مقدمة

تعليقًا على إحدى رواياتي السابقة، التي ذكرت فيها أنني كنت حريصًا على التمسك بالسيناريوهات المنطقية، وأنني لم أستخدم سوى طرق التحقيق العملية بحق، قال أحد النقاد إن هذا لم يكن له أيُّ أهميةٍ على الإطلاق ما دامت القصة ممتعة.

من وجهة نظري، قليل من الناس سيتفقون مع رأيه. ففي رأي معظم القراء، وبالأخص الذين يريد المؤلف أن يُمتعهم، تعدُّ الواقعية التامة في سير الأحداث عنصرًا على قدْرٍ كبير من الأهمية في الحفاظ على جاذبية القصة البوليسية. ومن ثَم تجدر الإشارة إلى أن الطريقة التي استخدمها ثورندايك لوضع خطة تتبُّع الأحداث — المذكورة في الفصلَين الثاني والثالث — قد استُخدمت في الواقع. وهذه الطريقة نسخةٌ معدَّلة من طريقةٍ استخدمتُها منذ سنواتٍ عديدة، حين عبَرتُ من إقليم أشانتي إلى مدينة بونتوكو؛ إذ لم يكن موقعها في المناطق الداخلية البعيدة معروفًا بشكلٍ جيد. كانت مهمتي تتمثَّل في تحديد مواقع كل البلدات والقرى والأنهار والجبال بأقصى درجةٍ ممكنةٍ من الدِّقة، وحينما وجدتُ الطرق التقليدية لمسح المنطقة لن تجدي نفعًا؛ بسبب الغابات الكثيفة التي تغطي المنطقة بأكملها، اتبعتُ طريقةً تقليدية وبسيطة في ظاهرها، قِوامها التحقق من المسافات باستخدام الرصد الفلكي حيثما أمكن ذلك.

كانت خريطة الطريق الناتجة مذهلةً على نحو يثير الدهشة، كما يتبيَّن في اتفاق المسارَين الخارجي والداخلي، وقد نشرَتها الجمعية الجغرافية المَلَكية، وأُدرجت في خريطةِ هذه المنطقة، التي جمعها فرع الاستخبارات في وزارة الحرب، وهي شكَّلت الأساس الذي صُممت تبعًا له الخريطة المرفَقة في كتابي «رحلات في أشانتي وجامان». ومن ثَم لا بد من اعتبار خطة ثورندايك عمليةً تمامًا.

ومؤخرًا، أزيل مجمع نيو إن — الذي يعدُّ مسرح أحداث هذه القصة، ومن أواخر المجمعات الباقية من دائرة الاختصاص القضائي المطلق — من الوجود بعدما ظلَّ شامخًا طوال أربعة قرون. ولكن حتى يومنا هذا، يمكن رؤية حفنةٍ من المباني القديمة المتصدِّعة (بما في ذلك المبنى ٣١ الغامض) من منطقة ستراند التي تطلُّ على الأَسْقُف الحديدية لحلبة التزلُّج التي حلَّت محلَّ القاعة الخلَّابة وغرفة الاجتماعات والحديقة. وما تزال البوابة الخلفية في شارع هوتون قائمة، رغم أن القوس مسدود بالطوب من الداخل. حينما مررت به مؤخرًا، رسمتُ رسمةً تقريبية في الصفحة التالية، ووضعتُ فيها كلَّ أطلال المنطقة المنعزلة الجميلة في لندن القديمة.

آر أوستن فريمان
جريفزند
fig3
نيو إن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤