مناجاة

مناجاة

يا مَنْ أحبُّ لقاءه
سِرًّا وأزوي عنه جَهرا
إنَّ العيونَ بمرصدٍ
لي في هواك وأنت أدرى
من ذا يتيه على الجما
ل وأهله بالتيه أحرى
الشمس تحيي بالضيا
ء لحاظنا فنغضُّ قسرا
كن في الملاحة والصبا
لقلوبنا فخًّا ووكرا
واغنم بحسنك حبنا
واقنع بهذا الحب أجرا

لسان الجمال

يا من إلى البعد يدعوني ويهجرني
أَسْكِتْ لسانًا إلى لقياك يدعوني
أسكتْ لسانَ جمالٍ فيك أسمعه
في كل يومٍ بأن ألقاك يغريني
أبالجمال تناديني وتجذبني
وبالمقال تجافيني وتقصيني؟
هيهاتَ لستُ بسالٍ عنك ما نطقت
فيك المحاسن فانظر كيف تسليني
أعصيك أعصيك لا آلوك معصيةً
ولست أعصي جمالًا فيك يحييني

متى؟!

متى تشرق الشمس التي قد رأيتها
تغيب وراء الأفق في مغرب الأمس؟
لقد طال عمر الليل حتى حسبتها
توارت من الغرب المعصفر في رمس

الحب الأول

(… كنا نقرأ ذات يوم أنا وصديقاي الشاعران النابغان المازني وعلي شوقي قصيدة ابن الرومي النونية التي يمدح بها أبا الصقر ويقول في أولها):

أجنيتك الورد أغصان وكثبان
فيهن نوعان: تفاح ورمانُ
وفوقَ ذَيْنِكَ أعنابٌ مُهَدَّلَةٌ
سُودٌ لهن من الظلماء ألوانُ

فلما فرغنا من تلاوتها وقضينا حق إطرائها ونقدها خطر لنا أن يعارضها كل منا بقصيدة من بحرها وقافيتها وقد فعلنا؛ فنظم المازني قصيدته في مناجاة الهاجر، ونظم شوقي قصيدة في هذا المعنى، ونظمت أنا هذه القصيدة فأهديتها روح ابن الرومي:

يهنيك يا زهر أطيارٌ وأفنان
الطير ينشد والأفنان عيدان
طوباك لست بإنسانٍ فتشبهني
إني ظمئت وأنت اليوم ريان
هذا الربيع تجلَّى في مواكبه
وهكذا الدهر آنٌ بعدها آنُ
تفتحت عنه أكمام السماء رِضًا
وزفه من نعيم الخلد رضوان
وشائع النور في البستان باسمةٌ
والأرض حاليةٌ والماء جذلان
الشمس تضحك والآفاق صافيةٌ
جلواء والروض بالأثمار فينان
وللنسيم خفوقٌ في جوانبه
وللطيور ترانيمٌ وألحان
في كل روضٍ قُرى للزهر يعمرها
يا حبَّذا هي أبياتٌ وسكان
مستأنسات سرى ما بينها عَبَقٌ
كما تراسلَ بالأسواق حبَّان
الورد يحمرُّ عجبًا في كمائمه
والياسمين على الأغصان ميسان
وللقرنفل أثوابٌ ينوعها
عن البلور صناع الكف رقَّان
وللبنفسج أمساحٌ ممسَّكة
كأنه راهبٌ في الدير محزان
وحبذا زهر الليمون يسكرنا
منهنَّ جامٌ خلا من مثله الحان
والليل يحييه والأطيار هاجعةٌ
بلابلٌ وشحاريرٌ وكرْوانُ
مؤذن الطير يدعو فيه محتسبًا
فيستجيب له بَرٌّ وغيان
والصبح في حلل الأنوار طرَّزه
في الشرق والغرب أسحارٌ وأصلان
كأنما الأرض في الفردوس سابحةٌ
يحدو خطاها من الأملاك ربان
ضاق الفضاء بما يحويه من فرحٍ
فكل ما في فضاء الله فرحان
إلا المحب الذي لا حبه دنسٌ
ولا مودتُهُ خَبٌّ وإدْهان
نفاه عن عرس الدنيا شواغله
إن الحداد عن الأعراس شغلان
… … … … …
… … … … …
يا من يراني غريقًا في محبته
وجدًا ويسألني هل أنت غصَّان؟
وا ضيعةَ الحب أبديه وأكتمه
ومن عنيت به عن ذاك غفلان!
لي في مديحك أشعارٌ أضن بها
على امرئ فخره عرشٌ وإيوان
على محياك من وشي الصبا روع
وللمحبين أحداقٌ وأعيان
ففيم تعذلهم إن راح ناظرهم
بحسن وجهك يهذي وهو ولهان؟
ما الحسن ذنبًا فما للحب تحسبه
ذنبًا من الناس لا يمحوه غفران؟
هما شقيقان فارفق أن تحيلهما
ضدين بينهما نأيٌ وهجران
من علَّم الناس أن الحب مأثمةٌ
حتى كأنْ ليس غير البغض إحسان
هَبْهَا جنايةَ جانٍ أنت آثمها
ما كان يعصم لا إنسٌ ولا جان
إنَّ الجسوم مثناةٌ جوارحها
إلا القلوب فصيغَتْ وهي أُحْدَانُ
لكل قلب قرينٌ يستتمُّ به
خَلقٌ وخُلقٌ فهل يرضيك نقصان؟
إن التعاطفَ بالأرواح بُغْيَتُنَا
وفي الوجوه على الأرواح عنوان
تمثالك الصخر أحظى منك إن نَفَرَتْ
عنك العيونُ ولم يشملك وجدان
إنا لمن معشرٍ حُبُّ الجمال لهم
حبٌّ لما كان في الدنيا ومن كانوا
ليأمن الطير أنَّا لا نكيد له
ولا يخف مكرنا وحشٌ وعقبان
لو تسمع الوُرْقُ نجوانا لكان لها
منا غصونٌ نضيراتٌ وأحضان
أو كان يدري حَيِيٌّ نبتَ عفتنا
لم تُغْضِ منه بأيدينا أغيضان
أو ينظر السائم النابي طويتنا
لم تألف القفر آرامٌ وغزلان
ولا اتَّقى الحوت شرًّا حين يبصرنا
إذا وقته شباك الإنس قيعان
يا ليت أنَّ لنا كهفًا نعوذ به
إن راح يفزعُها بغيٌ وعدوان

•••

… … … … …
… … … … …
ما ضرَّ من نال في حينٍ سعادته
إن فاته في طويل الدهر أحيان
إذا جنيت من الأيام زهرتها
فاقنع فسائرها شوكٌ وعيدان
ولا وربك ما بالنفس مقتنعٌ
أكان نجحٌ لها أم كان حرمان
فإن روينا فبعض الري مظمأة
وإن ظمئنا فما يرتاح ظمآن
أي الفريقين أحمى لهفة ووجًى
من ذاق أو لم يذق فالكل لهفان؟
يا ليلة حُطمت أنوال حائكها
فلا يحاك لها في الدهر ثُنيانُ
العيش من قبلها شوقٌ نعمت به
والعيش من بعدها ذكرٌ وتحنان
طالتْ ولا غرو فالجنات خالدةٌ
وفي الوصال من الجنات ألوان
أصبحت والله لا أدري لبهجتها
أليلةٌ سلفت أم تلك أزمان؟
وكيف لا وهي شطرٌ حين أحسبها
والعمر شطرٌ وفيها عنه رجحان؟
لقد سقانا الهوى خمرًا معتَّقةً
صبا بها قبلنا شِيبٌ وشبان
هيهات لا تبلغُ الصهباءُ نشوتَها
ولو تناول منها البحر نشوان
فاض الهيام على قلبي ففاض به
نبعٌ له من وراء الدمع شطآنُ
وددت والدمعُ في عينيَّ محتجزٌ
لو سال منه على خديَّ غدرانُ
أمسيت أرشف شهدًا من مراشفه
والسلسبيل بعليين غيران
والنيل تجري له في كل ناحيةٍ
جداولٌ لؤلؤياتٌ وثغبان
يقودنا حيث شاء الموجُ واطَّردت
أمواهه فكأنَّ الفلكَ وسنانُ
حتى تصرم جنح الليل وانبثقت
من كلِّ مطَّلعٍ للصبح عمدان
فما أفقنا وعين الصبح شارفةٌ
وما هجدنا وغول الليل سهران
بنا سوى الشمس والشهبان ترصدها
شموس أنسٍ مضيئاتٌ وشهبان
… … … … …
… … … … …
بقيةٌ لك أتلوها وأُنْشِدُها
هذي القصائد لي فيهنَّ سلوان
بقيةٌ من متاع الذكر قد صفحت
عنها السنون فلي بالذكر قنعان
كأنني تاجر في الشط مرتقبٌ
موجَ الخضمِّ وفلكي فيه غرقان
خذي بقاياك لو يسطيع يذهبها
كما ذهبت فيطويهنَّ نسيان
لا يأمنُ الحبَّ صبٌّ لا يكون له
بالحب عن صلة المحبوب غنيان
ما كنت أجهل لما أن كلفت به
أني سألقاه يومًا وهو غضبان
من لي به مثل ما أرضاه في ملأ
هاموا وهانوا فهم للوهم عبدان؟
تفرق الناس أوطانًا وما افترقت
لهم على حسب الأفهام أوطان
بتنا نساكنهم دارًا ونحسبهم
منا وشتانَ إنسانٌ وإنسان
نشقى بأنفسنا فيهم فيسعدُهم
هذا الشقاء ولا يجزيه شكران

•••

يا أملح الناس هلَّا كنت أكبرهم
روحًا فيتفقا روحٌ وجثمان؟
صدَّقتَ باطل ما قالوا كأنهمُ
لا يكذبون أو انَّ العذلَ قرآنُ
أما علمت بأن الناس ألسنةٌ
سودٌ لها غير ما تبديه أبطان
أحرى مزاعمهم بالشك أسيرُها
فالحق متَّئدٌ والإفك عجلان
وربَّ قولةِ زورٍ قالها رجلٌ
منهم فطاف بها في الأرض ركبان
تداولوها فراحت في مذاهبهم
شريعةً نقضها كفرٌ وعصيان
ما كثرةُ المثبتين الأمر تثبته
ولا بقلَّتِهم للحق إيهان
فإنَّ ألف ضريرٍ ليس يعدلهم
بالمبصر الفرد يوم الشك ميزان
… … … … …
… … … … …
تكشَّفتْ هذه الدنيا فأنكرها
حسي وأذهب فيها الحدس إيقان
ما زال يحرمني دهري ويوهمني
حتى غدا وهو بالأوهام ضنان
إنا لنضحك لا صفوًا ولا لعبًا
وقد ينوح بغير الدمع أَسْوَانُ
أعيا العقولَ صلاحُ الخلق من قدمٍ
وضاق عن هديهم ذرعٌ وإمكان
فعش كما شاءت الأقدار في دعةٍ
لا يجرمنَّك بَرَّ الناسُ أو خانوا
لعلهم في طريق الصدق قد سلكوا
ونحن نحسب أن القوم قد مانوا
من عاش في غفلةٍ طاب البقاء له
وإن تولته بالأرزاء حدْثان
لم يدرِ من نام والأفلاك دائرةٌ
أدار بالسعد أم بالنحس كيوان
فاطلب لنفسك منها مهربًا أمنًا
ودانِ مَنْ شئت فالأعداء خلَّان
والزم حياتك واعشقها فبينكما
في شرعة الطبع ميثاقٌ وإيمان
هي الوجود فصنه أن تجود به
على التراب فإن الحرَّ صوَّان
… … … … …
… … … … …
وانهض بها مرةً في الدهر واحدةً
ثم استرِحْ أبدًا والْحَقْ بمن حانوا

كأس الموت

إذا شيَّعوني يوم تُقضى منيتي
وقالوا أراح الله ذاك المعذَّبا
فلا تحملوني صامتين إلى الثرى
فإني أخاف اللحد أن يتهيبا
وغنوا فإن الموتَ كأسٌ شهية
وما زال يحلو أن يُغَنَّى ويُشربا
وما النعشُ إلا المهدُ مهدُ بني الورى
فلا تُحزنوا فيه الوليد المغيبا!
ولا تذكروني بالبكاء وإنما
أعيدوا على سمعي القصيد فأطربا

الحبيب الثالث

(ردًّا على قصيدة الحبيبين لصديقنا شكري، وقد شبه أحدهما بالجنة والثاني بالجحيم، وهذا الحبيب الثالث جامع بين الجنة والجحيم!)

قلاك من دفَّاع نار الجحيم
ووصلك الجنة دار النعيمْ
وريقك الكوثر لكنه
كالمهل في صدر المحب الكظيم
وخدُّك الزقومُ مُرٌّ لمن
تزويه عنه وهو حلو الشميم
وأنت تضني كل جسمٍ سليم
وأنت تشفي من ضناه السقيم
وأنت دانٍ نافرٌ راحمٌ
قاسٍ محبٌّ، كارهٌ لا تدوم
ويا نسيمًا شبمًا ربما
أذكى كما أطفأ ذاك النسيم
ويا بريء الوجه في ناظري
ويا أثيمًا في الفؤاد الكليم
الحب لونان وما إن أرى
حبًّا بلونٍ واحدٍ يستقيم
كن لي على النعمة عونًا أكُن
عونًا لقلبي في العذاب الأليم

خير ما فيهن

غفر الذنب من بكائي عليكِ
أنني لا أعود ما عشت أبكي
لا يساوي وقد تعلمت منك
نسل حوَّائكنَّ دمعةَ شكِّ
خير ما في النساء ساعةُ ضحكِ

إلى صديق

أُخَيَّ وأَعْذِبْ بها لفظةً
تذكِّرني العهد عهد الصَّفاءْ
أهبْتَ بودي ولمَّا يمتْ
فأسمعتَ حيًّا بذاك النداء
ولم يُنسني القصر عهدًا خلا
وكيف وفي القصر معنى البقاء
وإن أنسَ شيئًا فإني نسيـ
ـتُ يا صاحبي أينا قد أساء
ولست بقالٍ ولا ناكثٍ
ولكن كذلك شاء القضاء
وهذي القلوب بأيدي الزمان
يقلب أهواءها كيف شاء
وقد يذهل المرء عن نفسه
فكيف يلام على الأصدقاء؟!

خواطر الأرق

يا ليل لونك في اللواحظ إثمدُ
إلا لديَّ فمن غبار يرمد
ها أنت بالرؤيا تضن لأنها
سلواي حين تركتني لا أرقد
دل الظلام على المدامع خاطرًا
أعيى عليه مع الصباح المورد
كم في الدم المدعوِّ بالإنسان من
زعمٍ يطيش وعارضٍ يتردد
العقل شيخٌ والحياة فتيَّةٌ
والعيش بينهما شقاق مجهد
والطبع يغرينا ولست بواجدٍ
كالطبع طفلًا لا يفارقه الدَّدُ
أَوَّاهُ من عبث الحياة وسوء ما
يجني الزمان وشر ما يتوعد
لا أشتكيه فقد أمرَّ فساغ لي
ما لا يسوغ وسرَّني ما يكمد
وجزعت حتى قيل جُنَّ من الأسى
وصبرت حتى قيل صخرٌ جلمد
أُبدي التجلدَ والتجلدُ في الأسى
بعض الرياء وبعضه قد يحمد
… … … … …
… … … … …
وخميلة يجني الغداف قطافها
وترود حوليها الصِّلالُ الشرد
كرمت عناصرها وأينع يومها
حسنًا ويوشك أن يطيب لها غد
ظللتها بالنصح إلا أنها
لم تلقَ من يرعى ومن يتعهد
باتت تجاذبها السموم فتلتوي
طوعًا ويدعوها النماء فتجمد
يا من أصون جماله وكأنه
خصمٌ على تلك المحاسن يحقد
لا شيء أوجع لامرئ من أن يرى
حَمَلًا يطيب مع الذئاب ويرغد
أخشى عليك من البعيد وأنت لا
تخشى من الداني الذي لا يبعد
وأحوط حسنك بالتمائم والرُّقى
وتظلُّ تنثر عقدها وتبدد
وتبيتُ رَيَّانَ الجفون من الكرى
والنار حولك والدخان الأسود
لم تَتَّبِعْ نصحي وملتَ مع الهوى
جهلًا وغرَّك أنَّ غصنَك أملدُ
والغصن تسقط — إذ يميل — ثماره
ويزلُّ عنه الزهر إذ يتأود
إن كنت تحميك الطراءة والصبا
شرَّ التقصف فالتجرد أنكد
أولى بوجهك أن يضيئك حسنه
من أن يحفك منه غيم أربد
هذي يميني في يمينك فاعتصم
أو لا فأرسلها فما لك منجد
لو كنت نوحًا لم تُفِدْكَ سفينتي
إن ابن نوح كان فيمن ألحدوا
فاستبقِ ودك للذين عرفتهم
إني لغير الطهر لا أتودد
ما كنت أول نعمة ودعتها
كلا ولست مع المودة تخلد
ماذا على الدنيا لَوَ انَّ مغرَّرًا
منها يميل به الغواة فيفسد
لولا المشوب لما تمحَّض خالصٌ
منها ولو لم يعتدوا لم يهتدوا
ما كنتُ يومًا بالأنام موكَّلًا
فأعدُّ منهم من يضل ويرشد
إني اتخذتك للصيانة قنيةً
فَعَلِمْتُ أنك بهرجٌ لا عسجد
فالآن ألقي في التراب بحليةٍ
كانت أحبَّ ذخيرة تُتَقَلَّدُ

إليك

إهداء الديوان الثاني
إليك إهداء أطرابي وأشجاني
لو كنت تعلم إسراري وإعلاني
شعر لحسنك فيه كل قافية
وما تضمَّن إلا بعض وجداني
يُهدَى إليك ولم تفطن لدعوته
كأنما هو قربانٌ لأوثان
ولو صمدت بتسبيحي إلى وثن
إذن لأثلج صدري صدق إيماني
وخفَّفَ النار نار الوجد عن كبدي
علمي بأنك لم تجهل بقرباني
لكنْ جهلت مناجاتي فوا جذلي
لو فزت منك على علم بحرمان
يا من هو الناس في عيني وإن كثروا
إني أخصُّ بشعري كلَّ إنسان
أهدي إلى الناس ما أعنيك أنت به
فاقبل فإنك بعض الناس ديواني

الدنيا الميتة

أحبك حبَّ الشمس فهي مضيئةٌ
وأنت مضيءٌ بالجمال منير
أحبك حب الزهر فالزهر ناضرٌ
وأنت كما شاء الشباب نضير
أحبك حبي للحياة فإنها
شعور، وكم في القرب منك شعور
فهل في ابتغائي الشمس والزهر سُبَّةٌ
وهل في ولوعي بالحياة نكير؟
… … … … …
… … … … …
فدع ما يقول الناس واعلم بأننا
على غير ما سار الأنام نسير
لنا عالم طلقٌ وللناس عالمٌ
رهينٌ بأغلال الظنون أسير
ووا أسفا! ما أنت إلا نظيرهم
وإن لم يكن للحسن فيك نظير
ويا عجبًا منا نسائل أنفسًا
إذا سئلت حارت وليس تحير
أنشقى بدنيانا لأن منعَّمًا
من الناس بسَّام الثُّغير غرير
أيذوي الصبا فينا لأنك ناشئ
ربيع الصبا في وجنتيه غضير
أتعشى مآقينا لأنك أحور
بعينيه من ومض الملاحة نور
ألا نتملى الحسنَ والحسنُ جَمَّةٌ
مطالعه إلا وأنت سمير
فيا ضيعةَ الدنيا إذا لم يكن بها
غنًى عنك للمحزون حين يثور
ويا ضيعةَ النفس التي لا يجيرها
من البث والشكوى سواك مجير
إذا الشمس غابت لا نبالي غيابها
وإن غبتَ آضَ العيشُ وهو كدور
وليتك مثل الشمس ما فيك مطمعٌ
فيهدأ قلبٌ بالضلوع نَفور
قريت ولم يخطئ عطاشٌ تلهفوا
على جدولٍ في السمع منه خرير
وسرت على الأرض التي أنا سائر
عليها ولم تضرب عليك ستور
فلو لم نُوَلِّ الوَجْهَ شطرك لامنا
على الجهل كونٌ بالجمال فخور
لديك مقاليد السرور وديعة
وما لمحبٍّ في سواك سرور
فإنْ تأذنِ الدنيا أباحت شوارها
وغنَّت عصافيرٌ وفاح عبير
وإلا فما في الأرض حظ لناظرٍ
ولا النجم في عليا السماء يدور

بعد عام

كاد يمضي العام يا حلو التثني
أو تولَّى
ما اقتربنا منك إلا بالتمني
ليس إلا!

•••

مذ عرفناك عرفنا كلَّ حسن
وعذابِ
لهب في القلب فردوسٌ لعيني
في اقترابي
غير أنا لا نرى الفردوس إلا
رسم راسم
وشربنا من جحيم الحب مُهْلًا
شرب هائم

•••

لا تلمني أنَّ قلبي خانني
أو عشقتك
لم يكن منِّيَ إلا أنني
قد رأيتك

•••

كان في الدنيا جمالٌ لا يُعَدُّ
ثم لحتا
فعددنا الحسن طرًّا فهو فرد
وهو أنتا

كأسٌ على ذكرى

هاتها واذكر حبيب النـ
ـفس يا خير ثقاتي
ودع التلميح واجهر
باسمه دون تقاة
أترى نُحْرَمُ حتى
ذكره في الخلوات؟
صفه لي صفه وما كا
ن بمجهول الصفات
غير أني أمتع السمـ
ـع بحظ الحدقات
صفه في عيني وما تعـ
ـدو به وصف الأضاة
صفه في قلبي لو اسطعـ
ـت، وترجم زفراتي
أترى أليق منه
باصطياد المهجات
أترى أملح من خطـ
ـرته بين الخطرات
أترى أصبح من خد
يه بين الوجنات
أترى أعدل من قا
مته في الصعدات
ذهبي الشعر ساجي الطـ
ـرف حلو اللفتات
وحييٌّ لا يحييـ
ـك بغير البسمات
جاهل بالحب أشكو
ه ولا يدري شكاتي
وغرير القلب لا يفـ
ـهم معنى نظراتي
ودَّ لو يسأل ما لي
مستهلَّ العبرات
وإذا قلت شجاني
من أفدِّيه بذاتي
ليس ينجيني وفي كفـ
ـيه لو شاء نجاتي
قال ما أقساه من جا
نٍ غليظ القلب عات!
… … … … …
… … … … …
صفه بل أمسك فقد ها
جَتْ عليه حُرُقاتي
جمح الوجد بأشجا
ني وضاقت أزماتي
هاتها صرفًا وأغرق
في طلاها حسراتي
عوضًا عما يؤاتي
من هوى أو لا يؤاتي

الصبابة المنشورة

صبابة قلبي أقبل الليل غاضيًا
فهبي فقد يغشى الرفات المغانيا
وقد تهجر الموتى القبور أمينة
إذا الليل غشَّى بالرقاد المآقيا
وثوبي إلى الدنيا مع النوم فانظري
مكانك قد أنوى وعرشك خاويا
ومُرِّي به مرَّ الغريب وطالما
تربعت فيه قبل ذاك لياليا
ولا تسألي مَنْ بالديار فإنها
على موثقٍ ألا تجيب مناديا

•••

بدا شبحٌ عارٍ من اللحم عظمه
يجاذب أضلاعًا عليه حوانيا
يقارب في قيد المنية خطوه
ويمشي به ليلًا مع الليل ثانيا
وقال سلام قلت فاسلم وإن يكن
دعائي لميْتٍ بالسلامة واهيا
مَنِ الطارق الساري؟ فقال صبابة
نعمت بها حينًا وما أنت ناسيا
فقلت أرى جسمًا عرى من روائه
وعهدي به من قبلُ أزهرَ كاسيا
جهلتك لولا مسحةٌ فيك غالبت
بشاشتها أيدي المنون المواحيا
جهلتك لولا هزَّة في جوانحي
يد الدهر لا تُبقي من الشك باقيا
ألا شد ما جار البلى يا صبابتي
عليك فكيف استل تلك المعانيا
أأنت التي أسهرتني الليل راضيًا
وأنت التي أسكرت عينيَّ صاحيا؟
وأنت التي كنا إذا الناس كلهم
تولَّوا وجدنا مغنمًا فيك وافيا
وأنتِ التي جلَّيت لي الأرض جلوة
أسائل عنها الأرض وهي كما هيا
أسائل عنها كلَّ شيء رأيته
أما كنت فينان المحاسن شاديا
نفخت بها روحًا فغردَ صامتٌ
ورنَّم جلمودٌ وأصغيتُ لاهيا
فلما أَلَمَّ البينُ لاذت بصمتها
وأمسيتُ حتى يأذن الله صاغيا
وهل يسمع الصاغي إلى القبر نأمة
ولو كان فيه معبد القوم ثاويا

•••

نعم أنت لولا ساترٌ من منية
وحسبك سترًا بالمنية ساجيا
وإن امرءًا ماتت خوالج نفسه
لقد جمع الشرين حيًّا وفانيا
حياة لها حدٌّ ولا حَدَّ للردى
فليت المنايا والحياة تواليا
كما تتوالى يقظة العيش والكرى
وترعب أنوار الصباح الدياجيا
إذن لتشوقنا الحمام اشتياقنا
إلى النوم واشتقنا الحياة دواليا

الهين الصعب

… … … … …
… … … … …
أكبرت قدرك حتى لست أدركه
وأصغروك فنالوا منك ما طلبوا
فإن تباعدتَ عني وادَّنيت لهم
فما توانيتُ في خطوي ولا دأبوا
يا ليت أنفسنا صيغت كأنفسهم
فلا يملك عنا الصد والعجب
أو ليت مثلك يدري ما نهيم به
فلا تُعز علينا بعض ما نهب

نضرة في الشتاء

يا نضرةً في الشتاء أبصرها
أبهج من كل منظر نَضِر
كأنها والعيون تنهبها
والنفس ترْوَى بحسنها العطر
ألف ربيع للعين مدخر
بل ألف حبًّ للقلب مختصر
يا طيب ذاك الإكسير مجتمعًا
من حسن شتى الرياض والغرر
أضمه كله وأرشفه
في قبلةٍ كوثرية السَّكَرِ

إلى الغرق

دعتك العرائس في بحرها
ففيم الوقوف على الساحل؟
إلى الماء لا بل إلى السابحيـ
ـن لا بل إلى الغرق العاجل
فليس على البر إلا غريقٌ
وإن لم يكن فيه بالنازل!
سواحره احتشدت كلها
علينا فيا ويحَ للغافل

مائدة

مائدةٌ أسرف في طهيها
عشرين عامًا عبقريُّ الزمانْ
أكرمنا الطاهي بها ساعةً
فكيف بالمكرم يلقى الهوان
حسنٌ وأنسٌ وحياءٌ معًا
وطلعة البدر ونفح الجنان
مدَّتْ لنا طوعًا فما عُذرنا
إذا تركنا لقمةً في الخوان

لغير البيع

جواهر الحب قالوا غير زائفة
مهلًا فما أنا فيه بائع شاري
كلا ولا أنا من شكًّ ولا ولع
بالسر عارض أحجاري على النار
خذ معدن الحب إن ألفيت معدنه
إني قنعت بومضٍ منه غرار
ما للأناسيِّ من حبٍّ يدوم ولا
حب يقوم على صدقٍ وإيثار

ليلة البدر

هات لي الذكرى وجدِّد ما مضى
عندك الذكرى ورجعاها معا
هات ما كان كما كان انقضى
أو فجدِّدْ غيرَهُ مبتدعا
ليلة البدر وقد كان الرضا
موعد الأهرام نبغي مطلعا
فقضى الله سواهُ غَرَضا

•••

قد نوينا ونوى الغيب لنا
نيةً أمتع للمستمتع
خُسِفَ البدرُ وأمسيتُ أنا
أدَّعي من نشوةٍ ما أدعي
كلما ناديتني هيا بنا
قلت هيا وأنا في موضعي
السنا عندي فما لي والسنا

•••

خسف البدر وما كان الخسوف
شيمة البدر الذي بين يدي
نشر الناس وطافوا بالدفوف
وأنا والبدر في نشر وطي
خل من شاء كما شاء يطوف
إن بدري طالع منه إلي
لا أحب البدر ترعاه الألوف

•••

يا سمير الليل يا نعم السمير
ما لنا والصبح ما دمت أراك
أنا في نور وروضٍ وعبير
حينما ألقاك لا ألقى سواك
رشفةٌ من ثغرك العذب النضير
أو من الكأس احتوتها شفتاك
وسلامٌ أيها الكون المنير

•••

هات لي من فيك أنفاس الغرام
أو فقل إن شئت أنفاس الحياة
واسقني الخمرة من أعذب جام
لا من البلور في أيدي السقاة
ثغرك الضاحك كأسٌ ومُدَامْ
ونديمٌ لي وراوٍ في الرواة
ينشد الشعر فيشجيني الكلام

•••

ينشد الشعر جديدًا كالصبا
وأنا ناظمه منذ سنين
بث فيه من صباه عجبا
فإذا قلت ارتجالٌ لا تمين
هات لي الحسن وهات الأدبا
واسقني الخمر من الثغر المبين
ذاك حسبي في زماني مطلبا!

إعفاء

أعفيك من حلية الوفاء
إنك أحلى من الوفاءْ!
خوني فما أسهل التقصِّي
عندي وما أسهل الجزاء
وليس بالسهل في حسابي
فَقْدُكِ يا زينة النساء

الحب الضاحك

فرغت من الحب الذي يعقب الشكوى
فحبي من النعمى وليس من البلوى
بذلت له ناري ثلاثين حجةً
فلا نار بعد اليومِ اليومُ للحلوى

لو كان إلهًا

قال الشاعر الفرنسي «دوجيرل» لحبيبته: «لو كنت إلهًا لأعطيتك الأرض والهواء وما على الأرض من بحار، ولأعطيتك الملائك والشياطين الحانية بين يدي قدرتي وقضائي، ولأعطيتك الهيولى، وما في أحشائها من رحم خصيب، بل لأعطيتك الأبد والفضاء والسموات والعالمين؛ ابتغاء قبلة واحدة!»

وسئل صاحب هذا الديوان: «وماذا تعطيني أنت لو كنت إلهًا؟» فقال:

أعطيك كيف وما العطاء بخير ما
تبدي القلوب من الغرام الصادق؟!
بل لو غدوت كما اشتهيت وأشتهي
ربًّا أخذتك أنت أخذ الواثق
فترين أنك حين فزت بحظوتي
أحلى وأجمل من جميع خلائقي
وتسيطرين على الصروف وفوقها
نبضات قلبي المستهام الوامق
إن كان رب الكون عندك قلبه
أهون لديك بأنجمٍ وصواعق
وبكل شمسٍ في السماء وضيئةٍ
وبكل بحرٍ في البسيطة دافق

ماذا عليه؟

ماذا عليه إذا استوى
وإذا التوى ماذا عليه؟
هذا القوام جماله
مهما تعسَّفَ في يديه!
أنَّى تمايلَ عِطْفُهُ
مالت جوانحنا إليه
أشتاق بعض نفاره
شغفًا برؤية صفحتيه

ملتقى الربيع

هات الربيع الغض لي كله
في روضةٍ بل طلعه بل شفه
إن فاتني جمعُ أزاهيره
في قطفةٍ فالرأي أن أرشفه

نبضات جديدة

خفقاتٌ تلك من وزنٍ جديد
أيها القلب فأسمعني صداك
ذلك الوجه وما العهد بعيد
أنت تهواه فلا تنكر هواك

•••

أنت تهواه وتسعى بي هنا
كل يومٍ بعد يومٍ كي تراه
لا تراوغني وقلْ هيا بنا
في صريح القول نستجلي سناه

•••

نحسب الرقة فيه ألَمًا
فإذا أنت من الوجد تذوبْ
لا يكون الحب إلا هكذا
أنا لا أجهل أسرار القلوبْ

•••

كاصفرار الشمس في ثوب الغروب
واصفرار العاج في ثوب القدم
ذلك اللون نسميه الشحوب
وهو في الحسن شفيع للسقم

•••

رحمةً للقلب من ذاك الوجيه
صيغ من ذوبي حنان وحنين
كلما رفرفت بالعين عليه
شبَّهَ الفرحان عندي بالحزين

•••

إن أشأ قلت خيالٌ في الكرى
أو أشأ قلت عيانٌ لا خيال
جُمِعَ الأمران لي فيما أرى
حين صَحَّ الحُلم في خير مثال

جمالٌ يتجدد

كلما قلت لي الربيع جميلٌ
قلت: حقًّا وزاد عندي جمالا
عجبًا لي بل العجيبةُ عندي
صور الكون كم يسعن كمالا!
خلتني قد وعيتهن عيانًا
وتتبعت من وعوها خيالا
شاعرًا عاشقًا وقارئ كتبٍ
قرأ الكتب دارسًا فأطالا
فإذا نظرةٌ بلحظك تبدي
صورًا ما طرقن عنديَ بالا
بعدد الأنوار في أعين الحـ
ـب نعد الأكوان والأجيالا

اليوم الموعود

يا يوم موعدها البعيد ألا ترى
شوقي إليك وما أشاقُ لمغنم؟
شوقي إليك يكاد يجذب لي غدًا
من وكره، ويكاد يطفر من دمي
أسرع بأجنحة السماء جميعها
إن لم يُطعكَ جناح هذي الأنجم
ودع الشموس تسير في داراتها
وتخطها قبل الأوان المبرم
ما ضر دهرك إن تقدم واحد
يا يوم من جيشٍ لديه عَرَمْرَمِ
… … … … …
… … … … …
يا يوم موعدها ستبلغني المنى
وتُتم لي الفردوس خير مُتَمِّمِ
لا غصنَ رابيةٍ تقصر راحتي
عنه ولا ثمر يعز على فمي
سأظل أخطر كالغريب بجنتي
حتى أثوب على قدومِكَ فاقدم
فأبيت ثم إذا احتواني أفقها
لم أنهَ عن أمل ولم أتندم
فرحي بصبحك حين تشرق شمسه
فرحُ الضياء سرى لطرفٍ مظلم

الحب المثال

كأني مثَّالٌ وحسنك تمثالي
عجائب حبٍّ ما خطرن على بال
فما أتمنى فيك معنى أريده
من الحسن إلا وافق الحسن آمالي
وأحلام قلب فيك تسري كأنها
خوالق أيدي الفن في الذهب الغالي
تجول بأشكال الخيال وتنثني
وقد أسعدت منك العيان بأشكال
إذا ما تمشَّت فيك معنى لمستها
محاسن أعطافٍ ورقة أوصال
إذا اقترحت عيني فأنت مجيبها
فهل منك أو مني صياغة تمثالي؟
وما اقترحت إلا كما اقترح المنى
غنيٌّ على وفرٍ من الوقت والمال
فما فيك من نقص ولكنما الهوى
نوازعُ شتى لا تقر على حال
فيا قدرة الحب المبارك أبدعي
لكل حبيب في الصبا ألف سربال
وأجمل من صوغ الدُّمى صوغ دميةٍ
لها زينتاها من حياةٍ وإقبال

الثوب الأزرق

الأزرق الساحر بالصفاءِ
تجربةٌ في البحر والسماء
جربها «مفصل» الأشياء
لتلبسيه بعدُ في الأزياء
مجوَّد الإتقان والرواء
ما ازدان بالأنجم والضياء
ولا بمحض الزُّبَد الوضَّاء
زينته بالطلعة الغراء
ونضرة الخدين والسماء
ولمعة العينين في استحياء
إن فاتني تقبيله في الماء
وفي جمال القبة الزرقاء
فلي من الأزرق ذي البهاء
يخطر فيه زينة الأحياء
مقبَّلٌ مبتسم الأضواء
مردِّد الأنغام والأصداء
وقبلةٌ منه على رضاء
غنى عن الأجواء والأرجاء
وعن شآبيب من الدأماء
وعنك يا دنيا بلا استثناء

ضياء على ضياء

على وجنتيه ضياء القمر
نظيران يستبقان النظر
جمعتهما أنا في لثمة
أو البدر قبَّله فابتدر؟
فما زال يلحظه جهرةً
ويغمزه من وراء الشجر
ويزعمها قبلةً من أخٍ
ففيم إذن قطفها في حذر؟!
ولو شئت ظللت وجه الحبيب
ولو شئت كللته بالزهر
ولكن كرمت فخذ يا قمر
من الزاد ما تشتهي في السفر

•••

سها الليل عنا وعن بدره
وهز الحبيب حنين السهر
فقال وقد فاض منه الرضا
وسُرَّ بفيض رضاه وسَر
على مثل هذا تطيب الحيا
ةُ وفي مثل هذا يروق السمر
فقلت أجل ما أحب الحيا
ة وأنت شفيعٌ لها مُدَّخر
لأجلك يصفو لها مَنْ صفا
وباسمك يعذرها من عذر

دنيا مقلوبة

صوت النذير الذي أبقاك خائفةً
على ذراعيَّ قولي كيف أخشاه؟
أو البشير الذي يدعوك ثانيةً
إلى الطريق لعمري كيف أرضاه؟
الحبُّ والحرب واويلا قد اجتمعا
في القلب فانقلبت أحوال دنياه!

ساعي البريد

هل ثَمَّ من جديد
يا ساعي البريد

•••

لو لم يكن خطابي
في ذلك الوطاب
لم تطوِ كل باب
يا ساعي البريد

•••

ما ذلك التنسيق
والجمع والتفريق
والقفز والتَّعويق
يا ساعي البريد؟!

•••

كِسْوَتُكِ الصفراء
والخطوة العرجاء
يمشي بها الرجاء
يا محنة الجليد

•••

لو لم تكن جمالا
في مشية العجالى
صغنا لك التمثالا
من جوهر فريد

•••

لا أحسب الساعاتِ
في حاضر وآتي
إلا على الميقاتِ
ميقاتك الوئيد

•••

في شرفتي أبتكر
غيرك لا أنتظر
وإن سعى لي القمر
يا ساعي البريد

•••

كم لهفةٍ نسيتها
أماتني مميتها
لقيتها لقيتها
يا ساعي البريد

•••

جددت لي انتظاري
وقلة اصطباري
عن طلعة القطار
وطلعه النضيد

•••

أكرِمْ به من ثمر
منتظر مدخر
في كل يومٍ مزهر
مبتدئ معيد

•••

يا طائفًا بالدور
كالقدر المقدور
بالخير والثبور
في ساعة البريد

•••

في لمحة تنتشر
منك المنى والعبر
وأنت ماضٍ تعبر
كالكوكب البعيد

•••

كن أبدًا مريدي
بالخبر السعيد
وبابتسام العيد
يا ساعي البريد

عجب الساعي

عجب الساعي الذي كنت له
أبدًا في شرفتي منتظرا
إن من تحضر لي أخباره
أيها الساعي بخيرٍ حضرا
ألق إن شئت وطابًا حافلًا
لا أبالي لحظةً إن صفرا
الطريق الآن لا أرقبه
لأرى وجهك لكن لأرى
ولك الشكر ولي العذر فلا
تظهر الآن فها قد ظهرا
لا تذكِّرْني نواه بعدما
كنت تروي عنه ذكرًا عطرا

تسلَّم

تسلَّمْ هذه الدنيا
كما خلَّفتها عندي
وحاسبْها على قربٍ
بما تجني على البعد

•••

تسلم هذه الشمـ
ـس التي تؤنس أو تهدي
لقد كانت هداها اللـ
ـه مكسالًا من المهد
تجوب الأفق في جهدٍ
وما تسرع بالجهد
وكانت تحجب الأنوا
رَ أو تبدي فلا تجدي
وكانت شعلةً حرَّى
من اللوعة والوجد

•••

تسلم هذه الأطيا
رَ واسألها عن العهد
تُغَنِّي الآن فاسألها
أغنَّت قطُّ لي وحدي؟
وإن غنَّت فهل كانت
سوى نوح لها مُعْدي
وإن أعدت فهل تعدي
بغير الشجو والسهد؟
نعم سلها جزاها اللـ
ـه: أين تحية الورد؟
وأين تحية الألف
وأين تحية الفرد؟
لقد كانت لحاها اللـ
ـه تطويها على عمد
فسلها فيم تطويها
وفيم تضنُّ أو تسدي

•••

تسلَّم أنجم الليل
بلا عدٍّ ولا حدٍّ
تسلمها وكاشفها
بما تُخفي وما تبدي
وسلها كيف ضلَّتني
وما ضلت عن القصد
وفيم تغامزٌ منها
إذا حيَّرني قيدي
نعم قيدي الذي في النفـ
ـس لا في صفحة الجلد
أهزلًا تهمس الأنجـ
ـم أم تهمس عن جدِّ؟

•••

تسلم زهرك المحبو
ب في السهل وفي النجد
تراه ضاحك العين
تراه ناضر الخد
فسله ما عراه أمـ
ـس حتى لاذ بالرشد
فلا يلهو ولا يوصي
بغير الهم والزهد
فما عن لومه في ذا
ك يا مولاه من بد!

•••

تسلم هذه الدنيا
كما خلَّفتها عندي
بحمد الله تلقاها
كما تلقاك بالحمد
فخذها راضيًا عنها
وعني وعن الود
وعلمها إذا ما عدت
لا عدت إلى البعد
أمانًا في مغيب منـ
ـك أو في محضرٍ رغد
فما تسمع لي قولًا
إذا ناجيتها وحدي!

ثرثارة

أراك ثرثارة في غير سابقةٍ
فهات ما شئت قالًا منكِ أو قيلا
ما أحسن اللغو من ثغرٍ نقبله
إن زاد لغوًا لما زناده تقبيلا

زمن محل

أَمْحَلَ الدهر واطَّردْ
لا خميسٌ ولا أحدْ
لا انتظار لموعدٍ
أو هيامٌ بمن وعدْ
كل أيامنا تسا
وين في الوسم والعددْ
صبحها مثل ليلها
والْتَقى أمسُها بغدْ
تنقص العمر كلها
وبها العمر لم يزدْ
لم تزد ماضيًا وقد
نقَّصت مقبل الأمدْ

إساءة مشكورة

إليك مني الشكر حتى على
إساءة اللقيا غداة السفَرْ
أغضبتني منك فأنجيتني
من لوعة الهجر وطول السهر
إذا التوى الصبر على عاشقٍ
تَعَرَّضَ العتب له فاصطبر
ما ذاكر اللجة ريًّا له
كذاكر اللجة فيها الخطر
ولهفة الظامئ ترياقها
أن ينظر الغصة فيما انتظر

صنوف حب

عرفت من الحب أشكاله
وصاحبتُ بعد الجمال الجمال
فحب المصور تمثاله
عرفت وحب الشباب الخيال

•••

وحب القداسة لم أعدُهُ
وحب التصوُّف لم يعدُني
وفي كل حب وَرَى زندُه
سماتٌ من المؤمن الديِّنِ

•••

… … … … …
… … … … …
وحب التي علمتني الهوى
وحب التي أنا علمتها
ومن أستمد لديها القوى
ومن بالقوى أنا أمددتها

•••

… … … … …
… … … … …
صنوف من الحب لا تلتقي
وفيك التقى لبُّها المحتوَى
فلولا هدى نورها الأسبق
لما كنت كفؤًا لهذا الهوى

هذا هو الحب

غريرٌ تسأل: ما الحب؟

بنيتي! هذا هو الحب!

الحب أن أُبْصِرَ ما لا يُرى
أو أغمض العين فلا أبصرا
وأن أسيغَ الحقَّ ما سرَّني
فإن أبى فالكذب المفترى

•••

الحب أن أسأل: ما بالهم
لم يعشقوا المنظر والمخبرا؟
ويسأل الخالون ما باله
هام بها بُهرًا وما فكَّرا؟

•••

الحب أن أفرَقَ من نملة
حينًا وقد أصرع ليث الشرى
وأن أراني تارةً مقبلًا
وخطوتي تمشي بيَ القهقرَى

•••

الحب كالخمر فإن قيل لي
سكرتَ؟ هَمَّ القلبُ أن ينكرا
وكل عضوٍ بعده قائلٌ
نعم ولا أحفل أن أسكرا
الحب أن يفرق أعمارنا
عهدان والعهد وثيق العرى
أحسبني الأكبر حتى إذا
عانقتني ألفيتني الأصغرا

•••

الحب أن نصعد فوق الذرى
والحب أن نهبط تحت الثرى
والحب أن نؤثر لذاتنا
وأن نرى آلامنا آثرا
الحب أن أجمع في لحظةٍ
جهنم الحمراء والكوثرا
وأنني أخطئ في لهفتي
من منهما روَّى ومن سعَّرا

•••

الحب أن يمضيَ عامٌ وما
هممت أن أنظم أو أشعرا
وربما علَّقتُ في ساعة
حواشي الدفتر والأسطرا

•••

بنيَّتي هذا هو الحب
فهمته؟ كلا ولا عتب!
مسألةٌ أسهلها صعب
لا الناس تدريها ولا الكتب
حسبك منها لو شفت حسب
إشارةٌ دقَّ لها القلب

الحب

ما الحب روح واحدٌ
في جَسَدَيْ معتنقين
الحب روحان معًا
كلاهما في الجسدين
ما انتهيا من فرقةٍ
أو رجعةٍ طرفة عين

الصدار الذي نسجته

هنا مكان صدارك
هنا هنا في جوارك

•••

هنا هنا عند قلبي
يكاد يلمس حبي
وفيه منك دليلٌ
على المودة حسبي

•••

ألم أنل منك فكرة
في كل شكة إبرة
وكل عقدة خيطٍ
وكل جرة بكرة!

•••

هنا مكان صدارك
هنا هنا في جوارك
والقلب فيه أسيرٌ
مطوقٌ بحصارك!

•••

هذا الصدار رقيب
على الفؤاد قريب
سليه: هل مر منه
إليَّ طيفٌ غريب؟

•••

نسجته بيديك
على هدى ناظريك
إذا احتواني فإني
ما زلت في إصبعيك

ليلة الوداع

أبُعدًا نُرَجِّي أم نرجِّي تلاقيا
كلا البعد والقربى يهيِّجُ ما بيا
إذا أنا أحمدت اللقاء فإنني
لأحمد حينًا للفراق أياديا
ألا مَنْ لنا في كل يومٍ بفرقةٍ
تجدد ليلات الوداع كما هيا
ليالٍ يبيح الدَّل فيها زمامه
ويُرخص فيها الشوق ما كان غاليا

•••

ويا ليلتي لما أنست بقربه
وقد ملأ البدرُ المنيرُ الأعاليا
تَطَلَّعَ لا يثني عن البدر طرفَهُ
فقلت حياء ما أرى أم تغاضيا
بنا أنت من بدر وددت لَوَ انَّه
على الأفق يبدو أينما كان ثاويا
غدًا تنظر البدر المضوِّئ فوقنا
وحيدين من دارين لم تتلاقيا
أشمُّ شذى الأنفاس منك وفي غد
سيرمي بنا البين المشتُّ المراميا
وألثمُهُ كيما أبرد غلتي
وهيهات لا تلقى مع النار راويا
فقبَّلتُ كفيه وقبلت ثغره
وقبلت خديه وما زلت صاديا
كأنا نذوذ البين بالقرب بيننا
فنشتد من خوف الفراق تدانيا
كأن فؤادي طائر عاد إلفه
إليه فأمسى آخر الليل شاديا
إذا ما تضاممنا ليسكن خفقه
تنزَّى فيزداد الخفوق تواليا
أوشِّجُ في كلتا يديه رواجبي
وشيجًا يظل الدهر أخضر ناميا
وتلمس كفي شعره فكأنني
أعارض سلسالًا من الماء صافيا
وأشكوه ما يجني، فينفر غاضبًا
وأعطفه نحوي فيعطف راضيا
أقول له يكفيك أنك قادرٌ
على أمل أعيا الزمان المعاديا
قدرتَ على إسعادنا ومنحتنا
ليالي أعيا منحهن اللياليا
قدرت ومن يقدر على السعد لم يكن
جميلًا به أن يترك الخلَّ شاكيا

•••

وناعبةٍ صاحت ولليل هجعةٌ
فقال علام البوم ينعب ناعيا
لقبحت من عمياء تقرأ في الدجى
إذا اسودَّ أسطار الخراب الخوافيا
فقلت على النفس التي سوف تغتدي
طلولًا بأحناء الضلوع حوانيا
تجوس أفاعي الحزن في جنباتها
ويا ربما تأوي الضلوع الأفاعيا
فلا تحسبنَّ البوم تنعى المغانيا
فقد تندب البوم النفوس البواليا
وكم وحشةٍ للنفس يخشى اقتحامها
أخو غمراتٍ ليس يخشى الفيافيا

•••

ولما تقضَّى الليل إلا أقله
وحان التنائي جشت بالدمع باكيا
فأقبل يرعاني ويبكي وربما
بكى الطفل للباكي وإن كان لاهيا
وزحزحني عنه بكف رفيقة
وأسبل أهداب الجفون السواجيا
يقول لقد ران الكرى وتفرَّقت
نجوم الدجى والديك أصبح داعيا
فقلت وكم من ليلة إثر ليلةٍ
سهرت وقد أمسيت وحدك غافيا
فهب لوداعي من رقادك ليلةً
تمر فإني قد وهبت حياتيا
حرام علي النوم ما دام هاتفٌ
من الليل لا ينسى إذا بت ناسيا
وأسلمت كفي كفه فأعادها
وقلبي فهلا أرجع القلب ثانيا
فلم أر ليلًا كان أبيض مطلعًا
وأسود أعقابًا وأشجى معانيا

الخمر الإلهية

على طريقة ابن الفارض
… … … … …
… … … … …
يدور بها الساقي علينا كأنها
مباسم ثغرٍ والحباب ثناياه
جرت في صفاء الدمع وهي دواؤه
فمن ذاتها لم تجرِ بالدمع عيناه
تنير فلولا أن تسيل رحيقها
لقلت لظى أذكى النسيم شظاياه
يكاد إذا طاف الغلام بجامها
يرفرف حوليه الفراش ويغشاه
لها في يمين الشاربين توهُّجٌ
إذا ما خبا قلبٌ من الحزن أذكاه
تلوح كماء المهل أما مذاقها
فمن سلسبيل الخلد في طيب سقياه
تشابه في عين النديم وما انتشى
فوارغ صف كالثريا وملآه
كئوس كجام السحر يكشف وحيه
لعينيك من سر العوالم أخفاه
إذا طاب في الفردوس ريًّا نسيمها
فأطيب في دار الشقاوة رياه
ولو مزجوا بالخمر طينة آدمٍ
لعاش ولم يدرِ القطوبَ محياه

حسناء عمياء

قرة العين عزاءً
لك في الكون المنير
إنَّ طَرْفًا يأسر النا
س هو الآن أسير
إن سحرًا غاض في عيـ
ـنيك هيهات يحور
صدت الشمس ضياها
عنك يا أخت البدور
غربت عنك غروبًا
ما له الدهر بكور
ليت نور العين مصبا
ح معارٌ فتعير
ليس أولى ببكا العيـ
ـن من الحسن الضرير
وجمال عن جمال الـ
ـكون مكفوف حسير
مطمح الأبصار بدعٌ
أن يُرى غيرَ بصير

من تقليد «نشيد الأناشيد»

أجل تلك خباياها
وهاتيك خطاياها
فهل تدرين ما ذاك الـ
ـذي يُدعى مزاياها؟

•••

لما فيها من العيب
سننساه وننساها
وللحسن الذي فيها
سنحيي الآن ذكراها

•••

سأحصي لك ما يعجـ
ـب منها، وهو كالشمس
كما أحصيت ما يغضـ
ـب بعد السعي والدس

•••

ثناياها ثناياها
وهل ذقت ثناياها؟!
وعيناك ويا للقلـ
ـب كم تسبيه عيناها؟!

•••

وتلك الوجنة الخمر
ية السكران رائيها
أفي الجنة يا رضوا
ن تفاحٌ يحاكيها؟!

•••

وتلك القامة الهيفا
ءُ زانتها زواياها
إذا ما جار ردفاها
أقام الجور نهداها

•••

وتلك النسمة الحلو
ة في ثوب الأناسي
هي الروح الفراشـ
ـية في النور السماوي؟

•••

دعيها تفسد الخمسيـ
ـن إفساد ابن عشرينا
وحاشا بل هي الإكسيـ
ـر باسم الحب يحيينا

•••

وعندي من حُميَّا الشعـ
ـر إكسيري وترياقي
وهل كالشعر في الدنـ
ـيا ربيع دائم باقي!

مزيج

ما الحب من محض الصدا
قة يا بني ولا العداء
الحب فيه الخصلتا
ن وفيه مزجهما سواء
أحلى الصداقة والعدا
وة يمزجان لمن يشاء
فيه العطاء والاغتصا
ب وقل على الدنيا العفاء!

ندم

عشقتك مُكْذِبًا خلقي ورأيي
وعفتك صادقًا لهما أمينا
وما أخطأت في لوميك يومًا
وقد أخطأت في عذريك حينا

تقويم العام

تقويم هذا العام من
لحظاته الأولى لديك
قومي ارفعيه وارفعي
عنه الغطاء براحتيك
من يوم مطلعه إلى
رجعاه موقوفٌ عليك

•••

وإذا انتهت أيامه
ولكل عامٍ منتهاه
فعليك أنت وداعه
وترحبين بما تلاه
وَيْحِي إذا دار المدى
ورعيت وحدي ملتقاه

•••

هي قبلة ضمَّت عرى
عامين فاتصلا اتصالا
ومنى الخواطر في غدٍ
عام كسابقه مآلا
لا تعجلن به فما
أقسى الحياة على العجالى

•••

لا لا فهذا يومنا
وغدٌ وبعد غد خفاء
أنا مغمض عيني ومسـ
ـتمع إلى حادي الرجاء
فإذا سمعت حداءه
فدعيه يمضي حيث شاء

وعام ثان

بشراي ما أنا شاهدٌ
يا عام وحدي ملتقاك
دارت بروجك والهوى
يخطو وتتبعه خطاك
وحمدت وجهك مقبلًا
ومضى فلم أذمم قفاك

•••

هذي فتاتي هذه!
هي لا خلاف ولا اشتباه
هي في بديع قوامها
هي في الصبا هي في حلاه
هي في غوايتها وآ
هٍ من غوايتها وآه

•••

ضُمي ثُغَيْرَكِ يا بنيـ
ـة وابعثي منه الأمل
لا بالعهود إلى مدى
عام ولكن بالقبل
إن ساعفتني ليلة
فدعي العهود إلى أجل

•••

عام تفتَّح بالرجا
ء وبالرجاء ختمتِه
ودعت ذاك العام في
قربي كما استقبلته
قولي وقد ولَّى أفي
شرع الوفاء قضيته؟

•••

لا تخدعيني يا بنيـ
ـة بالوفاء من اللسان
خنَّا وخنت ولا أقو
ل سلي فلانة أو فلان
ذهبت خيانتنا معًا
والآن نحن الباقيان

•••

ذهبت خيانتنا كما
ذهب الوفاء ومن يفون
لا ذمةٌ تبقى ولا
يبقى الوفي، ولا الخئون
كم ذمة ضيعتها
يا عام في تلك الغضون!

•••

انظر ألست ترى فتا
تي حيث كنت ضممتها
في جلسة الأمس التي
حتى الصباح جلستها
فكأنها ما فارقت
صدري ولا فارقتها

•••

وإذا سألت وربما
جاء السؤال بلا كلام
ماذا تقول مودعي
والليل يومئ بالسلام
حيرتني يا عام فاسـ
ـتمع الجواب ولا ملام

•••

ما كنت عندي أيهـ
ـذا العام كلك بالسعيد
لكن سويعاتٌ مضت
لي فيك تنسي ألف عيد
غفرت ذنوبك كلها
وطغت على العام الجديد

•••

حسبي من الدنيا الذي
أعطت ودنيانا غرور
حسبي قليل عطائها
وقليلها أبدًا كثير
إن عاد يوم غدٍ كأمـ
ـسِ فدُرْ زمان كما تدور

اكذبيني

اكذبيني واكذبيني
كلما شئت اكذبيني
ما غناء اللب عندي
إن أبى أن تخدعيني
أنا في ثروة وفرٍ
منه مهما تسلبيني
أنقصيها أيُّ ضيرٍ؟
درهمًا أو درهمين!

المرأة والخداع

خلِّ الملام فليس يثنيها
حب الخداع طبيعةٌ فيها
هو سترها وطلاء زينتها
ورياضةٌ للنفس تحييها
وسلاحها فيها تكيد به
من يصطفيها أو يعاديها
وهو انتقام الضعف ينقذها
من طول ذلٍّ بات يشقيها
أنت الملوم إذا أردت لها
ما لم يُرده قضاء باريها
خُنها ولا تخلص لها أبدًا
تخلص إلى أغلى غواليها

الحب أحمق

لم أدرِ كيف يتاح لي نسيانُها
وخيالُها في ناظريَّ معلَّقُ
حتى نسيتُ فعدتُ أذكرُ أنها
كانت هوايَ فلا أكاد أصدِّقُ

مصيبتان

قالوا اسلُهَا ودعِ البكاءَ فإنها
في حبها ليست بذات وفاء
ومصيبتي فيها اثنتان لأنني
أبكي لمن لا يستحق بكائي
من كان يبكي الأوفياء ففي الأسى
لمن استحقَّ أساهُ بعضُ عزاء

عجائب القلب

تلك التي كنت أُغليها وأذكرها
صُبْحًا ومُسْيًا، وفي سر وإعلان
قد كنت أرحم نفسي من تذكُّرِها
فاليوم أرحمها من فرط نسياني
عجائب القلب ويلي من عجائبه
عزَّت نظائرها في العالم الفاني

فراغ … فراغ

فراغٌ باردٌ شات
بلا ماضٍ ولا آت
أأمواتٌ؟ نعم لكن
نحس فناء أموات
ويا بؤس الفناء نحسـ
ـه في كل ميقات

الصحوة الكبرى

متجردان ويملكان سعادة
لكليهما لا يحتويها العالم
يتمليان الصحوة الكبرى وقد
سعدا بأسعد ما يراه الحالم

معجزة وبرهان

أطفأت مني الليالي
شُعَلًا بعد شُعَلْ
من غواياتي وأحـ
ـلامي ومن برق الأملْ
قلما يومض فيها النـ
ـور من نار القُبَلْ
عجبًا لكنه وَهْـ
ـوَ عجيبٌ قد حصلْ

•••

عجبًا والدهر لا يفـ
ـني أعاجيب الحياة
مفرقٌ شاب يُشـ
ـبُّ الحبَّ في قلب فتاة
شركٌ صاد — ولم أنـ
ـصبه — صيَّاد البُزاة
وقديمًا كان إن دا
ر على الصيد نصل

•••

لو لسانٌ قاله لي
لم أصدِّق ما يقولْ
غيرَ أنَّ الشوقَ في خد
يكِ يسري ويجولْ
مزهرًا بعد ذبول
مشرقًا بعد أفولْ
قَسَمٌ فاه به قلـ
ـبُكِ بل وحيٌ نزلْ

•••

أحوج الوحي إلى معـ
ـجزة وحيٌ عجاب
عند قلبٍ كافر بالنـ
ـاس يغلو في ارتياب
يا رسولَ الحبِّ آمنـ
ـت وفي كفي الكتاب
طفلة تهفو إلى الشـ
ـيب أجل ثم أجل!

•••

حين لمَّحتِ تغابيـ
ـتُ، ولي والله عذرُ
وانثنى التلميح كالتـ
ـصريح والشك مُصِرُّ
ثم طاش السر حتى
كاد يسعى وهو جهرُ
وتلاقينا فماذا
كان؟ بركان جفلْ

•••

خابَ شكِّي وأنا الآ
نَ بما خاب سعيدْ
وسعيدٌ كلما خاب
ب ببرهان جديدْ
بين حسن فيك يزدا
دُ وإقبال يزيدْ
وسلامٍ شاع في نفـ
ـسكِ كالليل شملْ

•••

يا فتاتي هو من ربـ
ـك والله قَدَرْ
قدرٌ أرحم ما حمَّ
على قلب بَشَرْ
أغمضي عينيك وامضي
فيه أيَّان استقر
واطمأني ما قضى الله
قضاءً فارتجلْ!

•••

صاغه الله عجيبًا
ومحا عنه عجيبًا
غير بدع أن يهيج الشـ
ـرر الحي لهيبا
إنما البدع لهيب
يبتغي منا شبوبا
كله إن جل أو قل
من الشمس وصل

•••

نحن في الآفاق قربى
بعضنا ينشد بعضا
ربما قيل رماد
وهو ملء الأفق رمضا
إن في النور لقاحًا
صنوه بالصنو يرضى
رُبَّ نجمٍ منك لو
لا شررٌ مني أفلْ

انتقام جيتي

يا صديقي القديم «جيتي» اعتذارًا
لك من سوء ظنتي وملامي
كنت أنعي عليك حبك في السـ
ـتين بنت العشرين، فاغفر ملامي
وأراني على ملامك من قبـ
ـلُ لحبٍّ دون الثمانين دام
فانتظرني فقد يجيء اعتذاري
لك طوعًا في مقبل الأيام
إن عشقنا كما عشقت وأوفيـ
ـنا عليها انتقمت خير انتقام!

إلى الشفاه لا إلى الآذان

فيم أروي لك شعري؟
أنا أدري أنا أدري

•••

أنا أدري يا فتاتي
حيث ألقي بالأغاني
إن شعري سَمِعَتْهُ
شَفَتَانِ … شفَّتان!
ها هنا سربٌ إلى القلـ
ـب الذي أعنيه دان

•••

رفَّ شعري حيث رفَّت
بالأماني قبلاتي
وتصفَّحت صداه
قبسًا في الوجنات
هو من ثغر فتاتي
وإلى ثغر فتاتي

•••

فيم تسعى رحلتي بيـ
ـن المعاني وتطولُ
ها هنا الشعر وموحي الـ
ـشعر يصغي ويقولُ
كل إصغاءٍ لعمري
بين هذين فضولُ

مزج

سمَّيتني باسم اللدات وبيننا
عمرٌ كعمرك أو يزيد قليلا
مزج الهوى العمرين في جيل فلا
تقديم بينهما ولا تأجيلا
ومحا الفوارق كلهن فلم يدعْ
غيرَ الهوى جيلًا لنا وقبيلا

لفاع

لفاعك في عنقي كالوفا
ءِ يطوِّق جيدَ السميع المجيب
مكان ذراعيك أولى به
نسيج يديك السخي القشيب

•••

إذا فاتني منك طيب العنا
قِ فلسواي منه بديل قريب
فلا أُحْرَمُ الدفءَ عند اللقا
ءِ ولا أحرم الدفءَ عند المغيب

رأيت

رأيتُ النهرَ ظمآنَ
إلى البيداء يرويها
رأيت الزهر مشتاقًا
إلى الأطواد يُحليها
رأيت الليلةَ الليلا
ءَ والكوكب حاديها
رأيت الحان تنساب
إلى أفواه حاسيها
رأيت العَجَب العاجـ
ـب في الدنيا وما فيها
شبابًا هام بالها
مة قد شابت نواصيها
إخال الحب يستحـ
ـدث ترويحًا وترفيها
ألا فليَلْهُ ما شاءَ
فما تفنى ملاهيها

من الأستاذ عماد

يا حزينَ النفس أُعطيتَ مناها
فاغنم الفرصة حتى منتهاها
لا تنغِّصْها اختيارًا واكتناها
إن من خاف من الجن يراها

•••

… … … … …
… … … … …
لا تقل يا وردتي شوكك أينا
ما علينا منه فيها ما علينا؟
إنها أخفته عنا فانتهينا
حسبنا الوردة رفَّت في نداها

إلى الأستاذ عماد

يا صديق النفس من عهد صباها
نصحك الصادق لو تُشْفَى شفاها
محنةٌ تبلغ في يومٍ مداها
ما تراني صانعًا، أو ما تراها؟

•••

ناصحي أنت بزهري أنتشيه
لا أبالي الشوكَ والغصة فيه
كل شوكٍ يا صديقي أتقيه
يخرقُ الدرعَ وإن دَقَّتْ عراها

•••

وردتي يا صاحبي في الورد بدعُ!
بدعها طبع وكل الورد طبع
طبعها كالفخ ينهاك ويدعو
وبلاء النفس في مس جناها

•••

إن تقل فز بالجنى قلت رويدا
الجنى الكيد فهل نأمن كيدا؟
الجنى القيد فهل نحمد قيدا؟
الجنى، يا ويحها، أشهى أذاها!

•••

وردتي آفتها فرط التحدي
جاوزت في كل شيء كلَّ حدِّ
حسنها هيهات منه حسن ورد
شوكها أنفذ من شوك سواها

•••

أتراني نافعي والقلب دام
وسعار الجرح يمشي في عظامي
لذة العيش بوَشْي ونظام
وامتلاء الأنف من عطر شذاها

•••

آهِ من برئي وآهٍ من سقامي
آهِ من صلحي، وآهٍ من خصامي
آهِ من شمسي وآهٍ من ظلامي
آهِ من لذعة آهٍ في جواها

•••

لذعة النيران ينفثن دخانا
ليضيء اللهب الخافي عيانا
لهبًا صرفًا تعالى وتدانى
من قرار النفس يرتاد ذراها

•••

آه من آهٍ لحاها الله جدَّا
لا تزل خالدة في النار خلدا
من قلوبٍ تلتظي حبًّا وحقدَا
حرقت آهاتها آهًا فآها

•••

أنا لا أطلقها حتى تذوبا
في لظاها كلما شبت شبوبا
وأراني يا صديقي لن أتوبا
فإذا تابت عرفنا منتهاها

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤