قصص وأماثيل

سباق الشياطين

يا شياطين الدجى حيَّ هلا
وتغنِّي الآن بالفعل الذميمْ
أيكم في الناس أعلى منزلًا
فله عندي مقاليد الجحيمْ

•••

رَنَّ في الندوة صوت الكبرياءْ
رائع الصيحة مرهوب الصدى
قال إني أنا داء الأعلياءْ
أنا داء لهم فيه الرَّدى
مالئٌ بالغيظ قلب الضعفاءْ
تارك النابه فيهم أوحدا
رُبَّ خير بتُّ أجريه على
منهج الفتنة والشر العميمْ
ووضيع رحت أذروه إلى
مطلع النجم كما يذري الهشيمْ

•••

ومشى الشيطان شيطان الحسدْ
مشية الأفعى إلى وكر القطا
شاحب السحنة مهضوم الجسدْ
خائفًا في جبنه قد أفرطا
قال: لو شئت لما حاز أحد
منكم السبق وإن جدَّ الخطا
بذوي القربى ولوعي والأُلى
بينهم قربى سهيم من سهيم
أجدر الناس بأن يتصلا
حائل بينهما كيدي العظيم

•••

وانبرى للقول يأسٌ معضل
كلما هم تولَّاه الضجر
قال ما لليأس فيكم مأمل
لا ولا يرجو مقاليد سقر
بيد أني قاتل لا يعقل
ومن القتل حياةٌ للبشر
أنا إن أيأست من ورد حلا
فكما ييأس من ثدي فطيم
فذروني كيف أبغي موئلا
بين خنَّاسٍ ووسواسٍ رجيم؟

•••

ثم أبدى الليل شيطان الندم
ضارعًا يفرق من خفق الهواء
أخرس المقول من غير بَكَمْ
ولقد ينطق حينًا بالبكاء
يمقت الإثم ويغري من أثم
بذنوبٍ ما له منها وقاء
يمقت الإثم ويغري بالطلا
وهو بالشارب ينبو والنديم
يغفر الموتور للجاني ولا
يرحم الجاني من وخز أليم

•••

ومشى من جانب الحب أنين
كشواظ النار يرمي بالشرار
لفح القوم فهبوا صارخين
وهُمُ في الخلق من مارج نار
أنا شيطان الهوى أفرى الوتين
كل من أغشاه مسلوب القرار
أنا للبغض سبيلٌ والقِلى
وسبيلٌ للرزايا والهموم
ليس في الكون مكانٌ قد خلا
من صراعٍ أنا موحيه القديم

•••

ودعا الداعي بشيطان الكسل
فتمطَّى ساعةً لا ينطق
قال لو راودت نجمًا لأفَلْ
وثوى في أفقه لا يشرق
آفة القول جميعًا والعمل
وبلاء الله فيما يخلق
ورأى وجه الرياء المقبلا
فتنحَّى خلفه وهو كظيم
مذ رأوه هتفوا ما أجملا
وهو يزوي عنهمُ الوجه الدميم
قال إني أنا شيطان الرياء
صاحب الوجهين أملودُ اليد
ألبس الأعداء جلباب الإخاء
وأعير العبد وجه السيد
وأميت النفس في طي الخفاء
فهي تحيا كالرفات الملحد
أنا فيما أبتلى صنو البلى
أبدل الأحياء إبدال الرميم
ميتٌ من عاش يومًا مبدلا
ومسيخٌ وجهه وهو وسيم

•••

أنصت الجمع ولم يبق سوى
حكم إبليس بسبق السابق
رجع الأمر إليه فاستوى
يلحظ الرهط بعيني حاذق
ثم نادى بالرياء المجتوى
فأبى الخب إباء الماذق
قال تأباها ولولاك انجلى
غَيْهَبُ الأرض فكانت كالنعيم
دونك الدنيا اتخذها منزلا
وتولَّ اليومَ أبوابَ الجحيمْ

كولمب في الأوقيانوس

من لكولمب والمخاوف تثنيـ
ـه وتزجيه خادعات الغرورِ
هام بالعالم الجديد كما ها
مَ تقيٌّ بالعالم المستور
ما ابتغى جيرةً هناك ولا أهـ
ـلًا ولا عاذ عنده بنصير
أي أهل وجيرةٍ لهمامٍ
أوْحَدي المنى قليل النظير؟
من له فاتحًا وما فاتح المجـ
ـهول يومًا كفاتح المنظور
ضاربًا في حشا خضارة تعلو
هُ سماءٌ عميقةُ التدوير
يعتلي صهوة الخضمِّ خضمًّا
لم يوطَّأ، كالآبد المذعور
بين سخطين من صحاب غضابٍ
أين يمضي وعيلمٍ تيهور؟
يذرع الليل والفضاء بطرفٍ
شاخص لحظه ووجه وقور
ويضل الفجاج في الصبح حتى
يسبل الليل خيمة الديجور
فإذا النجم كالسفينة ركبٌ
ليس يدري هناك عقبى المسير
من لكولمب لا السموات تهديـ
ـه ولا النور في دجاه بنور
يسأل السحب أين مسراك غربًا
أين ترمين بالحيا المسجور؟
أمعادٌ به إلى البحر أم تُحـ
ـيين منه الثرى بصوب غزير؟
إنما يزجر السحاب وما كا
ن سحاب بالطائر المزجور
لو نعيب الغراب يسمع لاعتد
نعيب الغراب صوت بشير
في سماءٍ ما قط حوم فيها
غير غادي سحابها من طيور
كل يوم يرى بساطًا من المو
ج شبيه المطوي بالمنشور
فيرى الراكبوه أن لن يزالوا
راسيًا فلكهم رسوَّ ثبير
تظهر الشمس كل يوم ولا يأ
ذن للأرض حاجبٌ بالظهور
ثم لاحت فظنها القوم راحًا
مدها الله من وراء البحور

•••

غرضٌ كان لم يصب منه خيرًا
وتولَّى وليس بالمشكور
ذلكم آدم الذي أورث النا
س كميراث آدم المعمور!

•••

لا تلوموا الكبير يركب هولًا
إنما الهول من مطايا الكبير
إنَّ قلب العظيم بحرٌ زخورٌ
فهو ما عاش فوق بحرٍ زخور
كم ضلالٍ في اليم أرهب منه
صراعات الضلال في التفكير!

الأثواب الثلاثة

(إن أحقر الصعاليك قد تمر به ساعات يتمنى فيها الملك، ولكن لا يؤخذ من ذلك أنه يحب أن يخلع نفسه ليلبس نفس الملك؛ بل هو في الحقيقة لا يتمنى الملك إلا ليتمتع بما يصبو إليه وهو صعلوك حقير، فالإنسان يحب نفسه ولا يبدلها بأي نفس أخرى، فإذا كان يحب حظوظ غيره فلأنه يحب نفسه، ولو تساوت النفوس والحظوظ لما كان هناك باب للتمني والعمل، وهذا مثل تقسيم الأثواب في القصيدة التالية؛ فإنه لما اختلفت ألوان الأثواب أصبحت كل بنت تختار الثوب بعد الآخر ولا ترضى واحدًا منها، ولو تشابهت ألوانها لرضيت كل بنت بثوبها وربما كانت لا تتطلع إلى سواه، فكيف كان الإنسان إذن يرضى عن نصيبه؟ إنه لن يرضى إلا إذا احتجز لنفسه كل المزايا ولم يبق لأحد مزية قط، أو إذا تساوى الناس في كل شيء فلم يبق لأحدهم مزية على الآخر.

ومن ثم يظهر لنا أنه لا يستطاع إرضاء الناس جميعًا إلا بما فيه خراب الكون.)

ليلة العيد أقبلت بالسعود
فاكتسى بالجديد كل وليدِ
واكتست بالجديد كل فتاةٍ
لبست جدةَ الجمالِ الفريد
وتواصت على الثياب أخيَّا
تٌ ثلاثٌ فُتِنَّ بالتقليد
يتسترن بالإخاء وتُزهى
كلُّ أختٍ بحسن وجهٍ وجيد
لا تجل (العذراء) إن لم تجدها
في كساءٍ من الطراز الجديد
قمن يقسمن بينهن شفوفًا
غاليات من زاهيات البرود
لاحقات الأثمان بعضًا ببعضٍ
واختلاف الألوان جِدُّ شديد
فتنازعنها مليًّا وولت
كل أخت بريبة المزءود
تنتقي الثوب ثم تزهد فيه
ثم تُغرى بثوبها المردود
لم يكن غيرُه بأخلبَ وَشْيًا
لا ولا كان همُّها في المزيد
حسدًا والضئيل يبدو جليلًا إن
رآه الفتى بعين حسود

•••

هكذا الخلقُ في الحياةِ تعادَوْا
في حظوظٍ مقدورةٍ وجدود
ظلموا دهرهم ولو بلغوا السؤ
ل لما كان عندهم بسديد
لا تظنوا الشريد يرضى بأن يُبـ
ـدَلَ من همِّه بهَمِّ العميد
لو تمنى العروش لم يرضَ أن يخـ
ـلعَ فوق العروش نفس الشريد
وأحبُّ النفوسِ نفسُكَ لكنـ
ـنَ أحبَّ الحظوظِ حظُّ البعيد

غادة أثينا

حدثي عن دولة الإسكنـ
ـدر عروسَ الشعرِ واروي واذكري

•••

كاعب كالظبي إلا أنها
دون نهديها جنانُ القسوَرِ
علَّمتها أمةٌ قد علمت
صنوها البأس وقور الضُّمَّر
أمة حسب بنيها سؤددًا
أنهم رهطٌ عزيز العنصر
وغزاها فاتح الأرض كما
تحدق النار بوكر الأنسُرِ
وابتلته بحنانٍ صابرٍ
وابتلاها بالعديد الأكثر
وسطا الجندُ عليها كالدَّبا
بين ألفاف النبات المثمر
راودَ الغادةَ منهم قائدٌ
سيئُ الخيم غَرِيُّ المنظر

•••

أيها الفاتكُ بالعرض الذي
صانه الطهر ترفق واحذر
أغمد السيف فهذي وقعةٌ
لم تصب فيها ولمَّا تظفر
خضت حربًا ليس من آلاتها
منصلُ العضبِ وسَرْدُ المِغْفَرِ
دون ذاك النصل سيفٌ لهذَمٌ
من شبا اللحظ وقدٌّ سمهري
دون ذاك السورِ سَدٌّ مُحْكَمٌ
من عفافٍ واضحٍ للمبصر
دون ذاك الحصن قلبٌ مضمرٌ
كيف يُرمى حسنُ قلبٍ مضمر؟
تَبَّتِ الحربُ فما في غيرها
حَلَّ للجيش حرامُ المِنْسَرِ

•••

أيأسَتْهُ من رضاها فارتضى
من حلي الغيد حظَّ المشتري
قال أين المال قالت هاكه
يمم البستان وابحث وانظر
دونك البستان فانزل بئره
والتمس فيها نفيس الجوهر
إنني أحرزت فيها لؤلؤًا
ليس يُلفى مثلُهُ في الأبحر
وأتى البئر فزجته يدٌ
بضةٌ بيضاء مثل المرمر
فتردَّى فارعوت تقذفه
برجومٍ كالغمام الممطر
واحتوته البئر في أعماقها
كاحتواء النفسِ سرَّ المنكر
إنَّ مَنْ كانت حضيضًا نفسُه
لحقيقٌ بالحضيضِ الأكدر

•••

ورآها الجند فاجتازوا بها
عند ذي القرنين هَوْلَ المحشر
لابس الغار عليه أخضرا
وهو مُفْنٍ كلَّ زرعٍ أخضر
وقفت وقفة لا مستعظم
عزة الملك ولا مستغفر
قال من أنت؟ فقالت إنني
أخت (ثيجين) الأبيِّ الشَّمري
أخت (ثيجين) فسل من قومكم
عنه من لاقاه تحت العِثْيَرِ
مات في الحرب التي أرَّثها
بغيُ فيليب أبيكَ الغَمشر
ذاد عن أوطانه ثم افتدى
دوحة المجد بغصنٍ «مزهر»

•••

قال ذو القرنين إني باسطٌ
لكِ فيئًا فاسكني أو فاهجري
وخذي مما وهبنا أو دعي
لن تُنالي بالأذى في عسكري

أورمزد وأهرما

أورمزد يا مخلف آمالي
يا مخلقًا جدَّةَ سربالي
إذا تجهمت لأهل الثرى
مزقت بالأضواء أوصالي
وتمسح الأدمع من عينها
حتى يبيت الصبُّ كالسالي
الآن فلأحجبك عن أعينٍ
أحييتها في الزمن الخالي

•••

مقالة فاه بها أهرما
ثم مشى مشية مختال
لاقي بها الشمس وقد صدَّها
بالغيم عن سهلٍ وأجبال
يضحك بالرعد ويبدي لها
بالبرق عن أنياب أغوال
فالتفتت في برجها لفتةً
وابتسمت هادئة البال
قالت وهل يحجبني شانئٌ
لولاي لم يلحق بأذيالي؟
تحجبني حينًا ولكنني
أزجيك للخيرات والنال
لو علم الناسُ مصيرَ الأذى
لنافسوا في الشر بالمال

عند حلاق

ما بالها تطفر كالغزال
ساحرةً بالتيه والجمال؟
هيفاء من أوانس الأندلس
ذات جبينٍ كالنهار المشمس
قد أسفرت حاليةً بالنَّوْرِ
في وجنةٍ ومقلةٍ وثغر
من كل زهرٍ ناضر الرواء
والزهر لا ينضر في الشتاء
ثم استوت في مجلسٍ هناكا
تمدُّ للخلائقِ الشِّباكا
أمامَها المرآةُ فيها يظهرُ
ما ليس في غير المرائي تبصر
تمثالها في صفحة البلور
مرتسمًا بريشةٍ من نور

•••

وكان يرعاها أريبٌ كيِّسُ
فقرَّ في موضعه لا ينبس
وصوَّب الطرف إلى الرذيلة
يرمقُ تلك الصورةَ الجميلة
كمن يهاب الشمس في السماء
فيرتضي بقرصها في الماء
وساءها حتى إلى الطيف النظر
أهكذا تبخل ربات الخفر؟
الحسن إن ضنَّ به المليح
كالمال إذ يدفنه الشحيح
والزهر إذ يزكو لغير ناشق
والبدر إذ يبدو لغير رامق
فأقبلت غضبى إلى قرينها
وأومأت سخرًا إلى مجنونها!
قالت ألا تنظر للمغرور
حدَّق في المرآة كالمسحور
ما زال يرنو نحوها بالطرفِ
حتى لقد أخجل فيها طيفي
فأومأ القرين للحلاق
يبتسم ابتسامة الإشفاق
وقال قل للصاحب الصديقِ
لا يكسر المرآة بالتحديق
من يكْثرِ اللمحَ لها بالليل
قد يعتريه خبلٌ في العقل

•••

فأطرق الأديب كالمستعتب
وقال «عفوًا» يا قرين الكوكب
ما في المرايا ثَمَّ من شيطان
يُخَافُ منه المسُّ للإنسان
لكنَّ فيها ملكًا مكمَّلا
يوحي لنا الحسن كما تنزلا
ملكتَ منه الذاتَ واستأثرتا
فَفُزْ بها مغتبطًا هنئتا
ودع لنا هذا الخيال مغنما
ليس الخيال حرمًا أو محرما

أمنا الأرض

(مغزى هذه القصيدة أن الخوالج التي تحرك الأطفال هي الخوالج التي تتصرف بالرجال، وأن الأقدار تخدعنا ونحن جادون بالحيل التي تخدع بها الأطفال وهم لاعبون، وأنها تؤدبنا فنسخط ونحن نؤدب الأطفال ثم نعجب لأنهم يسخطون.)

أسائلُ أمنا الأرضا
سؤال الطفل للأم
فتخبرني بما أفضى
إلى إدراكه علمي

•••

جزاها اللهُ من أم
إذا ما أنجبت تئد
تعذِّي الجسمَ بالجسم
وتأكل لحم ما تلد

•••

ألا يا أم كم طلعا
عليك الشمس والقمر
وكم أسنى وكم وضعا
على أرجائك القدر

•••

أقاموا أمس وانصرفوا
فليس لفَلِّهم شمل
فأينَ نفسُ من سلفوا
وأين يكون من يتلو؟

•••

فقالت في ملامحكم
يبينُ الجدُّ والخلَفُ
فجوسوا في جوانحكم
فثَمَّ يجوس من سلفوا

•••

وأين عظام من نبها
من الماضين في السير؟
فقالت: قد صنعت بها
لكم حلوى من الثمر!

•••

وما المجد الذي أضرى
قلوب بنيك فاشتجروا؟
فقالت حلة كبرى
يراها القلب لا البصر

•••

فقلت لها فما العمل؟
فقالت خادم الحلم
وما الأحلام والأمل؟
فقالت حيلة الأم

•••

وقد يُحتالُ للطفل
على خير له مُجد
ألا ينبو عن الأكل
إذا لم يُغْرَ بالوعد؟

•••

فقلت لها وما السقم
وما الآلام والبلوى
وما الآفات تخترم
شباب الأحور الأحوى؟

•••

فقالت إنما البلوى
عقاب الطيش والنهم
فإن جُرْتُم على الحلوى
هززتُ لكم عصا الألم

•••

وقلت لها فما الذهب
وفيم طويته عنا؟
فماج الناس واضطربوا
فلا عطفًا ولا أمنا
فقالت لست أحسبه
سوى ضربٍ من الحجر
وإن الطفل مطلبه
أشدُّ لكل مستتر

•••

يجدُّ الطفل مفتتنًا
بما لم يبده العلن
ويحسب جهده ثمنًا
لشيء ما له ثمن!

•••

لزدتُ بقولها خُبْرَا
وزدت بقولها جهلا
فما ألفيتُه وعرَا
وما ألفيته سهلا

•••

وصحت بها إلى أينا
إلى أين المصير بنا؟
فغضَّت عينها الجفنا
وصدت عنِّيَ الأذُنا

•••

بني الدنيا لعاب بها
ففي الأبواب قصَّادُ
لكم يوم بملعبها
وتحت الأرض آباد
لها ملهى تكرره
إذا ما انفضَّ لم يُعقد
نغاديه فننظره
ويوصد بابه السَّرْمَدْ

سيان

يا شمس ما ضَرَّكِ لو لم تشرقي
يا روضُ ما ضَرَّكَ لو لم تعبقِ
يا قلب ما ضرك لو لم تخفقِ
سيان في هذا الوجود الأحمقِ
من كان مخلوقًا ومن لم يُخْلَقِ

المعري وابنه

قال المعري:

وإذا أردتم بالبنين كرامةً
فالحزم أجمع تركهم في الأظهر

(فهو والد رءوف صد أبناءه عن الحياة؛ رحمةً بهم! فيا لها من رحمة لا يعرفها له أبناؤه! ومتى كان الأبناء يعرفون البر للآباء؟! والقصيدة الآتية محاورة بين المعري وابن له في الغيب يتوسل إليه أن يريه الحياة وهو يذوده عنها وينصح له بالبقاء في عالم العدم.)

يا أبي طال في الظلام قعودي
فمتى أنت مخرجي للوجود؟
طال شوقي إليك فاحلل قيودي
يا أبي عالم الظلام مخيفُ
ليس يقوى عليه طفلٌ ضعيف
فأجزني من ظله المسدود
حَدَّثونا عن الحياة العجابِ
فلهجنا بحسنها الخلاب
وظمئنا لحوضها المورود
حدثونا عن الدجى كيف يسطو
وعن الصبح بعده كيف يعطو
وعن النحس فيهما والسعود
حدثونا عن دارها وبنيها
وجهاد يمنى به القوم فيها
وعن الموت بعدها والخلود
أرني الجهر يا أبي والخفاءَ
أي شيء ذاك المسمى شقاء؟
أي سر يراد بالمولود؟
ما الوجوه الحسان؟ ما النَّوارُ؟
ما الدراري ما الفلا ما البحار؟
إنَّ دأبَ الوليد حبُّ الجديد
لي جدودٌ وليس لي أبوان
ولئن شئت آن فيكم أواني
وتملَّيت قسمتي في الوجود

•••

ولدي إنني أبوك الرحيم
أنا بالعيش يا بني عليم
لا تصدق مقالة من بعيد
ما حياةٌ تشقى وتسعد فيها
تتعنَّى لكن بما يعنيها
في عظيم تُبلى به أو زهيد
يحسب الحي جهده لهواه
جهل الحي جهده لسواه
إنما المرء آلة للجدود
إنَّ غنم الحياة من لم يجده
لم يُمتَّع به، ولم يفتقده
فاغتنم ربح شرها المفقود
شرها يا بنيَّ ثقيلُ
خيرها يا بنيَّ خيرٌ قليل
أهلها يا بنيَّ أهل حقود
زعموها إلى الخلود تؤدي
ما رأينا سوى فناءٍ ولحد
فيه مُود على تجاليد مُودي
قف بباب الحياة لا تدخلنها
واعتصم يا بنيَّ ما اسطعت منها
سوف ألقاك — فانتظر — بالوصيد

•••

هكذا أقنع المعري الوليدا
فتنحى عن الحياة بعيدا
والتقى الشيخ وابنه في اللحود

بين الشاعر

وعروس شعره
كفى يا عروسَ الشعر خيبتِ آمالي
وكذَّبت أحلامي وأشمتِّ عذَّالي
إذا ما وعدت الوعد أخلفت في غدٍ
وهيهات لا تبقين يومًا على حال
يظل غريرًا من أعارك سمعه
وإن عاش أجيالًا عفتْ بعد أجيال

•••

كفى يا صديق العهد هيجت بلبالي
وما أنت بالسالي هواي ولا القالي
ملامك فيه الحق أو فيه بعضه
وما غاب عن ظني ولا بان عن بالي
إذا قلت زورًا فهو من صدق شيمتي
ومن يصف الدنيا يصف خيمَ ختَّالِ
إذا هزلت أمي الحياة فهل ترى
من الصدق ألا يطرق الهزل أقوالي؟
بحسبك من عذري إذا ما عذلتني
أمانة تمثيلٍ وروعة تمثال!

حانوت القيود

(الحياة كالمرأة إذا أحبت امرءًا قيدته بأحابيلها، وعلقته بهواها، فمن كان حي النفس تحتفظ الحياة بوجوده فهو مقيد بالغرائر والأهواء، ولا تضعف هذه الغرائز والأهواء في الإنسان حتى يكون منبوذًا من الحياة، كأنه عاشق لها مملول لا تبالي هي أن تطلق له القيد وترسله حرًّا متى شاء، فكلنا طالب قيد مزاحم على حانوت القيود، ونحن على هدى من سبل الحياة ما دمنا مقيدين بوهم من أوهامها أو عاطفة من عواطفها؛ لأن قيودها تلك هي الأزمة التي تقودنا بها إلى حيث تريد.)

جزى الله حانوت القيود فإنه
مناط الأماني من بعيد ومكثبِ
تزوَّد منه الناس في كل حقبة
وحجوا إليه موكبًا بعد موكب
يصيحون فيه بالقيون كأنهم
سراحين في وادٍ من الأرض مجدب
فمن قائل عجل بقيدي فإنني
طليق ومن عان كثير التقلب
إذا أخطأ الأغلال قطَّب وجهه
كئيبًا وإن أثقلته لم يقطِّب
يطوفون بالمغلول طوفة عاطلٍ
فقير بموشي الطيالس معجب
فهذا إلى قيدٍ من العقل ناظر
وما العقل إلا من عقال مؤرَّب
يخفِّض من أهوائه كل ناهضٍ
ويغلب من آماله كل أغلب
يمشي بأغلال التجارب معجبًا
على غبطة منه لمن لم يجرب
وهذا إلى قيد من الحب شاخص
وفي الحب قيد الجامح المتوثب
ينادي أنلني القيد يا من تصوغه
ففي القيد من سجن الطلاقة مهربي
أدره على قلبي وعقلي ومهجتي
وطوِّق به كفي وجيدي ومنكبي
ورصِّعه بالحسن المسوَّم واجله
بكل سعيد في المناظر طيِّب
عزيز علينا العيش حرًّا وحولنا
أسارى الهوى من فائزٍ ومخيَّب
ورب رخيِّ البالِ تمت حظوظه
يقيِّدُ دنياه بعنقاءَ مغرب
أمانيُّ يقفوها فتربط خطوه
رباط الدياجي خطوة المتنكب
وآخر أضنته الملالة باسط
يديه إلى الأعمال في غير مأرب
إذا ما رأى المكدود يمقت عيشه
تمنى على الأيام شقوة متعب
وكم طامع في الجاه والجاه عصمةٌ
ولكنه كالمعقل المتأشب
يصد الْعِدَى عن ربه ويصده
عن الناس صد المحجم المترقب
وربَّ عقيمٍ حطم العقم قيده
يحن إلى القيد الثقيل على الأب
إذا منَّت الدنيا عليه أجابها
بلعنة موتور وعولة مترب
يرى أن حال المفتدى من إساره
لديها كحال المجتوى المتجنَّب
ومن لم تعلِّقه الحياة بقيدها
فيا سوءَ ما اختارت له من تقرُّب
بني آدم لا تنكروها فإنها
مياسمُ من أرواحكم لم تُغَيَّبِ
فما تكرهون القيد إلا لأنكم
تنوءون منه بالثقيل المشعَّبِ
أعزكم من لا مزيد لوقره
ولا فضل في أغلاله لمعقب
وقد زعموا أن القياد قيادة
لمن كان يمشي في مجاهلِ غيهب

أكاروس

(قصة «ديدالوس» و«أكاروس» تروى على روايات كثيرة في الأساطير اليونانية القديمة، وقد اخترنا هذه الأسطورة لنظمها والتعليق عليها؛ لأنها تجمع العبرة والمتعة الخيالية، وهذه هي خلاصتها: ديدالوس بطل كانوا يضربون به المثل للقدرة الخارقة في الصناعة وحسن الحيلة في تذليل المصاعب والخروج من المآزق، وزعموا أنه غار من ابن أخته الذي كان يتعلم على يديه فقتله وأخفى جثته، ثم خاف العاقبة فهرب من أثينا ومضى يضرب في البلاد برًّا وبحرًا حتى نزل «كريت» على صاحبها «مينو» فلقي عنده كرامة وحسن وفادة، وأمل «مينو» أن يستفيد من علمه وقدرته في تحصين بلاده وتعليم رعيته فأبقاه وتكفل له بالحماية وطيب المقام.

وكان لمينو زوجة جامحة الهوى تحب ثورًا مشهورًا في الأساطير «منوطور» فولدت منه طفلًا لا إلى الثور ولا إلى الإنسان، وغلب عليها حب الأم فأرادت أن تستحييه وتحفظه في غفلة من زوجها المخدوع، فلجأت إلى ديدالوس تطلب إليه أن يبني لذلك الطفل سردابًا مجهول المنافذ تضعه فيه وتتعهده بالتربية والحراسة، فتردد الصانع أولًا وحسب حساب الرفض والقبول ثم قبل أن يصنع السرداب؛ مخافة من دسيسة الزوجة واطمئنانًا إلى خفاء الأمر بعد بناء السرداب، ولكن الملك علم به فثارت ثورته وأغلق مسالك الجزيرة ومنع أن يفلت ديدالوس منها هاربًا من عقابه، فلما اشتد الحجر على ديدالوس هدته الحيلة إلى صنع أجنحة له ولولده «أكاروس» يطيران بها عن الجزيرة، ونصح الحكيم الصناع ولده ألا يعلو في السماء فتذيب الشمس لحام جناحه ولا يهبط على الماء فيبللهما الرشاش الكثير، ولكن الولد نسي النصيحة وهو في نشوة الطيران والوثوب، فعلا مصعدًا إلى الشمس وكان ما خافه أبوه؛ إذ سقط هالكًا على صخرة في البحر يبكيه من حولها بنات الماء! فالأسطورة مجال لاستعراض عبر الشهرة والغيرة والشهوة والطماح.)

أكاروس هذا مسبح الطير فاركبِ
وتلك المهاوي من حُضارةَ فاجنبِ
زوى الغاشم المخدوع عنا سفينه
ونادى فنحَّى جنده كلَّ مركب
وظنَّ بنا عجزًا، فيا سوء رأيه
متى حيل ما بين السماء وكوكب!
أدر مركب الريش الذي ما استقله
أنيسٌ ولا جنٌّ ولا ذات مِخلبِ
وطر نلتمس عِبْرَ الشمال ونرتحل
على سنة الطير التي لم تهذَّب
تراها إذا ضاقت بلاد بسربها
على أهبةٍ في جوها المتقلب
ألا وادَّخر عزمًا يقودك شرخه
إلى الأوج فاحفظه لشوطٍ مغيَّبِ
وسِرْ قُدُمًا إن المطار لواحدٌ
ولكن سبيل الأوج ليس بمقرب
أكاروس إنا هاربان من الردى
فلا تجعل العقبى إلى شر مهرب
توسَّط فلا تهبط ولا تعلُ مصعدًا
ولا تكُ من يعلو إلى غير مطلب
فإنك إن تغتَرَّ بالشمس ينخذلْ
جناحاك أو تبتلَّ بالماء ترسب
هنا لافح يوهي اللحام وها هنا
لريشك وهيٌ من رشاش مرطِّبِ
أكاروس إني باذل لك من يدي
ومن خبرتي ذخرَ الصَّنَاع المجرب
تذكر عظاتي واعلم اليوم أنه
صنيع الحجى لا الكف أنفس مكسبي
ولا تَتَّخِذْ ريشي وتنسَ نصيحتي
يخنك جناح الرأي يومًا فتعطب
جناحاك من ريش إذا لم يُعنهما
عديلان من رأي كأغلال متعب
أقلُّ من الصخر امرؤٌ ضم جسمه
أمانة روح لم يصنها لمأرب
ولي فيك أعمارٌ طوال وللدُّنى
فأسند إلى عزم الصبا حزم أشيب
حياتك من بعدي معادي ولن ترى
فتى صالحًا يجني الفناء على أب
وللأمس شوقٌ أن يرى الغد طالعًا
فإن مات يومٌ قبل ماضيه فاعجب
بُنَيَّ استمع قولي فما بعد نَسْيِه
سبيلٌ إلى تكراره لمعقِّب
إلى الجو هذا يا بُنَيَّ وَدَاعُنا
وللأرض منا لهفة المتغرِّب
فإما لقاءٌ بعدُ فوق صعيدها
وإما فراقٌ شاعبٌ كل مشعب
وصاةٌ لديدالوس وصَّى بها ابنه
ونعم الموصِّي من حكيم مدرَّب
صناعٌ له كفٌّ كأن أكفنا
من العجز إن قيست بها لم تُرَكَّبِ
عليمٌ بأسرار الفنون وإنها
لتقبسُ من سرِّ الحياة المحجَّبِ
ومن يُؤْتَ تصريف الجماد يُصب به
أكفًّا وأعضادًا إلى كل منكب
وناهيك ديدالوس من ذي حصافةٍ
قدير على فعل الأعاجيب معجب!
يعيرك من يمناه صولة قشعمٍ
وخلسة ثعبانٍ وحيلة ثعلب
ويبني فمبناه عمادٌ لأمةٍ
وبيتٌ لأجيال وزينٌ لمنصب
ولكنه بئس الغيور على اسمه
وقد يحمل الغيران أوزار مذنب
تغيَّظَ لما بَزَّهُ فرع صنوه
ولم يرع حق الأختِ في ابن محبَّبِ
فأصماه لم يشفق عليه من الردى
وواراه لم يندم ولم يتحوَّب
وما كان إلا أن نبا بكليهما
فضاء أثينا من مقيم ومُعزب
فهذا مسجًّى في ثراها مترَّبٌ
وهذا مزجى دونها كالمترَّب
تشرَّد واستعدى لإخفاء أمره
ذكاءً يريك النجم في جنح غيهب
ووارته من عين الغريم فنونه
وكانت منارًا بين شرق ومغرب
وما زال يَعْرَورى البلاد ويتقي
تصعد أثناء الذرى بالتصوُّب
إلى أن تلقَّته «كريت» وربها
على خير أهل في حماها ومرحب
وأمَّل «مينو» منه حصنًا لملكه
فحصَّنه «مينو» بملك مؤشَّبِ
وما مَلِكٌ إلا له من صناعةٍ
معاقلُ يبنيها ليوم عَصَبْصَبِ

•••

هنالك كان الأمن لو يأمن امرؤٌ
يُخاف ويرجى للمخوف المؤرَّب
تحيَّر ديدالوس ما بين مُنكرٍ
وشكرٍ وغبُّ اثنيهما غير طيب
أيحمل شكر الملك أم كيد عرسه
وأنجاهما في طيِّه سمُّ عقرب
غوت عرس مينو واشتهت ساء ما اشتهت
من الناس لا بل من بهيمٍ مذنب
تحنُّ إلى ثور وتهوى اقترابه
وليس وليُّ العهد منه بمعجب!
فأولدها طفلًا له مثل ظلفه
إلى شرِّ وجهٍ آدميٍّ ومنكب
ويا رُبَّ أنثى تعشق الثور كلما
سباها فتى بالجسم لا الروح يستبي
فمَنْ غير ديدالوس يخفي شنارها
ويرعى مهاد الطفل رَعْيَ المؤدِّب؟!
أهابت به أمًّا وأنثى حريصةً
ومالكةً حيرى فلم يتهيب
بنى لسليل الثور حرزًا وليته
تلمَّس حرزًا من غوائل مُغْضَبِ
غوائل «مينو» حين ثارت ظنونه
وضاجعَ أشجان المعنَّى المعذَّب
وأقسم لا واقٍ من الموت عنده
ولا وائلٌ من سخطه المتلهِّب
وأهولُ من هول الخضارمِ في الدُّجى
ضراوة مهتوكٍ وغيظ مخيَّب
فلما تنادى الجند وارتجَّتِ القُرى
وخيف الأذى من حاضرينَ وغُيَّبِ
وقالوا: أمَنْ ربُّ الجزيرة حربه
يوقيه عرض البحر أو طول سبسب
أهاب الصَّناع العبقري بفنه
فلباه فاستعلى به متن أشهب
تسربل من ريش وسربل نجلَهُ
خوافق لوَّى بينها ألف لولب
فحلَّق مزهوًّا وفرَّ مظفَّرًا
وأغرى لسان السخر بالمتعقَّب

•••

مضى ناجيًا من بأس «مينو» فهل نجا
فتاه من البأس الذي فيه يختبي؟
بلى قد نجا لولا طماحٌ سما به
إلى الشمس في ثوب من النار مُذهب
تعشَّقها مفتونةً فتقبلت
هواه بوجهٍ صادق النور خلَّبِ
وأسكره الشوق الجديد فما ارعوى
لنصح نصيح أو لزجر مؤنِّب
وما هي إلا وثبة بعد وثبة
إلى الشمس حتى عزَّه كل موثب
تعشقها نارًا فإن جاءه الأذى
من النار فليعتبْ فلا حين معتب

•••

علا بدمٍ حيٍّ وخرَّ مضمَّخًا
به في جناحي أرجوان مخضَّب
طريحًا على صخر تُغشِّيه رغوةٌ
من العيلم الغضبان في غير مَغْضب
وراحت بناتُ الماءِ يندبنَ حولَهُ
ومن يرَ أنقاضَ الصبا الغضن يندب
وما من عزاءٍ للشباب علمته
سوى مدمع من أعين الحسن صيِّب
إذا جال في حسبانه هان عنده
دموعٌ ذراها الحزن من طرفِ أشيبِ

كعبة الأصنام

بعدَ الزلزال
كانت الكعبة والأصنام فيها
زينةً تأخذ قلب الصَّبِّ تيها
حلفت في كل ركنٍ بالدُّمى
والدمى مستعبداتٌ صائغيها
هي أصنام لمن يعبدها
أو تماثيلٌ تناجي عاشقيها
عظمت حينًا فلما زُلزلت
كاد من صلى إليها يزدريها
كان فيها صنم الحق نبيـ
ـهًا تداعى فبدا مسْخًا كريها
نزع الزلزال عيني رأسه
فاحتوته ظلماتٌ غاب فيها
وارتمت ساقاه في جانبه
هل ترى داعيَه إلا سفيها؟!

•••

كانت النخوة فيها صنمًا
صاغي السمع كما شئت نزيها
يخلب الطَّرفَ بحسن واضح
وسماتٍ تزدهي من يجتليها
فارتمت أذناه في الأرض لَقًى
ومضت كفٌّ بلا كف تليها
يطلبُ الغوثَ ولا غوثَ له
هل ترى داعيَه إلا سفيها؟!

•••

والإخاء المحض كم أبصرتُهُ
حيثُ لم أبصرْ له قط شبيها
قائمًا يفترُّ عن مبسمِهِ
واسعَ الصدرِ يحييك وجيها
شقه الزلزالُ فانجابَ لنا
عن حنايا صدره لا قلبَ فيها
خيرُ ما في وجهه ظاهرُه
هل ترى داعيَه إلا سفيها؟
وتراءى الحبُّ فيها فتنةً
ما اجتواها زائرٌ من زائريها
ضرب الزلزال في أصنامه
فهوت أشلاؤها تنعى ذويها
ما الذي أبقاه من أشلائها
سوأة يعرض عنه مشتهيها؟
وهوى تمثالُ مجدٍ لامع
يخطفُ العين بنورٍ يعتليها
ملأ الدارَ علينا جوهرًا
زائفًا ينطق بالزيف بديها
وقشورًا لا تساوي وزنَها
من ترابٍ لن ترى من يشتريها
هي إن قامَتْ جمالٌ فإذا
سقطت لم تكدِ العينُ تعيها

•••

هكذا أقوت زوايا كعبتي
وثوت خاويةً من ساكنيها
غير أني طائفٌ من حولها
لم أشأ أهجرها أو أبتنيها
لا طوافَ المتملِّي حسنها
أو طواف المهتدي من عابديها
بل كمن نقب في جوف الثرى
يجمع الآثار في شتى سنيها
من فراغٍ لا من الرغبة في
تلكم الآثار أمسى يقتنيها
أو هي العادة كالطيف إذا
هام بالأجداث يبكي نازليها

إبليس ينتحر

(الاستعباد هو الجو الذي تعيش فيه الشياطين؛ لأنه الخوف والإغراء، وإبليس يخاف أن يخرج منه إلى جو الحرية كما تخاف السمكة أن تخرج من الماء.)

هاتوا ليَ الخير والهدى جُرَعا
أبخع نفسي حزنًا كَمَنْ بخعا
حريةُ القوم أفسدت خُدَعى
لم تبقِ لي في الأنيس منخدعا!
إن مُنِعَتْ لذة حفزتُ لها
فكيف حفزي من لم يكن منعا؟
لو حُجِبَتْ شهوة أُزَيِّنُها
فكيف تزيين ظاهر سطعا؟
إن طغى ظالمٌ له خنعوا
فكيف يطغى إن عَزَّ من خنعا
لو دام هذا البلاءُ واتَّسَعَتْ
حريةُ القومِ ضاق ما اتَّسعا
واستغنتِ الأرضُ والسماءُ معًا
عن الشياطين فانطَوَوا جزعا
ما حاجة الأرض للأبالسِ في
عهدٍ نضا الخوف عنه والجشعا؟
وكيف تغذوهم بلا عمل
وهي على السعي شأنها اجتمعا؟
وأين يأوونَها إذا قشعتْ
عنها ظلام الدهور فانقشعا؟
أتى زمانٌ أموت فيه أنا
إبليس يأسًا وفي يدي صُنعا
ودعتُ ملكَ الدنيا وودعني
ملكٌ إذا همٌّ قلما رجعا
هاتوا لي الخير جرعة فإذا
ضعفتُ عنه شربته جُرَعا
سأسبقُ الموتَ حينَ يتبعني
فإنه لاحقٌ إذا تبعا

بيت يتكلم

(كل بيت من البيوت التي تعاقب عليها السكان لو ألقيت عليه طلسم الخيال وأمرته بالكلام فتكلم لانطلقت منه أسرار وأشباح يزدحم بها فضاء المكان، ولسمعت عجبًا لا تسمع الآذان أعجب منه، وليس الذي يتحدث به «البيت» في القصيدة التالية إلا قليلًا من كثيره.)

جميعُ الناسِ سكَّاني
فهل تدرونَ عنواني؟
وما للناس من سرٍّ
عدا آذان حيطاني
حديثي عجب فيه
خفايا الإنس والجان
فكم قضَّيتُ أيامي
بأفراحٍ وأحزان!
وكم آويتُ من بَرٍّ
وكم آويتُ من جان!
فإن أرضاكمُ سِرِّي
فهاكم بعض إعلاني

•••

بني الإنسان لن أحفـ
ـلَ في دهري بإنسان
ألم أعرفكمُ طرًّا
فلم أسعد بعرفاني
أتاني أولُ السَّكْنِ
وما استوفيتُ بنياني
وما أرهفتُ آذانًا
ولم آنسْ بقطان
وأصغيتُ على مهلٍ
فطاشتْ كلُّ آذاني
هما زوجان أو شيطا
نةٌ لاذت بشيطان
وقد عاشا وفيَّيْنِ
بتقديرٍ وحسبان
وراحا هكذا يحكو
نَ في روح وريحان
وما أبصرت من هذا
ولا من تلك في آن
سوى خوانةٍ خر
قاءَ تفري عرضَ خوان
إذا ما ضحكا يومًا
على غش وبهتان
حسدت البيد والأطلا
ل في غيظي وكتماني
وأشفقت من النقـ
ـمةِ أن تهتز أركاني

•••

وجاء الساكن الثاني
وبئس الساكن الثاني
يراه الناس ذا مالٍ
وأفراسٍ وغيطان
وقد شوهني بخلًا
وأعراني وأعياني
وقد صيرني سجنًا
ومنه كان سجاني
فلما طال بي عهدًا
ولم أسعد بهجران
وددتُ لَوَ انَّ لي في كل
جحر ألف ثعبان
بديلًا منه أرضاه
وأحبوه بغفراني
وأنفث سمها أو يتـ
ـقي شري ويخشاني
إلى أن آده أجري
ولم يظفر بنقصان
فأخلاني ولن أنسـ
ـى سروري يوم أخلاني

•••

وكان الساكن الثا
لث ذا عزٍّ وسلطان
فما ارتبت بأن العـ
ـزَّ والذلة سيان
وما ألفيته إلا
لئيمًا جدَّ غفلان
ضعيفًا يستر الضعـ
ـفَ بطغيانٍ وعدوان
وكم أذعنَ للطاغي
عليه شرَّ إذعان
إذا ما لقي النا
س بكبر منه طنان
فما أصغرَ ما ألقـ
ـاه منه بين جدراني

•••

وأما رابع القوم
فذو علم وتبيان
حشا بالورق اليا
بسِ والأخضرِ حيشاني
فما لي موضعٌ في الأر
ضِ أو من فوق عمدان
وما لي مطبخ أو مخد
ع أو بهو ضيفان
ولا زاوية إلا
وفيها الكتب تلقاني
أبى للنفس دعواها
ولم يسمع لجثمان
فلا سهرة أحبابٍ
ولا جلسة ندمان
فما أجهله بالحق
ذاك العالم العاني!
أبين الناس يحتا
جُ إلى علمٍ وبرهان؟
وهم عميان ظلماء
سَرَوا في إثر عميان؟
كثيرٌ لك يا إنسا
نُ في دنياك عينان!

•••

وأما الخامس الجاني
فناهيك بشهوان
فما زودني إلا
بأثداء وأعكان
وهُتَّافٍ بألحان
وسُمَّارٍ على الحان
إذا أمسيتُ مسَّاني
بأشكالٍ وألوان
على الأبواب ما يرضيـ
ـك من حسن وإحسان
ومن صونٍ لأسماع
ومن غَضٍّ لأجفان
فلا تنظرهم ثمـ
ـة وانظُر بين أحضاني
فيا للهِ كم في الأر
ض من غيٍّ وغيان
وكم في القوم من مخدو
ع آباء وإخوان
وأزواج وأصهارٍ
وخلان وأخدان
لَوَ انِّي قلت ما أدري
لهدُّوا كل أركاني
فنعم الصمتُ والحكمـ
ـة يا صخري وصواني!

•••

وكم صاحبت من أصـ
ـحاب آداب وأديان
تجافوا وصمةَ العاصي
وعافوا شهوة الزاني
وباتُوا بينَ قرباتٍ
وترتيل لقرآن
ولم يأسوا من الدنـ
ـيا على غبنٍ وحرمان
إذا ما شرفتني زمـ
ـرَةٌ منهم بصحبان
حسبت الأرض تجفوني
فأنساها وتنساني
وقالوا الجان لا تقر
ب من مجلس فرقان
فقد ألفيتُ بعضَ الإنـ
ـسِ في العنصر كالجان

•••

ولكن شر ما آويـ
ـت في لؤمٍ وعصيان
رياء الخائن العادي
على أهلٍ وأوطان
تلقاهم بتمويهٍ
ولاقوْهُ بإيمان
وفي حجرة أسراري
وفي ظلمة أوكاني
يبيع الحوزة الكبرى
بربع أو ببستان
ويعطي الحق والذمـ
ـة والفتيا بأثمان
ويفني أمة تحييـ
ـه وهو الزائل الفاني
ويمشي بين قتلاه
رفيع الذكر والشان

•••

ولم أحمد من الضيـ
ـفان ضيفًا مثل فنان
تولاني بإبداع
من الفن وإتقان
وغطَّى كل جدراني
بمنضور ومزدان
وأوحى الحسن واستو
حاه من جنات رضوان
فحينًا حسن مكسوٍّ
وحينًا حسن عريان
بريئًا في سماء الفـ
ـنِّ من عبث وأدران
وفتانًا على الحا
لين لكن أي فتان!
كما تفتنك الزهـ
ـرةُ في أعطاف أغصان

•••

جموعٌ لست أحصيها
ولو دونت ديواني
ومثلي كل جاراتي
ومثلي كل جيراني
عرفت الناس أشتاتًا
بلا عد وحسبان
فلم أعرف أأعداء
همُ أم جمع أقران؟
إذا ما اختلفوا في سيـ
ـمَةٍ تبدو وشغلان
فهم في الموت أشباه
وفي سقمٍ وأشجان
وما منهم فتًى إلا
بكى حينًا وأبكاني
مساكينٌ فلا تحفل
من الناس بإنسان
ولا تحسد فتًى منهم
على بأسٍ وإمكان
فأعلاهم وأدناهم
أمام الغيب صنوان

•••

نزيل المنزل الخالي
ألا تعرف عنواني؟
إذا ما طفت حوليه
فثق أنك تلقاني
فما من منزلٍ إلا
وفيه بعضُ ألواني
تأمل في نواحيه
وراقبه بإمعان
ولا يخدعك صمتٌ فيـ
ـه أو تفتيح بيبان
ولا تحسبه خلوًا من
مغاليق وأكنان
إذا ما كنت مستحضر
أرواح وحدثان
فقف في المنزل الخالي
وأرهف سمع يقظان
وأغمض فيه أجفا
نك وانظر غير وسنان
ترَ الأطياف أفواجًا
وتسمع موج طوفان
وتجمع كل ما يُجْمَعُ
من ربح وخسران
ولا يخطئك تاريخٌ
ولا دارس أزمان

بعد صلاة الجمعة

على الوجوه سيمة القلوبِ
فانظر إلى المسجد من قريب
وقف لديه وقفة اللبيب
في ظهر يوم الجمعة المحبوب
إنك في حشدٍ هنا عجيب

•••

هذا الذي يمشي ألا تراه
كأنما قد حملت يداه
سفتجة صاحبها الإله
ذاك هو الدَّين وقد وفاه
فليس للدائن بالمطلوب

•••

وذلك المبتسم الرصين
كأنه بسره ضنين
أصغى إليه سامع أمين
فهو إذا صلى كمن يكون
في خلوة النجوى مع الحبيب

•••

وانظر إلى صاحبنا المختال
في حلة ضافية الأذيال
أكان في حضرة ذي الجلال
أم كان في عرضٍ او احتفال؟
يُزهى على المحروم والمسلوب

•••

وكم مصلٍّ خافت الدعاء
كأنما نصَّ إلى السماء
رسالة في عالم الخفاء
فلا يني يبدو لعين الرائي
كالمترجِّي أوبةَ المكتوبِ

•••

ورب شيخٍ من ذوي الخلَاقِ
فرحان بالجمع وبالتلاقي
كأنه التلميذ في انطلاق
بين تلاميذ له رفاق
عادوا إليه عودةَ الغريب

•••

تجمَّعوا في بيته تعالى
وافترقوا في جمعهم أحوالا
وهل نسوا في أرضه النضالا
فيحتويهم بيته أمثالا
على اختلاف السَّمْتِ والنصيب؟

•••

لعلهم صلوا له ارتجالا
فاختلفوا ما بينهم سؤالا
فلو أجاب السائلين حالا
صب على رءوسهم وبالا
وألحق المخطئَ بالمصيبِ

الدينار

في طريقه المرسوم
لما بدا الدينار من
باب الخزانة في السماءْ
نادى الموكَّل ثم بالأر
زاق: أين ترى الثواء؟
قال انطلق في الخافقيـ
ـنِ إلى فتى جمِّ الشقاء
قد بات ممنوع الغذا
ءِ وراح مقطوع الكساءْ
فاذهبْ إليه ومَنِّهِ
بعض السعادة والرجاء

•••

فأجابه الدينار وهـ
ـو يكاد يجهش بالبكاء
أنا لست أعرفه فدعـ
ـني أستطيب هنا البقاء
سيطول بحثي عنه في
وادي الخمول ولا لقاء

•••

قال الموكَّل ثم بالأر
زاق حسبك من رياء
لن يألف المال الفقـ
ـير ولن يحيد عن الثراء
ما شئت يا دينار فامـ
ـضِ كما تشاءُ لمن تشاءْ

•••

فاستقبل الدينار وجهـ
ـته وهمَّ بلا وناء
ومضى إلى حيث المعا
لم واضحات والضياء
حيث الدنانير السوا
بق قد رسمنَ له الفضاء
ليس الطريقُ على اقتحا
مٍ كالطريق على اهتداءْ

نداء طفل

أرسلت إلى عروسين:

سرى إلى الآذان
في غفوة الوسنان
نداء طفل جريء
مستعجل لهفان
عجبت منه صغيرًا
يقولُ طلق اللسان
أبي كريمٌ وأمي
كريمة في الحسان
كلاهما في رواءٍ
من الصبا وازديان
كلاهما ذو فؤادٍ
مجمَّلٍ بالحنان
كلاهما يتمنَّى
بين الصغار مكاني
فلي أحق رجاء
في عالم الإنسان
وفي ولادة يمنٍ
تزف بالمهرجان
وفي احتفال ختانٍ
وفي احتفال قران
وفي احتفال نجاحٍ
يجوزُ كلَّ امتحان
هيا ادعواني سريعًا
إليكما واهدياني
وقربا لي ضياء الشـ
ـموس والأكوان

•••

قالوا انتظر قال لا لا
هيهات لست بوان
قالوا تعقل قليلًا
يا أعقلَ الفتيان
فَكُلُّ شيءٍ لدينا
موكلٌ بأوان
أتحسب العيش رهنًا
بما قضى الأبوان؟
فصاحَ صيحةَ سخطٍ
وقال في عنفوان
ما لي أنا أنا ما لي؟
هيا ادعواني ادعواني
أتأبيان لقائي
ما أنتما منصفانِ!

•••

لا تعذلوه إذا ما
أطال في الهذيان
فالطفل غير صبورٍ
على الحجى والبيان
والطفل هيهات يدري
يومًا بحكم الزمان
فاستمهلاه برفقٍ
وحيلةٍ وافتنان
ولا تطيلا عليه
في الغيب عد الثواني
فكلنا نترجَّى
قدومه في أمان

جواب جميل

قال جميل بن معمر صاحب بثينة:

ألا أيها النُّوَّامُ ويحكمُ هبُّوا
أسائلكم هل يقتلُ الرجلَ الحُبُّ؟

وأجيب بلسان أحد النوام:

بربك دعنا راقدين فلو درى
بنا الحب لم يرقدْ لنا أبدًا جنبُ
وسل راقدي الأجداث عنهم فإنهم
مجيبوك عن علمٍ بمن قتلَ الحبُّ!

وقد سأل جميل بلسان الحال:

ألا أيها الأموات ويحكم هبوا
أسائلكم هل يقتل الرجلَ الحبُّ؟

وقد أجيب بذلك اللسان:

أَفِقْ مزعجَ الموتى فلو كنت قادرًا
على أن تهبَّ اليومَ من صرعة هبوا
ولستَ إلى أن يُسمع الصورُ سامعًا
هنا سر مقتولٍ يبوحُ به صبُّ!

جنة الخيام

رغيف خبزٍ ووجهٌ
حلوٌ وكأسُ مدام
وتلك جنة عدنٍ
في مذاهب الخَيَّام

•••

قالوا ونودي يومًا
ما تشتهي في يديكا؟
دع مطلبًا منه فردًا
والباقيان لديكا

•••

فحار بين رغيفٍ
إن فاته مات جوعا
وبين وجهٍ منيرٍ
إن غاب غابت جميعا

•••

وبين كأس مدام
على الشقاء تعين
لولا خداع مناها
أفاق وهو غبين

•••

طال التردد فيها
فمال عنها كظيما
سألت جنة خلدٍ
وما سألت جحيما

•••

قالوا فناداه صوتٌ
يقول في غير رفق
كصوت إبليس لولا
ما فيه من فرط صدق

•••

«أتلك جنة خلدٍ
تهذي بها يا حكيم
بمطلب إن عداها
ترتدُّ وهي جحيمُ؟»

مادي يعلل الربيع

رفيق أول :
إن الربيع جميلُ
رفيق ثان :
صه! ذاك قولٌ دخيلُ
ألست تعلمُ أن الر
بيعَ شيء ثقيل
وأنه من صنيع
للغش فيه أصول
رفيق أول :
من غشه يا صديقي؟
رفيق ثان :
حقًّا لأنت جهولُ
قد غشه الأغنياء الـ
ـمستأثرون القليل
أليس فيه متاع
لهم وظل ظليل؟
رفيق أول :
لكن بعيشك قل لي
وذاك مني فضول
بأي برهانِ صدقٍ
وأي شرح يطول
قد أقنعوا الأرض حتى
باتت إليهم تميل؟
رفيق ثان :
حقًّا لأنت عجيبٌ
فيما أراك تقول!
برشوة دفنتها
في جوفها يا زميل
ألا ترى التبرَ فيها
منها إليها يئول؟
فافهم إذن يا صديقي
فقد أتاك الدليل
وأيدته شهودٌ
وأكدته عقول
الأرض والشمس والنا
س والدعاة العدول
لهم ضمائرُ سوءٍ
مرضَى وطبعٌ وبيلُ
بذاك «ماركس» أفتى
ونقضه مستحيل!

عيد ميلاد في الجحيم

(دخل شقي الجحيم فحسبوه مولودًا جديدًا في ذلك العالم القديم، ومضى عليه العام فاحتفل بعيد ميلاده وقال لأترابه وأنداده):

صُفُّوا الموائدَ واملئوا الأكوابا
وادعوا الصحاب وبشِّروا الأحبابا
قولوا مضى عامٌ ليوم هبوطه
هذا الجحيم فقرَّ فيه وطابا
وبلا المقام فراح يحمد شَرَّ ما
فيه وآدب باسمه إيدابا
هذا الجحيمُ أحبُّ لي من عالمٍ
ما كان لي إلا رجاءً خابا
الشرُّ ثمةَ كان شرًّا كاسمه
والخير كان كما علمت سرابا
يشقى بنوه ليعمروه ويجشموا
فيه الشقاء ليرجعوه خرابا
لا يعرفونَ الحق إن سمعوا به
إلا ليلقَوا في الحقوق عذابا
أَهْوِنْ بصابٍ في الجحيم أذوقه
قد كان ثمة كلُّ شيء صابا
صابًا إذا ارتوت الشفاه شربته
بالناظرين وساء ذاك شرابا
وَلَرُبَّ وجهٍ يومذاك شهدته
فكأنَّ سمًّا في العيون انسابا
وجه اللئيم إذا استهلَّ ومثله
وجه الكريم إذا اضمحلَّ وذابا
ورضا الظلوم وحيرة المظلوم في
بلواه يطرق كلَّ يومٍ بابا

•••

يا صحبُ حيوا النار في ويلاتها
واحثوا على ذاك التراب ترابا
ما كان في حُسن هناك فجهده
أن يخدَعَ الأبصارَ والألبابا
أو كان من فضل هناك فحسبه
أن يملأ الدنيا عليك صعابا
يا صحبُ هاتوا من علاقمها لنا
وادعوا الأحبة واشربوا الأنخابا
مَنْ عاشَ عامًا في الجحيمِ فلا اشتهى
أبدًا إلى ذاك الجوارِ مآبا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤