الفصل الخامس

عصر العرب

من سنة ٢٠ﻫ/٦٤١م إلى ٩٢٢ﻫ/١٥١٦م

خلافة عمر بن الخطاب سنة ٢٣ﻫ/٦٤٤م

هذا الخليفة هو ثاني الخلفاء الراشدين الأربعة الذين تولَّوا الخلافة بعد النبي ، وفي عهد خلافته فتح عمرو بن العاص مصر في سنة ٢٠ﻫ/٦٤١م، والظاهر أن هذا الخليفة كان يتهيب الحملة على مصر ويخشى عواقبها، إلا أن عمرًا ألَحَّ عليه في ذلك، وهوَّن عليه الأمر في فتحها. وقد جاء في كتاب ابن عبد الحكم ص٥٦ في هذا الصدد ما نصه:

يا أمير المؤمنين ائْذَنْ لي أن أسير إلى مصر؛ فإنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونًا لهم، وهي أكثر الأرض أموالًا، وأعجزها عن القتال والحرب.

وما زال به حتى أذن له بهذه الحملة، فسارت وسار عمرو على رأسها، غير أنه بعد رحيله ندم الخليفة، وأرسل إليه رسولًا يحمل الكتاب الآتي:

من عمر بن الخطاب إلى العاص بن العاص؛ أما بعدُ، فإنك سرتَ إلى مصر ومَن معك وبها جموع الروم، وإنما معك نفر يسير، ولعمري لو كانوا ثكل أمك ما سرت بهم، فإن لم تكن بلغت مصر فارجع.

وهنا رُوِيت روايتان:
  • الأولى: هي أن الكتاب أدرك عمرًا وهو بين رفح والعريش.
  • والثانية: أن الكتاب أدركه قبل أن يبلغ حدود مصر، وأن عمرًا داخله الريب فلم يفتح الكتاب إلا بعد أن اجتاز تلك الحدود.

ومن رأينا أن الرواية الثانية لا بد أن تكون هي الصحيحة، والدليل على صحتها ما سبق من إلحاح عمرو في مباشرة هذا الفتح، ومن المحتمل أنه علم بما يحتوي عليه الكتاب قبل إعلان فتحه الذي حصل في قرية بين رفح والعريش، وبعد قراءته على المسلمين علنًا قال لمَن معه: ألستم تعلمون أن هذه القرية من مصر؟ قالوا: بلى. قال: فإن أمير المؤمنين عهد إليَّ وأمرني إن لحقني كتابه ولم أدخل أرض مصر أن أرجع، ولم يلحقني كتابه حتى دخلنا أرض مصر، فسيروا وامضوا على بركة الله.

ولما تَمَّ فتح مصر اهتم عمرو كما يهتم كل فاتح بما تنتجه البلاد من الوجهة المالية، ولكنه مع ذلك لم يُجْبِ في السنة الأولى سوى مليون دينار (٦٠٠٠٠٠ج.م).

وهذا هو ما رواه الكندي في كتاب «فضائل مصر» (ص٢٠١)، وأبو صالح الأرمني في تاريخه ص٣٠، والمقريزي في خططه ج١ ص٧٩، مع أن المقوقس كان يجبي قبله عشرين مليون دينار (١٢٠٠٠٠٠٠ج.م).

أما اليعقوبي فقال في كتاب «البلدان» (ص٣٣٩):

بلغ خراج مصر على يد عمرو في خلافة عمر في أول سنة من جزية رءوس الرجال أربعة عشر ألف ألف دينار (٨٤٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وهذا خطأ واضح يظهر مما ذكره اليعقوبي نفسه عقب ذلك في نفس هذه الصفحة؛ إذ قال:

ثم جباها عمرو في السنة الثانية؛ عشرة آلاف ألف (٦٠٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

ولقد أثار نقص الجباية غضب الخليفة، فتبودلت بينه وبين عمرو المكاتبات التي أنحى فيها باللائمة عليه، وإليك نص تلك المكاتبات كما دوَّنها ابن عبد الحكم في كتابه ص١٥٨ وما يليها، قال: لما استبطأ عمر بن الخطاب الخراج من قِبَل عمرو بن العاص كما حدَّثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد، كتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فإني فكرت في أمرك والذي أنت عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة قد أعطى الله أهلها عددًا وجلدًا وقوة في بر وبحر، وإنها قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملًا محكمًا مع شدة عتوهم وكفرهم فعجبت من ذلك، وأعجب مما عجبت أنها لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط ولا جدوب، ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك سيأتينا على غير نزر، ورجوت أن تفيق فترفع إليَّ ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض١ تغتالها لا توافق الذي في نفسي، ولست قابلًا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك، ولست أدري مع ذلك ما الذي أنفرك من كتابي وقبضك، فلئن كنتَ مجزئًا كافئًا صحيحًا إن البراءة لنافعة، وإن كنت مضيعًا نَطِفًا إن الأمر لعلى غير ما تحدِّث به نفسك، وقد تركت أن ابتلي ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق فترفع إليَّ ذلك، وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا عمالك عمال السوء، وما توالس عليه وتلفف، اتخذوك كهفًا وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك عنه، فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه، فإن النهز يخرج الدر، والحق أبلج ودعني وما عنه تلجلج، فإنه قد برح الخفاء، والسلام.
قال: فكتب إليه عمرو بن العاص:

بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج، والذي ذكر فيها من عمل الفراعنة قبلي وإعجابه من خراجها على أيديهم، ونقص ذلك منها منذ كان الإسلام، ولعمري للخراج يومئذٍ أوفر وأكثر والأرض أعمر؛ لأنهم كانوا على كفرهم وعتوهم أرغب في عمارة أرضهم منا منذ كان الإسلام. وذكرت أن النهز يخرج الدر، فحلبتها حلبًا قطع ذلك درها، وأكثرت في كتابك وأنَّبت، وعرضت وثربت، وعلمت أن ذلك عن شيء تخفيه على غير خبر، فجئت لعمري بالمفظعات المقذعات، لقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق، ولقد عملنا لرسول الله ولمَن بعده، فكنا بحمد الله مؤدين لأماناتنا حافظين لما عظم الله من حق أئمتنا، نرى غير ذلك قبيحًا والعمل به سيئًا، فيعرف ذلك لنا ويصدق فيه قيلنا، معاذ الله من تلك الطعم، ومن شر الشيم والاجتراء على كل مأثم، فاقبض عملك فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنية والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستَبْقِ فيه عرضًا ولم تكرم فيه أخًا، والله يابن الخطاب لأنا حين يراد ذلك مني أشد لنفسي غضبًا ولها إنزاهًا وإكرامًا، وما عملت من عمل أرى عليَّ فيه متعلقًا، ولكني حفظت ما لم تحفظ، ولو كنت من يهود يثرب ما زدت، يغفر الله لك ولنا، وسكت عن أشياء، كنت بها عالمًا، وكان اللسان بها مني ذلولًا، ولكن الله عظم من حقك ما لا يجهل، والسلام.

فكتب إليه عمر بن الخطاب كما وجدت في كتابٍ أعطانيه يحيى بن عبد الله بن بكير، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن أبي مرزوق التجيبي، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص:

من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فقد عجبت من كثرة كتبي إليك في إبطائك بالخراج، وكتابك إليَّ ببنيات الطرق، وقد علمتَ أني لست أوصى منك إلا بالحق البيِّن، ولم أقدمك إلى مصر أجعلها لك طعمة ولا لقومك، ولكني وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج وحسن سياستك، فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل الخراج فإنما هو فيء المسلمين، وعندي مَن قد تعلم قوم محصورون، والسلام.

فكتب إليه عمرو بن العاص:

بسم الله الرحمن الرحيم، لعمر بن الخطاب من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج ويزعم أني أعند عن الحق، وأنكب عن الطريق، وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم، ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلتهم، فنظرت للمسلمين، فكان الرفق بهم خيرًا من أن يخرق بهم فيصيروا إلى بيع ما لا غنى بهم عنه، والسلام.

وجاء في كتاب ابن عبد الحكم أيضًا ص١٦١:

حدثنا هشام بن إسحاق العامري، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص أن يسأل المقوقس عن مصر من أين تأتي عمارتها وخرابها، فسأله عمرو، فقال له المقوقس: تأتي عمارتها وخرابها من وجوه خمسة: أن يستخرج خراجها في إبَّان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم، ويرفع خراجها في إبَّان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومهم، وتحفر في كل سنة خلجها، وتسد ترعها وجسورها، ولا يقبل محل أهلها — يريد البغي — فإذا فعل هذا فيها عمرت، وإن عمل فيها بخلافه خربت.

قال: وفي كتاب ابن بكير الذي أعطاني عن ابن يزيد بن أسلم، عن أبيه قال:

لما استبطأ عمر بن الخطاب عمرو بن العاص في الخراج كتب إليه أن ابعث إليَّ رجلًا من أهل مصر، فبعث إليه رجلًا قديمًا من القبط، فاستخبره عمر عن مصر وخراجها قبل الإسلام، فقال: يا أمير المؤمنين كان لا يُؤخَذ منها شيء إلا بعد عمارتها، وعاملك لا ينظر إلى العمارة، وإنما يأخذ ما ظهر له كأنه لا يريدها إلا لعام واحد، فعرف عمر ما قال وقبل من عمرو ما كان يعتذر به. ا.ﻫ.

فيُعلَم من ذلك كله أن المورد الأساسي للإيرادات التي كان يجبيها عمرو بن العاص ومَن جاء بعده من الحكام، كان بلا جدال الجزية التي كانت مفروضةً قبل الفتح الإسلامي بمدة طويلة — أيْ في عصر الرومان والبيزانطيين — وكان هؤلاء يفرضونها على الأهالي بلا شفقة ولا رحمة، مع زيادتها عن الجزية التي فرضها العرب؛ إذ كانوا يجبونها من جميع الناس، بلا فارق بين الصغير والكبير، والذكر والأنثى.

ولم تكن عندهم قيمة الجزية محدودة معينة، بل كانت تزيد وتنقص تبعًا لفيضان النيل، وهاك ما ذكره ماركاردت في هذا الصدد (ص٢٥٠ المذكرة الأولى) عن العهد الروماني:

إن قيمة الضرائب الشخصية لم تكن بنسبة واحدة في كل الأعوام، بل كانت تُحدَّد سنويًّا بحسب ارتفاع النيل الذي يُعتبَر ميزانًا لإيرادات مصر. ا.ﻫ.

وأما عن عهد البيزانطيين فقد ذكرت الآنسة رويارد Ms. Rouillard عنه (إدارة مصر المدنية في عصر البيزانطيين ص٧٠) ما نصه:

إذا اطرحنا الضريبة العقارية جانبًا، فهل نعثر بين الضرائب الشخصية المقررة في مصر في عهد الإمبراطورية الرومانية الشرقية على ضريبة الأنفس (الجزية) وضريبة أرباب الحرف والصنائع، أو لا؟

والجواب على ذلك أن ضريبة الجزية في هذا العهد أدت إلى مجادلات نظرية فيما يترتب على وضعها، وقد أثارت فوق ذلك مناقشات خاصة بأحوال مصر. ا.ﻫ.

ويرى أتو سيك Otto Seeck أن الجزية لم تُقرَّر في مصر في القرن الرابع، ومن المحتمل أنه استعيض عنها بضريبة شخصية أخرى.
ويوافق ي. وِلْكِن U. Wilcken على هذا الرأي، وهو يرى أنه استعيض عن الضريبة القديمة٢  λαογραφία بضريبة شخصية على الرءوس، وهذه هي نفس الضريبة التي تحقق وجودها في عصر العرب تحت اسم διάγραφον (الجزية)، ومع ذلك فقد وجد في عهد البيزانطيين بعض نصوص ذكرت فيها ضريبة تُسمَّى διαγραφή أو διάγραφον، فإذا وافقنا ﻫ. ي. بل H. I. Bell على وجود روابط متينة بين النظام المالي في عهدي البيزانطيين والعرب لدرجة أن هناك مماثلة تامة بين ضرائب كلتا الدولتين، يذهب المرء إلى أن يحكم بطريق الاستنتاج بأن الضريبة المسماة٣  διαγραφή التي كانت في القرن الرابع؛ هي ضريبة شخصية يعادلها في مصر ضريبة الأنفس أو الجزية في العهد البيزانطي الأخير.

غير أنه تأتي فيما بعدُ أن زاد عدد الذين اعتنقوا الإسلام، سواء أكان ذلك جرًّا لمنفعة أم اعتقادًا بصحة الدين الإسلامي؛ فنشأ من ذلك أن هوت الجزية إلى مبلغ ١٣٠٠٠٠ دينار فقط؛ أيْ ٧٨٠٠٠ج.م بعد أن كان عمرو يجبي من هذا الباب في صدر الفتح الإسلامي من ستة ملايين من الأنفس ١٢٠٠٠٠٠٠ دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م) كما ذكر ذلك القاضي الفاضل في متجددات الحوادث عن سنة ٥٨٧ﻫ/١١٩١م (انظر خطط المقريزي ج١ ص١٠٧).

وهذه الحالة أزعجت حكَّام الأقاليم، حتى إن بعضهم استمر في تحصيل هذه الجزية دون أن يستثني أولئك الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا، ولما كان ذلك مخالفًا للشرع الإسلامي لم يوافق عليه الخلفاء، وهاك ما قاله ابن عبد الحكم في كتاب «فتوح مصر» ص١٥١ وما يليها عن الجزية:

كان عمرو يبعث إلى عمر بن الخطاب بالجزية بعد حبس ما كان يحتاج إليه، وكانت فريضة مصر كما حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب؛ لحفر خلجها وإقامة جسورها وبناء قناطرها وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفًا، معهم الطور والمساحي والأداة يعتقبون ذلك لا يدعون ذلك شتاءً ولا صيفًا. ثم كتب عمر بن الخطاب كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن القاسم بن عبد الله، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أن يختم في رقاب أهل الذمة بالرصاص، ويظهروا مناطقهم، ويجزوا نواصيهم، ويركبوا على الأكف عرضًا، ولا يضربوا الجزية إلا على مَن جَرَتْ عليه المواسي، ولا يضربون على النساء ولا على الولدان، ولا يدعوهم يتشبهون بالمسلمين في لبوسهم.

حدثنا شعيب بن الليث، حدثنا أبي، عن محمد بن عبد الرحمن بن عنج أن نافعًا حدثهم وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، حدثني عبد الله بن عمر وعمر بن محمد، أن نافعًا حدَّثهم عن أسلم مولى عمر، أنه حدثه أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد ألَّا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي، وجزيتهم أربعون درهمًا على أهل الورق منهم، وأربعة دنانير على أهل الذهب، وعليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة والزيت مديان من حنطة وثلاثة أقساط من زيت في كل شهر لكل إنسان من أهل الشام والجزيرة، وودك وعسل لا أدري كم هو، ومَن كان من أهل مصر فإردب كل شهر لكل إنسان لا أدري كم من الودك والعسل، وعليهم من البز والكسوة التي يكسوها أمير المؤمنين الناس، ويضيفون مَن نزل بهم من أهل الإسلام ثلاث ليال، وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعًا لكل إنسان لا أدري كم لهم من الودك، وكان لا يضرب الجزية على النساء والصبيان، وكان يختم في أعناق رجال أهل الجزية. قال: وكانت ويبة عمر بن الخطاب كما حدَّثنا عبد الملك عن الليث بن سعد في ولاية عمرو بن العاص؛ ستة أمداد. حدثنا أسد بن موسى قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب أن عمر قال: جعلت على أهل السواد ضيافة يوم وليلة، فمَن حبسه مطر فَلْينفق من ماله.

قال: وكان عمرو بن العاص لما استوسق له الأمر أقر قبطها على جباية الروم، وكانت جبايتهم بالتعديل إذا عمرت القرية وكثر أهلها زيد عليهم، وإنْ قَلَّ أهلها وخربت نقصوا، فيجتمع عرفاء كل قرية وماروتها ورؤساء أهلها فيتناظرون في العمارة والخراب، حتى إذا أقروا من القسم بالزيادة انصرفوا بتلك القسمة إلى الكور، ثم اجتمعوا هم ورؤساء القرى فوزعوا ذلك على احتمال القرى وسعة المزارع، ثم ترجع كل قرية بقسمهم فيجمعون قسمهم وخراج كل قرية وما فيها من الأرض العامرة فيبذرونها، فيخرجون من الأرض فدادين لكانئسهم وحمَّاماتهم ومعدياتهم من جملة الأرض، ثم يخرج منها عدد الضيافة للمسلمين ونزول السلطان، فإذا فرغوا نظروا إلى ما في كل قرية من الصناع والأجراء فقسَّموا عليهم بقدر احتمالهم، فإنْ كانت فيها جالية قسَّموا عليها بقدر احتمالها، وقل ما كانت تكون إلا الرجل المنتاب أو المتزوج. ثم ينظرون ما بقي من الخراج فيقسمونه بينهم على عدد الأرض، ثم يقسمون ذلك بين مَن يُريد الزرع منهم على قدر طاقتهم، فإن عجز أحد وشكا ضعفًا عن زرع أرضه وزَّعوا ما عجز عنه على الاحتمال، وإن كان منهم مَن يُريد الزيادة أُعطي ما عجز عنه أهل الضعف، فإن تشاحوا قسموا ذلك على عدتهم، وكانت قسمتهم على قراريط الدينار أربعة وعشرين قيراطًا يقسمون الأرض على ذلك. وكذلك رُوِي عن النبي أنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرًا. وجعل عليهم لكل فدان نصف إردب قمح وويبتين من شعير، إلا القرط فلم يكن عليه ضريبة، والويبة يومئذٍ ستة أمداد.

وكان عمر بن الخطاب كما حدَّثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب؛ يأخذ ممَّن صالحه من المعاهدين ما سمَّى على نفسه لا يضع من ذلك شيئًا ولا يزيد عليه، ومَن نزل منهم على الجزية ولم يسم شيئًا يؤديه نظر عمر في أمره، فإذا احتاجوا خفَّف عنهم، وإن استغنوا زاد عليهم بقدر استغنائهم. قال: وروى حيوة بن شريح: حدثني الحسن بن ثوبان أن هشام بن أبي رقية اللخمي حدَّثه أن صاحب إخنا قَدِم على عمرو بن العاص، فقال له: أخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصبر لها؟ فقال عمرو وهو يشير إلى ركن كنيسة: لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك، إنما أنتم خزانة لنا، إنْ كثر علينا كثرنا عليكم، وإن خفَّف عنا خفَّفنا عنكم. ومَن ذهب إلى هذا الحديث ذهب إلى أن مصر فُتِحت عنوة.

حدَّثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: قال عمر بن عبد العزيز: أيما ذمي أسلم فإن إسلامه يحرز له نفسه وماله، وما كان من أرض فإنها من فيء الله على المسلمين. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد أن عمر بن عبد العزيز قال: أيما قوم صالحوا على جزية يعطونها، فمَن أسلم منهم كان أرضه وداره لبقيتهم. قال الليث: وكتب إليَّ يحيى بن سعيد أن ما باع القبط في جزيتهم وما يؤخذون به من الحق الذي عليهم من عبد أو وليدة أو بعير أو بقرة أو دابة؛ فإن ذلك جائز عليهم جائز لمَن ابتاعه منهم غير مردود إليهم إن أيسروا، وما أكروا من أرضهم فجائز كراؤه إلا أن يكون يضر بالجزية التي عليهم، فلعل الأرض أن ترد عليهم إن أضرت بجزيتهم، وإن كان فضلًا بعد الجزية فإنا نرى كراءها جائزًا لمَن تكاراها منهم. قال يحيى: ونحن نقول الجزية جزيتان؛ فجزية على رءوس الرجال، وجزية جملة تكون على أهل القرية يؤخذ بها أهل القرية، فمَن هلك من أهل القرية التي عليهم جزية مسماة على القرية ليست على رءوس الرجال؛ فإنَّا نرى أن مَن هلك من أهل القرية ممَّن لا ولد له ولا وارث أن أرضه ترجع إلى قريته في جملة ما عليهم من الجزية، ومَن هلك ممَّن جزيته على رءوس الرجال ولم يَدَعْ وارثًا؛ فإن أرضه للمسلمين. قال الليث، وقال عمر بن عبد العزيز: الجزية على الرءوس وليست على الأرضين (يريد أهل الذمة).

حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة عن عبد الملك بن جنادة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى حيان بن سريج أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم. قال: وحديث عبد الملك هذا يدل على أن عمر بن عبد العزيز كان يرى أن أرض مصر فُتِحت عنوة، وأن الجزية إنما هي على القرى، فمَن مات من أهل القرى كانت تلك الجزية ثابتة عليهم، وأن موت مَن مات منهم لا يضع عنهم من الجزية شيئًا. قال: ويحتمل أن تكون مصر فُتِحت بصُلْحٍ، فذلك الصلح ثابت على مَن بقي منهم، وأن موت مَن مات منهم لا يضع عنهم مما صالحوا عليه شيئًا. والله أعلم.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب عن محمد بن عمرو، عن ابن جريج أن رجلًا أسلم على عهد عمر بن الخطاب، فقال: ضعوا الجزية عن أرضي. فقال عمر: لا، إن أرضك فُتِحت عنوة. قال عبد الملك وقال مالك بن أنس: ما باع أهل الصلح من أرضهم فهو جائز لهم، وما فُتِح عنوةً فإن ذلك لا يشتري منهم أحد، ولا يجوز لهم بيع شيء مما تحت أيديهم من الأرض؛ لأن أهل الصلح مَن أسلم منهم كان أحق بأرضه وماله، وأما أهل العنوة الذين أُخِذوا عنوةً، فمَن أسلم منهم أحرز إسلامه نفسه وأرضه للمسلمين؛ لأن أهل العنوة غُلِبوا على بلادهم وصارت فيئًا للمسلمين، ولأن أهل الصلح إنما هم قوم امتنعوا ومنعوا بلادهم حتى صالحوا عليها، وليس عليهم إلا ما صالحوا عليه. ولا أرى أن يُزاد عليهم ولا يُؤخَذ منهم إلا ما فرض عمر بن الخطاب؛ لأن عمر خطب الناس فقال: قد فُرِضت لكم الفرائض وسُنَّت لكم السنن وتُرِكْتُم على الواضحة. قال: وأما جزية الأرض فلا علم لي ولا أدري كيف صنع فيها عمر، غير أن قد أقر الأرض فلم يقسمها بين الناس الذين افتتحوها، فلو نزل هذا بأحد كنتُ أرى أن يسأل أهل البلاد أهل المعرفة منهم والأمانة؛ كيف كان الأمر في ذلك، فإن وجد من ذلك علمًا يشفي وإلا اجتهد في ذلك هو ومَن حضره من المسلمين.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد أن عمر بن عبد العزيز وضع الجزية عمَّن أسلم من أهل الذمة من أهل مصر، وألحق في الديوان صُلْح مَن أسلم منهم في عشائر مَن أسلموا على يديه. قال وقال غير عبد الملك: وكانت تؤخذ قبل ذلك ممَّن أسلم، وأول مَن أخذ الجزية ممَّن أسلم من أهل الذمة كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن رزين بن عبد الله المرادي؛ الحجاج بن يوسف. ثم كتب عبد الملك بن مروان إلى عبد العزيز بن مروان أن يضع الجزية على مَن أسلم من أهل الذمة، فكلَّمه ابن حجيرة في ذلك، فقال: أعيذك بالله أيها الأمير أن تكون أول مَن سن ذلك بمصر، فوالله إن أهل الذمة ليتحملون جزية مَن ترهَّبَ منهم، فكيف تضعها على مَن أسلم منهم، فتركهم عند ذلك.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى حيان بن سريج: أن تضع الجزية عمَّن أسلم من أهل الذمة؛ فإن الله تبارك وتعالى قال: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وقال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد قال: كان لعبد الله بن سعد موالي نصارى فأعتقهم فكان عليهم الخراج. قال الليث: أدركنا بعضهم وإنهم ليؤدون الخراج.

حدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن صالح قالا: حدثنا الليث بن سعد قال: لما وُلِّيَ ابن رفاعة مصر خرج ليحصي عدة أهلها، وينظر في تعديل الخراج عليهم، فأقام في ذلك ستة أشهر بالصعيد حتى بلغ أسوان ومعه جماعة من الأعوان والكُتَّاب يكفونه ذلك بجد وتشمير، وثلاثة أشهر بأسفل الأرض، فأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية، فلم يحص فيها في أصغر قرية منها أقل من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين يفرض عليهم الجزية. ا.ﻫ.

وعلى ذلك تنقسم الجزية إلى نوعين:
  • (١)

    جزية على رءوس الرجال.

  • (٢)

    جزية جملة تكون على أهل القرية.

والنوع الأول من هذه الجزية هو الذي جرى به العمل في مصر؛ لانطباقه على معاهدة الصلح التي أُبْرِمت بين عمرو والمقوقس، وتم الاتفاق فيها على أن يفرض على كل رأس ممَّن تجب عليهم هذه الجزية ديناران (١٢٠ قرشًا)، وعدد الذين فُرِضت عليهم الجزية هو ستة ملايين، ولكنهم في الواقع كانوا أكثر من هذا العدد، أيْ ثمانية ملايين، كما ذُكِر في الفصل السابق وفي الإحصاء الآنِف الذكر الذي عمله ابن رفاعة، وذكر فيه أنه وجد أكثر من عشرة آلاف قرية لا يحتوي أصغرها على أقل من خمسمائة جمجمة من الذين تُفرَض عليهم الجزية المذكورة.

والمؤلفون إلا قليلًا منهم قد اتفقت كلمتهم على الستة الملايين، ويُؤيِّد هذا تعيينهم الجزية باثني عشر ألف ألف دينار؛ أي ٧٢٠٠٠٠٠ج.م.

وهذه هي المبالغ التي دوَّنوها بهذا الصدد: قال ابن عبد الحكم في كتاب «فتوح مصر» (ص١٦١):

حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد أن عمرًا جباها اثني عشر ألف ألف (٧٢٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وقال اليعقوبي في كتاب «البلدان» (ص٣٣٩):

جباها عمرو في السنة الثانية؛ عشرة آلاف ألف (٦٠٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وقال البلاذري في كتاب «فتوح البلدان» (ص٢١٦):

حدثني أبو أيوب الرقي، عن عبد الغفار، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: جبى عمرو خراج مصر وجزيتها ألفَيْ ألف (١٢٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وقال الكندي في كتاب «فضائل مصر» (ص٢٠١):

فلما كان في العام المقبل (الثاني) جباها (أيْ عمرو) اثني عشر ألف ألف دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وقال المسبحي كما جاء في كتاب «بدائع الزهور» لابن إياس ج١ ص٢٥:

جباها عمرو بن العاص فبلغ خراجها اثني عشر ألف ألف دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وقال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» (ص٢٩):

كان المحمول من جهتهم (أيْ قبط مصر) اثني عشر ألف ألف دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م) خارجًا عن جزية اليهود بمصر وأعمالها. ا.ﻫ.

وقال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص٣٦:

جبى خراج مصر في الإسلام عمرو بن العاص لما فتحها مكانةً (أيْ عنوةً) اثني عشر ألف ألف دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وقال المقريزي في خططه ج١ ص٧٩:

قال الليث بن سعد رضي الله عنه: جباها عمرو بن العاص رضي الله عنه اثني عشر ألف ألف دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وقال أبو المحاسن في كتابه «النجوم الزاهرة» (ج١ ص٤٩):

وجباها عمرو بن العاص في الإسلام اثني عشر ألف ألف دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

فيتضح مما سبق ذكره أن مبلغ الاثني عشر مليون دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م) هو بلا ريب المبلغ الذي ينبغي تقديره للجزية التي جباها عمرو في السنة الثانية من حكمه.

أما الخراج فقد اختلف المؤرخون في تقديره في عهد هذا الخليفة كما هو مبيَّن في القسم الخاص بذلك، وقد ذكرنا عنه هناك بطريق الاستنتاج ثلاثة مبالغ هي:
  • (١)

    بناء على رواية ابن عبد الحكم ٨١٦٦٦٦ج.م.

  • (٢)

    بناء على رواية اليعقوبي ٤٢٠٠٠٠ج.م.

  • (٣)

    بناء على رواية البلاذري ٣٣٠٠٠٠٠ج.م.

وبإضافة كلٍّ من هذه المبالغ إلى الجزية وهي (٧٢٠٠٠٠٠ج.م) يكون الحاصل:

على التقدير الأول ٨٠١٦٦٦٦ج.م.

وعلى التقدير الثاني ٧٦٢٠٠٠٠ج.م.

وعلى التقدير الثالث ١٠٥٠٠٠٠٠ج.م.

وعلى هذا تكون إيرادات مصر في عهد هذا الخليفة أحد هذه المبالغ.

خلافة عثمان بن عفان سنة ٣٥ﻫ/٦٦٥م

هذا الخليفة هو ثالث الخلفاء الراشدين الذين تولَّوا الخلافة بعد النبي ، وقد أبقى عَمْرًا على رأس حكومة مصر سنتين، إلا أنه لا يوجد لدينا أي مستند نركن إليه في تقديم بيان عن نتيجة إدارته المالية في أثناء هذه المدة.

وبعد ذلك استبدل عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه في الرضاعة بعمرو، فشمر بالطبع كما يفعل كل حاكم جديد عن ساعد الجد، وجبى الجزية أكثر من جباية عمرو لها.

ولقد أثار ذلك بين عمرو والخليفة جدلًا رواه لنا ابن عبد الحكم في كتاب «فتوح مصر» (ص١٦١) هذا نصه قال:

قال الليث: وجباها عبد الله بن سعد حين استعمله عليها عثمان أربعة عشر ألف ألف (٨٤٠٠٠٠٠ج.م)، فقال عثمان لعمرو: يا أبا عبد الله درت اللقحة بأكثر من درها الأول. قال عمرو: أضررتم بولدها. وقال غير الليث: فقال له عمرو: ذلك إن لم يَمُتْ الفصيل. ا.ﻫ.

وإليك مبالغ الجزية في عهد هذا الخليفة التي ذكرها مختلفو المؤرخين:
دينار جنيه مصري
ابن عبد الحكم (فتوح مصر ص١٦١) ١٤٠٠٠٠٠٠ ٨٤٠٠٠٠٠
اليعقوبي (البلدان ص٣٣٩) ١٢٠٠٠٠٠٠ ٧٢٠٠٠٠٠
البلاذري (فتوح البلدان ص٢١٦) ٤٠٠٠٠٠٠ ٢٤٠٠٠٠٠
الكندي (فضائل مصر ص٢٠١) ١٤٠٠٠٠٠٠ ٢٤٠٠٠٠٠
أبو صالح الأرمني (الكنائس ص٢٨) ٤٠٠٠٠٠٠ ٢٤٠٠٠٠٠
ابن وصيف شاه (نشق الأزهار ص٣٦) ١٤٠٠٠٠٠٠ ٨٤٠٠٠٠٠
ابن إياس (بدائع الزهور ج١ ص٢٦) ١٤٠٠٠٠٠٠ ٨٤٠٠٠٠٠
وقال الكندي كما جاء في كتاب «بدائع الزهور» لابن إياس (ج١ ص٢٦):

كان عبد الله بن أبي سرح أخا الإمام عثمان بن عفان من الرضاع، فلما تولَّى على مصر رحل عنها عمرو بن العاص وأتى المدينة الشريفة، فلما استقر ابن أبي السرح بمصر جبى خراجها في تلك السنة أربعة عشر ألف ألف دينار (٨٤٠٠٠٠٠ج.م).

فلما وصل خراج مصر إلى الإمام عثمان بن عفان نظر إلى عمرو بن العاص وقال: لقد درت اللقحة بعدك يا عمرو. فقال له: نعم، ولكن أجاعت أولادها. وأن هذه الزيادة التي أخذها عبد الله بن أبي السرح إنما هي على الجماجم، فإنه أخذ عن كل رأس دينارًا خارجًا عن الخراج (أيْ ثلاثة دنانير ١٨٠ قرشًا) فحصل لأهل مصر بسبب ذلك الضرر الشامل. ا.ﻫ.

فإذا اتخذنا في هذه الحالة الأشخاص البالغ عددهم ستة ملايين نسمة أساسًا — وهم الذين كان يجبي منهم عمرو الجزية — كان ينبغي أن تبلغ الجباية ثمانية عشر مليون دينار (١٠٨٠٠٠٠٠ج.م)، فهذا النقص يجب أن يكون منشؤه معافاة الأشخاص الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا.

وظاهر مما تقدَّم أن هؤلاء المؤلِّفِين اختلفوا في تعيين المبلغ الذي جباه هذا الوالي من القُطْر، ومع أن أكثرهم ذكر أنه أربعة عشر مليون دينار (٨٤٠٠٠٠٠ج.م) فلدينا برهان آخَر على أن المبلغ الذي جباه عبد الله بن أبي سرح كان أكثر مما جباه سلفه، وأنه ينبغي أن يكون أربعة عشر مليون دينار (٨٤٠٠٠٠٠ج.م)، وهذا البرهان هو ما دار من الحوار بين عثمان وعمرو وأتينا على ذِكْره آنفًا.

ولم نعثر على مبالغ أخرى جُبِيت في ذلك العهد، وعلى هذا فنحن مضطرون أن نعتبره المبلغ المكوِّن لإيرادات مصر في عهد هذا الخليفة.

خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة ٦٠ﻫ/٦٨٠م

هذا الخليفة هو أول خلفاء بني أمية في دمشق، ولما ارتقى عرش الخلافة سنة ٤١ﻫ/٦٦١م كان عمرو عاملًا على مصر ثاني مرة، فبقي فيها إلى أن توفي في سنة ٤٣ﻫ/٦٦٣م، وتعاقب عليها بعده ثلاثة ولاة في عهد هذا الخليفة، هم: عتبة بن أبي سفيان، وعقبة بن عامر، ومسلمة بن مخلد.

ولم نجد من بين المؤرخين من ذكر قيمة الإيرادات في عهد هذا الخليفة، إلا اثنين هما:
  • (١)
    ياقوت في «معجم البلدان» (ج٥) عند الكلام على مصر قال:

    لما وليها (أيْ عمرو) في أيام معاوية، جباها تسعة آلاف ألف دينار (٥٤٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

  • (٢)
    اليعقوبي في كتاب «البلدان» (ص٣٣٩) قال:

    ثم أسلم رجالها، فبلغ خراج الأرض في أيام معاوية مع جزية رءوس الرجال خمسة آلاف ألف دينار (٣٠٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

خلافة سليمان بن عبد الملك سنة ٩٩ﻫ/٧١٧م

هذا الخليفة هو سابع خلفاء بني أمية بدمشق، وكان عامله في مصر عبد الملك بن رفاعة، وقد زادت في عهده الإيرادات، ويرجع سبب هذه الزيادة إلى عامل الخراج أسامة بن زيد، وهو رجل جشع غليظ القلب؛ ولذا كرهه الناس كرهًا شديدًا، وهذا العامل هو الذي أقام في عهد هذا الخليفة بناء مقياس النيل الذي بالروضة الآن.

أما الإيراد فقد تكلَّم عنه مؤلفان:
  • (١)
    ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص٣٧ قال:

    جباها أسامة بن زيد عامل مصر في خلافة سليمان بن عبد الملك بن مروان الأموي، اثني عشر ألف ألف دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

  • (٢)
    المقريزي في خططه ج١ ص٩٩ قال:

    يقال: إن أسامة بن زيد جباها في خلافة سليمان بن عبد الملك مبلغ اثني عشر ألف ألف دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وإذن يكون مبلغ ١٢٠٠٠٠٠٠ دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م) هو إيراد مصر في عهد هذا الخليفة.

خلافة هارون الرشيد سنة ١٩٣ﻫ/٨٠٩م

هذا الخليفة هو خامس الخلفاء العباسيين ببغداد، وفي عصره هبطت إيرادات مصر مرة أخرى.

قال اليعقوبي في كتاب «البلدان» (ص٣٣٩):

ثم أسلم رجالها، فبلغ خراج الأرض مع جزية رءوس الرجال في أيام هارون الرشيد أربعة آلاف ألف دينار (٢٤٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وهذا المبلغ يكوِّن إيراد مصر في عهد هذا الخليفة من الجزية والخراج معًا.

حكومة أحمد بن طولون سنة ٢٧٠ﻫ/٨٨٤م

عُيِّنَ أحمد بن طولون في أول الأمر حاكمًا على مصر من قِبَل الخليفة العباسي ببغداد، إلا أنه لما وجد الفرصة لم يتأخر عن انتهازها فانفصل عن الخلافة، ولما أصبح مستقلًّا امتنع عن إرسال المبالغ التي كان يرسلها العمال إلى بغداد.

ويظهر أنه تولَّى حكم مصر وهي في حالة فقر مدقع، إلا أن إدارته الرشيدة وأعماله السديدة أعادت إليها اليسار والرخاء.

قال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» ص٣٠:

بلغ خراج مصر في أيام بني العباس على يد أحمد بن طولون خمسة آلاف ألف دينار (٣٠٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

حكومة خمارويه سنة ٢٨٢ﻫ/٨٩٥م

إن هذا الأمير هو ابن أحمد بن طولون السابق الذكر، قال الكندي في كتاب «فضائل مصر» (ص٢٠١):

بالغ بنو طولون في عمارة مصر، فجباها أبو الجيش (وهذه كنية خمارويه) أربعة آلاف ألف دينار (٢٤٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وقال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص٣٧:

وجباها ابنه خمارويه ألف ألف دينار (٦٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

ولو اعتبرنا هذا المبلغ لكان نقص الإيراد في هذه المدة القصيرة كبيرًا جدًّا، فمِنْ رَأْيِنا أنه لا يدل على جملة الإيرادات، بل على ما تبقَّى منها بعد المصروفات، ويؤيدنا في هذا الرأي ما ذكره الكندي آنفًا. وقول المقريزي هذا: قال المقريزي في خططه ج١ ص٩٩:

وجباها ابنه الأمير أبو الجيش خمارويه بن أحمد أربعة آلاف ألف دينار (٢٤٠٠٠٠٠ج.م) مع رخاء الأسعار أيامئذٍ، فإنه ربما بِيع في الأيام الطولونية القمح كلَّ عشرة أرادب بدينار (٦٠ قرشًا). ا.ﻫ.

وبناء على ما تقدَّم يجب تقدير إيراد هذا العصر بأربعة ملايين دينار (٢٤٠٠٠٠٠ج.م).

حكومة الإخشيد محمد بن طغج سنة ٣٣٤ﻫ/٩٤٦م

هذا الأمير هو رأس الأسرة الإخشيدية.

قال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص٣٧:

بلغ خراج مصر في أيام الأمير محمد بن طغج الإخشيدي ألف ألف دينار (٦٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وهذا المبلغ يجب اعتباره كما اعتبرناه في حكم خمارويه زيادة الإيرادات على المصروفات، ويؤيد هذا — كما سيظهر ذلك في القسم الخاص بالخراج — ما ذكره المقريزي في خططه ج١ ص٩٩ عن الخراج وحده دون سائر وجوه الإيرادات الأخرى في عهد هذا الحاكم، حيث قال:

بلغ خراج مصر في أيام الأمير أبي بكر محمد بن طغج الإخشيد ألفَيْ ألف دينار (١٢٠٠٠٠٠ج.م) سوى ضياعه التي كانت ملكًا له. ا.ﻫ.

حكومة كافور الإخشيدي سنة ٣٥٧ﻫ/٩٦٨م

هذا الأمير هو رابع أمراء الأسرة الإخشيدية.

قال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» ص٣٠ وما يليها:

اشتمل ارتفاع مصر وما معها وجميع نفقاتها لسنة في مملكة كافور الأستاذ الإخشيدي بتقدير فكان ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف، وينيف سبعين ألف دينار (١٩٦٢٠٠٠ج.م)، وكان الزائد في النفقات عن الارتفاع مائتي ألف دينار (١٢٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وقال المقريزي في خططه ج١ ص٩٩:

بلغت الرواتب في أيام كافور الإخشيدي خمسمائة ألف دينار (٣٠٠٠٠٠ج.م) في السنة لأرباب النعم والمستورين وأجناس الناس، ليس فيهم أحد من الجيش، ولا من الحاشية، ولا من المتصرفين في الأعمال. فحسن له علي بن صالح الروذبادي الكاتب أن يوفر من مال الرواتب شيئًا ينتقصه من أرزاق الناس، فساعة جلس يعمل حكه جبينه فحكه بقلمه، والحكاك يزيد به إلى أن قطع العمل وقام لما به، فعولج حينئذٍ بالحديد حتى مات في رمضان سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، وهذه موعظة من الله لمَن توسَّطَ للناس بالسوء.

قال تعالى: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ.

ولما مات كافور نزلت محنٌ شديدة كثيرة بمصر من الغلاء والفناء والفتن، فاتضع خراجها إلى أن قَدِم جوهر القائد من بلاد المغرب بعساكر مولاه المعز لدين الله أبي تميم معد. ا.ﻫ.

خلافة المعز لدين الله سنة ٣٦٥ﻫ/٩٧٥م

إن هذا الخليفة هو أول الخلفاء الفاطميين الذين أتوا من بلاد المغرب وفتحوا مصر.

قال المقريزي في خططه ج١ ص٩٩:
جبى جوهر القائد الخراج لسنة ثمان٤ وخمسين وثلاثمائة (٩٦٩م) ثلاثة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار ونيفًا (٢٠٤٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.
وقال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» ص٣٠:

بلغ خراج مصر على يد يعقوب بن يوسف (وهو يعقوب بن يوسف بن كلس الذي كان وزيرًا لهذا الخليفة بعد سنة ٣٦٢ﻫ/٩٧٢م)، أربعة آلاف ألف (٢٤٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

خلافة العزيز بالله سنة ٣٨٦ﻫ/٩٩٦م

هذا الخليفة هو ابن الخليفة السابق، وثاني الخلفاء الفاطميين الذين حكموا مصر.

قال أبو صالح الأرمني في تاريخه «الكنائس» ص٣٠:

انتهى خراج مصر على يد يعقوب بن يوسف (هو يعقوب بن يوسف بن كلس الذي بقي وزيرًا لهذا الخليفة) إلى ثلاثة آلاف ألف دينار (١٨٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

خلافة الحاكم بأمر الله سنة ٤١١ﻫ/١٠٢١م

هذا الخليفة تولَّى الحكم بعد الخليفة السابق، وهو ثالث الخلفاء الفاطميين بمصر.

قال ابن وصيف شاه كما جاء في كتاب «نشق الأزهار» لابن إياس ص٣٧ و٣٨:

وجباها في أيام الحاكم بأمر الله ثلاثة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار (٢٠٤٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

خلافة المستنصر بالله سنة ٤٨٧ﻫ/١٠٩٤م

هذا الخليفة هو خامس الخلفاء الفاطميين، تولَّى حكم مصر مدة ستين سنة قمرية، وقد جاء عن الإيراد في عهده أقوال مختلفة ها هي: قال المقريزي في خططه ج١ ص٩٩ و١٠٠:

أمر الوزير الناصر للدين أبو الحسين عبد الرحمن اليازوري وزير مصر في خلافة المستنصر بالله بن الظاهر (من سنة ٤٤١ﻫ إلى ٤٥٣ﻫ/١٠٥٠م إلى ١٠٦١م) أن يعمل قدر ارتفاع الدولة وما عليها من النفقات، فعمل أرباب كل ديوان ارتفاعه وما عليه، وسلم الجميع لمتولي ديوان المجلس وهو زمام الدواوين، فنظم عليه عملًا جامعًا وأتاه به، فوجد ارتفاع الدولة ألفي ألف دينار (١٢٠٠٠٠٠ج.م)، منها الشام ألف ألف دينار (٦٠٠٠٠٠ج.م) ونفقاته بإزاء ارتفاعه، والريف وباقي الدولة ألف ألف دينار. ا.ﻫ.

ومن المعقول أن يكون المبلغ الثاني المذكور هنا عن مصر هو زيادة الإيرادات على المصروفات.

وقال القاضي أبو الحسن المخزومي في كتاب «المنهاج في علم الخراج»، كما جاء في خطط المقريزي ج١ ص١٠٠ ما ملخصه:

وقفت على مقايسةٍ عُمِلت لأمير الجيوش بدر الجمالي حين قدم مصر في أيام الخليفة المستنصر، وغلب على أمرها، وقهر مَن كان بها من المفسدين؛ شرح فيها أن الذي استقرت عليه جملة ما كان يتأدى من الخراج في سنة ست وستين وأربعمائة الهلالية (١٠٧٤م) قبل نظر أمير الجيوش، كان ألفي ألف وثمانمائة ألف دينار (١٦٨٠٠٠٠ج.م)، وأن الذي استقرت عليه الجملة عينًا لسنة ثلاث وثمانين وأربعمائة الهلالية (١٠٩٠م) ثلاثة آلاف ألف ومائة ألف دينار (١٨٦٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

خلافة المستعلي بالله سنة ٤٩٥ﻫ/١١٠١م

هذا الخليفة هو ابن الخليفة السابق، وقد تولَّى الخلافة بعده، وهو سادس الخلفاء الفاطميين بمصر.

قال ابن ميسر في كتاب «أخبار مصر» (ج٢ ص٥٩):

أمر الأفضل (وكان وزيرًا لهذا الخليفة) بعمل تقدير ارتفاع ديار مصر، فعمل ذلك وجاء خمسة آلاف ألف دينار (٣٠٠٠٠٠٠ج.م)، وكان متحصل الأهراء ألف ألف إردب. ا.ﻫ.

فإذا فرضنا أن هذه الكمية من الأرادب كانت تحتوي على ٥٠٠٠٠٠ إردب قمح، ثمنها باعتبار الإردب ٣٥ قرشًا ١٧٥٠٠٠ج.م وتحتوي على ٥٠٠٠٠٠ إردب شعير، ثمنها باعتبار الإردب ٢٥ قرشًا ١٢٥٠٠٠ج.م كانت جملة ثمنها ٣٠٠٠٠٠ج.م وبإضافته إلى ما تساويه خمسة آلاف ألف الدينار من الجنيهات يكون الحاصل ٣٣٠٠٠٠٠ج.م وهو قيمة الإيراد في عهد هذا الخليفة.

خلافة الحافظ لدين الله سنة ٥٤٤ﻫ/١١٤٩م

هذا الخليفة هو ثامن الخلفاء الفاطميين بمصر.

قال المقريزي في خططه ج١ ص١٠٠:

ثم تقاصرت (أيْ جباية مصر) إلى أن جباها القاضي الموفق أبو الكرم بن معصوم العاصمي التنيسي عينًا خالصًا إلى بيت المال بعد المؤن والكلف؛ ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار (٧٢٠٠٠٠ج.م) إلى آخِر سنة أربعين وخمسمائة (١١٤٥م)، ثم بعده لم يجبها هذه الجباية أحدٌ حتى انقرضت الدولة الفاطمية. ا.ﻫ.

حكومة صلاح الدين الأيوبي سنة ٥٨٩ﻫ/١١٩٣م

هذا السلطان هو مؤسِّس الأسرة الأيوبية.

قال القاضي الفاضل كما جاء في خطط المقريزي ج١ ص٨٧:

في متجددات سنة خمس وثمانين وخمسمائة أوراق بما استقر عليه عبر البلاد من إسكندرية إلى عيذاب، إلى آخِر الرابع والعشرين من شعبان سنة خمس وثمانين وخمسمائة (٧ أكتوبر سنة ١١٨٩م)، خارجًا عن الثغور وأبواب الأموال الديوانية، والأحكار والحبس، ومنفلوط ومنقباط وعدة نواحٍ أوردت أسماءها، ولم يعين لها في الديوان عبرة من جملة أربعة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وخمسين ألفًا وتسعة عشر دينارًا (٢٧٩١٨١١ج.م). ا.ﻫ.

وأما إيرادات الثغور في عهده فكانت:
الثغر إيراده بالدينار إيراده بالجنيه المصري
المجموع ٨٢٧١٣٨ ٤٩٦٢٨٣
ضواحي ثغر الإسكندرية ٨٠٠١٣٨ ٤٨٠٠٨٣
رشيد ٢٠٠٠ ١٢٠٠
أسوان ٢٥٠٠٠ ١٥٠٠٠

وبإضافة هذا إلى المبلغ الآنِف الذكر، يكون الحاصل ٥٤٨٠١٥٧ دينارًا (٣٢٨٨٠٩٤ج.م).

وهذه القيمة وإنْ كانت لا تدل على إيرادات مصر كلها إلا أننا نعتبرها جديرة بالذكر؛ لأنها تُكوِّن الجزء الأكبر من تلك الإيرادات حقًّا.

حكومة الظاهر بيبرس البندقداري سنة ٦٧٦ﻫ/١٢٧٧م

إن هذا الملك هو سادس ملوك الأسرة المعروفة بالمماليك البحرية، وقد زادت في عهده إيرادات مصر زيادة ظاهرة، ويرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع الخراج في عهده ارتفاعًا كبيرًا، كما سيتضح ذلك عند مراجعة القسم الخاص به؛ إذ منه يتبين أن الخراج وحده بلغ ١٠٨١٦٥٨٤ دينارًا (٦٤٨٩٩٥٠ج.م).

ولم يروِ شيئًا عن هذا الملك إلا ابن إياس؛ إذ قال في كتابه «بدائع الزهور» (ج٣ ص٢٦٦):

جُبِي خراج مصر في أيام الملك الظاهر بيبرس البندقداري، فكان اثني عشر ألف ألف دينار (٧٢٠٠٠٠٠ج.م). ا.ﻫ.

وإليك ملخصًا بما سبق ذكره من الإيرادات في هذا العصر:

الخليفة أو الحاكم الإيرادات بالدنانير الإيرادات بالجنيهات المصرية
خلافة عمر بن الخطاب ١٣٣٦١١١٠ ٨٠١٦٦٦٦
خلافة عمر بن الخطاب ١٢٧٠٠٠٠٠ ٧٦٢٠٠٠٠
خلافة عمر بن الخطاب ١٧٥٠٠٠٠٠ ١٠٥٠٠٠٠٠
خلافة عثمان بن عفان ١٤٠٠٠٠٠٠ ٨٤٠٠٠٠٠
خلافة معاوية بن أبي سفيان ٩٠٠٠٠٠٠ ٥٤٠٠٠٠٠
خلافة معاوية بن أبي سفيان ٥٠٠٠٠٠٠ ٣٠٠٠٠٠٠
خلافة سليمان بن عبد الملك ١٢٠٠٠٠٠٠ ٧٢٠٠٠٠٠
خلافة هارون الرشيد ٤٠٠٠٠٠٠ ٢٤٠٠٠٠٠
حكومة أحمد بن طولون ٥٠٠٠٠٠٠ ٣٠٠٠٠٠٠
حكومة خمارويه ٤٠٠٠٠٠٠ ٢٤٠٠٠٠٠
حكومة كافور الإخشيدي ٣٢٧٠٠٠٠ ١٩٦٢٠٠٠
خلافة المعز لدين الله ٣٤٠٠٠٠٠ ٢٠٤٠٠٠٠
خلافة المعز لدين الله ٤٠٠٠٠٠٠ ٢٤٠٠٠٠٠
خلافة العزيز بالله ٣٠٠٠٠٠٠ ١٨٠٠٠٠٠
خلافة الحاكم بأمر الله ٣٤٠٠٠٠٠ ٢٠٤٠٠٠٠
خلافة المستنصر بالله ٢٨٠٠٠٠٠ ١٦٨٠٠٠٠
خلافة المستنصر بالله ٣١٠٠٠٠٠ ١٨٦٠٠٠٠
خلافة المستعلي بالله ٥٥٠٠٠٠٠ ٣٣٠٠٠٠٠
حكومة صلاح الدين الأيوبي ٥٤٨٠١٥٧ ٣٢٨٨٠٩٤
حكومة الظاهر بيبرس ١٢٠٠٠٠٠٠ ٧٢٠٠٠٠٠
وأما زيادة الإيرادات على المصروفات فهي:
الخليفة أو الحاكم الزيادة بالدنانير الزيادة بالجنيهات المصرية
حكومة خمارويه ١٠٠٠٠٠٠ ٦٠٠٠٠٠
حكومة الإخشيد محمد ١٠٠٠٠٠٠ ٦٠٠٠٠٠
حكومة كافور الأخشيدي ٢٠٠٠٠٠ ١٢٠٠٠٠
خلافة المستنصر بالله ١٠٠٠٠٠٠ ٦٠٠٠٠٠
خلافة الحافظ لدين الله ١٢٠٠٠٠٠ ٧٢٠٠٠٠
١  المعاريض الكلم المبهم. ولعل كلمة تغتالها محرَّفة عن تفتاتها، أيْ: تأتيني بمبهمات تبتدعها.
٢  كلمة يونانية يُراد منها الضريبة التي تُوضع على القرية جملة، ويُقسِّمها سكانها على أنفسهم.
٣  هذه الكلمة كالكلمتين اللتين قبلها يونانية ومؤداها الجزية.
٤  الصواب سنة تسع وخمسين وثلاثمائة (٩٧٠م)؛ لأن فتح مصر على يد جوهر كان في ١٧ شعبان سنة ٣٥٨ﻫ، أي في أواخر هذه السنة (٦ يوليو سنة ٩٦٩م)، وقد دخلها وهي في غاية الاضمحلال، فلا يعقل أن يجبيها هذه الجباية في السنة المذكورة، وسيأتي لذلك مزيد إيضاح في قسم الخراج.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤