الأدب العربي في ما له

إنَّ للآثار الأدبية في لغتنا عدة مزايا يمكننا أنْ نحصر أعظمها شأنًا فيما يلي: الفصاحة ومتانة السبك – حسن الإيجاز – حسن الإطناب – غزارة المادة في الحِكَم والأمثال – مظاهر الحماسة والحمية والأريحية – المراثي – الصراحة والجرأة – الإشارة والكناية – المداعبة وخفة الروح. ولا شك أنَّ المزايا التي تُحسب للأدب العربي تفوق في مقدارها وتأثيرها أضعاف المطاعن التي تؤخذ عليه.

أمَّا الفصاحة ومتانة السبك فمن أمثلتها قول زهير بن أبي سلمى في مدح آل غسان:

على مكثريهم رزق من يعتريهمِ
وعند المقلين السماحة والبذلُ
إذا قام منهم قائل قال قاعد
رشدتَ فلا غبن عليك ولا خذلُ
وما يكُ مِن خير أتُوه فإنما
توارثه آباءُ آبائهم قبلُ
وهل ينبت الخطي إلَّا وشيجه
وتغرس إلَّا في منابتها النخلُ

وقول البحتري في الخليفة المتوكل على الله: وكان علماء الشعر يلقبون شعر البحتري سلاسل الذهب؛ لروائه وحسن سبكه:

ولما بلغنا سدة الأذن أُخرت
رجال عن الباب الذي أنا داخله
فأفضيت من قرب إلى ذي مهابة
أقابل بدر التم حين أقابله
بداليَ محمودَ النقيبة شمَّرت
سرابيله عنه وطالت حمائله

وقول ابن طثرية من شعراء ديوان الحماسة الذي جمعه أبو تمام:

فديتك أعدائي كثير وشقتي
بعيد وأنصاري لديك قليل
وكنت إذا ما جئت جئت بعلة
فأفنيت علَّاتي فكيف أقولُ
فما كل يوم لي بأرضك حاجةٌ
ولا كل يوم لي إليك رسولُ
صحائفُ عندي للعتاب طويتُها
ستنشر يومًا والعتاب طويلُ
فلا تحملي إثمي وأنت ضعيفةٌ
فحمل دمي يوم الحساب ثقيل

وقول القائل:

وأشد ما لاقيت من ألم الهوى
قرب الحبيب وما إليه وصولُ
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمولُ

وقول الآخر:

أحب الفتى ينفي الفواحشَ سمعُه
كأن به عن كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدر لا باسط أذًى
ولا مانع خيرًا ولا قائل هُجرا

وهجر الكلام بضم الهاء، هو السخيف البعيد عن الصواب.

وقول بعضهم يصف موقف وداع:

لو كنت ساعة بيننا ما بيننا
وشهدت حين نردد التوديعا
لعلمت أنَّ من الدموع محدثًا
ورأيت أنَّ من الحديث دموعًا

وقول إسماعيل باشا صبري متحسرًا على الصبا والصبابة:

أقصر فؤادي فما الذكرى بنافعة
ولا بشافعة في رد ما كانا
سلا الفؤاد الذي شاطرته زمنًا
حمل الصبابة فاخفق وحدك الآنا

وقول ابن نباتة المصري واصفًا الخمر:

كأنها في أكف الطائفين بها
نار تطوف بها في الأرض جنات
تذكرت عند قوم دوس أرجلهم
فاستُرجعت من رُءُوس القوم ثارات

ومن الإنصاف أنْ نلتفت مع إيراد الأمثلة الكثيرة من شعر رجال العرب إلى شيءٍ من شعر نسائهم، والذي عَنَّ لي الساعة من أمثلة الفصاحة، وحسن السبك أبياتٌ لولادة ابنة المستكفي بالله — أحد ملوك الطوائف في الأندلس — وهي التي قال فيها الشاعر المجيد الوزير ابن زيدون قصيدته الشهيرة: «أضحى التنائي بديلًا من تدانينا.» قالت ولادة:

لحاظكم تجرحنا في الحشى
ولحظنا يجرحكم في الخدودْ
جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا
فما الذي أوجب جرح الصدود

وقالت:

ولما أبى الواشون إلَّا فراقنا
وما لهُمُ عندي وعندك من ثار
غزوتهُمُ من ناظريك وأدمعي
وأنفاسنا بالسيف والسيل والنار

ومن فصيح القول الممتاز بهاءً وصفاءً قول تماضر السلمية المعروفة بالخنساء، وهي مخضرمة إذ أدركت الجاهلية والإسلام، قالت في جاهليتها ترثي أخاها صخرًا:

وإنَّ صخرًا لحامينا وسيدنا
وإنَّ صخرًا متى نشتو لنحار
وإنَّ صخرًا لتأَتمُّ الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
لم تلقه جارة يمشي بساحتها
لريبة حين يخلي بيته الجار

ويقال: إنَّ أبا منصور الحلاج المتصوف الشهير كان متَّهمًا في دينه لبوادر أقوال منه، يحملها كثيرون محمل مذهب فلسفيٍّ يقول به، فلما حضرتْه الوفاة قال له بعض من حواليه انطق بالشهادة، فرفع وجهه نحو السماء وقال:

إنَّ بيتًا أنت ساكنه
ليس محتاجًا إلى السرج

وقلت أنا في جملة قصيدة طويلة واصفًا جيش الدستور العثماني، وزحفه على الأستانة تحت قيادة محمود شوكة باشا سنة ١٩٠٨:

وما أنسَ لا أنسَ العرمرم زاحفًا
إلى الموت كي يحيي شعوبًا تناسبهْ
وقد خفقت أحشاؤها وبنوده
كما برقت أبصارها وقواضبهْ
وكانت ترى أنْ كلما شن غارةً
تزحزح قطب الظلم عنها وجَانَبَهْ
إلى أنْ دهى قصرًا دهى ملك أمة
وقوض عرشًا قوض العدلَ صاحبُهْ
وخلى دهاقين الوغى حائري النهى
بنصر شموس رَوَّضَتْهُ تجاربهْ
فهل كان مصبوبَ القضاء خيولهُ
وهل كان من جند السماء كتائبهْ
وما ذلك النصر المبين وإن سما
يعادل ما قد أمَّلَتْنا عواقبهْ
فثمَّ قضاء الدهر دينًا لأمة
يكاد يزول الدهر وهي تطالبهْ

ثم أذكر حالة قصر السلطان المخلوع المعروف بقصر يلدز، وأنتقل منه إلى وصف موقف الوفد الاتحادي الذي أقبل على السلطان ينذره بأن الأُمَّةَ خلعتْه قائلًا:

ألا مَنْ رأى القصر الذي شَتَّ شملُه
حواسده أَمْسَيْنَ وهي نوادبه
وراحت غوانيه حيارى ذليلةً
وقد حزن دهرًا أي عز تغالبه
تطاول حتى لا علوَّ فمذ عنا
تطأمن حتى طاولتْه مساربه
حوى ألف كنز لم تؤيد بهاءه
لأن بهاء الحق كان يجانبهْ
ولم يهن بانيه برحب دياره
فما كان منه الصدر رحبا جوانبه
إلى صاحب التاج الرفيع مقامه
إلى ابن السلاطين المهيب مواكبه
إلى مالك الأعناق غير محاسَب
إلى حابس الأرزاق لا من يحاسبه
إلى الواسع النعمى إلى الهائل الدها
إلى شاغل الدنيا فليست تغاضبه
أتى الوفدُ عالي الصوت والهام عابسًا
يقول اخلع الملك الذي أنت ناكبه
وكان وراء الوفد جيش وأمة
وجرأة يأس معجزات عجائبه
فأذعن جبار الملوك وأرعدت
فرائصه واستأذن الجفن ساربه
وحيا بكلتا راحتيه تضرعًا
ليبقي له ذل الحياة معاقبه
وكان زمانًا أنْ أشار بأصبع
فتلك حياةٌ أو هو الموت جالبه
فما باله إذ هدَّموا عز ملكه
أضاع اختيارًا عز نفس تصاحبه
ألم يبق في حد الرجال وإن هوى
وما هكذا فعل الرجال يناسبه
ولكنما عبد الحميد طلاسم
ومجمع أضداد يحار مراقبه

ومن فصيح المنثور أنَّ أبا تمام أنشد أحد الوزراء قصيدة أعجبتْه فانتصب على قدميه، وقال: لا أسمع هذه العروس إلَّا وأنا واقف، فأجابه أبو تمام: لو أنها من حور الجنان لكان قيامك أوفى صداق لها.

واتفق أنَّ أحد أكابر القوم أراد تبكيت أبي تمام ذات يوم، فقال له وهما مع جمهور من الناس في مجلس الخليفة — وكان أبو تمام قد أنشد هناك قصيدة: لِمَ لا تقول من الشعر ما يفهم، فأجابه: وأنت لِمَ لا تفهم من الشعر ما يقال، فأفحمه.

ومن ذلك أنَّ المأمون الخليفة العباسي دخل على الملكة زبيدة بعد مقتل ابنها الأمين في أثناء الحرب بينهما، وكان المأمون قد أمر برد كرامتها وأموالها إليها، فرآها تبكي، فعطف عليها وقال: كفي بكاءك، فسأكون لك ابنًا عوض ابنك، فقالت: كيف لا أبكي ولدًا أكسبني ابنًا مثلك.

ويقال: إنَّ شابًا رأى والده المريض قد ألح عليه المرض حتى يئس الأطباء من شفائه، فقال له: يا أبي ما تشتهي؟ فأجابه: أنْ اشتهي. أي: أنْ تعود لي قوةٌ على الشهوة.

وسئل الأصمعي: لِمَ لا تقول الشعر وأنت من كبار علمائه؟ فقال: لأن ما أريده منه لا يأتيني، وما يأتيني منه لا أريده.

وأمَّا الإيجاز فمن الأمثلة على محاسنه: أنَّ أحد الخلفاء رأى قائدًا من قواد جيشه، وقد طعن في السن، فقال له: لقد كبرت، فأجاب: في طاعتك يا أمير المؤمنين، قال: وإنَّ فيك لبقية. فأجاب: هي لك يا أمير المؤمنين، قال: وإنك لَجلد شديد، فأجاب: على أعدائك يا أمير المؤمنين.

وسئل ذو الوزارتين الصاحب بن عباد، وكان من أكابر المنشئين العارفين بمحاسن السجع فيه على طريقة تلك العصور: ما أحسن السجع؟ قال: ما خف على السمع، قالوا: مثل ماذا؟ قال: مثل هذا.

ومرض أبو الطيب المتنبي وهو في مصر، فجعل صديقٌ له مخلصٌ يعوده كل يوم، ويحسن تفقُّده، والعناية به، ومجالسته، ومؤانسته، فلما أبلَّ الشاعر — أي: قارب الشفاء — أمن عليه صديقه، وانقطع عن العيادة، فكتب إليه شاعرنا العظيم: «وصلتني — وصَلَكَ الله — معتلًا، وقطعتني مبلا، فإن رأيت ألَّا تحبب العلة إليَّ، وتنغص الصحة عليَّ، فعلت إنْ شاء الله.»

وظلم أحد العمال رجلًا من رعاياه، فشكاه المظلوم إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: «اكفني أمره وإلَّا كفيته أمرك.» وكتب إلى عامل آخر بلغه عنه ما يسوءُه: «إذا دعتك قدرتك إلى ظلم من تحتك، فاذكر قدرة من فوقك عليك.»

وقال الإمام علي بن أبي طالب: «الناس من خوف الذل في ذل، ومن خوف الفقر في فقر» وروي عنه — وقيل بل عن الإمام عمر — هذه الكلمة الباهرة الحكمة: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم.»

وقدم الفرزدق على الإمام الحسين أحد السبطين وهو في العراق، فسأله الإمام عن الشام وما جاورها، ورأي أهلها فيه، فأجابه: «الناس معك، والسيوف عليك، والنصر في السماء.»

ومما اشتهر ببلاغة الإيجاز توقيعات الخلفاء والأمراء والوزراء، لا سيما في صدر الدولة العباسية.

ومن طيب الإيجاز في الشعر أنَّ أميرًا شجاعًا أراد الخطابة في قومه فارتج عليه، فنزل عن المنبر وهو يقول:

إذا لم أقمْ فيكم خطيبًا فإنني
بسيفي إذا جد الوغى لَخطيب

فقال أحد الحاضرين: إننا إلى أمير فَعَّال، أحوج منا إلى أمير قَوَّال.

ومما أراه من الإيجاز السهل الممتنع في لِينِ عبارته، وقوة إشارته، إجمال مدهش لمذهب التفاؤل والاستبشار، وحسن الظن في هذه الحياة بقول القائل:

سألت الأرض لِم كانت مهادًا
ولِم جعلت لنا طهرًا وطيبا
فقالت غير ناطقة لأني
حويت لكل إنسان حبيبا

وأراد جماعة من الأدباء التمتع بنزهة ومجلس أنس في عيد الفطر المبارك، فكتب أحدهم إلى صديق لهم متغيب يدعوه إلى مشاركتهم:

شهر الصيام تولى
وشهر شوال هلا
وقد حضرنا جميعًا
فإن حضرت وإلَّا

وقلت أنا عن لسان بعضهم في هدية بعثت بها إلى أحد الكبار:

هذي إليك هديتي
محقورة في ذاتها
لكنها محمودة
في نبل مدلولاتها
الود والإخلاص والتـ
ـكريم من أدواتها
ترجو المعزة بالقبو
ل لدى حماك فهاتها

وأمَّا الإطناب فإن محاسنه لا تقل عن محاسن الإيجاز روعةً وبهجةً، ولا تنقص عنها في الدلالة على سلامة ذوق الأديب، وقوة طبعه، وفيض قريحته، بل إنَّ المتعة بمحاسن الإطناب أَوْفَى وأشفى من المتعة بمحاسن الإيجاز.

وهذا الفرق نتيجة طبيعية لما في الإيجاز من قِصَر وما في الإطناب من طول، والأدب العربي عامرٌ بآثار طيبة لكلا الطرفين. ومن الإطناب الطيب في شعرنا القديم ما قاله أبو حية النميري يصف فتًى تعرض لمأتم — أي: مجتمع نساء — فإن المأتم في الوضع اللغوي هو مجتمع النساء في أي أمر كان، ثم غلب الاصطلاح على تخصيصه بالحزن — وكانت بين النساء فتاةٌ ممتازة حسنًا ودلالًا، فلم يُبَالِ بها مما غاظها وصويحباتها، وجعلها تجد في فتنته، والكَدِّ في كيده، وسرعان ما أفلحت، وهذا هو النظم:

رمته فتاةٌ من ربيعة عامر
نئوم الضحى في مأتم أي مأتم
فجاء كغصن البان لا متباينًا
ولكن بسيما ذي وقار وميسم
فقلن لها سرًّا فدنياك لا يرح
سليمًا وإنْ لم تقتليه فأَلممي
فألقت قناعًا دونه الشمس واتَّقَتْ
بأحسن موصولين كفٍّ ومعصمِ
وقالت فلما أفرغت في فؤاده
وعينيه منه السحر قالت له قمِ
فود بجدع الأنف أو إن صحبه
تنادوا فقالوا في المناخ له نمِ
وراح ولم يعلم أفي ساعةِ الضحى
تروَّح أم داجٍ من الليل مظلمِ

ومن حسن التَّأَنُّق في الإطناب قول ناصح الدين الإرجاني:

وآخر عهدي يوم جرعاء مالك
بمنعرج الوادي وإظعانهم تحدى
ولما دنت والستر مرخى ودونها
غيارى غدت تغلي صدورهم حقدًا
تقدمت أبغي أنْ أبيع بنظرة
إلى وجهها روحي لقد رخصت جدًّا

ومن جيد الإطناب ما ذكره أبو سعيد الرستمي أحد الشعراء المولدين في قصيدة له باسطًا حالة غريبة لمحب مع ركب فيهم حبيبته، وهم يجهلون كُنْهَ أمره، وإنْ كانوا يرونه يسير لسيرهم، ويقف لوقوفهم، ويتطوع لخدمتهم بكل ما يستطيعه، حتى ظنوه فقيرًا سائلًا ينتظر فضلات زادهم ليلتهمها، وهذا الذي قاله أبو سعيد:

إذا نزلوا أرضًا رأوني نازلًا
وإنْ رحلوا عنها رأوني راحلا
وإنْ أخذوا في جانب مِلْتُ آخذًا
وإنْ عدلوا عن جانب مِلْتُ عادلًا
وإنْ عرفوا أعلام أرض عرفتُها
وإنْ أنكروا أنكرتُ منها المجاهلا
وإنْ عزموا سيرًا شددتُ رحالهم
وإنْ عزموا حلًّا حللت الرحائلا
وإنْ وردوا ماء حملت سقاءهم
أو انتجعوا غيثًا حدوت الرواحلا
يظنون أني سائل فضل زادهم
ولولا الهوى ما ظنني الركب سائلا

وهذا البيت الأخير في الأنفة الكامنة يضرب عنها صاحبها صفحًا في سبيل غرامهِ، يذكرني بيتًا لقيس بن الملوح العامري المعروف بمجنون ليلى، قال:

يعدونني مجنون عامر في الهوى
ولولا هواها ما كنت سيد عامر

وقد أراد قيس في موقف آخر التنصل من تهمة الجنون قائلًا:

يقولون مجنون يهيم بذكرها
فو الله ما بي من جنون ولا سحر
إذا ما أردت الشعر في غير حبها
أبى — وأبيها — أن يطاوعني شعري

وأمَّا الإطناب الطيب في شعر المعاصرين، فمن أمثلته التي تحضرني الساعة ما قاله الشيخ إبراهيم الحوراني ذاكرًا موقف فراق، وإشارة الحبيبة له إشارة توديع بمنديل كف كثير الألوان، غير ناسٍ وصفَ السفينة وسيرها، قال:

ما أنسَ لا أنسَ التفاتتها وقد
عبث الفراق بشملنا المجموع
وغدت تلوح للعميد إشارة
بمدبج بهج كزهر ربيع
منديل كف عِطْرُهُ من جبهة
تندى بلمحة عاشق ممنوعِ
يعلو ويخفق في الهواء كأنه
علم على جبل أشم منيعِ
ما كان أشبهه بمهجة صبها
لولا سلامته من التقطيع
جرت السفينة بالبخار ونارها
جمر الحشى والماء لج دموعي
فحسبت أنَّ أضالعي ألواحها
ونسيت أني قد فقدت ضلوعي

ومما قلته أنا أيام شبيبتي، وفيه إطناب ظاهر وتفصيل، قصيدة عنوانها «ملتقى حبيبين، بين رغبة ورهبة» وهذه أوائلها:

أتته بليل وهي خافقة القلب
محيرة بين الطهارة والحب
تسير بخطو هادئ متقارب
كأن نسيم الليل يشعر بالذنب
إذا أبصرت شيئًا جمادًا تخاله
يراقبها حتى تذوب من الرعب
فلما التقته أطرقت لاضطرابها
وقد أوشكت أنْ تشتكي لذة القرب
فما زادها الإطراق إلَّا ملاحة
وما كان إلَّا فتنةَ المغرم الصب
وإطراقة المحبوب خدعة ذلة
وفي طيها آي المعزة والعجب
تصوب عينيها إلى الأرض والذي
يحس به تصويب سهم إلى القلب
لحاظ مراض تسلب المرء لبه
ويخفرها طهر يرد إلى اللب

إلى أنْ أقول:

وحصر عليه القلب يحنو لأنه
فقير مقيم بين جارين في خصب
وقدٌّ رشيق تشتهي النفس شربه
لو انَّ غصون ألبان تصلح للشرب
وكان الدجى في آخر العمر والصبا
من الشرق تسري بالسلام إلى الغرب
وضوء هلال حول ظل كجبهة
ووجه، أحاطا بالحواجب والهدب
وقد رقصت أغصان غاب وصفقت
وقام هدير النهر في ساحل رحب
هناك ابتغي الألفان تبريد غلة
فلله من شكوى ولله من عتب
أفاضا كما شاءا بشرح صبابة
وأمثال هذا الشرح ليست من الكتب
وأمثال هذا الشرح أشهى من الكرى
وألطف من مسرى النسيم على العشب
وما كان إلَّا رقة طي عفة
فإن تحسبا ذنبًا فلا بأس في الذنب

وأمَّا الحكم والأمثال فقد اشتهرت لغتنا بها، وامتازت على وجه خاص، وفاضت بهذا المطلب كتبها في كل عصر من عصورها، والحكم أشرف أبواب الشعر والنثر؛ لأنها ألصقُ بالعقل والفهم من كل الأبواب. والأمثال عند كل أمة تُحسب عصارة عقولها، ومرآة أدبها، والزبدة الصافية من تجاريبها في هذه الحياة. وهي عندنا قسمان: قسم مأخوذ عن طريق المجاز والتشبيه، غير منتزع من حديث مدون، ولا ناشئ عن حادث ماضٍ نحو: «قبل الرماية تملأ الكنائن» — «كنت كراعا فصرت ذراعا» وقسم مبنيٌّ على حديث أو حادث نحو: «في كل واد أثر من ثعلبة» — «على أهلها جنت براقش.»

ومن عيون الحكم والأمثال قولهم:

لا جباية إلَّا بحماية – لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق – إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون – إذا بالغت في النصيحة هجمت بك على الفضيحة – من لا يسكت على كلمة يسمع كلمات – من لا يصبر عن أكلة فاتته أكلات – حسُن في كل عين ماتود – فليتك لم تزني ولم تتصدقي – كمستبضع التمر إلى هَجر – دواء الشق أنْ يحاص – على الباغي تدور الدوائر – العجب كل العجب بين جمادى ورجب – سبق السيف العذل – ربما تمكن الباطل من جولة أو جولتين، ثم لا بُدَّ للحق أنْ يصرعه ويدمغه في جبهته – مُكره أخوك لا بطل – اصنع ما يجب ولا تنظر إلى ما يحدث – الحقيقة أنْ تعلم لا أنْ تقال – كآكل رطب مُشان بعلة الورشان — أي: كالصياد الذي يأكل البلح داخلًا بين غراسه، ويحتج أنه يبحث عن الطائر الصغير المُسَمَّى مشانًا لكي يصطاده، ومشان اسم بلدة — الأُمور مرهونةٌ بأوقاتها.

(أ)

النفس لا ترجع عن غيها
ما لم يكن منها لها زاجر
إذا لم يعن قول النصيح قبولُ
فإن معاريض الكلام فضول
إن اختفى ما في الزمان الآتي
فقس على الماضي من الأوقات
إنَّ الحياة كما يهوى مكيفها
عسر لمن كدها يسر لمن لانا١
إنَّ الكرام إذا ما أيسروا ذكروا
من كان يألفهم في المنزل الخشن٢
إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإنْ كنت تدري فالمصيبة أعظم
إنَّ الأمير هو الذي
يبقى أميرًا بعد عزلِهْ
إن زال سلطان الولا
ية لم يزل سلطان فضلِهْ
الليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كل عجيبه
ألا إن من لم يكن زارعًا
دعوه فما هو ممن حصد٣
إذا ما طلبت الأمر من غير بابه
ضللت وإنْ تقصد إلى الباب تهتدِ
إذا أنت لم تعلم طبيبك كل ما
يسوءك أبعدت الدواء عن السقمِ
إذا أسرجت بالديباج بغلًا
فما أبقيت للفرس الجواد٤
إذا ما أهان امرؤ نفسه
فلا أكرم الله من يكرمه
إذا تم شيء بدا نقصه
توقع زوالًا إذا قيل تم
إذا أعجبتك خصال امرئ
فكُنْهُ يكن منك ما يعجبك
فليس على الفضل والمكرمات
إذا جئتها حاجب يحجبك
الموت أَرْوَحُ لي مما أُراقبه
أنا الغريق فما خوفي من البلل
المتنبي
أوردها سعد وسعد مختبل
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
إذا لم يكن للمرء في دولة امرئ
نصيب ولاحظ تمنى زوالها
وما ذاك من لؤم به غير أنه
يرجِّي سواها فهو يهوى انتقالها
أرى خلل الرماد وميض نار
ويوشك أنْ يكون لها ضرام
إذا لم تطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهام
فإن النار بالعودين تذكى
وإنَّ الحرب أولها كلام
إذا ما الدهر شَدَّ على أناس
بكلكله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بِنَا: أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
إذا النفس لم تعطف على المرء ودها
فما عزه إلا خيالٌ يخالبه٥
أفد طبعك المكدود بالهم راحة
ولا بأس أنْ تعطيه شيئًا من المزح
ولكن إذا أعطيته المزح فليكن
بمقدار ما تعطي الطعام من الملح
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى
إلى كل ما فيه عليك مقال
ألا كل حي هالك وابن هالك
وذو نسب في الهالكين عريق٦
إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكشفتْ
له عن عدو في ثياب صديق
إنَّ الشباب والفراغ والجده
مفسدة للمرء أي مفسده٧
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميلُ٨
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
فليس إلى حسن الثناء سبيلُ
ألا إخواني الذين عهدتهم
أفاعي رمال لا تقصر عن لسعي
ظننت بهم خيرًا فلما بلوتهم
نزلت بوادٍ منهمُ غير ذي زرع٩
إذا وقع الذباب على طعام
رفعت يدي ونفسي تشتهيهِ
وتجتنب الأسودُ وُرودَ ماء
إذا كان الكلاب ولغن فيه
إنْ ساء بعضكم بعضًا فمرجعكم
إلى التراضي وتَبَّتْ سورة الغضب١٠
وكل جدول ماء يعتريه قذى
فانف القذى عنه واشرب صفوه تصب
إذا أنضج الدهر النفوس تجاربا
رأت نعم الدنيا تحاكي النوائبا١١
وليس دواء الدهر إلَّا احتقاره
فلا تَكُ فيه غاضبًا أو معاتبًا
إذا ما الجرح رَمَّ على فساد
تبين فيه تفريطُ الطبيب١٢
إذا سلمت روس الرجال من الأذى
فما المال إلَّا مثل قص الأظافر
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته
على طرف الهجران إنْ كان يعقلُ
إنَّ الزرازير لَمَّا قام قائمُها
توهمتْ أنها صارتْ شواهينا١٣
ظنت تأني البزاة الشهب عن جزع
وما درت أنه قد كان تهوينا
أي خير وصلاح في فتًى
كلما غنت فتاةٌ رقصا١٤
أُعلِّل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة لأمل١٥
أميل مع الحقوق على ابن عمي
وآخذ للصديق من الشقيق
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله
فيخصب عندي والمكان جديب
وما الخصب للأضياف أنْ تُكثر القرى
ولكنما وجه الكريمِ خصيبُ

(ب)

بنو الدهر جاءتهمْ أحاديثُ جمة
فما صدقوا إلَّا حديث ابن دينار
بذا قضت الأيام ما بين أهلها
مصائبُ قوم عند قوم فوائد١٦
بذاك نرى الوحيَ السماويَّ عمنا
تخالف غمدانا وما اختلف النصل١٧
سبيلان من عيسى وأحمد مَهَّدا
بحقٍّ وعند الله تجتمع السبل
بني إنَّ البر شيء هَيِّنٌ
وجه طليق وكلام لين

(ت)

تكلم وسددْ ما استطعت فإنما
كلامك حَيٌّ والسكوتُ جمادُ
فإن لم تجد قولًا سديدًا تقوله
فصمتك عن غير السداد سدادُ

(ث)

ثوب الرياء يشف عما تحته
فإذا التحفتَ به فإنك عارِ
ثلاثة يجهل مقدارها
الأمن والصحة والقوت١٨

(ح)

حب التناهي غلط
خير الأمور الوسط

(خ)

خذ ما رأيت ودع شيئًا سمعت به
في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل

(ر)

ربما تجزع النفوس من الأمر
له فرجة كحل العقال

(س)

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود١٩
ستُقطع في الدنيا إذا ما قطعتَني
يمينك فانظر أي كف تبدل

(ص)

صديق عدوي داخلٌ في عداوتي
وإني لِمَنْ وَدَّ الصديق ودودُ
صلى وصام لأمر كان يطلبه
لما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما

(ض)

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرجُ

(ع)

على المرء أنْ يسعى إلى الخير جهده
وليس عليه أنْ تتم المقاصد
علي نحت القوافي من معادنها
وما علي إذا لم تفهم البقر٢٠

(غ)

غير مُجْدٍ في مِلَّتِي واعتقادي
نوح باك ولا تَرَنُّم شاد٢١

(ف)

فالناس للناس والدنيا مكافأة
والخير يُصنع والأخبار تنتقل٢٢
فيا دارها بالخيف إنَّ مزارها
قريب ولكن دون ذلك أهوال٢٣
فما حسن أنْ يعذر المرء نفسه
وليس له من سائر الناس عاذر
فحَتَّام تُنهَى ولا تنتهي
وتسمع وعظًا ولا تسمع
فيا حجر الشحذ حتى متى
تسن الحديد ولا تقطع
فإما أنْ تكون أخي بصدق
فأعرف منك غَثِّي مِن سميني
وإلَّا فانتبذني واتخذني
عدوًّا أتقيه ويتقيني
فأنت أخي ما لم تكن لي حاجة
فإن عَرَضَتْ أيقنت أنْ لا أخًا ليا
كلانا غني عن أخيه حياته
ونحن إذا متنا أشد تغانيا
فيا مُوقِدًا نارًا لغيرك ضَوْءُها
ويا حاطبًا في جبل غيرك تحطب

(ق)

قد قيل ما قيل إنْ صدقًا وإن كذبا
فما احتيالك في شيء وقد قيلا
قالوا كبرت عن الصبى
وقطعت تلك الناحيهْ٢٤
صدقوا كبرت وإنما
تلك الشمائل باقيهْ
قالوا الكهولة هَدَّتْ كل ما كانا
قلت الكهولة لا تمحو سجايانا٢٥
جسم يشيخ ونفس مثل ما عهدت
في فجر أيامها حسًّا ووجدانا
قالت الضفدع قولًا
فَسَّرَتْه العلماء
في فمي ماء وهل ينطـ
ـق من في فيه ماء
قَصِّر الآمال في الدنيا تَفُزْ
فدليلُ العقل تقصير الأملْ٢٦
قد استشفيت من داء بداء
وأَقْتَلُ ما أعلك ما شفاكا
المتنبي

(ك)

كذا الآدمي سعادته فيـ
ـه ما ضل عنها سوى الأغبياء٢٧
كل من تلقاه يشكو دهرَه
ليت شعري هذه الدنيا لمن
كل من في الوجود يطلب صيدا
غير أنَّ الشباك مختلفات
كل ما ترتجيه سهلٌ ولكن
عثرات الآمال ليست بسهلة٢٨
كلما أطلع الزمان قناة
رَكَّبَ المرء في القناة سنانا
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدًا لأول منزل
كأنك من كل الطباع مُرَكَّبٌ
فأنت إلى كل القلوب حبيب

(ل)

لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال٢٩
لا يبلغ الأعداءُ من جاهل
ما يبلغ الجاهل من نفسه
لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده
فلم يبق إلَّا صورة اللحم والدم٣٠
لا يعرف الشوق إلَّا من يكابده
ولا الصبابة إلَّا من يعانيها
لك نصحي وما عليك جدالي
آفةُ النصح أنْ يكون جدالًا٣١
لو فكر العاشقُ في منتهى
حسن الذي يصيبه لم يصبه٣٢
لكل حال مدة وتنقضي
ما غلب الأيامَ إلَّا من رضي
ليس الشفيع الذي يأتيك مُؤْتزرًا
مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا٣٣
لقد أسمعتَ لو ناديت حيًّا
ولكن لا حياة لمن تنادي
ونار إنْ نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد
لقد صار قلبي قابلًا كل صورة
بآيات قرآن وإنجيل نصراني٣٤
أدين بدين الحب أنَّى توجهتْ
ركائبه فالحب ديني وإيماني
لا تلطفن بذي لؤم فتطغيه
واغلظ عليه يجي طوعًا وإذعانًا
إنَّ الحديد تذيب النارُ قسوتَه
ولو صببت عليه البحر ما لانا
ليس من مات فاستراح بميت
إنما المَيْتُ مَيِّتُ الأحياء
ليس الغريب الذي تنأى الديار به
إنَّ الغريب قريبٌ غير مودود
لعل عتبك محمود عواقبه
وربما صَحَّت الأجساد بالعلل٣٥
لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم٣٦
لا تقطعنْ ذَنَبَ الأفعى وترسلها
إنْ كنت شهمًا فأتبعْ رأسها الذنبا
لا أذود الطير عن شجر
قد بلوت المر من ثمره
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم
وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
لو كل كلب عوى ألقمته حجرًا
لأصبح الصخر مثقالًا بدينار
لا يخدعنك من عدو دمعه
وارحم شبابك من عدو ترحم٣٧
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يُراق على جوانبه الدم
لأمر عليهم أنْ تتم صدورُهُ
وليس عليهم أنْ تتم عواقبُهْ
أبو تمام
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
لا ألفينك بعد الموت تندبني
وفي حياتي ما زودتني زادي
لطف الله بنا
أَنَّ الخطايا لا تفوح
إذن المستور منا
بين جنبيه فضوح
أبو العتاهية

(م)

ما طار طير وارتفعْ
إلَّا كما طار وقعْ
مقالة السوء إلى أهلها
أسرع من منحدر سائل٣٨
ومن دعا الناس إلى ربه
ذموه بالحق وبالباطل
ما العيش إلَّا أنْ تحب
وأنْ يحبك من تحبه
من كان يخلق ما يقو
ل فحيلتي فيه قليله
متى تك في صديق أو عدو
تخبِّرك الوجوه عن القلوب
ما الناس إلَّا عاملان فعامل
قد مات من عطش وآخرُ يغرق٣٩
من راقب الناس مات غمًّا
وفاز باللذة الجسور
متى تر الكلب في أيام دولته
فاجعل لرجليك أطواقًا من الزرد
ناصيف اليازجي
ما أنت إلَّا كلحم ميت
دعا إلى أكله اضطرارُ
من لم يعدنا إذا مرضنا
إنْ مات لم نشهد الجنازه٤٠
ما كلف الله نفسًا فوق طاقتها
ولا تجود يدٌ إلَّا بما تجد
من قال لا أغلط في أمر جرى
فإنها أول غلطة ترى
ناصيف اليازجي
ما حوى العلمَ جميعًا أحد
لا ولو مارسه ألف سنهْ
إنما العلم كبحر زاخر
فخذوا من كل شيء أحسنهْ
من عف خف على الصديق لقاؤه
وأخو الحوائج وجهه مسئوم٤١

(ن)

نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
نبئت عمرًا غير شاكر نعمتي
والكفر مخبثة لنفس المنعم٤٢
نرى الفتى ينكر فضل الفتى
في عيشه حتى إذا ما ذهبْ
جد به الحرص على نكتة
يكتبها عنه بماء الذهبْ
نقاء الهوا ونقاء الزرو
ع يعدي النفوس فتجني النقاء٤٣

(و)

وعين الرضى عن كل عيب كليلة
كما أنَّ عين البغض تبدي المساويا
ولما صار ود الناس خبا
جزيت على ابتسام بابتسام٤٤
ولا بُدَّ من شكوى إلى ذي مروءة
يؤاسيك أو يسليك أو يتوجع
وإنَّ الحق مقطعه ثلاث
يمين أو شهود أو جلاء٤٥
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم ومن لا يظلم الناس يُظلم٤٦
ومهما يكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تُعلم
وإذا غلا شيء علي تركته
فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
الطغرائي
ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا
كنقص القادرين على التمام
المتنبي
وإذا طلبت إلى كريم حاجة
فلقاؤه يكفيك والتسليم٤٧
وإذا طلبتَ إلى لئيم حاجة
فَأَلِحَّ في رفق وأنت مقيم
ومن لم يُذِلَّ النفس في طلب العلى
قليلًا يعش عمرًا طويلًا أخا ذل
وإذا امرؤ أسدى إليك صنيعة
من جاهه فكأنها من ماله
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
وما قَلَّ مَنْ كانت قلوبٌ وراءه
ولا ذل عبدُ الحق أين يسير٤٨
وهل ينفع المدفونَ تعميرُ قبره
إذا كان فيه جسمه يتهدم
وإذا صفا لك من زمانك واحدٌ
فهو المرادُ فَعِشْ بذاك الواحد
وإذا تآلفت القلوبُ على الهوى
فالناسُ تضرب في حديد بارد
وقد يَتَزَيَّا بالهوى غير أهله
ويستصحب الإنسان من لا يشاكله
ولرحمة المتوجعين مرارةٌ
في القلب مثل شماتة الأعداء
ولَربما كذب امرؤ بكلامه
وسكوته وبكائه وبضحكه
وإذا نزلت بدار قوم دَارِهِمْ
فلهم عليك تعزُّزُ الأوطان
وكل مصيبات الزمان وجدتها
سوى فرقة الأحباب هَيِّنَةَ الخطب
ومن يتتبع جاهدًا كل عثرة
يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
ومن لا يغمض عينه عن صديقه
وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن البلية عذل من لا يرعوي
عن جهله وخطاب من لا يفهم٤٩
ومن العداوة ما ينالك نفعه
ومن الصداقة ما يضر ويؤلم
وليس يصح في الأذهان شيءٌ
إذا احتاج النهار إلى دليل٥٠
وأذنك صُنْ عن سماع القبيح
كصون اللسان عن النطق بِهْ
فإنك عند سماع القبيح
شريكٌ لقائله فانتبهْ
وفي اليمين على ما أنت فاعله
ما دل أنك في الميعاد متهم
المتنبي
ومن نكد الدنيا على الحر أنْ يرى
عدوا له ما من صداقته بُدُّ
المتنبي
وطول مقام المرء في الحي مخلق
لديباجتيه فاغتربْ تتجدد٥١
فإني رأيت الشمس زيدت محبته
إلى الناس أنْ ليست عليهم بسرمد
وما طلب المعيشة بالتمني
ولكن ألق دلوك في الدلاء
تجيء بملئها طورًا وطورًا
تجيء بحمأة وقليل ماء٥٢
وما مبحث الأديان إلَّا مفاوز
يتيه لديها جاهل وخبير٥٣
وما لبها إلَّا المكارم والتقى
ولا يستوي لب لها وقشور
وحبب أوطانَ الرجال إليهِمُ
مآرب قَضَّاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهُمُ
عهود الصبى فيها فحَنُّوا لذلكا
وكم مذنب لما أتى باعتذاره
جنى عذره ذنبًا من الذنب أعظما
وللنفس أخلاق تدل على الفتى
أكان سخاء ما أتى أم تساخيا٥٤
وذو الشوق القديم وإنْ تَسَلَّى
مشوق حيث يلقى العاشقينا٥٥
ولا أصطفي من كان فضلي عدوه
وإنْ جاد لي مِنْ بعدُ بالود أجمعا٥٦
وزَهَّدَني في الناس معرفتي بهم
وطولُ اختباري صاحبًا بعد صاحبِ
فلم ترني الأيام خلا تروقني
مباديه إلَّا ساءني في العواقبِ
وإنَّ الجرح ينغر بعد حين
إذا كان البناء على فساد
والنار في أحجارها مخبوءة
لا تصطلي ما لم تثرها الأزند٥٧
ولو كان همٌّ واحد لاحتملته
ولكنه همٌّ وثانٍ وثالثُ
وفي الناس من الناس
مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب
دليل حين يلقاه
وصاحب الحب لا تخفى دلائله
كحامل المسك لا يخلو من العبق
وما الحب من حسن ولا ومن ملاحة
ولكنه شيء به النفس تعلق
ومن يجعل الضرغام في الصيد بازه
تَصَيَّدَهُ الضرغام فيما تصيدا
المتنبي

(ي)

يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم٥٨
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى
كيما يصح به وأنت سقيم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
يشتهي الإنسان في الصيف الشتا
فإذا جاء الشتاء أنكرهْ٥٩
ليس يرضي المرءَ حالٌ واحدٌ
قُتل الإنسان ما أكفرهْ
يشمر للج عن ساقه
ويغمره الموج في الساحل
يبكي علينا وما نبكي على أحد
لَنحن أغلظُ أكبادًا من الإبل
يا شد ما بعدت عليك ديارنا
وطلابنا فابرق بأرضك وارعد
يهون علينا أنْ تُصاب جسومنا
وتسلم أعراضٌ لنا وعقول٦٠
يقضى على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن٦١
يَزِينُ الحب ما لا حسن فيه
كذاك الحسن حب وارتضاء
ولو حسنت بعين الكل ليلى
لجُنَّ الكل واشتمل البلاء٦٢

ومن هذا الباب قلت في جملة قصيدة ناصحًا سواد الشعب عندنا بتجنب المسائل السياسية:

وَلِيَ السياسةَ أهلُها فهُمُ السـ
ـوَّاق إيرادًا وإصدارًا
وعليهِمُ تُلقى تباعتُها
مشحونة نكدًا وأوزارًا
أنى نشاطرهم مخاطرها
ونفصِّلُ الفلاحَ نجَّارا
فتفوتنا لذات سلطتهم
ويصيبنا تخريبها الدارا

وأمَّا مظاهر الحماسة والنخوة والأريحية، فمن أمثلتها ما رواه أبو تمام في ديوان الحماسة لجعفر بن علبة الحارثي، وكان مسجونًا مهددًا بحكم الموت، فرأى في المنام كأن زوجته زارتْه هناك، فلما أفاق أنشد أبياتًا منها قوله:

عجبتُ لمسراها وأَنَّى تخلصتْ
إليَّ وبابُ السجن دوني مغلقُ
أَلَمَّتْ فحَيَّتْ ثم قامت فودعت
فلما تولت كادت النفس تزهقُ
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم
لشيء ولا أني من الموت أفرقُ
ولكن عَرَتْنِي من هواكِ صبابةٌ
كما كنت ألقى منك إذ أنا مطلقُ

وما رواه أبو تمام لقطري بن الفجاءة أحد أبطال الخوارج وزعمائهم يخاطب نفسه ويعاتبها، ويحثها على البسالة والإقدام:

أقول لها وقد طارت شعاعا
من الأبطال ويحك لا تراعي
فإنك لو سألت بقاء يوم
على الأجل الذي لك لم تُطاعي
فصبرًا في مجال الموت صبرا
فما نِيلُ الخلود بمستطاعِ

وأحسن من ذلك قول القائل:

إني لمن معشر أفنى أوائلهم
قولُ الكماة ألا أين المحامونا
لو كان في الألف منا واحد ودعوا
من فارس خالهم إياه يعنونا

وقول السموأل بن عادياء:

فنحن كَمَاء المزن ما في نصابنا
كهام ولا فينا يعد بخيلُ
وننكر إنْ شئنا على الناس قولهم
ولا ينكرون القول حين نقولُ
وما خمدت نارٌ لنا دوق طارق
ولا ذمنا في النازلين نزيلُ
وأسيافنا في كل شرق ومغرب
بها من قراع الدارعين فلولُ
معودة إن لا تُسَلَّ نصالها
فتغمد حتى يستباح قتيلُ
لنا جبل يحتله من نجيره
منيع يرد الطرف وهو كليلُ
رسا أصله تحت الثرى وسما به
إلى النجم فرع لا يُنال طويلُ
سلي إنْ جهلت الناس عنا وعنهمُ
فليس سواء عالم وجهولُ

وقول الأمير أبي فراس الحمداني:

ونحن أناس لاتوسط عندنا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسُنا
ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر

وقول الإمام الشافعي:

عليَّ ثيابٌ لو تُباع جميعُها
بفلس لكان الفلس منهن أكثرا
وفيهن نفسٌ لو تُقاس بفضلها
نفوس الورى كانت أجل وأكبرا

وقول الطغرائي وكان وزيرًا خطيرًا، ثم عُزل وأصابتْه أيام شدة ومحنة:

تقدمتني أناس كان شوطهمُ
وراء خطويَ إذْ أمشي على مهل
وإنْ علاني من دوني فلا عجب
لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

وربما ظهر أثر الحمية وعزة النفس في المواضع التي يُظن أنها بعيدة عنها، كما قال رجل يُشير إلى فاقته، وإلى إسعاف أحد إخوانه له في مكافحة الفاقة حتى أزالها:

رأى خُلَّتِي من حيث يخفى مكانها
فكانت قذى عينيه حتى تجلت

ففي قوله: «من حيث يخفى مكانها» استدراكٌ جميل يسميه البديعيون تتميمًا أو احتراسًا، فالذي يريده بخفاء مكان خُلَّتِهِ — أي: مكان فقره — أنه لم يكن يشكو حاجته إلى أحد، ولا يظهر عليه الفقر ببادرة لسان، ولا مظهر من مظاهره.

وهذا منتهى المروءة والإباء، ولا يقل عن ذلك إظهارُ الإباء في مواقف الصبابة والغرام، كما قال كثير عزة يشعر حبيبته أنها إذا اشتطت في الجور عليه تَحَمَّلَ مصيبة الهجر والقطيعة واستغنى عنها:

فقلت لها يا عز كل مصيبة
إذا وطنت يومًا لها النفس ذلت

وكما قال أديب حلب المشهور فرنسيس مراش في أحد مطالعه:

أأذوبُ لا والله لستُ أذوبُ
إنْ قلتِ هجرًا قلتُ ذا المطلوب

ومن أمثلة الحمية والاعتداد بالنفس قول المتنبي:

إذا شد زندي حسن رأيك فيهم
ضربت بسيف يغلق الهام مغمدا
وما أنا إلا سمهري حملته
فزين معروضًا وراع مسددا
وما الشعر إلَّا من رواة قصائدي
إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدا
أجزني إذا أنشدت شعرًا فإنما
بشعري أتاك المادحون مرددا
ودع كل صوت غير صوتي فإنني
أنا الطائر المحكي والآخر الصدى

ويدخل في هذا السلك قول أبي الحسن التهامي، إذا لم تَخُنِّي الذاكرة:

ما شاب عزمي ولا حزمي ولا أدبي
ولا وفائي ولا ديني ولا كرمي
وإنما اعتاض رأسي غير صبغته
والشيب في الشعر غير الشيب في الهمم

وقول الطغرائي:

تَقَدَّمَتْنِي أناسٌ كان شوطهمُ
وراء خطويَ إذْ أمشي على مهل
هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا
من قبله فتمنى فسحة الأجل
وإن علاني مَنْ دوني فلا عجب
لي أُسوة بانحطاط الشمس عن زحل

وقول ابن سناء الملك:

وإنك عبدي يا زمان وإنني
على الرغم مني أن أرى لك سيدا
ولو كان إدراك الهُدَى بتذلُّل
رأيت الهدى أن لا أميل إلى الهدى
ولو مَدَّ نحوي حادثُ الدهر كَفَّهُ
لحدثتُ نفسي أنْ أَمُدَّ له يدا

وقول الآخر:

تنكر لي دهري ولم يدر أنني
أعز وإن النائبات تهون
فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه
وبِتُّ أريه الصبر كيف يكون

وقول غيره:

وتَجَلُّدِي للشامتين أُريهُمُ
أَنِّي لِرَيْبِ الدهر لا أتضعضع
والنفس راغبةٌ إذا رَغَّبْتَها
وإذا ترد إلى قليل تقنع

زعم الأصمعي أنَّ البيت الثاني من هذين البيتين هو خير ما نطقت به العرب في الحكم، ومن قبيل ما نحن فيه قول القائل:

إني لأرحم حاسديَّ لفرط ما
ضمنت ضمائرهم من الأكدار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم
في جنة وقلوبهم في نار

وأمَّا المراثي فهي من أحسن ما أجادتْه القرائحُ العربية، وهذه الإجادة الممتازة الدالة على الوفاء وشرف المبدأ عهدت في أدبنا منذ أقدم عصوره حتى سئل أعرابي: ما بال مراثيكم خير أقوالكم؟ فأجاب: لأننا لا ننطق بها إلَّا وقلوبنا محترقة. ومن عيون المراثي مرثية أبي تمام في محمد الطوسي التي يقول في مطلعها:

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
فليس لعين لم يفض ماؤها عذر
توفيت الآمال بعد محمد
وأصبح في شغل عن السفر السفر

إلى أنْ يقول:

فتًى مات بين الطعن والضرب ميتة
تقوم مقام النصر إنْ فاته النصر
وما مات حتى مات مضرب سيفه
من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
وقد كان فوت الموت سهلًا فرده
إليه الحفاظ الصعب والخلق الوعر
ونفس تعاف العار حتى كأنما
هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
فأثبت في مستنقع الموت رجله
وقال لها: من تحت أخمصك الحشر
فتًى كان عذب الروح لا من غضاضة
ولكن كبرًا أنْ يقال به كبر
فتًى سلبتْه الخيل وهو حمى لها
وبزته نار الحرب وهو لها جمر
لئن أبغض الدهر الخئون لفقده
لعهدي به ممن يحب له الدهر
لئن ألبست فيه المصيبة طيئٌ
فما عَرِيَتْ منها تميم ولا بكر
سقى الغيث غيثًا وارت الأرض هدبه
وإنْ لم يكن فيه سحاب ولا قطر
وكيف احتمالي للغيوث صنيعة
بإسقائها قبرًا وفي لحده البحر
مضى طاهرَ الأثواب لم تَبْقَ روضةٌ
غداة ثوى إلَّا اشتهتْ أنها قبر

والمرثية المشهورة لأبي الحسن الأنباري في الوزير المصلوب محمد بن بقية المعروف بنصير الدولة، ويروى أنَّ الذي صلبه وهو عز الدولة بن بختيار من سلاطين آل بويه لما سعها فتنته فقال: وددت لو كنت أنا المصلوب، وهذه القصيدة فيَّ. أتلوا على مسامعكم منها الأبيات التالية:

علو في الحياة وفي الممات
لَحَقٌّ تلك إحدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا
وفود نداك أيام الصلات
مددت يديك نَحْوَهُمُ احتفاءً
كمدهما إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أنْ
يضم عُلاك من بعد الوفاة
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا
عن الأكفان ثوب السافيات
ولم أرَ مثل جذعك قط جذعًا
تمكن من عناق المكرمات
أسأت إلى النوائب فاستثارت
فأنت قتيل ثأر النائبات

ويحسب من هذه الطبقة قصيدة القاضي ابن عياض في الأمير بن نصر، ومنها قوله:

كأن ابن نصر سائرًا في سريره
حيي من الوسمي أقشع هاطلهْ
يمر على الوادي فتُثني رمالُهُ
عليه وبالنادي فتبكي أراملهْ
أناعيه أنَّ النفوس منوطةٌ
بقولك فانظر ما الذي أنت قائلهْ
بفيك الثرى لم تدر من حل في الثرى
جهلت وقد يستصغر الأمر جاهلهْ
هو السيد المهتز للتم بدره
وللجود عطفاه وللطعن عامله
أفاض عيون الناس حتى كأنما
عيونهمُ مما تفيض أنامله

وقلت أنا في مطلع قصيدة نظمتها سنة ١٩٠٣، وكنت في القاهرة أرثي غريق النيل جبران بن كحيل، أحد متقدمي الجالية السورية هناك:

إذا كنت يا قلب لا تصبر
فما أنت تعذل بل تعذر
أحتى شهاب الذكا ينطفي
وحتى المياه غدت تغدر
بربك يا نيلُ ما ذنبنا
إليك وهل هو لا يغفر
وهل خفت نقصًا فطالبتنا
بسيل مدامع ينحدر
عهدناك تروي القلوب فمال الـ
ـقلوب بك اليوم تستعر
كفرت بحق جوار فتًى ذكـ
ـره طي كل حشى يقبر
وقد كنت تعبد فيما مضى
فيا لإله غدا يُكفر
أفي الماء لينٌ وهذي قساو
ته قد يلين لها الحجر

وأمَّا الجرأة والصراحة فمن أمثلتها المشهورة في التاريخ جواب ذلك الأعرابي للخليفة الثاني عمر بن الخطاب، لما قال عمر وهو على المنبر: «من رأى منكم فيَّ اعوجاجًا فليقومه.» فأجابه الأعرابي: «لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بقوائم سيوفنا.»

وقول شريك بن الأعور — وقيل غيره — لمعاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية، وقد أراد معاوية إهانته عن طريق الممازحة، فأجابه ذلك وهو من رعاياه: «يا ابن هند متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أُمهاتهم أحرارًا، والله يا ابن هند إنَّ القلوب التي أبغضناكم بها لم تزل في صدورنا، وإنَّ السيوف التي حاربناكم بها لم تزل على جنباتنا، وإنكم لا تدنون من الحرب شبرًا حتى نتقدم منها ذراعًا.»

واتفق للحجاج أمير العراق الطاغية السفاك أنه رأى أعرابيًّا شيخًا مقبلًا من صدر البادية فقال له: «يا أعرابي يجب أنْ تشكروا الله لولايتي عليكم.» فأجابه: «إننا نشكر الله على نعم كثيرة، وأمَّا على ولايتكم ففي أي وجهه تريد؟» قال: «لأني منذ وليت عليكم لم يصبكم الطاعون.» قال الشيخ: «إنَّ الله أكرم وأرحم من أنْ يجمع علينا بين ولايتكم والطاعون.» فضحك الحجاج وخلى سبيله.

ومن هذا القبيل ما روي عن قيس بن الملوح العامري — المعروف بمجنون ليلى — قالوا: إنَّ أحد الخلفاء الأمويين — والمرجح أنه عبد الملك بن مروان إذا صَحَّتْ رواية الحادث — دعاه إلى مجلسه، وقال له: «ويحك يا قيس بأيِّ عين نظرت إلى ليلى فهمتَ بها هذا الهيام، وهي ليست أجمل النساء؟» فأجابه العامريُّ فورًا: «بالعين التي نظر الناس بها إليك فجعلوك مَلِكَهم وخليفتهم، وأنت لست أفضل الرجال.»

ويحكى أنَّ الخليفة عبد الملك بن مروان قال يومًا لشاعره الخصوصي الأخطل التغلبي النصراني، وكان من مدمني الخمرة: «صف لي الخمرة يا غياث وأوجز.» فأجابه: «يا أمير المؤمنين الخمرة أولها جنون، وآخرها صداع.» فقال الخليفة: «فما الذي يحببها إليك وهي على هذه الصفة؟» قال: «ولكن بينهما يا أمير المؤمنين ساعة لا أبيعها بملكك.» وقيل: بل قال: «ولكن بينهما يا أمير المؤمنين ساعة لا أرى ملكك في جنبها إلَّا كلعقة من نهر الفرات.» ثم أنشد:

إذا ما نديمي صب لي ثم صب لي
ثلاث زجاجات لهن هديرُ
خرجت أجر الذيل تِيهًا كأنني
عليك أميرَ المؤمنين أميرُ

فضحك الخليفة، وقال له: «اغرب عن وجهي، والله لست من المهتدين.»

وقال له الخليفة المشار إليه في يوم آخر: «يا غياث إذا دخلت في الإسلام جعلنا لك عطاء في أعطية المسلمين.» فأجابه: «إني طوع يدي أمير المؤمنين في كل شيء ما عدا أمرين.» قال: ما هما؟ قال: العرض والدين، فابتسم الخليفة وأجابه: «لا بأس عليك، وإنما أردت ممازحتك.»

ومن أمثلة الجرأة والصراحة في الشعر قول النابغة الذبياني في اعتذاره إلى النعمان أبي قابوس، ورد ما اتهم به لديه من أنه جحد فضل النعمان، وأصبح يخامر عليه في الشام وهو عند الملوك الغساسنة، فقال له النابغة ما معناه: إنَّ الخيانة والمخامرة ليستا من شأنه، وإنما هو يمدح الغسانيين؛ لأنهم أحبوه وأكرموه، كما أنَّ النعمان يكرم الشعراء الذين حواليه، وهذا الذي قاله:

ملوكٌ وإخوانٌ إذا ما أتيتهم
أُحَكَّمُ في أموالهم وأُقَرَّبُ
كفعلك في قوم أراك اصطفيتهم
فلم ترهم في مدحهم لك أذنبوا

وأغرب من ذلك في الجرأة والصراحة ما قاله في شعره أبو عبادة البحتري راثيًا الخليفة المتوكل على الله، وكان ولي عهده المنتصر قد أوعز إلى الجنود الأتراك في القصر باغتياله لنفور شديد طال أمده بين الأب وابنه، وقد نال الابن منه قوارص عديدة أليمة، حتى عِيلَ صبره. قال البحتري:

صريع تقاضاه السيوف حشاشة
يجود بها والموت حُمْرٌ أظافرهْ
حرام عليَّ الراح بعدك أو أرى
دمًا بدمٍ يجري على الأرض ماطره
وهل يُرتجى أنْ يطلب الثأرَ طالبٌ
مدى الدهر والموتور بالدم واترهْ
فَلَا مُلِّيَ الباقي تراث الذي مضى
ولا حملت ذاك الدعاء منابرهْ

ومن الجرأة والصراحة أنَّ الشريف الرضي الذي توفي في حدود سنة ٤٠٠ للهجرة — أي: بعد وفاة المتنبي بنحو خمسين سنة — أنشد خليفةَ زمانه العباسي القادر بالله قصيدة جاء فيها قوله:

عطفًا أمير المؤمنين فإننا
في دوحة العلياء لا نتفرق
إلَّا الخلافة ميزتك فإنني
أنا عاطل منها وأنت مطوق

قيل: فتبسم الخليفة، وقال للشاعر: «برغم أنف الشريف.» ثم مضت أيامٌ وكان الشريف في مجلس الخليفة، وقد قبض لحيته بيمناه، وأخذ يرفعها نحو وجهه حتى تمس أنفه، ثم يحدرها، ثم يعيد رفعها — فِعْلَ المُتلهِّي — فقال الخليفة مازحًا: «لعلك تشم منها رائحة الخلافة.» فأجابه: «بل أشم ما هو أعظم من الخلافة وأكرم؛ لأنه أصلها ومصدرها، أشم رائحة النبوة.» يريد أنه من سُلالة حضرة النبي العربي، وليس الخليفة وأسرته كذلك، فسكت الخليفة عن الجواب، وتحول الحديث إلى مجرًى آخر.

والشاعر المجيد مهيار الديلمي تلميذ الشريف الرضي المتأدب بأدبه، ظهرت منه مثل هذه الحمية على دينه العربي الإسلامي، ونسبه الديلمي الفارسي إذ كان فارسي النجار عربي النشأة والثقافة والدار. فقال مخاطبًا حبيبته منتقلًا من النسيب والتشبيب إلى هذا الغرض الجليل القدر:

لا تظني نسبًا يقعد بي
أنا من يرضيك عند النسب
قوميَ استولوا على الدهر فتًى
ومشوا فوق رءوس الحقب
قد ورثت المجد عن خير أب
وقبست الدين عن خير نبي

وقال الأبيوردي منددًا بوزرراء زمانه تنديدًا مؤلمًا غير حاسب لسطوتهم حسابًا:

وكيف أُرَجِّي دولة وزراؤها
يردون إن حييتهم بالحواجب
مصيبون في تخييبهم كل مادح
فعين صواب الرأي تخجيل كاذب

وأمَّا الإشارات اللطيفة والكنايات في القول فهي أعظمُ الدلائل وأوضحها على فطنة العرب وحدة أذهانهم، ولهم في هذه الناحية شيءٌ كثير، ومعظمه يسمى ملاحن، أو لحن القول، أو الكلام الموجه — أي: ما كان له وجهان، وجه قريب غير مقصود، ووجه بعيد هو الذي قصده صاحبه.

ومن أمثلة هذا الباب أنَّ رجلًا شرب خمرًا، فسكر، فسقط، فشُجَّ رأسه، فشد عليه عصابةً، وفي صبيحة اليوم التالي زار صديقًا له من أهل الأدب وعنده جماعة، فسأله صاحب البيت: ما بال رأسك معصوبًا؟ فكره أنْ يكذب، وخاف أنْ يصدق، فيفضح نفسه أمام أُناس غرباء عنه، فأجاب صديقه: ركبت أمس مهري الأشقر فكَبَا بي وأصابتني شجة. ففهم أولئك من العبارة ظاهرها، ولم يستغربوا الأمر، وأمَّا صديقه — وكان يعلم أنه ليس للمعصوب مهر، ولا هو من متعوِّدي ركوب الخيل — فعلم مراده، وفطن إلى أنه قصد بالمهر الأشقر الخمرة الشقراء اللون. ومن هذا القبيل قول أحدهم:

وما يك فيَّ من عيب فإني
جبانُ الكلب مهزول الفصيل

أورد في عجز البيت كنايتين عن محبته للضيوف، وكرمه في ضيافتهم؛ لأن جبن الكلب يكنى به عن أنسه بالزوار؛ لكثرة رؤيته إياهم، فلا ينبحهم، وهزال الفصيل كناية عن عدم شبعه من رضاعة أمه، إذ يحتلب كل ما في ضرعها تقريبًا لأجل قرى الضيوف. ومن هذا القبيل قول القائل في وصف حالة قوم:

بيض المطابخ لا تشكو إماؤهمُ
طبخ القدور ولا غسل المناديل

كناية عن فقرهم؛ ولهذا تظل مطابخهم نظيفة لقلة استعمالها، ونساؤهم لا تتعب في طبخ القدور، ولا في غسل مناديل الآكلين — أي: فِوَطِهم — لعدم وجود شيء من ذلك.

وأمَّا المداعبةُ وخفة الروح فهما أيضًا من شِيَمِ النفس العربية مثل الإباء، والجرأة، والحميَّة، وشدة الانفعال فرحًا أو حزنًا، وسرعة الانتقال من رضًى إلى غضب، ومن غضب إلى رضًى. وهذه الشيم لها آثار ظاهرة في الأدب العربي، وقد تقدم معنا أمثلةٌ كافية عليها، وبقي أنْ نورد أمثلة على المداعبة وخفة الروح.

سئل أعرابي عن وليمة حضرها في أيام القيظ، ولم يكن راضيًا عنها، فقال: «كل شيء كان فيها باردًا إلَّا الماء.» وأثنى رجلٌ على شعر شاعر يوده فقال: إنَّ شعره كالماء — يريد سلاسة وعذوبة — فأجابه أحدُ سامعيه: نعم، ولكنه كماء البئر في الصيف، يُريد: في برودته.

وسأل الفقيه الشعبي رجالًا فقراء عن إبلهم، وقد رآها جربى: «ألا تعالجون هذه الإبل بما يقاوم جربها؟» فقال له أحدهم: إن لنا أمًّا عجوزًا صالحة تدعو لنا ولجمالنا، ونحن نتكل على دعائها، فقال الشعبي: لا بأس أنْ تمزجوا بدعائها شيئًا من القطران.

وسأل رجلٌ أحد أيمة الأدب: ما الشبه الذي يقصده الشعراء بجعل المرأة الحسناء كالظبية؟ فشرح له الأستاذ وجه الشبه بلفتات الظبية، وعنقها، وعينيها، ونحافة عطفيها، وكان شرحه واضحًا بسيطًا فهمه السامعون إلَّا السائل الذي قال له بعد كل ذلك الشرح: نعم، أصبت وأحسنت، ولكنك لم تُفهمني بأي شيء تشبه حسناء النساء بهيمة كالغزالة؟ فيئس الأستاذ منه، واعتراه شيءٌ من الغضب، فأجابه: تشبهها بذنبها وقرونها، فانقلب المجلس ضحكًا، وانسل الرجل هاربًا.

وعلى ذكر قرون الظبية تذكرت بيتين لأحد شعرائنا العصريين وأظنه الشيخ إسكندر العازار، قال:

فقتِ الغزالةَ بهجة وملاحة
فتجمعتْ كل المحاسنِ فيكِ
لكِ جِيدُها وبهاؤها وعيونها
أمَّا القرون فإنها لأبيكِ

وكان العرب يسخرون بمن يَدَّعِي زورًا شرف النسب النبوي، فيقولون: «فلان ابن عم النبي من الدلدل، والدلدل اسم بغلة أهداها المقوقس صاحب مصر إلى حضرة النبي، وقيل: إنها أول بغلة رؤيت في الإسلام.»

ومن هذا القبيل قول الشاعر فيمن يدعي بطلًا الشعر والنسب النبوي معًا:

ما فيك من جدك النبي سوى
إنك لا ينبغي لك الشعر

أراد بذلك الإشارة إلى قول القرآن الكريم: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ، ومن أهاجيهم التي فيها مداعبةٌ وتَهَكُّم لطيف قول القائل:

إذا ما تميمي أتاك مفاخرًا
فقل عد عن ذا كيف أكلك للضب

وطالما عُيِّرَتْ بنو تميم أنها تأكل الضباب. وقول الآخر:

أعد نظرًا يا عبد قيس لَعَلَّمَا
تضيء لك النار الحمار المقيدا

وقول الثالث:

أرفق بعمرو إذا ما رمت نسبته
فإنه عربي من قوارير

يريد أن ما يدعيه من نسب العروبة قصم — أي: سريع الانكسار كالقوارير — لأنه ملفَّق لا يحتمل نقدًا أو تجريحًا. ومما لا يخلو من خفة روح قول القائل:

ولا أكتم الأسرار لكنْ أذيعها
ولا أترك الأسرار تغلي على قلبي
وإنَّ قليل العقل من بات ليله
تُقَلِّبُهُ الأسرارُ جنبًا إلى جنب

وقول الآخر:

عتبت على الدنيا بتقديم جاهل
وتأخير ذي عقل فأبدت ليَ العذرا
بنو الجهل أبنائي وأما ذوو النهى
فإنهمُ أبناء ضرتيَ الأخرى

وقال أحد الشعراء فيمن حاول أمرًا بعد فرصته، وكان سهلًا عليه لو أراده في حينه:

تَرَكَ الزيارة وهي هينة
وأتاك من مصر على جمل

وقال غيره:

تسألني أم وهيبٍ جملًا
يمشي رويدًا ويكون الأولا

وقال بهاء الدين زهير:

قالوا فلانٌ قد غدا تائبًا
واليوم قد صلى مع الناس
فرُحتُ عن توبته سائلًا
وجدتُها توبة إفلاس

وقال أيضًا مخاطبًا من أراد مقاطعتها:

لا أقتضيك مودة
رفع الخراج عن الخراب

يُريد أنه لم تبق لها بقيةٌ من الحسن ونضارة الصبى. وقال الأمير أبي فراس الحمداني:

فيا أيها الجاني ونسأل عفوه
ويا أيها الخاطي ونحن نتوب

وعلى هذا المنوال نَسَجَ كلامَه مَن قال:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكمُ
وتذنبون فنأتيكم ونعتذرُ

وقال شاعر في أمير كريم مدحه الشاعر فخيبه ولم يقض حاجته:

فيا لك بحرًا لم أجد فيه مشربًا
وإنْ كان غيري واجدًا فيه مسبحا
مديحي عصا موسى وذاك لأنني
ضربت به بحر الندى فتضحضحا
سأمدح بعض الباخلين لعله
إذا اطرد المقياس أنْ يتسمحا

ويقال: إنَّ هذه الأبيات أضحكت الممدوح وأفادت المادح. وقال بعضهم:

نُبئت أن فتاةً كنت أخطبها
عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول

عرقوبها — أي: ركبتها — قيل: إن الإمام ابن سيرين — المشهور بتفسير الأحلام — كان يضحك حتى يسيل لعابه كلما سمع هذا البيت. وقريبٌ منه في الدعابة على طريق الغلو قول القائل:

من رأى مثل غادتي
تُخجل البدر إن بدا
تدخل اليوم ثم تد
خل أردافُها غدا

وأراد أعرابي أنْ يرحل عن أهل خطيبته بقصد فراقها وفراقهم إلى الأبد، ولكنه أوهمهم أنَّ رحلته موقتة، وترك عندهم جبته وحماره كأنهما رهينتان؛ لأجل تأمينهم:

ذهبت إلى الشيطان أخطب بنته
فأعلقها من شقوتي في حباليا
وخَلَّصَني منها حماري وجبتي
جزى اللهُ خيرًا جبتي وحماريا

ومن الأهاجي التي فيها مبالغة فكهة قول أحدهم يهجو مروان الكاتب في ضعف علمه بالحساب:

لو قيل كم خمس وخمس لأرتأى
يومًا وليلته يعد ويحسب
ويقول مسألةٌ عجيبٌ أمرها
وإذا ظفرت بها فأمر أعجب
فيها خلافٌ ظاهرٌ ومذاهب
لكن مذهبنا أصح وأصوبُ
خمس وخمس ستة أو سبعة
قولان قالهما الخليل وثعلبُ

ومن نمط هذا الهجو ما قيل في أمير أَسْود اللون كان يَدَّعِي شدة الفهم، ويقول: كأني خُلقت من نار.

إن كنت من نار خلقـ
ـت وفُقْتَ كل الناس فهما
وعلوتَهم أدبًا فمَنْ
أطفاك حتى صرت فحما

ومما فيه خفة روح قول القائل:

وإذا رأيت العبد يهرب ثم لم
يُطلبْ فمولى العبد منه هارب

وقول غيره في صديق له علا مركزه فجفاه:

سألت الله أنْ تسمو وتعلو
علوَّ النجم في كبد السماء
فلما أن علوتَ بعدت عني
فكان إذن على نفسي دعائي

وقول الشيخ ناصيف اليازجي:

طلبنا التداني فابتعدتَ فليتنا
طلبنا النوى يا من يقابِل بالضد
وكم واجد ما لم يكن طالبا له
وكم طالب ما ليس يدرك بالجهد

وهذا الأسلوب الفكه مأخوذ في أصله من أسلوب جدي بقول القاضي ناصح الدين الأرجاني:

وما زلت إما واجدا غير طالب
لليلى وإما طالبًا غير واجد

وقال حافظ بك إبراهيم منددا برجال الاحتلال في مصر:

وقد كان فينا الظلم فوضى فهُذبت
حواشيه حتى صار ظلمًا منظما
إذا رمت أن تلقى السعادة بينهم
فلا تَكُ مصريًّا ولا تك مسلما

ومن المداعبات الأدبية الطيبة الدالة على فهم وسرعة خاطر، ما أورده في قصيدة عبد الله التنوخي المعروف بابن القاضي، وجُلُّ ما جاء في أبياته مبنيٌّ على اصطلاحات علم العيافة عند العرب، ومرجعها إلى تجانس الألفاظ في تفاؤل أو تشاؤم، كأنْ يتشاءمون بالغراب وشجر البان؛ لأن لفظهما قريبٌ من الغربة والبَيْن، ويتفاءلون بالغَنَم؛ لأن لفظه قريب من الغنيمة. قال عبد الله التنوخي في جملة قصيدته:

نظرت إليها والمطي كأنما
غواربها منها معاطس رعف
فقالت أَمَا منكن من يعرف الفتى
فقد رابني من طول ما يتشوف
أراه إذا سرنا يسير حذاءنا
وتوقَف أحقاف المطي فيوقف
فقلت لتربيها أبلغاها بأنني
بها مستهام قالتا نتلطف
وقولا لها يا أم عمرو أليس ذا
مِنًى والمنى في خيفة ليس يخلف
تفاءلت في أن تبذلي طارف الوفا
بأن عنَّ لي منك البنان المطرف
وفي عرفات ما يخبِّر أنني
بعارفة من عطف قلبك أُسعف
وتقبيل ركن البيت إقبال دولة
لنا وزمان بالمودة يعطف
فأوصلتا ما قلته فتبسمت
وقالت أحاديث العيافة زخرف
بعيشي ألم أخبركما أنه فتًى
على فمه برد الكلام المفوف
فلا تَأْمَنَا — ما اسطعتما — كَيْدَ نطقه
وقولا ستدري أينا اليوم أعيف
إذا كنت ترجو في منى الفوز بالمنى
ففي الخيف من أعراضنا تتخوف
وقد أنذر الإحرام أن وصالنا
حرام وأَنَّا عن مزارك نصدف
وهذا وقذفي بالحصى لك مخبر
بأن النوى بي عن ديارك تقذف
وحاذر نفاري ليلة النفر إنه
سريع فقل من بالعيافة أعرف
فلم أرَ مثلينا خليلَيْ مودة
لكل لسان ذو غرارين مرهف
١  المؤلف.
٢  أبو تمام.
٣  المؤلف.
٤  المؤلف.
٥  المؤلف.
٦  أبو نواس.
٧  الفراغ هو البطالة والجدة هي الغنى.
٨  السموأل بن عادياء.
٩  بلوتهم؛ أي: اختبرتهم.
١٠  المؤلف.
١١  المؤلف.
١٢  تفريط؛ أي: تقصير.
١٣  صفي الدين الحلي.
١٤  إبراهيم الحوراني.
١٥  الطفراني.
١٦  المتنبي.
١٧  المؤلف.
١٨  مقدارها؛ أي: قدرها، وهو قيمتها.
١٩  طرفة بن العبد.
٢٠  المتنبي.
٢١  أبو العلاء المعري، غير مجد؛ أي: غير نافع.
٢٢  بهاء الدين زهير.
٢٣  أبو العلاء المعري.
٢٤  بهاء الدين زهير.
٢٥  المؤلف.
٢٦  ابن الوردي.
٢٧  المؤلف.
٢٨  ناصف اليازجي.
٢٩  المتنبي.
٣٠  زهير بن أبي سلمى.
٣١  أحمد شوقي.
٣٢  المتنبي.
٣٣  الفرزدق.
٣٤  محيي الدين بن العربي.
٣٥  المتنبي.
٣٦  أبو الأسود الدؤلي.
٣٧  المتنبي.
٣٨  إلى أهلها؛ أي: إلى مستحقيها.
٣٩  صالح بن عبد القدوس.
٤٠  الصاحب بن عباد.
٤١  أبو الأسود الدؤلي.
٤٢  عنترة العبسي، الكفر يراد به هنا كفر النعمة — أي: إنكار المعروف.
٤٣  المؤلف.
٤٤  المتنبي خبا — أي: مكرًا.
٤٥  زهير ابن أبي سلمى. جلاء أي: دليل أو برهان.
٤٦  زهير ابن أبي سلمى.
٤٧  أبو الأسود الدؤلي.
٤٨  المؤلف.
٤٩  المتنبي.
٥٠  المتنبي.
٥١  أبو تمام. مقام بضم الميم أي: إقامة، مخلق أي: مُبْلٍ، بسرمد أي: بدائمة.
٥٢  حمأة، أي: وحل.
٥٣  المؤلف.
٥٤  المتنبي.
٥٥  عمر بن أبي ربيعة.
٥٦  إبراهيم اليازجي.
٥٧  علي بن الجهم.
٥٨  أبو الأسود الدؤلي.
٥٩  امرؤ القيس الكندي، أنكره، أي: استقبحه.
٦٠  المتنبي.
٦١  المتنبي.
٦٢  ناصيف اليازجي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤