الفصل الثاني

عصر البطالسة

من سنة ٣٠٦ق.م إلى ٣٠ق.م

إن المعلومات التي نقلها إلينا المؤرخون عن الإيرادات في هذا العصر، وإن كانت قليلة، إلا أنها أحكم وأضبط من معلومات العصر السابق.

ذكر جيروم jérôme في المجلد الثاني من كتابه ص١١٢٢ أنَّ دَخْل بطليموس فيلادلف السنوي بلغ في سنة ٢٤٧ق.م ١٤٨٠٠ تالان، أي ٣١٩٦٨٠٠ج.م عدا ١٥٠٠٠٠٠ إرتب قمح.
وقال لمبروزو Lumbroso (كتاب مباحث عن الاقتصاد السياسي في مصر في عهد اللاجيديين١ ص٢٩٣): إن الإرتب عبارة عن ٣٩٫٤ من اللترات، ولما كان الإردب المصري الحالي يساوي ١٩٨ لترًا؛ فعلى هذا الحساب يساوي الإردب ٥ أراتب، ويكون دَخْل هذا الملك من القمح ٣٠٠٠٠٠ إردب عدا النقود.
أما ما يساويه الإردب في ذلك فيصعب تقديره بالضبط، إلا أن رينيه Reynier في كتاب «مصر في عصر الرومان» (ص١٥٥) قدَّر ثمن الإردب بمبلغ من الفرنكات، أي ما يقرب من ٣٠ قرشًا بنقودنا الآن، فيكون ثمن الدخل من الغلال وحدها بناء على هذا التقدير ٩٠٠٠٠ج.م.
وقدَّر ماركاردت Marquardt في كتاب «دليل الآثار الرومانية» (المجلد العاشر، ص٢٩٣) دَخْل الغلال بمبلغ ٥٠٠ تالان، أي ١٠٨٠٠٠ج.م.

ولما كان الفرق بين هاتين القيمتين ضئيلًا فيستصوب التعويل على متوسطهما الذي هو ٩٩٠٠٠ج.م فيكون مجموع الدخل في عهد ذلك الملك ٣٢٩٥٨٠٠ج.م.

وذكر استرابون عن سيسرون Cicéron (المجلد ١٧، الفقرة ١٣) أن بطليموس أوليت والد كليوبطرة بلغ إيراده السنوي في عام ٥٢ق.م ١٢٥٠٠ تالان (٢٧٠٠٠٠٠ج.م).

ونقل ديودور عن كَتَبَة السجلات الديوانية في ذلك العهد أن الإيرادات بلغت في عهد هذا الملك أكثر من ٦٠٠٠ تالان (١٢٩٦٠٠٠ج.م).

ويجب أن نرجح رواية سيسرون على رواية ديودور للسبب الآتي: ذلك أن ملكًا من ملوك البطالسة المتأخرين كان قد اقترض مبالغ جسيمة من أحد نبلاء الرومان المسمى رابيريوس Rabirio، وفي نظير ذلك قلَّده منصب ناظر المالية، واتخذ هذا وسيلة تخلِّصه مما استدانه من هذا النبيل، وقد أقيمت بسبب ذلك دعوى بروما على رابيريوس المذكور، وتطوَّع للدفاع عنه سيسرون (انظر كتاب قضية رابيريوس ودفاع سيسرون عنه).

فيعلم مما تقدَّم أن سيسرون نظرًا لمركز موكله لا بد أن يكون قد حصل على معلومات أوفى من التي نقلها ديودور، لا سيما إذا راعينا أن هذا الأخير لم يمدنا بمعلوماته إلا عندما أتى على وصف مدينة الإسكندرية.

هذا ومن المحتمل كثيرًا أن تكون القيمة التي ذكرها ديودور هي جملة المتحصل من الممولين الإسكندريين لا إيرادات مصر جميعها، وقد ذهب إلى ذلك الأستاذ وِلْكِن Wilcken في كتاب «أوستراكا» (الفصل الرابع، ص٤١٤).
وذكر شارب Sharp في كتاب «مصر في عصر البطالسة» (ص١٩١) أن نصف مبلغ اﻟ ١٢٥٠٠ تالان كان يُجبى من ميناء الإسكندرية، في الوقت الذي كسدت فيه التجارة الأجنبية، وانحطت إلى أسفل درك، ونزل فيه عدد السفن التي كانت تسافر من البحر الأحمر إلى الهند إلى عشرين سفينة؛ بسبب ما ارتكبته الحكومة من الإهمال والخطأ. ا.ﻫ.

ويلوح لنا علاوة على ما ذكر أن دخل هذين الملكين اللاجيديين كان ضئيلًا جدًّا بالقياس إلى ما كانت تجبيه العرب في عصرهم (كما سيتضح ذلك فيما بعدُ)، كما أن عصر هؤلاء كان بلا جدال أقل يسارًا من عصر البطالسة.

ويجب تفسير ذلك بما يأتي: قال لمبروزو في كتابه ص٩٠:

إن أملاك الحكومة وأراضي الملك كانت متسعة الأرجاء، لا تكاد تخلو منها ناحية من نواحي القُطْر كله. ا.ﻫ.

وقال في ص٩١:

كانت أرض الملك يُسخَّر في فلاحتها أناس مخصوصون، وتُوزَّع فيما بينهم حسب منطوق الأمر الملكي، كلٌّ بحسب قدرته وقوته. ا.ﻫ.

وذكر ديودور في المجلد الأول الفقرة ٧٤:

إن المزارعين كانوا يستأجرون الأراضي الخصبة التي في حوزة الملوك والكهنة والجند بقيم مرتفعة، ويقضون جل حياتهم في فلاحتها. ا.ﻫ.

وقال هنري ماسبيرو Henrie Maspero في كتاب «مالية مصر في عصر اللاجيديين» (ص٤٩):

كان كل شيء في القطر المصري في الزمن القديم من رجال ومتاع ملكًا للملك، وكان سائر رعيته عبيدًا له، وكذلك كانت الأرض والتجارة والصناعة من ممتلكاته، فلا الزمن ولا الثورات ولا الفتوحات أمكنها أن تنتزع شيئًا من هذه الحقوق.

أما ملوك اليونان فكانوا يحتفظون بهذه الحقوق أيضًا، ويضعون أيديهم على جميع ما يرون منه فائدة لهم ويزيد في ثرائهم، وبهذه الكيفية كانوا يحتكرون مادتين عظيمتين هما الأرض والصناعة.

وعلى هذا كان في حوزة الملك خاصة ما يقرب من نصف المملكة، كما كان في حوزته وحده دون سواه جميع التجارة والصناعة تقريبًا، فالزيت والجعة (البيرة) والملح ومعظم الأشياء الهامة التي كانت تُستهلك في القطر، وبالأخص القمح والنبيذ والعسل والثياب الثمينة الفاخرة التي كانت تُصدَّر إلى الخارج بكميات وافرة، كل هذه أصناف كان يحتكرها الملك، ويكوِّن إيرادُ هذه المحتكرات الهامة (أي احتكار الأراضي والصناعات … إلخ) دخل التاج، وأما الضرائب فيتكوَّن منها دخل المملكة. ا.ﻫ.

فنستنتج مما تقدَّم أن البطالسة كانوا يمتلكون أراضي شاسعة منبثة في جميع أرجاء القطر، وهي من الأراضي الخصبة، ولما كانت تلك الأراضي معفاة من الضرائب انحطت بالطبع إيرادات الدولة، وعلى النقيض نمت موارد الملك الخاصة ورَبَتْ.

ويتلخص ما ذكر في أن الإيرادات التي ذكرها المؤرخون محصورة في الموارد العمومية، وأنه كان يوجد بجانب هذه الإيرادات دخل الملك الخاص، وأنه لا بد أن يكون هذا الدخل جسيمًا.

وينحصر ما عثرنا عليه عن إيراد المملكة المصرية في عصر البطالسة في عهدي الملكين الآتيين:
  • بطليموس فيلادلف (سنة ٢٤٧ق.م).

    ١٤٨٠٠ تالان و١٥٠٠٠٠٠ إرتب قمح، وقيمة ذلك بالجنيهات المصرية ٣٢٩٥٨٠٠.

  • بطليموس أوليت (سنة ٥٢ق.م).

    ١٢٥٠٠ تالان، وهي تساوي بالجنيهات المصرية ٢٧٠٠٠٠٠.

١  اللاجيديون Lagides أسرة كان رأسها بطليموس لاغوس من قواد الإسكندر، لبثت متولية حكم مصر من عام ٣٠٦ق.م إلى عام ٣٠ق.م. فَهُمْ والبطالسة شيء واحد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤