الباب التاسع

من المقالة الثانية: في الكيمياء

وهو ثلاثة فصول

الفصل الأول: في آلات هذه الصناعة. الفصل الثاني: في عقاقيرهم وأدويتهم من الجواهر والأحجار. الفصل الثالث: في تدبيرات هذه الأشياء ومعالجاتها.

الفصل الأول: في آلات هذه الصناعة

اسم هذه الصناعة: الكيمياء، وهو عربي، واشتقاقه من: كَمَى يَكْمِي، إذا سَتَرَ وأَخْفَى، ويُقال: كَمَى الشَّهادة يَكْمِيها إذا كَتَمَها. والمحَقِّقون لهذه الصناعة يُسمونها: الحِكْمَة، على الإطلاق، وبعضهم يسميها: الصَّنْعة.١ ومن آلاتهم آلات معروفة عند الصاغة وغيرهم من أصحاب الْمِهَن، كالكُور، والبوطق، والماشق، والراط، والزِّقِّ الذي يُنفخ، وهذه كلها آلات التذويب والسَّبْك. والراط: هو الذي يُفرغ فيه الجسد المذاب من فِضَّة أو ذهب أو غيرهما، ويُسَمَّى الْمِسْبَكة، وهي من حديد كأنها شِقُّ قَصَبَة. ومن آلاتهم: بوط أبربوط، وهي بوطقة مثقوبة من أسفلها تُوضع على أخرى، ويجود الوصل بينهما بِطِينٍ، ثم يُذاب الجسد في البوطقة العليا، فينزل إلى السفلى، ويبقى خَبَثُه ووسَخُه في العلْيَا، ويُسَمَّى هذا الفعل: الاستنزال. ومن آلات التدبير: القرع، والإنْبِيق، وهما آلَتَا صُنَّاعِ ماءِ الوَرْدِ. والسُّفْلَى هي القرع، والعليا على هيئة الْمِحْجَمَة هي الإنْبِيق. والإنْبِيق الأعمى: الذي لا ميزاب له. والأثال: شيء من آلاتهم يُعمل من زجاج أو فخار، على هيئة الطبق ذي المكبة والزق، لتصعيد الزئبق والكبريت والزرنيخ ونحوها. القابلة: شيء يُحمَّل رطلًا أو نحوه، يُجعل فيه مِيزَاب الإنْبِيق. الْمَوْقِد: شِبْه تَنُّور لهم. الطابستان: كانونٌ شِبْه كانونِ القَلَّائين. نافخ نفسه: تَنُّور يكون له أسفل على ثلاث قوائم، مُثَقَّب الحِيطان والقَرار، وله دكَّان من طِين يُوقَد ويوضع عليه الدَّوَاء في كُوز مُطَيَّن، في موضعٍ يَصْفِقُه الرِّيح. الدرج: شبه درج من طين، يُوقَد عليه ويعالَج به الأجساد.

الفصل الثاني: في أسماء الجواهر والعقاقير والأدوية المستعملة في هذه الصناعة

الأجساد هي: الذهب، والفِضَّة، والحديد، والنُّحاس، والأُسْرُبُّ، والرَّصاص القَلْعِي، والخارصِيني، وهو جوهر غريب شبيه بالمعدوم. ويُكَنِّي أربابُ هذه الصناعة في الرموز عن الذهب بالشَّمْس، وعن الفِضَّة بالْقَمَر، وعن النُّحاس بالزُّهْرَة، وعن الأُسْرُبِّ بزُحَل، وعن الحديد بالْمِرِّيخ، وعن الرَّصاص القَلْعِيِّ بالْمُشْتَرِي، وعن الخارصِيني بعُطَارِد. وقد يقع بينهم اختلاف في هذه الرموز أو في أكثرها، لكنهم لا يكادون يختلفون في الشَّمْس والْقَمَر. الأرواح: الكِبْرِيت والزِّرْنِيخ والزِّئْبق والنوشادر، سُميت تلك: «الأجسام»؛ لأنها تُثبَّت وتُقوَّم على النار، وسُميت هذه: «الأرواح»؛ لأنها تطير إذا مستها النار. ومن عقاقيرهم: الْمِلْح، فمنه العَذْب، ومنه الْمُرُّ، ومنه الأندراني، ومنه أحمر يُعمل منه أبواطٌ وصَوَانيُّ، ومنه النفطي له ريح النَّفْط، ومنه البَيْضي له ريح البيض المصلوق، ومنه الهندي وهو أسود، ومنه الطَّبَرْزَد، ومِلْح البَوْل يُعمل من البَوْل، ومِلْح القلي يُعمل من القلي. ومن عقاقيرهم: النوشادر، وهو ضَرْبانِ: مَعْدِنيٌّ، وآخَرُ مَعْمولٌ يُصنع من الشعر. ومنها: البُورَق، وهو أصناف، منها: بُورق الخُبْز، وصِنْف يُسَمَّى النَّطْرون، وبُورق الصَّاغة، والزَّراوَنْدي وهو أجودها. ومنها: التِّنْكار، وهو معمول. ومنها الزاجات، فمنها صِنْف أبيضُ يُسَمَّى المنحاتي وفيه عُروق خُضْر، وصِنْف يُسَمَّى الشَّبَّ وهو الأبيض الخالص، وزاج الأساكفة، ومنها السوري وهو أحمر، وهو قليل، ومنها الأخضر الذي يُسَمَّى قلقندون، وإذا بَلَّلْتَهُ وحَكَكْتَ به الحديدَ حَمَّره. ومن عقاقيرهم: المارقشيتا، ومنها مُرَبَّع ومُدَوَّر، وقطاع كبيرة غير محدودة الشكل، وهي ضروب، فمنها أصفر يُسَمَّى الذهبي، وأبيض يُسَمَّى الفِضِّي، وأحمر يُسَمَّى النُّحاسي. ومن عقاقيرهم: الْمَغْنِيسِيا، وهي أصناف، فمنها: التربة، وهي سوداء فيها عيون بِيض لها بَصِيص، ومنهاقطاع كبيرة صُلْبة فيها تلك العيون، ومنها مثل الحديد، ومنها أحمر، وصنوف أيضًا تتقارب. ومن عقاقيرهم: التُّوتِيا، فمنها أخضر، ومنها أصفر، وشبيه بالقُشور، وهو أيضًا ضُروب، فمنه أبيض، وهو هِنْدِيٌّ، وهو عَزِيز، وأصفر وهو خُوزِيٌّ، وأخضر وهو كَرْمانِيٌّ، ونوع يُقال له: الْمُخَوَّص، وأنواع أُخر، والهندي معمول. ومن عقاقيرهم: الدَّهْنَجُ، وهو حَجَر أخضرُ يُتخذ منه الفُصوصُ والخَرَز، وكذلك الفَيْرُوزَج إلا أنه أقل خُضرة من الدَّهْنَج. ومن عقاقيرهم: اللازَوَرْدُ، وهو حَجَر فيه عيون بَرَّاقة يُتخذ منه خَرَز. ومنها: الطِّلْق، وهو أنواع، منه بَحْري، ويَمَاني، وجَبَلي، وهو يُتَصَفَّح منه إذا دُق صفائحَ رِقاق لها بَصِيص. ومنها: الجمست، وهو حجر أبيض جبلي. ومنها: الشاذنة، فمنها ضرب عَدَسي، وآخر خَلُوقي. ومنها: الكُحْل، وهو جَوْهَر الأُسْرُبِّ. ومنها: الْمَسْحَقُونيا، وهو شيء يَسِيل من الزجاج، وهو مِلْح أبيض صُلب ذائب قوي. ومنها: الشَّكُّ، وهو ضَرْبان: أصفر وأبيض، وهو معدِني ومعمول من دُخَان الفِضة، ويُسَمَّى: سُم الفار. ومنها: الدوص، وهو ماء الحديد. ومنها: السكتة، وهو حجر يكون عند الصَّفَّارين. ومنها: الراتينَج، وهو صَمْغ الصَّنَوْبَر. ومنها: الزِّرْنِيخ، وهو ضُروب: أحمر، وأصفر، وأخضر، والأخضر أردؤها، وأجودها الصفائحي. ومنها: الْمِغْناطِيس، وهو الحَجر الذي يَجْذِب الحديد. ومن عقاقيرهم المولَّدة التي ليست بأصلية: الزِّنْجار، وهو يُتخذ من النُّحاس، تُجعل صفائحُه في ثُفْل الخَلِّ فيصير أخضرَ فيُنحت عنه ويُعاد فيه حتى يصير كله زِنْجارًا. الزُّنْجُفر: يُتخذ من الزئبق والكِبْريت يُجمعان في قَواريرَ ويُوقد عليها فيصير زُنْجُفرًا، وللنار قِدْر تُخرجه التَّجْرِبَة مرةً بعدَ أخرى، والوزن أن تأخذَ واحدًا من زئبق وواحدًا من كِبْريت. الأسرنج: أُسْرُبٌّ يُحرق ويُشب عليه النارُ حتى يَحْمَرَّ. الْمَرْداسَنْج: هو أن يُلقى أُسْرُبٌّ في حُفرة ويُطعم آجُرًّا مَدْقوقًا ورَمادًا ويُشدد النفخُ عليه حتى يَجْمُدَ فيصيرَ مَرْداسَنْجًا. القَلِيميا: خَبَث كل جسد يُخلص. الإِسْفِيداج: يُتخذ من صفائح الرَّصاص بالخل، نحو ما يُعمل بالزِّنْجار، وكذلك زَعْفَران الحديد من الحديد. والتُّوتِيا: دُخَان النُّحاس، ودُخَان الكُحْل.

الفصل الثالث: في تدبيرات هذه الأشياء ومعالجاتها

التقطير: هو مثل صنعة ماء الورد، وهو أن يوضع الشيء في القرع ويُوقد تحتَه فيصعد ماؤه إلى الإنْبِيق ويَنْزِل إلى القابلة ويَجتمع فيه. التصعيد: شَبِيه بالتقطير إلا أنه أكثر ما يُستعمل في الأشياء اليابسة. والتَّرْجِيم: جِنْس من التصعيد. التحليل: أن تُجْعَلَ الْمُنْعَقِدَات مثل الماء. والمعقد: أن يوضع في قرع ويوقد تحتَه حتى يَجْمُدَ ويعودَ حَجَرًا. التَّشْوِيَة: أن يُسْقَى بعض العقاقير مِيَاهًا، ثم يوضع في قارورة أو قَدَح مُطَيَّن، ويعلَّق بآخَر ويُشد رأس القارورة، ويُجعل في نار إلى أن يَشْتَوِيَ. والتشميع: تليين الشيء وتصييره كالشَّمْع. والتصدِئَة، من الصدأ، مثل ما يُعمل في صنعة الزِّنْجار. التَّكْلِيس: أن يُجعلَ جسدٌ في كِيزان مُطَيَّنة، ويُجعل في النار حتى يَصِيرَ مثل الدَّقِيق. التصويل: أن يُجعل الشيء الذي يَرْسُب في الرطوبات طافيًا، وذلك أن يَصِيرَ مثل الهَبَاء، حتى يَصُولَ على الماء، والشيء يُكَلَّس ثم يُصَوَّل. الإلغام: أن يُسحق جسد ثم يُخلط مع زئبق، يقال: أَلْغَمْتُه بالزئبق والْتَغَمَ. الإقامة: أن يصيرَ الشيء صَبُورًا على النار لا يَحترق، وقد تقدَّم ذكر الاستنزالِ في الفصل الأول. طِينُ الحِكْمة: أن يُخمَّر طِينٌ حُرٌّ، ويُجعل فيه دُقَاقُ السرجين وشيء من شعر الدَّوَابِّ المقَطَّع. ومِلْح الإكسير، هو الدواء الذي إذا طُبخ به الجسد المذابُ جعله ذهبًا أو فِضَّة أو غيره إلى البياض أو الصُّفْرَة. الحَجَر عندَهم هو الشيء الذي يكون منه الصَّنْعة، أعني الذي يُعمل منه الإكسير، وهو صِنْفان: حيواني، ومعدِني، وأفضلهما الحيواني، وأصنافه: الشعر، والدَّم، والبَوْل، والبَيْض، والمرارات، والأدمغة، والأقحاف، والصَّدَف، والقرن. وأجود هذه كلها: شعر الإنسان، ثم البَيْض. وأصناف المعدِني من الأجساد: الذهب، والفِضَّة، والرَّصاص الأُسْرُبُّ والقَلْعِيُّ، ومن الأرواح: الزئبق، والزِّرْنِيخ، والكِبْريت، والنوشادر. قالي الزِّرْنِيخ: نفْس البَيَاض، والكِبْريت نفْس الحُمْرة، والزئبق رُوحهما جميعًا. والإكسير:٢ مركَّب من جسد وروح.

•••

تم بحمد الله وتوفيقه وحُسن هدايته إلى أقوم طريقِه، ما ألهمني الله أن أعَلِّقَهُ على هذا الكتاب المفيد، الجامعِ لكثير من العُلوم ومصطلحاتها. وبالحقيقة أنه لا يقدر شخص واحد على تَوْفِيَةِ هذا الكتاب حَقَّه من الشرح والتعليق لتنَوُّعِ عُلومه وتعَدُّد فُنونه؛ إذ ليس في وُسْعِ كل شخص أن يُحِيطَ بكل ما اشتمل عليه. ومع ذلك أحمدُ اللهَ تعالى على ما أَلْهَمَنِيهِ من هذا التعليق الدقيقِ الذي وفَّى بالغرَضِ المقصود منه، وألمَّ بما اشْتَمَلَ عليه كلَّ الإلمام، والفضل مِنَ الله تعالى وإليه. وقد تم هذا التعليق على جَنَاح السرعة من غير تَوَانٍ ليلةَ يومِ عاشُوراء افتتاح سنة تسعة وأربعين وثلاثمائة وألف مِنْ هجرةِ مَنْ قد خَلَقَهُ اللهُ تعالى على أكملِ نَعْتٍ وأجملِ وَصْفٍ، سيدِنا محمدِ بْنِ عبدِ اللهِ النبيِّ العربيِّ الهاشميِّ صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصَحْبِه وسَلَّمَ. بقلم العبد الفقير، كثير العجز والتقصير، أبي عبد الرحيم كمال الدين محمد بن محمد بن عبد القادر بن علي بن أبي الفضل محمد بن أحمد بن صالح بن منصور بن محمد بن عمر بن عبد الحي بن محمود بن بدر الدين الحسيني الأدهمي، المولود في طرابلس الشام سنة ١٢٩٦ هجرية، والمقيم اليوم في مصر القاهرة، أحسنَ اللهُ تعالى إليه في الدنيا وفي الآخرة، والحمد لله وكَفَى، وسَلام على عبادِه الذين اصْطَفَى.

١  الكيمياء كلمة يونانية معناها: اختلاط وامتزاج، وهو الإكْسِير عند القدماء، كانوا يحوِّلون به المعادن إلى ذهب وفِضَّة، وهذا التحويل — وإن كان ممكنًا — ولكن بمشقة زائدة لأن أدنى نَقْص أو خَلَل في تركيب أجزائها يَبْطُل به التحويل؛ حتى عَدَّ بعضُ العقلاء هذا التحويل مُحَالًا. قال ابن بُرهان النَّحْوِيُّ المتوفَّى سنة ٤٥٦: لو كان علم الكيمياء حقًّا لَمَا احتاجت الحُكومات إلى أخْذ الخَرَاج (الضرائب) من الرَّعِيَّة، ولو كان عِلْمُ الطلاسِمِ حقًّا لَمَا احتاجتْ إلى الجُنْد، ولو كان عِلْم النُّجوم حقًّا لَمَا احتاجتْ إلى البَرِيد. ا.ﻫ. ومع ذلك لا يزال الأدباء والشعراء يستعملون كلمة «الكيمياء» في شِعرهم وأدبهم. قال ابن الرُّومي المتوفَّى سنة ٢٨٣:
إنَّ للحَظِّ كيمياء إذا ما
مَسَّ كَلْبًا أحالَهُ إنسانَا
٢  وتُسميه أهلُ صناعة الكيمياء: الحجَر المكَرَّم، وهو مُوَلَّد، وهو عبارة عن المادة التي تضاف إلى النُّحَاس أو غيره من المعادن فيصير ذهبًا، ويطلق أيضًا على الدواء المفيد، وعلى الشيخ العارف بالله تعالى المربي تلاميذه بنظره القلبي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤