ملحق حاوي خير

رأيت أن أُتحِفَ القراء بشيء لا يخرج عن الموضوع، وهو أن أنشر لهم ألقاب السلطان عبد الحميد. فقد ذكرت في هذا الكتاب أن الحكومة العثمانية أمرت بجعل لقب ملوك أوروبا حشمتلو، وأن لقب الجلالة أو العظمة لا يُستعمل لغير السلطان، ولكن هناك من الألقاب المستعملة لتمجيده ما لا يُحصى.

تقع البلاد العثمانية من عرش السلطنة واحدة واحدة ويأتي المنافقون فيضعون مواضعها الألقاب، فكلما سقطت بلدة سدُّوا مكانها بلقبٍ حتى أصبحت الألقاب تزيد على السبعين لقبًا. ولكن إذا قابلنا بين البلاد الضائعة وبين هذا العدد، وجدنا أنهم قدَّموا سلفًا ما يكفي لسقوط بعض البلاد في المستقبل، اغتنامًا من هذا الخير العظيم والمجد الكبير، واستعجالًا بهذا الفخر السني.

وهذه الألقاب الشريفة التي يكفي بعضها للأنبياء والمرسلين وملوك الأرض الفاتحين آلافًا من السنين، قد جمعناها من عددٍ واحدٍ من جريدة «إقدام» التركية تاريخ ١٨ شعبان سنة ١٣١٢، ولو سمع إنسان قارئًا يقرؤها لظن أنه بجانب صومعة فيها راهب أو خلوة فيها عابد يتلو أورادًا مملوءةً بالتسبيح والتمجيد والتقديس والتحميد لله سبحانه وتعالى. ولم يكتفوا من التقديس المختص بالله وأسمائه ببناء اسم المفعول منه حتى بنوا منه أفعل التفضيل، فقالوا: «أقدس» واستعملوه لكل ما يتعلق بالسلطان. ولم يسمع المسلمون في كتاب من الكتب الإسلامية على اختلاف أنواعها ومشاربها لفظة التقديس أضيفت إلى النبي ، بل الذي يعلمه المسلمون إسناد التقديس إلى الخالق سبحانه فقط، فيقال تقدست أسماؤه. ويقولون الحضرة القدسية على حضرة ذي الجلال سبحانه وتعالى. ومن العجيب أن هذا يفوت على الناس ولا يلتفتون إليه، وربما أطالوا أعناقهم لسماعه افتخارًا به. تصوَّر أيها القارئ، الفاروق — رضي الله عنه — جالسًا في مسجد رسول الله وحوله الصحابة رضوان الله عليهم يقولون له: يا عمر، ومفاتيح البلاد وقواد جيوشه أمامه، ثم تصور وقوف رجل بيده جريدة المشير يقول: اسمعوا أيها المسلمون ما يضاف من الألقاب إلى اسم السلطان عبد الحميد الخليفة في أواخر القرن التاسع عشر، الذي ضاع ثلث ملكه والباقي — إن لم يتداركه الله — على إثره. ماذا كان يقول عمر وما كان يقول الصحابة إذا سمعوا القارئ يقرأ: ظِلُّ الله، سلطان البرَّيْن، خاقان البحرين، شهنشاه (ملك الملوك)، ملكدار (ممسك الملك)، جهانباني (باني الدنيا)، تاجدار (ممسك التاج) شهريار، كيتي سباني (الملك)، شاه جهانبان (ملك العدالة) خان، ظل يزدان (ظل الله، فارسية)، ذات كروبي (صفات الذات الموصوفة بصفات الملائكة الكروبيين) بادشاه، أمير المؤمنين، شهنشاهان (ملك ملوك الملوك)، خلافتبناه (ملجأ الخلافة) إمام الموحدين، قدر تلوشو كتلو عظمتلو، وكيل النبي المطلق، نائب الرسول، جليل المناقب، شاه عالي جاه، ذات قدسيت صفات (حميد الخصال)، دريانوال (سلطان البحر)، حامي السلم، ماحي الظلم، ناشر العدل، خليفة روى زمين (خليفة وجه الأرض)، سوكيلي سلطان (السلطان الحميدي)، عالمبناه (ملجأ العالم)، جنبكار (ملك)، مشيد أركان الدولة، مؤيد أساس الشريعة، جامع فضائل العدالة، حامي حوزة الدين، باني بنيان الدولة الثاني، وفير الآثار، عظيم الاقتدار، أعدل شهرياريان عثمانيان، أعظم حكمداران زمان، حامي أعظم دين مبين، ونكهبان (حافظ) أفخم شرع دين كزين، بادشاه عدل آبين وشهنشاه ديانت، بدر منير آسمان (جمع سماء)، خلافت، وماه (قمر) تابنده أوج سلطت متبوع مقدس، ولي نعمة العوالم سات، قومندان أقدس (ولم نعد نرَى في الجرائد عنوان الغازي؛ والظاهر أنهم استبدلوه بهذا اللقب)، شوكتماب أرحم وأشفق بسطو تبروز خذادن سراير خلافت عظما، وجهانبان فريد مكارم نما.

أما العنوان التلغرافي لجلالة السلطان فهو هكذا:

در سعادت-خاكباي شاهانه يه؛ أي إلى غبار الأقدام الشاهانية.

والظاهر أن رجال المابين علموهم إرسالها إلى حيث يكون مرجعها، فأرسلوها رأسًا إلى الأقدام.

أما في الكتب فعنوانه هكذا: الوكيل مطلق صاحب نبوَّت وخليفة صديق سيرت شهريار ذو النورين صفت بادشاه حيدرشيم، شهنشاه مفخم جهانباني مقدس ومفخم، ظل الله على الأرض ولي نعمة العوالم شوكتلو قدرتلو عظمتلو ولي نعمتمز بادشاهمز أفندمز حضرتلري.

ويكتب لجلالته أيضًا: عتبة فلك مرتبه، سائيه مرحمت وابه سائه قدر ثوابه سايه معارفوائه سائه سطوت وايه سطوتمات شوكتماب عتابه كستر مرحمت برودز. انتهى والحمد لله أولًا وآخرًا.

أفيقوا أيها الناس، وتنبهوا للكوارث المحدقة بنا والفوادح المقبلة علينا، ولا تفرحوا بهذه الألقاب التي أعطاها البعض للسلطان في جرائدهم، بل افرحوا باستخلاص البلاد التي ضاعت من الدولة أو حفظ الباقي فيها.

تحفى الأقلام، وينضب الكلام. ولا يبلغ كاتب وإن ملك البلاغة واستعبد الكلام، أن يصف حال الإسلام، وما أحاط به من الكروب ووقع عليه من الخطوب، وما يتوقَّعه من النوائب ويتخوَّفه من المصائب، ولو تجرد مسلم عن شواغل نفسه لرأى الإسلام منحنيًا تحت أستار الكعبة أو بجانب نافذة من الروضة النبوية يئن أنين الفاقِد ويبكي بكاء الثكلى ويتوجع توجع الجريح ويتضجَّر تضجُّر المُحتضِر، قد بُحَّ صوته لإنذار بنيه وتحذير ذويه، ولا أذن تُصغي ولا عين تنظر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤