية لئلا يقتلوه.»، ويتهمه ابن بطريق، إلى جانب ذلك، بأنه «قد اقتطع، أموال «مصر» من وقت حصار كسرى للقسطنطينية،٥٠ فكان يخاف أن يقع في يد هرقل الملك فيقتله.».٥١

ماذا كان يقصد المؤرخ من كلمة «مصر»؟ هل كان يعني بها البلاد كلها؟ لا أظن هذا، إن الذين كتبوا التاريخ باللغة العربية، كانوا يستعملون هذه الكلمة في البداية للإشارة إلى المدينة نفسها، وجاء بعد ذلك المقريزي، فأراد أن يدقق في المعنى، ففرق بين «أرض مصر» (أي: القطر كله) و«فسطاط مصر» (أي: المدينة).

والذي يحملنا أيضًا على الاعتقاد بأن حاكم بابليون أيام الحملة كان قبطيًّا، هو الفرق الواضح بين اتفاقيتي القاهرة والإسكندرية، فبينما تُعنَى اتفاقية الإسكندرية صراحة بمصير اليونانيين، لم تهتم اتفاقية بابليون إلا بمصير الأهلين، وأبى ابن عبد الحكم أن يترك شكًّا في هذا الموضوع، فأضاف، بعد أن ذكر الاتفاقية الموقع عليها في بابليون، ما يأتي: «هذا كله على القبط خاصة»، ومن جهة أخرى، أراد المقوقس أن يخطر عمرًا قبل دخول الاتفاقية في دور التنفيذ، فقال له: «إنما سلطاني على نفسي ومن أطاعني، وقد تم صلح القبط فيما بينك وبينهم ولم يأتِ من قبلهم نقض، وأما الروم، فأنا منهم بريء»،٥٢ ويحدثنا ابن بطريق عن المقوقس بأنه «احتال على الروم» وقال لعمر سرًا: «أما الروم، فإني بريء منهم، وليس ديني دينهم ولا مقالتي مقالتهم، إنما كنت أخاف منهم القتل، فلذلك كنت أستر ديني ومقالتي من مقالتهم وأكتم ذلك».٥٣

(٣-٥) ريبة الأقباط وحيرتهم

إذا عجزنا إلى الآن من التأكد من شخصية الحاكم الذي قام بدور المفاوضات في أثناء حصار بابليون، وبالتالي إذا تعذر علينا وجود علاقة بين موقفه وشعور مواطنيه بالنسبة للغزاة العرب، ففي مقدورنا أن نُؤكد أن موقف الأقباط خلال الغزو كان سلبيًّا، وقد لخص الأب «جاتو» موقفهم في قوله: «إنهم لم يقوموا بأي مجهود لوقف الكارثة، ولكنهم احتموا خلف أسوار المدن التي لم يجرؤ العرب بعد على اقتحامها، وانتظروا هجومهم عليها.».٥٤
وكتب أحد الأدباء المصريين المعاصرين، بعد دراسة طويلة لعصر الخلفاء الراشدين مستندًا إلى النصوص العربية، يقول: «لا شك أن القبط لم يعاونوا الروم في قتال العرب إلا بالقدر الذي يضطرهم إليه خضوعهم كارهين لسلطان قيصر وعماله، ولكن لا شك كذلك في أنهم لم يعاونوا العرب، إلا أن تكون معاونات فردية، أما فيما وراء ذلك، فقد وقف شعب مصر من الفريقين المتحاربين موقف المتفرج شديد التطلع.»٥٥

ولما كان الشعب قد أفسدته العبودية، فكان يتحمل تبدل سادته بشيء من عدم المبالاة على الرغم من الشعور الوطني، الذي بدأ يظهر عنده.

(٣-٦) ولنعد الآن إلى صلب الموضوع

بينما كانت جيوش عمرو تشق لنفسها طريقًا إلى الفرما، الواقعة على حدود مصر الشرقية، بعد أن بذلت جهودًا كبدتها خسائر في الأرواح، ظل الشعب ساكنًا، أما البطريرك بنيامين، فكان يعيش مختبئًا، وقد ادعى بعض المؤرخين أنه حينما علم هذا البطريرك بدخول العرب، وجه رسالة إلى جميع الأساقفة يطلب إليهم فيها أن يناصروا الغزاة،٥٦ ولكن الأحداث التي وقعت بعد ذلك تكذب هذا الزعم الذي أهمله المؤرخون اللاحقون.

وقد قام العرب بحصار حصن بابليون مدة طويلة، مما أرغم البيزنطيين على الدفاع دون الهجوم لقلة عددهم وضعف خططهم العسكرية، ولم تصل إلى البيزنطيين النجدة بينما كانت قوات عربية تصل باستمرار لتعزز مواقع المحاصرين، ومع ذلك لم نعثر على نص واحد يشير إلى أن الأقباط قدموا أية مساعدة إلى جيش عمرو في أثناء هذا الحصار الطويل.

ثم ظهر المقوقس، فخاطب الحامية قائلًا: «إن العرب قد جاءهم نجدة وليس لنا بهم طاقة، ولا نأمن منهم أن يفتحوا القصر «حصن بابليون» فيقتلونا،٥٧ ولكن نسدّ أبواب الحصن ونصير عليها مقاتلة ونخرج من القصر إلى الجزيرة فنقيم بها ونتحصن بالبحر، فخرجوا «كذا» الروم ومعهم المقوقس وجماعة من أكابر القبط من باب القصر القبلي ودونهم جماعة يقاتلون العرب، فركبوا المراكب ولحقوا بالجزيرة وقطعوا الجسر، وكان ذلك في وقت جري النيل.»، ولعل هذا العرض كان خدعة من المقوقس ليخرج الروم من الحصن.
غير أن ابن عبد الحكم لم يتهم المقوقس بالخيانة، بل روي أن الزبير ورجاله وصلوا إلى باب الحصن واقتحموه، «فلما خاف المقوقس على نفسه ومن معه، سأل عمرو بن العاص الصلح ودعاه إليه، على أن يفرض العرب على القبط دينارين على كل رجل منهم.»،٥٨ وهكذا فكر المقوقس في هذه الآونة الحجرة أن يُؤمن مستقبل مواطنيه الأقباط على حساب العناصر البيزنطية.
ومهما كان من الأمر، فإن المفاوضات استغرقت وقتًا طويلًا، ويقول ابن عبد الحكم وابن بطريق في هذا الصدد: إن قائد الحصن حاول الحصول على صلح بأحسن شروط ممكنة، فخاطب العرب قائلًا: «إنكم قوم قد ولجتم في بلادنا وألححتم على قتالنا، وطال مقامكم في أرضنا دائمًا، وإنما أنتم عصبة يسيرة وقد أظلتكم الروم وجهزوا إليكم ومعهم من العدة والسلاح، وقد أحاط بكم هذا النيل، وإنما أنتم أسارى في أيدينا، فابعثوا إلينا رجلًا منكم نسمع من كلامكم، فلعله أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب وينقطع عنا وعنكم هذا القتال قبل أن تغشاكم جموع الروم.».٥٩

ولكن العرب لم ينخدعوا بهذا الكلام، فأرسل إليهم عمرو مَنْ يقول لهم: «ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال؛ إما أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.».

ثم جاء عبادة، أحد المتفاوضين، فأضاف إلى العرض الثاني ما يلي: «إن أبيتم إلا الجزية، فأدّوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، نعاملكم على شيء نرضى به نحن، وأنتم في كل عام أبدًا ما بقينا وبقيتم ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم، وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا وكان لكم به عهد علينا.».٦٠
ويقول لنا المؤرخون المسلمون: إن الأقباط تلقوا هذه العروض بفتور، إن لم يكن بالامتعاض بالرغم من أنهم كانوا يشعرون بأنهم خسروا المعركة، ويقول ابن عبد الحكم: إن الذين كانوا في حاشية المقوقس أجابوه: «أويرضى أحد بهذا الذل؟ أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم، فهذا ما لا يكون أبدًا، أن نترك دين المسيح ابن مريم وندخل في دين غيره لا نعرفه، وأما أن أرادوا أن يسبونا ويجعلونا عبيدًا، فالموت أيسر من ذلك، لو رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مرارًا، كان أهون علينا.».٦١

وقد حاول المقوقس أن يعقلهم قائلًا: «إذًا أخبركم، أما دخولكم في غير دينكم، فلا آمركم به، وأما قتالهم، فأنا أعلم أنكم لن تقروا عليهم ولن تصبروا صبرهم ولا بد من الثالثة.»، قالوا: «أفنكون لهم عبيدًا أبدًا؟».

قال: «نعم تكونون عبيدًا مسلطين في بلادكم، آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم، خير لكم من أن تموتوا عن آخركم وتكونوا عبيدًا تُباعوا وتُمزقوا في البلاد، مستعبدين أبدًا، أنتم وأهلوكم وذراريكم.»، ولكنهم قالوا: «الموت أهون علينا.».٦٢

وأخيرًا انتهى الأمر بقبول حماية العرب، وقد سارع عمرو إلى عقد الهدنة، فلامه على ذلك الزبير؛ إذ كان يريد اقتحام الحصن واستعباد السكان بعد توزيع أملاكهم على المجاهدين.

وبعد أن قبل الأقباط الحماية؛ أي: بعد أن شعروا بانكسارهم، عرض بعضهم خدماتهم على العرب، وتشير كتب التاريخ إلى ذلك بكل وضوح، فيقول ابن الحكم: خرج عمرو بن العاص بالمسلمين حين أمكنهم الخروج وخرج معه جماعة من رؤساء الأقباط، وقد أصلحوا لهم الطريق وأقاموا لهم الجسور والأسواق، وصارت لهم القبط أعوانًا على ما زادوا من قتال الروم،٦٣ ويؤكد حنا النقيوسي هذا القول فبعد أن وصف احتلال بابليون والفيوم ومهاجمة الإسكندرية، كتب يقول: «وهنا بدءوا يبذلون المساعدة للمسلمين.»٦٤
ويتضح من ذلك أن الذين قاموا بتقديم المساعدة هم الأقباط الذين أخضعهم المسلمون؛ أي: الأقباط الذين لمسوا بأنفسهم تسامح حكامهم الجدد، أما الأقباط الباقون فلا يزالون على عدائهم لهم، ويلاحظ حنا النقيوسي أنه حدث في أثناء زحف العرب نحو الجزء الشمالي من الدلتا ذعر في جميع بلاد مصر؛ إذ كان الأهلون يفرون إلى الإسكندرية تاركين ممتلكاتهم ومواشيهم.٦٥
وقد صمدت الإسكندرية مدة أربعة عشر شهرًا؛ وكان في وسعها أن تقف في وجه العرب أكثر من ذلك وتهزمهم لو وصلتها نجدات كاملة ولو لم يتضجر سكانها من القتال، «ولم يكن قيروس البطريرك الكالسيدوني الرجل الوحيد، الذي يرغب في السلام، بل إن السكان والحكام و«دومنسيوس» صاحب الحظوة لدى الإمبراطورة «مارتين» اجتمعوا وتشاوروا مع البطريرك قيرس لتوقيع وثيقة الصلح مع المسلمين.».٦٦

وعندما دخل عمرو المدينة «استقبله الأهلون بالاحترام على الرغم مما أصابهم».

وبديهي أن العرب أيضًا قد تعبوا من الحرب بدليل أن عمرًا أوقف رحى القتال مدة أحد عشر شهرًا؛ لكي تتمكن حامية المدينة من الجلاء عنها بأسلحتها وعتادها.٦٧
وإذا أردنا أن نلخص رأينا في هذه المسألة أحسن تلخيص، فلنذكر النص الذي يصف به المستشرق «دي جوييه» De Goje موقف المواطنين السوريين من الغزاة العرب، فهو يقول: «كانوا يشاهدون كمتفرجين اجتياح القوات العربية لأراضيهم، وقد تتبعوا بشيء من الفضول الأحداث التي فرضت عليهم واحدًا من الخصمين المتقابلين، وعلى أي حال، فقد أظهروا شيئًا من العطف نحو العرب خاصة عندما تأكدوا من أن العرب لا يهدفون إلى السلب والنهب، وأنهم يعاملون باللين والرفق جميع الذين يخضعون إليهم بمحض إرادتهم.».٦٨

هوامش

(١) ابن عبد الحكم، كتاب فتوح مصر، نشره C.C.Torrey بليدن، ص٣.
(٢) إبراهيم هو ابن النبي من مارية القبطية.
(٣) Aiabin and the Fm East، ص١١، ١٢.
(٤) مقدمة ابن خلدون، مصر، طبعة بولاق، ١٢٨٤، ج١، ص١٢٢.
(٥) محمود عكوش، مصر في عهد الإسلام، فتح مصر والإسكندرية، ص٢٦، ٢٧.
(٦) تاريخ، ص٥٥٧.
(٧) الكندي، كتاب الولاة والقضاة، طبعة ليدن، نشره R. Gucst، ص٧.
(٨) ابن عبد الحكم، ص٥٦.
(٩) الكندي، ص٧.
(١٠) الكندي، ص٩.
(١١) ابن عبد الحكم، ص٥٦.
(١٢) ابن عبد الحكم، ص٥٧، ٥٨.
(١٣) يمكننا اعتبار تصريحات عثمان، كما رواها ابن عبد الحكم صحيحة، والدليل إلى ذلك أن عثمان أقال عمرًا من منصبه بعد توليه الخلافة وعين مكانه عبد الله بن سعد.
(١٤) L’arabisation De l’Orient semitique: في مجلة «أرض الإسلام» الفرنسية سنة ١٩٣٨، الكراسة رقم ١.
(١٥) كان الخلفاء العباسيون يعملون جاهدين بوجه عام على تسهيل إدخال الموالي العرب الذين أسلموا ضمن أفراد القبائل العربية العريقة، أما كتب الفقه التي وُضعت في عصرهم فهي لا تفرق بين مركز الموالي والعرب؛ إذ إن الموالي الذين كانوا يجيدون اللغة العربية وآدابها كانوا يضمنون مستقبلهم، بينما أن تناثر العرب في الأرياف ساعدتها على تعريبها بسرعة. «بولياك».
(١٦) Les chretiens deurnt l’Islam: في مجلة «أرض الإسلام» الفرنسية، سنة ١٩٤٥، الكراسة الثالثة:
ونذكر في هذا الصدد الحادث الذي أثاره بعض أقباط مصر الذين ادعوا أنهم ينتمون إلى إحدى الأسر العربية الكبيرة في شبه الجزيرة العربية، وقد اشتروا بلا شك هذا الانتساب، ولكن ادعاءهم هذا أثار الرأي العام، فرفعوا أمرهم إلى القاضي العمري الذي صدَّق على نسبهم، ولكن الرأي العام رفع الأمر إلى قاضي بغداد «البكري» الذي رد المدعين خائبين «الكندي ص٣٩٩، ٤١٣ إلى ٤١٥».
(١٧) Les chrelieus a la Mecque a la ueille de l’Hegire في مجلة المجمع العلمي «الفرنسي للدراسات الشرقية، ج١٦».
(١٨) ذكر أبو يوسف النص الكامل لهذا الميثاق في كتاب الخراج، ص٤٠، من طبعة بولاق ١٣٠٢.
(١٩) أبو يوسف ص٦٨.
(٢٠) ذكره كايتاني Annali dell’ Islam في حوادث سنة ١٠ هجرية.
(٢١) أبو يوسف.
(٢٢) أبو يوسف، ص٤١.
(٢٣) البلاذري، فتوح البلدان، طبعة ليدن، نشره De Go Je، ص١٨١.
(٢٤) البلاذري، ص١٨٣ يظهر أن المسألة الدينية لم تكن إلا حجة، ذلك لأن بني تغلب كانوا أصدقاء لعلي، ثم أصبحوا من أشياع الأمويين.
(٢٥) يذكر المؤرخون السريان العرب بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة طيء.
(٢٦) تاريخ ميخائيل السوري ج٢، ص٤٨٠، ٤٨١.
(٢٧) تاريخ ميخائيل السوري ج٢، ص٤٨٠، ٤٨١.
(٢٨) G. wiet, L’Egypt Arabe, dans précis de L’Histoire d’Egypte. II. P. 113; Hisine de La Nation Egyptienne, IV, p. 11; les Mosquees du Caire. P. 8.
(٢٩) كان الذين جرت سهامهم في الحصن من المسلمين اثني عشر ألفًا وثلاثمائة بعد ما أصيب منهم في الحصار بالقتل والموت «الكندي، ص٩».
(٣٠) البداية والنهاية، مطبعة السعادة، القاهرة، ج٧، ص٩٩.
(٣١) كتب عمر لعمرو في أثناء الإسكندرية يقول: «أما بعد، فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر، إنكم تقاتلونهم منذ سنتين.» «ابن عبد الحكم، ص٧٩».
(٣٢) الكندي، ص٩.
(٣٣) Jean Maspero, L’organisation militaire de L’Egypt byzanine-publications de la Bibliotheque des Hautcs-Etudes, 2010. Fasc., 1912.
(٣٤) A. J. Butler, The Arab conquesl of EGYPT and the thirty years of the Roman doninion Oxford 1902, p. 252.
(٣٥) النظام العسكري لمصر البيزنطية، ص١١٦–١٣٢.
(٣٦) تاريخ ميخائيل السوري، ج٢، ص٤٢٤–٤٢٥.
(٣٧) كتاب الأعوان، ترجمة ونشره Vasilicv في P.0 ج٨، ص٤٧٤.
(٣٨) يقصد الطريقة اليدوية.
(٣٩) تاريخ ميخائيل السوري، ج٢، ص٤٢٢.
(٤٠) ساويرس بن المقفع، تاريخ بطاركة الإسكندرية، نشره Seybold، بيروت، ص١٠٧.
(٤١) تاريخ، ص٥٥٠.
(٤٢) ذكره المسيو فييت في دائرة المعارف الإسلامية تحت عنوان «القبط»؛ دينون Denon في رحلته في مصر العليا والسفلى؛ وماسبيرو ورويار … إلخ.
(٤٣) ذكره في دائرة المعارف الإسلامية تحت عنوان «القبط».
(٤٤) «الطبعة الثانية» L’administration Civiles de L’yzantius, p. 184.
(٤٥) Mgr. Duchcsne, Histoire de L’EGYPT ou vle siècle, p. 425.
(٤٦) تاريخ، ص٥٦٠ — وسنذكر فيما بعد أوراق البردي التي تتعلق بالفتح.
(٤٧) L’EGYPT anciene Coll, “L’Univ, Pittoresque”, p. 480.
(٤٨) كانت الفيوم تابعة لدوقية الإسكندرية.
(٤٩) Fiagmsts Coples Pour Servir a l’histoire de la Conqwuete de l’egypt par les Arabes, Journal asiatique Nov. Des. 1888.
(٥٠) أي عام ٦١٩ ميلادي.
(٥١) ابن بطريق، كتاب التاريخ، نشره الأب شيخو، ص٢٢.
(٥٢) ابن عبد الحكم، ص٧٢
(٥٣) ابن بطريق، ص٢٤.
(٥٤) في المقال المذكور أعلاه: Les chretiens devant L’Ialam.
(٥٥) محمد حسين هيكل باشا، الفاروق عمر، ج٢، ص٩٤ و٩٥.
(٥٦) نسب ابن عبد الحكم هذا التصريح إلى أحد وجهاء مصر، ص٥٨.
(٥٧) ابن بطريق، ص٢٢.
(٥٨) ابن عبد الحكم، ص٦٢.
(٥٩) ابن عبد الحكم ص٦٥.
(٦٠) ابن عبد الحكم ص٦٨.
(٦١) ابن عبد الحكم ص٦٩.
(٦٢) ابن عبد الحكم ص٦٩.
(٦٣) ابن عبد الحكم، ص٧٣.
(٦٤) حنا النقيوسي، ص٥٥٩.
(٦٥) حنا النقيوسي، ص٥٦٠.
(٦٦) حنا النقيوسي، ص٥٧٣.
(٦٧) حنا النقيوسي، ص٥٨٣.
(٦٨) Memoue Sur la Conquéte de la syrie p. 30.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤