إهداء الكتاب

إلى جلالة السلطان عبد الحميد الأعظم
مولاي

يسوءُني أنني من جملة رعاياك؛ لأنه يسوءني أن أكون عبدًا، وأنت عوَّدتنا أنك تعتبر الرعية في منزلة عبيد لك بدلًا من أن تتبع الحقيقة، وهي أن تكون عبدًا لنا، ولما كنت لا أستطيع التخلص من هذه التابعية، فعلى الأقل أحاول أن أعلن للناس أنني عبدك رغمًا عني، وهذا كل ما أستطيع أن أفعله الآن.

لكن كما أن الدول المتمدنة قد ألغت الاسترقاق والنخاسة وأعطت العبيد السود حريتهم، كذلك قدَّر الله العليُّ الحكيم أن أخرج من مملكتك وأن أقيم في حمى حكومة مصر العادلة، فمن هذا القطر الذي أصبح سعيدًا من يوم تقلص ظل نفوذك عليه أعرض لمسامعك الشاهانية ما أشكوه أنا ويشكوه سائر رُصَفائي في تركيا من السياسة الخرقاء التي تبعتها جلالتك، وأصرِّح لك — غير خائفٍ ولا وجلٍ — بأنك في سياستك هذه تسُوق بلادك ورعيَّتَك إلى خرابٍ عاجلٍ وسقوطٍ سريعٍ.

إن ترقِّيكَ يا مولاي إلى عرش أجدادك قد أوجد عدة ضربات أصيبت بها الدولة العثمانية، ومن جملة تلك الضربات قتلُ العقول، الأمر الذي تفرَّدت فيه عن سواك من السلاطين.

أنت تدري يا مولاي مقدار خوفك على حياتك؛ حتى أنك حصنت قصرك وجمعت من حولك الرجال بالسلاح، كل ذلك حرصًا على حياتك، وأنت فرد من الناس فكم بالحريِّ يليق بنا، نحن الأمة بأسرها، أن نحرص أيضًا على عقولنا وأن ندافع عنها، وهي أشرف ما وهبه لنا الله تعالى.

فإن كنا لا نقوى الآن على مقاومتك بالقوة، فإننا نحاول مقاومتك بالبرهان، فإن لم تصغِ اليوم لأصوات عقولنا، اضطرك الإهمال يومًا ما إلى الإصغاء لصوتٍ جهوريٍّ هو صوت الشعب، والعياذ بالله من الشعب إذا اتحد واتفق وأراد أن يدرك غاية شريفة معلومة فيها خيره، فإن السلاطين لا تكون أمام ذلك البحر الزاخر والتيار القوي إلا:

كريشةٍ في مهبِّ الريح خافقةٍ
لا يستقرُّ لها حال من القلق

فأشفِق يا مولاي على نفسك من ذلك اليوم الرهيب.

وإني أدوِّن في هذا الكتاب بعض المساوئ الحاصلة وأرفعها هديَّة إلى معاليك، لعل وصف أعمالك الظالمة وعمالك الأدنياء يؤثر عليك، إذن تتمَثَّل لعينيك في كتاب على حدة سينتشر بين الناس في عدة لغات فاقبله غير مأمور، والأمر والفرمان لوليِّ النعم.

المؤلف

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤