الباب الثامن

من المقالة الثانية: في الحِيَل

وهو فصلان

الفصل الأول: في جر الأثقال بالقوة اليسيرة وآلاته. الفصل الثاني: في آلات الحركات وصنعة الأواني العجيبة.

الفصل الأول: في الألفاظ التي يستعملها أهل الحِيَل في جَرِّ الأثقال بالقوة اليسيرة

صناعة الحِيَل يُسَمَّى باليونانية: مَنْجانيقون، وأحد أقسامها جَرُّ الأثقال بالقوة اليسيرة. فمن الألفاظ التي يستعملها أصحاب هذه الصناعة: البرطيس، وهو فَلْكة كبيرة يكون في داخلها مِحْوَر، تُجَرُّ بها الأثقالُ، وتفسيرها باليونانية: الْمُحِيطة. المخل: خشبة مدوَّرة أو مُثَمَّنة تُحَرَّك بها الأجسامُ الثقيلة بأن يُحفر تحتَ الشيء الذي يُحتاج إلى تحريكُه ويُوضَع فيه رَأْس المخل ثم يُكْبَس الرأسُ الآخَرُ فيستقل الجسم الثقيل. والْبَيْرَم أحد أصنافه، ويُقال: البارم، والمخل لفظة يونانية، والبارم فارسية. أبو مخليون: حَجَر يوضع تحت هذا المخل فيسهل به تحريك الثِّقْل. الكثيرة الرَّفْع: آلة تُسَوَّى من عوارضَ وبَكَرات وقلوس تُجر بها الأحمال الثقيلة. الإسْفِينَ: شيء يُعمل شبيهًا بالذي يسميه النجارون: فانه، ويوضع رُكنه الحادُّ تحتَ الأشياء الثقيلة ويُدق دقًّا حتى يدخل تحتَه، وأكثر ما يُستعمل عند قلع الحجارة من الجبال. اللولب: هو الشيء الملتوي الذي يدخل في آخَرَ يُلْوَى لَيًّا إلى أن يَدخل فيه، وهو معروف يكون عند النجارين والمؤسسين. غالاغرا: مِعْصَرة للزَّيَّاتِينَ. أسقاطولي: خشَبة مربَّعة تُستعمل في هذه الآلات. ومن هذا الجنس: آلات الحروب، كالْمَجانِيق،١ والعَرَّادات. ومِنْ آلات الْمَنْجَنِيق: الكرسيُّ، وصورته مثل صورة الشيء الذي يكون في المساجد يُصعد عليه لتعليق القناديل. والخِنْزِيرَة من آلاته، وهي شيء شبيه بالبَكَرة إلا أنه طُولاني الشكل. والسَّهْم: خشَبة طويلة مستوية كالجِذْع. والإسطام حديدة تكون في طرَف السهم حيث يُعَلَّق حجَر الرمي.

الفصل الثاني: في حِيَل حركات الماء وصَنْعة الأواني العجيبة وما يتصل بها من صَنْعة الآلات المتحركة بذاتها

الحركات بالماء إنما تجذب بذاتها بأن توضع إجَّانة أو نحوها، مثقوبة الأسفل فارغة، فوقَ الماء، وتعلَّق بها خُيوطٌ كما تُعلَّقُ بكِفَّة الْمِيزان، وتُشد بتلك الخيوط الأجسام التي يُراد حركَتُها، فكلما امتلأت الإجَّانة رسبت في الماء وجرَّت الخيوط وما يتعلق بها، فيحدث لذلك حركة، وقد تستوي هذه الحركات بفنون من الأشكال مختلفة، بعضها ألطف من بعض، ومرجعها إلى ما ذكرته. وقد يكون جنس آخر، وهو أن تُعمل آلة من صُفْر أو نحوه، مجَوَّفة لا متنَفَّسَ لها أَلْبَتَةَ، وتوضع في سَطْل أو نحوه، ثم يُصب في السَّطْل ماءٌ صبًّا رقيقًا، فكلما ازداد الماء طَفَتْ تلك الآلةُ ورَفَعَتْ ما يتَعَلَّق بها من الأجسام؛ فيحدث لذلك حركات أيضًا، وتُسمى هذه الآلة المجوَّفة: الدبة. فأما الحَرَكات التي تحدث من غير الماء، فإن منها ما يُعمل بالرَّمْل، ومنها ما يُعمل بالخَرْدَل والجاوَرْس؛ وذلك أنه تُعمل آلة على هيئة الْبَرْبَخ طويلة، ويتثقب أسفلها ثقبًا صغيرًا، ويكون رأسها مفتوحًا، ثم تُملأ رملًا أو خَرْدلًا أو نحوهما، وتوضَع فوقَه قطعة رَصاص، ويُشد الرَّصاص من خَيْط أو حَبْل، ويعلَّق بالخَيْط ما يُحتاج إلى تحريكه، ثم يُوضَع الْبَرْبَخ في موضع منتصبًا ليخرج الرَّمْل أو غيره من الثُّقَب التي في أسفله، فكلما تناقَصَ الرَّمْل تحَرَّك الرَّصاصُ سُفْلًا وحرك ما هو متصل به، وقد تُهَيَّأ حركات عجيبة لذلك على أشكال مختلفة. ومن هذا الباب صنعة الأواني العجيبة، فمن آلات أصحاب الأواني: السَّحَّارة، وهي التي تُسميها العامة: سارِقَة الماء، أعني الأنبوبة المعطوفة المعمولة من زُجاج أو غيره، فيُوضع أحدُ رَأْسَيْها في الماء أو غيره من الرُّطوبات المائية، ويُمَص الرأسُ الآخَرُ إلى أن يصل الماء إليه وينصبُّ منه، فلا يزال يَسيل إلى أن ينكشف رأسه الذي في الماء، ولا يمكن ذلك إلا أن يكون الرأس الذي يُمَصُّ أسفلَ من سطح الماء، فأما إذا كان أعلى منه فإنه لا ينصَبُّ منه. السحَّارة المخنوقة: التي تُعمل في جام العدل، وجامُ العدل: إناء يُعمل ويُركَّب فيه أنبوبة فوق أنبوبة، وتكون العُلْيا مثقوبةً، وأسفل الإناء مثقوب، فإن كان ما فيه من الشراب فيما دون رأس الأنبوبة السفلى ثَبَتَ فيه، وإذا عَلاهُ انْصَبَّ الشرابُ من الثقب الذي في أسفل الإناء ولم يَبْقَ منه إلا مقدارُ ما يَبْقَى من الأُنبوبتين. والسحَّارة أيضًا: الكُوز الْمُغَرْبَل السُّفْل الْمُضَيَّق الفَمِ، الذي يُملأ ماءً، ثم يُقبض على فِيه فلا يَنْصَبُّ الماءُ من ثُقوب الغِرْبال، وتسَمِّيه العامة: الغَيْم. البثيون: هو البُزال الذي يُعمل من أُنبوبة تُثقب ثقبًا، وتُركَّب في الثقب أُنبوبة أخرى منتصبة تُدار فيه للفَتْح والسَّدِّ، والأُنبوبة المركَّبة في الإناء تُسَمَّى: الأنثى، والأنبوبة المرَكَّبة في ثقب الأُنبوبة تُسَمَّى: الذَّكَر. وكذلك كل ما يكون على هذه الصفة من الأنابيب والبرابخ والقنوات وغيرها تُسَمِّي الداخلَ منها: ذكرًا، والمدخولَ فيه: أنثى. وكذلك في النرمادجات ونحوها، وذكر البثيون يُسَمَّى السَّهْمَ أيضًا. المي دزد، معناه بالفارسية: سارق الشراب، وهو إناء يُعمل فيُملأ شرابًا، ثم يُنَكَّس فلا يَنْصَبُّ منه دِرْهَم، فيُوهم الشارِبُ أنه قد استوْفَى ما فيه، ويُسَمَّى جام الجَوْر، كما يُسَمَّى ضده: جام العَدْل؛ لأن ذلك إذا زيدَ فيه شيء فوق الْمِقْدار انْصَبَّ ما فيه كله. الْمُهَنْدَم، لفظة فارسية معربة، مشتقة من: هندام، بالفارسية، وهو أن يلتصق الشيءُ بآخَرَ فلا يمكن تحريكُه من غير أن يُلصق أو يُلحم بلِحَام. الْمَطْحُون، شبيه بالْمُهَنْدَم، إلا أنه أَسْلَسُ بحيث يمكن تحريكُه. وبابٌ مَطْحُون: أن يكون فيه ذَكَرٌ وأنثى، يدخل الذكَرُ في الأنثى وينطبق وينفتح، فإذا انطبق كان مُهَنْدَمًا لا فُرْجَة فيه، وأكثر ما يكون صَنَوْبَرِيَّ الشكل. ويُقال: انْطَحَنَ الشيءُ في الشيء، إذا كان يتحرك فيه من غير فُرْجَة بينهما. باب الْمِدْفَع وباب المستق، يكونان في النَّفَّاطات والزَّرَّافات ونحوها. التخاتج، جمع التختجة، وهي الألواح، مُعَرَّبة تختة. المليار، والمنيار: إناء كبير يُسخن فيه الماء. سرن الرَّحَى: الدَّوَّارة التي يَضربها الماءُ فتدور. بِرْكار السرن: أجنحته، لغة فارسية معرَّبة. والقَطَّارات: آلات تُعمل، يُقَطَّر منها الماءُ أو غيره على قَدْر الحاجات في أشكال مختلفة. الحَنَّانات: آلات تُعمل فتحِنُّ بصوت مثل صوت المعازِف والمزامير والصَّفَّارات وغيره على قَدْر الحاجة. النَّضَّاحات: آلات تُعمل للنَّضْح في وُجوه الناس على نحو ما يريد الصانع. الفَوَّارات: هي التي تُعمل في الحِيَاض والحَمَّامات ونحوها، يفور منها الماء في أشكال مختلفة. الْمِقَاط: حَبْل دَقِيق يُفتل من خُيوط الغَزْل أو الكَتَّان ونحوه. القَلْس: هو الحَبْل الغليظ الذي يُشد به السفن وغيرها. الشاقول: هو ثِقْل يُشد في طَرَف حبل يمده سفلًا، يحتاج إليه النجارون والبَنَّاءون. الكونيا: للنجارين يقدِّرون بها الزاوية القائمة.

١  الْمَجانِيق جَمْع مَنْجَنِيق، وهو كلمة فارسية مرَكَّبة من ثلاث كلمات: «مَن» بفتح الميم، ومعناه ضمير المتكلم المفرد أنا. و«چه» بجيم بثلاث نقط من تحتها مكسورة بعدَها هاء ساكنة تُقرأ ياءً. ثم كلمة «نِيك» بكسر النون، وهي صفة مشبهة بالفارسية معناها الحسن. ويُركَّب منها هذه الجملة: ما أحسنني، والعرب عرَّبَتْه بإبدال كافه قافًا، وهو آلة من آلات الحرب لرمي الحجارة وغيرها. ولما أرادوا أن يُلقوا سيدنا إبراهيم الخليل في النار جاءهم إبليسُ واخترع لهم الْمَنْجَنِيق فوضعوه فيه ورَمَوْهُ إلى النار. والعَرَّادة أصغر من الْمَنْجَنِيق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤