الفصل الخامس عشر

الاضطهاد العظيم

٣٠٣–٣١٢

مقدمات الاضطهاد

وقُتِلَ الإمبراطور أوريليانوس في حملة قام بها على الساسان في السنة ٢٧٥، فانتخب مجلس الشيوخ تسيتوس إمبراطورًا بإيعاز من الجند، وتوفي هذا بعد ثلاثة أشهر في أثناء حملة شنَّها على قبيلة الألاني في آسية الصغرى، ولم يُفلح أخوه في تسنم الحكم بعده لانكساره أمام بروبوس (٢٧٦–٢٨٢)، ورد بروبوس الإمبراطور هجمات الإفرنج والبورغنديين والألمان والفندال، وشغل الجنود بتجفيف المستنقعات وإنشاء الترع وبناء الطرق، فثاروا عليه وقتلوه، فتولى الحكم بعده قائد الحرس كاروس (٢٨٢-٢٨٣)، ولكن صاعقة أصابته فيما يظهر بعد أن احتل طيسفون عاصمة ساسان، فخلفه ابنه نومريانوس (٢٨٤)، ولكنه قُتِل بمؤامرة دبَّرها كارينوس والد زوجته، ولم يُفلح كارينوس في استلام أزمة الحكم؛ لأن الجند نادوا بديوقليتيانوس (٢٨٤–٣٠٥).

وأراد ديوقليتيانوس أن يجعل جلوس الإمبراطور أمرًا مدنيًّا لا علاقة له بالجيش، فجعل للدولة الرومانية إمبراطورين، وجعل لكلٍّ منهما قيصرًا يعاونه في الحكم، ويحل محله عند الوفاة أو اعتزال الوظيفة، وطبق هذا النظام الجديد، فجعل مكسيميانوس Maximianus إمبراطورًا يشاطره الحكم، وحكم هو الشرق متخذًا نيقوميذية قاعدة له، وحكم مكسيميانوس الغرب وجعل قاعدته ميلان، وفي آذار السنة ٢٩٣ نصَّب الإمبراطوران قسطنديوس كلوروس Constantius Chlorus أبا قسطنطين قيصرًا يعاون مكسيميانوس في الغرب، وجعل من غلاريوس Galerius قيصرًا آخَر يعاون ديوقليتيانوس في الشرق، فساس غلاريوس البلقان وجزيرة كريت، وتولى ديوقليتيانوس بنفسه إدارة شئون الشرق من ليبية حتى الفرات وآسية الصغرى.١
وزار ديوقليتيانوس فلسطين في السنة ٢٨٦ وأقام عدة أشهر في طبرية، وفي السنة ٢٨٨ قام إلى الفرات يهدِّد بهرام الثاني شاه ساسان ويكرهه على التخلي عن ما بين النهرين وأرمينية، وعاد ديوقليتيانوس إلى أنطاكية وحمص في ربيع السنة ٢٩٠ ليقتصَّ من القبائل العربية الضاربة في هذه المناطق، ولعل الإشارة الواردة في المراجع لهذه المناسبة هي للغساسنة بزعامة ثعلبة؛٢ واضطرب الأمن في مصر في السنة ٢٩٦-٢٩٧، فهجم نرسه الساساني على أرمينية وسورية، فأنفذ ديوقليتيانوس معاونه غلاريوس لقتال نرسه، فوقع في كمين مخيف وتراجع مقهورًا، فأكرهه ديوقليتيانوس أن يواكبه ماشيًا مسافةَ ميل مرتديًا ثوبه الأرجواني، ثم شرع الإمبراطور يَعُدُّ العدة للأخذ بالثأر، فأنشأ معامل لصنع الأسلحة في أنطاكية ودمشق والرها، وحضَّ غلاريوس على انتقاء أفضل الرجال وأكثرهم خبرةً في القتال، فاستقدم غلاريوس الرجال من البلقان، وانقضَّ على نرسه عن طريق أرمينية، فقُدِّر له النجاح؛ إذ جرح نرسه نفسه واعتقل حرمه وأولاده، واستولى على خزينته، فاضطر نرسه أن يفاوض صاغرًا، فتخلى عن ما بين النهرين، واعترف بحماية رومة على أرمينية، ووافق على جعل نصيبين مركزًا دائمًا لتسوية العلاقات التجارية بين البلدين، ودام هذا الصلح أربعين عامًا، وعاد غلاريوس مرفوع الجبين، واعتز سيده ديوقليتيانوس بهذا النصر، فنقل عن خصمه الفارسي مظاهر الأبهة والعظمة في التشريفات الملكية، فكثرت الحجب الحريرية في البلاط، وتنوعت الزينة؛ فشاع استعمال الذهب واللؤلؤ والحجارة الكريمة، واحتجب الإمبراطور وتطلَّبَ ضروبًا من التكريم والتبجيل أهمها الركوع.
وجدَّ ديوقليتيانوس في حماية حدود الدولة، فجدَّد الحصون التي كان تريانوس ومرقس أوريليوس قد أنشآها ضد فارس، وأمر ببناء غيرها كقصر الملكة في تدمر، وقصور جنيجل، وخان التراب، وخان الشامات، ودير الكهف، وقصر الأزرق؛٣ وعَبَّدَ الطرقات العسكرية وحماها بالأبراج، وأهم هذه طريق دمشق تدمر الفرات التي دعيت طريق ديوقليتيانوس Strata Diocletiana،٤ وطريق دمشق بصرى فالعربية وعمان مادبا حتى وادي الحسا،٥ وأعاد النظر في نظام الجيش، فخفض عدد الرجال في وحداته ليسهل الحركة والانتقال.٦

وكان فاليريانوس قد بدأ في بلاط إمبراطوري في أنطاكية، فأكمل ديوقليتيانوس هذا العمل، وأنشأ بلاطًا آخر في دفنة، وشيَّد هيكلين في دفنة أحدهما لزفس كبير الآلهة والآخر لأبولون.

أسباب الاضطهاد

وهكذا فإن ديوقليتيانوس كان منذ بداية عهده مجدِّدًا مصلحًا محافظًا على سلامة الدولة، وكان منذ بداية عهده أيضًا معاديًا للنصرانية؛ لأنه لم يجد في أوساطها استعدادًا للتعاون معه في توحيد القلوب ودرء الأخطار المداهمة؛٧ فالنصارى لم يقدِّسوا ما قدسته الدولة، ولم يفتُروا عن مصارحة الأوساط الوثنية الرسمية وغير الرسمية بأن لا إله إلا الله، وبأن يسوع ابنه الوحيد تأنس وصُلب ومات من أجل البشر، وقام في اليوم الثالث وجلس عن يمين الآب، وأن لا خلاص إلا به.
ويتميز القرن الثالث عن القرنين الأولين بشدة انتشار الدين المسيحي وانكشاف أمره، وإقدام المسيحيين على الجهر به، وبتشييد الكنائس الفخمة والاستعانة بفنَّيِ النحت والتصوير للتعبير عن العقيدة المقدسة، ولا تزال بعض آثار هذا القرن تنطق بصحة ما نقول، فقد كشف العلماء الباحثون آثار كنيسة كبيرة هامة في عمواس فلسطين تعود إلى القرن الثالث،٨ وأظهروا كنيسة جميلة في الصالحية عند الفرات يعود إنشاؤها إلى قبيل السنة ٢٥٦، كما أبانوا معالم محل العمادة ودار الكاهن والمخازن،٩ وقامت في هذا القرن أيضًا كنيسة النصارى في نيقوميذية، على تلة تحاكي قصر ديوقليتيانوس نفسه على تلة مقابلة لها،١٠ وأمَّ المؤمنون هذه الكنائس زرافات زرافات،١١ وخلت الهياكل من الوثنيين،١٢ فضجت الأوساط الرومانية المحافظة الرسمية وغير الرسمية، وعلا صوت الفلاسفة الوثنيين ورجال البيان والخطابة مطالبين بدَرْء هذا الخطر المداهم.١٣

رجال الاضطهاد

ولم يكن ديوقليتيانوس ظنونًا قاسيًا مثل نيرون، أو داعيًا ملحًّا لدين معين كأوريليانوس، ولكنه كان شديد التمسُّك بالوثنية يقول بجميع خرافاتها، وكان في الوقت نفسه رجل إدارة وسياسة، يكره العنف ويبتعد عنه، فسكت عن النصرانية تسعة عشر عامًا؛ لأن الظروف السياسية الخارجية قضت بتحاشي الاضطراب في الداخل.١٤
أما القيصر غاليريوس يمين الإمبراطور، فإنه ورث عن أمه تعلقًا شديدًا بالآلهة، ورغب بأن يظهر بمظهر المدافع عن عقائد أكثرية الشعب، وأن يطهِّر جيشه من كل عنصر مشاغب،١٥ واعتمد غاليريوس في تنفيذ رغباته هذه على القائد فيتوريوس Veturius كبير رجال الحرب لديه Magister Militum.١٦
ولا ننسَ بورفيريوس ورسائله الخمس عشرة وتلميذه هيروكليس Hierocles حاكم بيثينية آنئذٍ، الذي خص النصارى برسالة أسماها «صديق الحقيقة»، فأثر في نفس ديوقليتيانوس ودفعه إلى الاضطهاد.١٧

الظرف

ويطلُّ علينا خريف السنة ٣٠٢، فنجد ديوقليتيانوس في أنطاكية يضحي لآلهته، ويطلب إلى طاغس Tagis رئيس العرافين أن يتفحص أحشاء الضحية وينبئه بالمقدر، ففعل طاغس ولم يفلح، وادعى أن المسيحيين الموجودين حوله أفسدوا عليه عمله في أنهم رسموا علامة الصليب، فاضطرب الإمبراطور وخشي سوء العاقبة، ثم اغتاظ فأمر جميع رجال البلاط ونساءه أن يضحوا للآلهة مهددًا بالجلد، وتبنى سياسة غاليريوس، فأمر قادة جيوش الشرق مصارحة جميع الضباط والأفراد في أمر احترام الآلهة وتكريمها وتسريح مَن يمتنع عن ذلك.١٨

أوامر السنتين ٣٠٣ و٣٠٤

وعاد ديوقليتيانوس إلى مقره في نيقوميذية، ووصل غاليريوس إليها، فتشاورا في أمر النصرانية والنصارى، وألحَّ القيصر على اللجوء إلى العنف للتخلص من الدين الجديد وأتباعه، ولكن ديوقليتيانوس كان لا يزال يكره سفك الدم ويأنفه، فدعا كبار الموظفين والقادة، وبحث معهم نقطة الاختلاف في الرأي بينه وبين غاليريوس، وكان بين المدعوين هيروكليس الفيلسوف، فحضَّ على القمع بالقوة فوافقه المجتمعون،١٩ وأبطأ ديوقليتيانوس وتريَّثَ مرة ثانية، فأمر بوجوب استلهام أبولون في ميليطة، ففعلوا فثبَّت العرَّاف رأي هيروكليس وزملائه.٢٠
وأصر ديوقليتيانوس على عدم سفك الدماء، فأمر في الثالث والعشرين من شباط السنة ٣٠٣ بتهديم الكنائس وسائر محلات العبادة، وإتلاف الكتب المقدسة وكتب الصلوات والطقوس ومنع صلاة الجماعة، وحرم المسيحيين الأشراف من التمتع بامتيازات الطبقات التي انتموا إليها، واعتبر جميع المسيحيين خارجين على القانون، فحرمهم حق الدفاع عن حقوقهم أمام المحاكم، ويختلف رجال البحث في تفسير عبارةٍ وردت في تاريخ أفسابيوس، فيرى بعضهم أن ديوقليتيانوس اعتبر جميع المسيحيين أرقاء، ويرى البعض الآخر أنه خص الأشراف المسيحيين بهذا الذل دون سواهم.٢١
وفي عشية الثالث والعشرين من شباط وقبل إعلان الإرادة الإمبراطورية، هجم الشرطة على كنيسة نيقوميذية المشرفة على القصر الإمبراطوري، فخربوها وأحرقوا ما وجدوا فيها من الكتب، وفي صباح الرابع والعشرين ألصقت نصوص الإرادة على جدران الشوارع في نيقوميذية، فنزع مسيحيٌّ واحدةً منها ومزَّقَها فأُلقِي القبض عليه وأُحرِق،٢٢ وشبت النار بعد ذلك في أحد أجنحة البلاط فاتَّهَم غاليريوس المسيحيين بذلك،٢٣ ثم شبت النار ثانيةً فخرج غاليريوس من نيقوميذية معلنًا أنه لا يرغب في أن يُحرق حيًّا؛ فاستوقدت هذه النار غضب الإمبراطور فتسخَّط وتنمَّر، واعتبر جميع المسيحيين في بلاطه وعاصمته أعداءه، وحل غضبه على زوجته بريسكة Prisca وابنتها فاليرية Valeria، وخيَّرَهما بين الموت والرجوع عن النصرانية، فرجعتا ولكن حوادث البطولة في سبيل يسوع تكررت، فاستشهد دوروثاوس كبير الأمناء، وبطرس رئيس الحجاب، وأنثيموس أسقف نيقوميذية وكهنته، وعدد كبير من رعيته بينهم نساء وأطفال.٢٤
ونُفِّذَ أمر الإمبراطور بقساوة في جميع أنحاء الإمبراطورية ما عدا غالية وبريطانية مقاطعة قسطنديوس زوج هيلانة، وشبت ثورة في ملاطية وسورية، ونادى بعض الجنود بأفجينيوس Eugenios إمبراطورًا في مرفأ سلفكية،٢٥ فنسب هذا التمرد إلى المسيحيين، فأصدر الإمبراطور أمرين قضى الأول منهما بحبس رجال الإكليروس، والثاني بإطلاق سراح من يكرم الآلهة، وبتشديد العذاب على من يرفض ذلك.٢٦ وجاء في الفصل الثاني من رسالة أفسابيوس في «شهداء فلسطين» أن السابع عشر من أيلول سنة ٣٠٣ وافق مرور عشرين عامًا على بداية حكم ديوقليتيانوس، ففتحت أبواب السجون، وأُطلِق سراح مَن فيها، ولا نعلم ما إذا كان هذا العفو شمل النصارى، ولكننا نعلم أن ديوقليتيانوس أُصِيبَ بمرض عضال في مطلع السنة ٣٠٤، وأن غاليريوس حلَّ محله، وأعد أمرًا رابعًا باضطهاد النصارى فنفذ في ربيع السنة ٣٠٤، وقضى هذا الأمر بإكراه جميع النصارى على الخضوع لآلهة رومة.٢٧

أنطاكية وأبرشياتها

وخاض حكام الولايات وضباط الجيش في باطلهم، فاستشهد في قيليقية عدد كبير من النساء والرجال أشهرهم: طراخوس رجل الشعب، وبروبوس، وأندرنيكوس،٢٨ وتناقل الآباء فيما بعدُ أخبارَ العذارى السبع اللواتي قضين في غلاطية لأجل يسوع، وخبر ثيودوتوس أنقيرة،٢٩ وأبت يوليتة الأرملة في قيصرية قبدوقية أن تضحي للأصنام، فحُرِقت وهي تقول: «إن الله يريد منا جميعًا إيمانًا وصبرًا مكينًا.»٣٠ وتفنن الظالمون في أبرشية البونط عند البحر الأسود بأساليب التعذيب، فأدخلوا القصب الحاد تحت أظافر المؤمنين، ثم صبوا عليها رصاصًا مذوبًا، فالتجأ بعض المؤمنين إلى جبال هذه الأبرشية، وفرَّ آخرون إلى أرمينية وفارس.٣١
ووصل التيار الجارف إلى أنطاكية وفلسطين في نهاية شهره الأول في أواخر آذار السنة ٣٠٣ أو حوالي عيد الفصح في السابع عشر من نيسان، فألقي القبض على كيرلس أسقف أنطاكية، ونُقِل إلى بانونية للعمل في مناجمها، فخلفه في رئاسة الكنيسة تيرانوس Tyrannos (٣٠٤–٣١٤)،٣٢ وكان رومانوس شماس قيصرية فلسطين مقيمًا في أنطاكية آنئذٍ، فهاله تدمير الكنائس وارتداد بعض المؤمنين والمؤمنات، وهبَّ لساعته يقوي النفوس، ويحذر من السجود للأصنام، فقُطِع لسانه وزُجَّ في السجن، ثم هيئت نار لإحراقه فأخمدها الله بسحاب جاد به، فشُنِق بعد ذلك في السجن في الثامن عشر من تشرين الثاني سنة ٣٠٣،٣٣ وقُبِضَ على تيرانيوس أسقف صور وعلى زينوبيوس الطبيب كاهن صيدا، وعُرِضَا على الوحوش الضارية في مدرج أنطاكية، فأعرضت عنهما فحُزَّ رأساهما حزًّا.٣٤
ولا نعلم متى تم استشهاد الضابطين سرجيوس وباخوس بالضبط، ولعل غاليريوس بدأ اضطهاد المسيحيين قبل إعلان الاضطهاد رسميًّا، فأوقع بعدد كبير منهم لدى عودته ظافرًا من حرب فارس، وبين هؤلاء الضابطان سرجيوس وباخوس اللذان نالا إكليل الشهادة في مقاطعة الفرات، حيث شُيِّدَ لتكريمهما هيكل أصبح فيما بعد مركزًا روحيًّا هامًّا، فَدُعِيَتِ المدينة القريبة منه سرجيوبوليس (الرصافة).٣٥

وتُجمِع روايات التقليد على استشهاد القديس جاورجيوس والقديسة بربارة في السنة ٣٠٣، ولكنها تختلف في موضع الاستشهاد، وليس هنالك ما يثبت استشهاد جاورجيوس في اللد، واستشهاد بربارة في بعلبك، ولعلهما من شهداء آسية الصغرى.

وامتثل فلافيانوس حاكم فلسطين أمر الإمبراطور، ونشط عماله لتنفيذه في قيصرية، فأكرهوا المؤمنين على الحضور إلى الهياكل، وأجبروهم على الركوع والخشوع، وأعلنوا رجوعهم عن النصرانية وانقيادهم للأوامر العليا،٣٦ وأول شهداء فلسطين في السنة ٣٠٣ بروكوبيوس Procopios القارئ، وكان هذا الرجل الصالح يجيد اليونانية والآرامية، فيقرأ الأسفار والصلوات في كنيسة بيسان Scythopolis في اليونانية وينقلها إلى الآرامية، فلما وصلت أوامر الإمبراطور إلى بيسان طُلب إليه أن يحرق البخور للإمبراطورين والقيصرين، فامتنع مرددًا بيتًا من أبيات الإلياذة قائلًا: «ليس من الحسن تعدد الأسياد؛ إذ ليس سوى سيد واحد وملك واحد.» فحزَّ رأسه! وبعد ذلك ببضعة أشهر فاز بإكليل الشهادة في قيصرية أيضًا كلُّ مَن زكي شماس كنيسة جدروألفيوس قارئ كنيسة قيصرية.٣٧
وفي السنة ٣٠٤ أوجَبَ الإمبراطور، كما سبق وأشرنا، على جميع النصارى أن يقدموا الذبائح إلى الأوثان، وحل في هذه السنة نفسها أوربانوس محل فلافيانوس في فلسطين، فانهال أهل غزة بالهوان والضرب على تيموثاوس، فنال إكليل المجد، واستشهد معه أغابيوس وتقلا بين أنياب الوحوش الضارية، وفي قيصرية فلسطين بهرت شجاعة الشبان الثمانية أعين الجماهير، وأشهرُ هؤلاء الثمانية ديونيسيون الطرابلسيُّ الفينيقي، وروميولوس أبوذياكون اللد Diospolis، وألكسندروس الغزاوي.٣٨

وبين شهداء هذه السنة يوليانوس الطرسوسي، الذي وُضِع في كيس فيه رمل وحشرات سامة وطرح في البحر، ثم نقل جثمانه إلى أنطاكية، وكرياكوس الطفل وأمه يوليته، اللذان استشهدا في طرسوس، وفبرونية الفاضلة التقية التي قبض عليها في نصيبين ومزقت ثيابها وعلقت على خشبة.

غلاريوس ومكسيمينوس (٣٠٥–٣١٠)

واستقال ديوقليتيانوس وزميله مكسيميانوس من المنصبين الإمبراطوريين، فأصبح كلٌّ من قسطنديوس وغلاريوس إمبراطورًا، الأول في الغرب والثاني في الشرق، وفي أول أيار سنة ٣٠٥ أعلن كلٌّ من فلافيوس سويروس Flavius Valerus Severus، ومكسيمينوس دايا Galerius Valerius Maximinus Daia قيصرًا معاونًا، الأول في الغرب والثاني في الشرق، واحتفظ الإمبراطور غلاريوس بإدارة اليرية وآسية الصغرى ووكل تدبير شئون الولايات الشرقية الباقية إلى نسيبه مكسيمينوس دايا،٣٩ كان مكسيمينوس هذا سكيرًا فاسقًا قاسيًا عاتيًا، وكان يقول بالوثنية وخرافاتها،٤٠ فلما استتب له الأمر عاد أعوانه إلى الاضطهاد، فاستشهد في قيصرية فلسطين في السنة ٣٠٦ أبفيانوس Apphianos، الذي قرأ الفقه في بيروت، واقتبس عن بمفيلس الكمال المسيحي، وفي صور زُجَّ أولبيانوس في جلد ثور مع كلب وصل وألقي في البحر، وفي أنطاكية بسط الشيخ الفلاح برلاها يده إلى لهيب النار حتى فنيت ونكل به تنكيلًا فظيعًا، فاستحق مدح القديسين يوحنا الذهبي الفم وباسيليوس الكبير، وفي أنطاكية أيضًا باغت الجند بلاجية الفتاة منفردة في بيتها، فاستأذنتهم لترتدي أجمل ما لديها، فصعدت إلى السطح ورمت نفسها إلى أسفل، وكان لذومنينة الأنطاكية ابنتان جميلتان: برنيقية وبروسذوكي، ربتهما على سنة السيد المخلص، فبالغ مكسيمينوس الفاسق في التفتيش عنهن، فهربن من أنطاكية إلى الرها، ولما علم زوجها أنها هي وابنتيها في الرها، أخذ معه بضعة جنود للقبض عليهن، فتم له ذلك وعاد بهن إلى أنطاكية، وفي الطريق غافلن الجنود وألقين أنفسهن جميعًا في الفرات، فقال الذهبي الفم: «لقد أرادت ذومنينة أن تفوز بالغنائم قبل المعركة، وأن تختطف إكليل الغار قبل الجهاد، وأن تنال الأوسمة قبل التعذيب.» وفي هذه السنة نفسها أيضًا نالت ثيودوسية الصورية إكليل المجد في قيصرية فلسطين بعد أن مشط الجند جسدها بأمشاط حديدية، وفيها أيضًا عُذِّبَ لوكيوس الحاكم الطبيبين العربيين قوزما ودوميانوس وضرب عنقيهما بالسيف.
وفي السنة ٣٠٧ بدأ سلوانس كاهن غزة ورفاقه أعمالهم الشاقة في وادي عربة، وطُرِح ذومنينوس في النار، ودخل بمفيلوس السجن بعد عذاب أليم، وفي السنة ٣٠٨ استشهد بولس الغزاوي طالبًا الغفران لليهود والسامريين والجلاد الذي أشرف على تعذيبه؛ وفيها أيضًا استشهد في النار الشبان الثلاثة: أنطونيوس وزبينا وجرمانوس، والفتاة البيسانية أوناثة وغيرهم. وفي السنة ٣٠٩ عُقد لبمفيلوس إكليل الشهادة مع أحد عشر شهيدًا، بينهم فالنسيوس الشيخ شماس أيلية، الذي اشتهر بتضلعه من علوم الكتاب المقدس وبورفيريوس الخطاط.٤١

براءة سرديكة (٣١١)

وتوفي قسطنديوس الإمبراطور الغربي زميل غلاريوس في السنة ٣٠٦ في يورك من أعمال بريطانية، فبعث ابنه قسطنطين بنظام ديوقليتيانوس الجديد، وأعلن نفسه قيصرًا على بريطانية وغالية وإسبانية، ونادى حرس رومة بمكسنتيوس إمبراطورًا، وعادت شهوة الحكم إلى قلب مكسيميانوس الإمبراطور المستقيل، فأعلن نفسه إمبراطورًا أيضًا، وأصبح للدولة الرومانية أباطرة ثلاثة وقياصرة ثلاثة، وثار جنود سويروس عليه فقتلوه، فعَيَّنَ غلاريوس قيصرًا جديدًا محله يُدْعَى ليكينيوس، وعم الاضطراب الأوساط السياسية والعسكرية، فانقضَّ مضجع غلاريوس الإمبراطور، واضطرب وانزعج، وفي مطلع السنة ٣١٠ ألمَّ بغلاريوس مرض غريب مخيف، فتقرَّح جلده وظهرت به الأخرجة، وقاحت جروحه ونزف دمه، وطال مرضه حتى جاوز الثمانية عشر شهرًا، وأعضل الأطباء وأعياهم،٤٢ فخاف الإمبراطور وخشي أن يكون قد أغضب إله مَن اضطهد، ولمس الإمبراطور أيضًا فساد رأيه في السياسة وإخفاقه في الحرب التي شنها على المسيحيين، فأصدر عن سرديكة بالاتفاق مع ليكينيوس وقسطنطين ومكسيمينوس براءته الشهيرة في نيسان السنة ٣١١.٤٣ ويرى بعض العلماء أن الفضل في هذه البراءة يعود إلى ليكينيوس لا غلاريوس، ولكنه رأي ضعيف لا يزال في طور الافتراض.٤٤
وقد حفظ لنا المؤرخ لكتنتيوس نصَّ هذه البراءة باللاتينية،٤٥ كما أورد أفسابيوس نصها باليونانية.٤٦ ويبدأ غلاريوس براءته هذه باللوم والتأنيب؛ فيأخذ على المسيحيين خروجهم على دين الآباء والأجداد، وامتناعهم عن ممارسة الطقوس والعادات التي قال بها المؤسسون، ثم يذكر قيامه بالواجب، وإصدار الأوامر إلى هؤلاء بالعودة إلى التقاليد الموروثة، ويشير بعد ذلك إلى رجوع بعض المسيحيين إلى دين الأجداد، ولكنه يبين بوضوح أن هؤلاء لم يعودوا إلا مكرهين، وأن معظم إخوانهم أصروا على الإباء، ولم يتابعوه على ما يريد، فلم يحترموا الآلهة ولم يتعبدوا لإله النصارى! ولعل الإشارة هنا إلى بعض البدع والهرطقات، ثم يخلص الإمبراطور بعد هذا كله إلى القول بالرأفة والرحمة نحو جميع الناس، فيضرب عن المسيحيين صفحًا جميلًا، ويعترف بوجودهم ويسمح لهم بصلاة الجماعة شرط ألا يُخلُّوا بالنظام، ويؤكد أنه سيكتب إلى القضاة والحكام عن القوانين التي يجب اتباعها، ويرى أنه بالمقابل يجب على النصارى أن يصلوا لإلههم من أجل الإمبراطور والدولة وأنفسهم.
ودخلتِ الكنيسة بعد هذا في دور جديد؛ إذ أصبحت النصرانية ديانة شرعية Licet Esse Christianos لأول مرة، وأدى الاعتراف بحرية المعتقد إلى حرية العبادة، وإلى إعادة الكنائس إلى أصحابها،٤٧ ثم انقضى أجل غلاريوس، فأدركته الوفاة في الخامس من أيار سنة ٣١١، فلم يتسنَّ له أن يكتب إلى القضاة والحكام كما جاء في نص البراءة.

مكسيمينوس يتابع الاضطهاد (٣١١-٣١٢)

وظهر خبر براءة سرديكة واشتهر، فوقف الاضطهاد في ولايات غلاريوس وليكينيوس وقسطنطين، ولكنه لم ينشر في مقاطعات مكسيمينوس؛ أي في سورية ومصر، واكتفى سبينوس Sabinus معاون مكسيمينوس بنقل فحوى البراءة ولم يعلن نصها،٤٨ ثم مات غلاريوس بعد ذلك ببرهة وجيزة، فعاد مكسيمينوس إلى الاضطهاد، فأسس منظمة وثنية على غرار الكنيسة لمحاربة النصرانية،٤٩ ولفق سِفرًا جديدًا دعاه «أعمال بيلاطس»، وبثه وأشاع محتوياته لتحقير السيد المخلص،٥٠ ولجأ قائد في دمشق إلى وسائل دنيئة ليبرهن عن ولائه لمكسيمينوس، فأخذ بعض نساء من السوق العمومية، وعلمهن أن يدعين أنهن مسيحيات، وأنهن رأين أعمالًا مخجلة ترتكب في الكنائس نفسها، ثم أوعز مكسيمينوس إلى بعض الأوساط الوثنية في بعض المدن بالمطالبة بطرد المسيحيين من مدنهم، فأقيم في صور عمودًا نُقشتْ عليه كتابة تعظم الوثنية، وتدعو الأهلين لطرد المسيحيين من البلد، ففر ألوف من المسيحيين من صور وغيرها، وتشردوا في البراري والقفار.٥١

شهداء حمص (٣١٢)

وعاد بعض الولاة والقضاة إلى المطالبة بإكرام آلهة الدولة، وخصوا كبار النصارى بهذه المطالبة، فألقى والي حمص القبض على سلوانس أسقف هذه المدينة، وعلى شماسها لوقا، والقارئ في كنيستها موكيوس، وزَجَّهم في السجن، وأذاقهم شتى ألوان العذاب، ثم حكم عليهم بالطرح أمام الوحوش الضارية.

وكان بين المؤمنين في هذه المدينة رجل يُدْعَى يوليانوس، فلما اشتدت وطأة الاضطهاد والتعذيب امتهن الطب؛ ليخفِّف آلاف المعترفين ويرشد الضالين، وكان ما كان من أمر سلوانس ورفيقيه، فلما أخرجوا من السجن وسيقوا إلى المدرج، قابلهم يوليانوس في الطريق وقبلهم القبلة الأخيرة، فقُبض عليه وامتحن بالعذاب، فأصر على الاعتراف بالمسيح، فسُمر رأسه ويداه ورجلاه، وزُجَّ في مغارة خارج البلدة، ففاضت نفسه وانصرف إلى جوار ربه مشرفًا بالآلام نفسها التي تألم بها السيد المخلص.

لوقيانوس المعلم الأنطاكي

وفي هذه السنة نفسها أُلْقِيَ القبض في أنطاكية على الكاهن العالم لوقيانوس، وزُجَّ في السجن في نيقوميذية وعذب تعذيبًا، فجُلِد جلدًا وضُرِب ضربًا ووُضِع على الصاجات وتحت العجلات وقُدِّمَ للأسود الضارية، وانتهز هذا المعلم فرصة السجن، فصنف رسالة وجَّهَها إلى مكسيمينوس نفسه، ودافع بها عن صحة الإيمان بالمسيح. وقد يكون نص هذه الرسالة كما نقله روفينوس المؤرخ مشوهًا، ولكن هذا لا ينفي قيام الشهيد الأنطاكي بعمل التصنيف للدفاع عن الدين القويم،٥٢ وحُرِمَ لوقيانوس الطعام وجُوِّعَ، ثم عُرِض عليه لحم الضحايا للآلهة فامتنع وتصبَّر، وما فتئ مستمسكًا بيسوع مجيبًا عن كل سؤال وجه إليه بالعبارة: «أنا مسيحي.» حتى فاضت روحه وعادت إلى ربها، وقد قرَّظه الذهبي الفم أيما تقريظ في عظته الخامسة والأربعين، ودُفِنَ جثمانه في مدينة ذريبانة، وأمرت القديسة هيلانة فيما بعدُ بتشييد هيكل فخم فوق ضريحه، وخصت ذريبانة باسمها، فأصبحت تُدْعَى إيلينوبوليس؛ أيْ مدينة هيلانة.

مثوذيوس الأوليمبي

وليس لنا نحن أبناء كنيسة أنطاكية العظمى أن نفاخر بالمعلم اللاهوتي الكبير القديس مثوذيوس، الذي استشهد أيضًا في السنة ٣١٢، فالقول بأنه كان أسقف ليقية أولًا، ثم صور بعدها قول ضعيف لا يقبله الثقات المدققون، فقد جاء أنه كان أسقف أوليمب في ليقية، وجاء أيضًا أنه كان أسقف سيرة القريبة، كما ورد أنه كان أسقف ميرة وأسقف صور، ويذهب العلامة ديكامب Diekamp إلى القول بالتقليد الصقلبي، فيجعل مثوذيوس أسقف فيليبي،٥٣ ويؤيده في ذلك زميله لوبون Lebon،٥٤ ولكن البحاثة فايان Vaillant الذي عُنِيَ بآثار القديس مثوذيوس لا يزال مستمسكًا بالرأي التقليدي القديم، الذي يجعل مثوذيوس أسقفًا على أوليمب في ليقية آسية الصغرى، وهو يرى في نص رسالة مثوذيوس في القيامة ما يوجب هذا الاستنتاج.٥٥

براءة ميلان (٣١٣)

ونظر قسطنطين إلى سماء غالية، فرأى شارة الصليب مرسومة عند الشمس قبل المغيب، فاندفع في سعيه اندفاع المؤمن الواثق وكرَّ على خصمه، فشتت شمله وما فتئ يقاتل ويطارد حتى وصل إلى أبواب رومة،٥٦ وقبيل فجر الثامن والعشرين من تشرين الأول سنة ٣١٢، تلقى هذا البطل الفاتح أمرًا من لدن العلي الأعلى يوجب رسم الحرفين اليونانيين «خي» و«رو» على تروس رجاله قبل البدء بالقتال، ففعل وانتصر على خصمه باسم المسيح، ولا يخفى أن هذين الحرفين هما الحرفان الأولان من كلمة خريستوس اليونانية التي تعني المسيح،٥٧ ولا نزال نرسمهما متراكبين مذكرين بالصليب، كما رآهما قسطنطين تبركًا واحترامًا، ونزين بهما جدران كنائسنا وآنيتنا المقدسة وأثوابنا الحبرية.
ولمس قسطنطين يد المخلص وأحسَّ بعنايته الفائقة، فأبطل أوامر خصمه مكسنتيوس، وأعلن محتويات براءة سرديكة في إيطالية وأفريقية وأوجب تنفيذها، ثم أمر بإعادة أملاك الكنائس المصادرة إلى المسيحيين، وأوجب على موظفي المالية في الولايات الغربية أن يقدموا إلى الكنائس الكاثوليكية «الجامعة» لا الدوناتية ما تحتاجه من الأموال، وكتب إلى مكسيمينوس زميله في الشرق يوجب إنهاء الاضطهاد، فكتب مكسيمينوس بدوره إلى سبينوس في أواخر السنة ٣١٢ يمنع اللجوء إلى العنف في سبيل احترام الآلهة وإكرامها.٥٨
وفي أوائل السنة ٣١٣ التقى قسطنطين وليكينيوس في ميلان وتبادلا الرأي في السياسة، فاتفقا على إعلان حرية المعتقد في جميع أنحاء الإمبراطورية، وعاد ليكينيوس إلى الشرق ليحد من مطامع مكسيمينوس، فانتصر عليه عند تزيرالوم Tzirallum بالقرب من أدريانوبل في أول أيار وأكرهه على التراجع، وتوفي مكسيمينوس في طرسوس في آب السنة ٣١٣ من مرض ألمَّ به فأضعفه وأفقده البصر، أما ليكينيوس فإنه ما كاد يستقر في نيقوميذية حتى أعلن حرية المعتقد في نص رسمي،٥٩ هذه خلاصته: «نحن قسطنطين أوغوسطوس وليكينيوس أوغوسطوس، بعد تبادل الرأي في ميلان تبين لنا أن مصلحة الدولة تقضي بتنظيم أمور التعبد ومنح المسيحيين وجميع الرومانيين حق اتباع الدين الذي يؤثرون؛ وذلك ليرضى الإله أيًّا كان عنَّا وعن جميع الخاضعين لنا، وبعد التبصر في هذا الأمر قررنا عدم التعرض لحرية المعتقد؛ وهكذا فإننا لا نمنع أحدًا من الناس عن اتباع دين المسيحيين أو أي دين آخر يختاره هو لنفسه، آملين أن ننال بذلك رضى الإله الأعلى Summa Divinitas وبركته.» وأمر الإمبراطوران بعد هذا بإعادة الكنائس والأملاك المصادرة إلى أصحابها، وبالتعويض من صندوق الدولة عن كل خسارة تلحق بفرد من الأفراد من جراء هذه الإعادة.٦٠
وهكذا فإنه يتضح مما تقدم أنه لا يجوز القول ببراءة معينة محددة صدرت عن الإمبراطورين المجتمعين في ميلان، وجل ما يجوز القول به هو أن هذين الإمبراطورين اتفقا على خطة معينة فنفذاها كلٌّ في منطقته.٦١ والقول ببروتوكول وُقع في ميلان لهذه الغاية٦٢ قول ضعيف لا يرتكز إلى أسس عملية راهنة.٦٣

أهمية التشريع الجديد

وانتهى بهذا التشريع الجديد عصر الاضطهاد، وأصبح المسيحيون يدينون بدين شرعي معترف به من السلطات المدنية، ودخلت الكنائس لا الكنيسة الجامعة٦٤ في دور جديد، فتمتعت كلٌّ منها بحرية العبادة وحق التملك، واستمتع رجال الإكليروس بالامتيازات نفسها التي انتفع بها كهنة الأوثان. ولا يجوز القول إن النصرانية أصبحت دين الدولة؛ لأن الأديان الوثنية ظلت تستفيد من صبغتها الرسمية التي اصطبغت بها في العصور السابقة، وجل ما يجوز قوله هو أن التشريع الجديد ساوى النصرانية بالأديان الوثنية القديمة.٦٥
١  Besnier, M., Emp. Rom., 279–317.
٢  Caussin de Perceval, Essai, II, 206.
٣  Abel, F. M., Palestine, II, 245-246.
٤  Dunand, Strata Diocletiana, Rev. Bib., 1931, 234 ff; Mouterde, R., Mélanges, Univ. St. Joseph, XV, 221–232.
٥  Abel, F. M., op. cit., II, 246-247.
٦  Ibid., 247–249.
٧  Hunziker, O., Regierung und Christenverfolgung des Kaisers Diocletianus und seiner Nachtfolgen, 135–141; Stade, K., Der Politiker Diokletian, 1926, 279; Besnier, M., Emp. Rom., 317–319.
٨  Vincent, H. et Abel, M., Emmaus, Sa Basilique et Son Histoire.
٩  Rostovtzeff, M. J., Excavations at Doura-Europos; Baur, V. C., Christ. Chapel at Dura, Amer. Journ. Arch., 1933, 377 ff.
١٠  Lactant, De Mort. Persec., XII, 5.
١١  Eusèbe, Hist. Ecc., VIII, 1.
١٢  Lactant., De Mort. Persec., XI, 1-2.
١٣  Besnier, M., Emp. Rom., 322.
١٤  Besnier, M., op. cit., 318; Abel, F. M., Hist. Palest., II, 249.
١٥  Grégoire, H., Conversion de Constantin, Rev. Univ. Bruxelles, 1930-1931, 238.
١٦  Eusèbe, Chron., Hist. Ecc., VIII, 4.
١٧  Lactant., Divinae Institutiones, V, 11, 12; Eusèbe, Contra Hieroclen.
١٨  Lactant., Mortibus Persecutorum, X.
١٩  Ibid., XI.
٢٠  Ibid.; Eusèbe, Vita Coustantini, II, 50, 51.
٢١  Eusèbe, De Martyr. Palest. Praef. I; Allard, P., Perséc. de Diocl., I, 160; Baynes, N. H., The Great Persecution, Cam. Anc. Hist., XII, 665-666; Zeiller, J., La Dernière Persécution, Fliche et Martin, op. cit., II, 463, n. 3.
٢٢  Lactant., Mort. Persec., XIII.
٢٣  Ibid; Eusèbe, Hist. Ecc., VIII, 2.
٢٤  Lactant., Mort. Persec., XIV; Eusèbe, Hist. Ecc., VIII 6.
٢٥  Eusèbe, Ibid.; Libanius, Or., I, 324, 644, 666.
٢٦  Eusèbe, H. E. VIII, 6.
٢٧  Eusèbe, Martyr. Palest., III; Zeiller, J., La Dernière Perséc., Fliche et Martin, op. cit., II, 465-466; Besnier, M., Emp. Rom., 326–328.
٢٨  Ruinart, Acta Sincera, 453.
٢٩  Ibid., 357.
٣٠  Saint Basile, Homélie, V, 1-2.
٣١  Eusèbe, Hist. Ecc., VIII, 12.
٣٢  Eusèbe, Hist, Ecc., VII, 32.
٣٣  Eusèbe, H. E., VIII, 7.
٣٤  Eusèbe, Hist. Ecc., III, 7.
٣٥  Dussaud, R., Top. Hist., 482.
٣٦  Abel, F. M., Hist. Palest., II, 251.
٣٧  Eusèbe, Martyr. Palest., I, II.
٣٨  Eusèbe, Martyr. Palest., III.
٣٩  Lactant., Mort. Persec., XVIII.
٤٠  Real-Encyc., IV, 1886–1890.
٤١  Eusèbe, Mart. Palest. IV–VII.
٤٢  Lactant., Mort. Rersec., XXXIII; Zosimus, Hist., II, 11.
٤٣  Zeiller, J., Dernière Perséc., Fliche et Martin, op. cit., II, 475.
٤٤  Grégoire, H., Conversion de Constantin, Rev. Univ. Bruxelles, 1930-1931, 231 ff.
٤٥  Lactant., Mort. Persec., XXXIV.
٤٦  Eusèbe, Hist. Ecc., VIII, 17.
٤٧  Knipping, J. B., The Edict of Galerius, Rev. Belge de Philologie et d’Histoire, 1922, 693 ff.
٤٨  Eusèbe, Hist. Ecc., IX, 1.
٤٩  Lactant., Mort. Persec., XXXVII; Eusèbe, Hist. Ecc., VIII, 14; Grégoire de Naziauze, Orat. 4, III; Sozomenus, Hist. Ecc., V, 16.
٥٠  Eusèbe, Hist. Ecc., IX, 5; Labriolle, P., La Réaction Potenne, 327-328.
٥١  Baynes, N. H., Constantine, Cam. Anc. Hist., XII, 687.
٥٢  Rufinus, Hist. Ecc., IX, 6; Bardy, G., Le Discours Apologétique de S. Lucien d’Antioche, Rev. Hist. Ecc., 1926, 487–512.
٥٣  Diekamp, F., Theol. Quartalschrift, 1928, 285–308.
٥٤  Rev. Hist. Ecc., 1929, 357-358.
٥٥  Vaillant, A., De Autexusio de Méthode d’Olympe, (Patrol. Orientalis, XXII, 5), 636, n. 1.
٥٦  Eusèbe, Vita Constantini, I, 28–30; Palanque, J. R., La Paix Const., Fliche et Martin, op. cit., III, 24–26.
٥٧  Lactant., Mort. Persec., XLIV, 5; Baynes, N. H., Const. and Christ. Church, 60 ff.
٥٨  Baynes, N. H., Constantine, Cam. Anc. Hist., XII, 688.
٥٩  Lactant., Mort. Persec., XLVIII; Eusèbe, Hist. Ecc., X, 5; Baynes, N. H., Const. and Christ. Ch., 69 ff.
٦٠  Carolsfeld, L. Schnorr, Gesch. der Juristichen Person, I, 165 ff.
٦١  Seeck, O., Das Sogenannte Edikt von Mailand, Zeit. fur Kirchengeschichte, 1891, 381–386.
٦٢  Crivellucci, A., Editto di Milano, Studi Storici, I, 229-230.
٦٣  Palanque, J. R., Paix Const., Fliche et Martin, op. cit., III, 23-24.
٦٤  Chénon, E., Conséquences Juridiques de l’Edit de Milan, Nouv. Rev. Hist. Droit Français et Etranger, 1914, 255–263.
٦٥  Palanque, J. R., Paix Const., Fliche et Martin, III, 18-19.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤