الفصل الخامس

عصر العثمانيين

من سنة ٩٢٣ﻫ/١٥١٧م إلى ١٢١٣ﻫ/١٧٩٨م
لم يكن عندنا عندما كتبنا الأصل الفرنسي لكتابنا هذا عن مبلغ الإتاوة في هذا العصر سوى مصدرين، وقد عثرنا بعد ذلك على ثلاثة مصادر، اثنين منها يذكران الإيراد والإتاوة، والثالث خاص بالإتاوة فقط، ولم يكن عثورنا على هذه المصادر الجديدة في أثناء طبع هذه النسخة العربية في وقت واحد؛ ولذلك أثبتنا أحدها في قسم الإيرادات، وفاتنا ذِكْر الآخَر هناك؛ لأننا لم نهتدِ إليه إلا بعد الفراغ من طبعه، فلم نَرَ بُدًّا من إثباته هنا، وإليك هذه المصادر الخمسة:
  • (١)
    بيترو دِلَّا فال Pietro Della Valle.
  • (٢)

    البكري.

  • (٣)
    كورنيل لي بران Corneil le Bruyn.
  • (٤)
    ماييه Maillet.
  • (٥)
    إستيف Estève.

أما بيترو دلا فال فيُؤخَذ من كتاب سياحته بمصر سنة ١٠٢٤ﻫ/١٦١٥م ج٢ ص١٣٨ و١٣٩ أن إيراد مصر كان ٢٤٠٠٠٠٠ سيكان فنيسي بندقي (١١١٠٩٦٠ج.م)، وأن هذا المبلغ ينقسم إلى أربعة أقسام متساوية، قسم للمحمل الشريف، وقسم للجيش المرابط بمصر، وقسم للباشا ومصروفاته الإدارية وغيرها، وقسم يُرسَل إلى السلطان بالقسطنطينية.

وبناء على هذا يكون مبلغ الإيراد ٢٤٠٠٠٠٠ سيكان (١١١٠٩٦٠ج.م)، ومبلغ الإتاوة ٦٠٠٠٠٠ سيكان (٢٧٧٧٤٠ج.م).

وأما البكري فقال في كتابه «الكواكب السائرة» (ص٢٢٩ و٢٣٠):

سألت بعض كَتَبَة الديوان وغيره عن مبلغ خراج مصر في سنة خمس وثلاثين وألف (١٦٢٦م)، فقال: ثماني عشرة كرة — مائة ألف — (١٨٠٠٠٠٠ دينار/١٠٨٠٠٠٠ج.م)، منها يجهز للأبواب العثمانية بالديار الرومية ستمائة ألف دينار (٣٦٠٠٠٠ج.م)، والباقي يُصرَف للحرمين الشريفين والصناجق بها والعساكر بها، فهذا خلاف ما يأتي للبكلربكي بها من الخدم والتقادم من خيل وجمال وبغال وأقمشة وسكر، فنسأل الله تعالى أن يجعلها دار إسلام ليوم القيامة آمين. ا.ﻫ.

وعلى هذا يكون مبلغ الإتاوة ٦٠٠٠٠٠ دينار أو ٣٦٠٠٠٠ج.م.

ويؤخذ من كتاب سياحة كورنيل لي بران سنة ١٠٩١ﻫ/١٦٨٠م ج٢ ص٧٢ أن سلطان تركيا كان يحصل من مصر مع شدة فقرها على إتاوة قدرها ٦٠٠٠٠٠ سيكان سنويًّا، قيمة الواحد منها سبعة فرنكات (١٧٤٥٨٨ج.م تقريبًا).

وبناء على ذلك يكون مبلغ الإتاوة ٦٠٠٠٠٠ سيكان أو ١٧٤٥٨٨ج.م تقريبًا.

وقال ماييه الذي كان قنصلًا لفرنسا في مصر زهاء أربعين عامًا في النصف الثاني من القرن السابع عشر في مؤلَّفه ج٢ ص١٥٧ في وصفه مصر:

يحكم مصر اليوم موظف برتبة باشا مبعوث من قِبَل السلطان، ويُعيَّن هذا الباشا لمدة لا تزيد عن عام، ومع ذلك فقد جرت العادة أن يستمر الولاة في وظائفهم ثلاثة أعوام، بل أربعة، كما أنه يوجد منهم مَن بقي عامًا أو عامين فقط.

وهذه الولاية هي أضخم ولايات الإمبراطورية العثمانية؛ ولذلك لا تُنال إلا بدفع مبالغ طائلة، ولا بد للوالي الذي يُعيَّن لمصر أن يكون مستعدًّا لبذل نفقة من أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف ريال قبل أن يصل إلى القاهرة المقر المعتاد لسكنه، وأن يُقدِّم فوق ذلك هدايا تزيد قيمتها على مائة ألف ريال عن كل سنة يمكثها في وظيفته.

وأعباء هذه الولاية كانت كذلك باهظة جدًّا، فالوالي كان مكلَّفًا بأن يرسل إلى السلطان ستمائة ألف ريال في كل سنة، وكانت هذه النقود التي يسمونها الخزنة تُرسَل إلى القسطنطينية برًّا بمصروفات جسيمة على نفقة الوالي، وكان عليه أيضًا أن يُرسِل إلى السراي في كل سنة مقدارًا من السكر والبن والشراب والأرز، وسلعًا أخرى كثيرة لا تقل قيمتها التي كانت تدفع دوامًا نقدًا عن ستمائة ألف ريال، هذا غير نفقات المحمل الذي كان يوجِّهه الخليفة إلى مكة كل عام، ومائة ألف ريال يُرسِلها إلى هذه المدينة ومثلها إلى دمشق؛ لتُنفَق على القافلة التي ترافق المحمل إلى بلاد العرب.

ولإيفاء هذه المطالب كلها ودَفْع مرتبات الجيوش التي ترابط في مصر من قِبَل الباب العالي، يستولي الوالي على كافة أنواع الإيرادات، وهي إيرادات ضخمة جدًّا قد تبلغ قيمتها إذا روعيت طرق الاقتصاد أكثر من اثني عشر مليونًا، غير ما يُنفَق على الجيوش، ومن هنا يُفهَم بسهولة أن مصر تدرُّ على الوالي من الدخل أكثر مما تدرُّ على السلطان، وبالأخص إذا داهم القطر الطاعون، فإنه عند ذلك تجمع الحكومة مبالغ طائلة في مدى الثلاثة أو الأربعة الأشهر التي اعتاد الوباء أن يمكثها في وادي النيل، فقد يبلغ دخله في يوم واحد من مائتَيْ ألف إلى ثلاثمائة ألف ريال بسبب وفاة أشخاص يمتلكون قرى؛ لأن قوانين الحكومة تقضي برجوع ملكية هذه القرى إلى الخليفة بعد وفاة أصحابها، فيتذرع الوالي بهذا القانون للاستيلاء عليها لنفسه، ويستدرُّ منها أموالًا عظيمة. وقد يحدث في أسابيع أن تُباع العين الواحدة ثلاث مرات بل أربعًا، بسبب معاجلة الموت لمَن يبتاعونها الواحد تِلْو الآخَر. ا.ﻫ.

ويُستخلَص من وصف ماييه أن المبالغ التي كانت تُرسلها مصر إلى القسطنطينية أو تأخذها هذه منها هي:

٦٠٠٠٠٠ ريال تُرسَل نقدًا
٦٠٠٠٠٠ ريال قيمة سلع وأمتعة تُرسَل عينًا
١٠٠٠٠٠ ريال تُرسَل إلى دمشق

ويكون مجموع ذلك ١٣٠٠٠٠٠ ريال، أو بعبارة أخرى ٢٦٠٠٠٠ج.م.

أما نفقة المحمل ومائة ألف الريال الأخرى، فلا وجه لإضافتها إلى المبلغ السابق؛ لأنها كانت تُصرَف باسم مصر ولحسابها.

وقال إستيف في الصفحة ٣٩٦:

إن النقود التي كانت تُسمَّى الخزنة كانت تُرسَل في أول الأمر إلى القسطنطينية باحتفال مهيب.

وإليك ما رواه لنا عن الترتيبات التي وضعها لذلك السلطانُ سليمان قال:

قرَّر هذا السلطان أن يقوم واحد من الأربعة والعشرين بيكًا بإحضار إتاوة مصر إلى مقر الخلافة، وأن يُلقَّب هذا البيك بأمير الخزنة، وأن يُوضَع تحت تصرُّفِه للمحافظة عليها سردار وشرذمة من الجند تُنتخَب من فِرَق الجيش السبع.

ومتى تم تحصيل الأموال يتوجه الروزنامجي إلى الباشا ومعه مبالغ الخزنة، وفي اليوم المقرَّر لتسليمها إلى أمير الخزنة يجتمع في القلعة رؤساء الوجاقات والبكوات والقاضي وجميع كبار موظفي الحكومة، فيُعاين الصراف وهو كاتب الخزنة عدد النقود ونوعها، وشاغل هذه الوظيفة يكون إسرائيليًّا دائمًا، وبعد أن يُوقِّع الباشا والروزنامجي على الأوراق المبينة بها النقود تُوضَع في صناديق مغطاة بالجلد، ثم يسلِّمها الباشا إلى أمير الخزنة، فيُعطيه مستندًا بها.

وفي أثناء وضع الصناديق على ظهور الإبل المُعَدَّة لحملها، يخلع الباشا على أمير الخزنة حلة من الفراء الأسود فاخرة، وعلى الروزنامجي كذلك خلعة من الفراء الأسود إلا أنها أقل قيمة من تلك، ثم يوزع القفاطين على السردار المكلَّف بقيادة الحرس، ويجتمع البكوات والوجاقات عند سفر أمير الخزنة، ويحيطون به في موكب فخم أثناء مروره بالقاهرة، ويرافقونه إلى العادلية، وهي مكان بين القبة وبركة الحج، ويعلن من ليلة يوم سفره عن هذا الاحتفال بواسطة الألعاب النارية في العادلية، وكذلك بتواتر إطلاق المدافع حتى وقت السفر، ويسير أمير الخزنة إلى القسطنطينية مارًّا بدمشق.

وقد وجه السلطان سليمان نظره إلى جميع التفصيلات الخاصة بسفر الخزنة، حتى إنه عيَّن ما يجب صرفه في نقلها وابتياع ما يلزمها من الصناديق والأكياس والجلود والسجاجيد لتغطيتها. ا.ﻫ.

ويظهر أن هذه الطريقة بطلت بمرور الزمن، وبما أصاب الدولة العثمانية من الوهن، والدليل على ذلك ما رواه إستيف بالصفحة ٣٩٧ إذ قال:

قبل مجيء الفرنسيين مصر كان الباب العالي لا يحصل على شيء من إتاوتها، إلا إذا أرسل إلى القاهرة أحد الأغوات خصيصًا لذلك، وكان هذا الأغا لا يُبعَث إلا مرة واحدة في كل ثلاث سنين، ليتسلم ما قد تجمع للدولة من الإتاوة في هذه المدة، وكان لا يُؤبَه له في حضوره وسفره، بل غاية ما هنالك أن الباشا يُسلِّمه في حضرة القاضي فقط النقود والأوراق الخاصة بالخزنة، وعلى الأغا أن يتَّخِذ جميع الاحتياطات التي تكفل له الرجوع إلى القسطنطينية سالمًا. ا.ﻫ.

وقال إستيف في الصفحة ٣٦٧ عند تلخيصه دخل السلطان:

إن القواعد المرعية في الإدارة العثمانية المالية تختلف عن القواعد الجاري العمل بموجبها في فرنسا، ففي هذه تُرسَل إيرادات الحكومة كلها إلى الخزانة العمومية، أما الحكومة العثمانية فلا يدخل خزانتها إلا المبالغ المخصَّصة لبعض المصروفات والأموال المدخرة. والجباية موكول أمرها إلى الولاة وكبار الملتزمين، ولا يهتم لها السلطان إلا بقدر ما يحصل على المطلوب له منهم، وما يتبقى بعد إيفاء هذا المطلوب وبعد المصروفات التي ألقاها على كاهلهم يصير حقًّا مكتسَبًا لهؤلاء.

ويؤخذ من ملخص البيانات المختلفة التي ذكرناها لإيضاح جميع الضرائب التي على مصر أن إيراد السلطان ينحصر في الإتاوة. ا.ﻫ.

وهذه الإتاوة كانت تبلغ حسبما روى إستيف ٤١١٤٧٠٠ فرنك (١٥٨٧٢٥ج.م)، وكان يُؤخَذ جزء منها لبعض مصروفات خاصة بالحضرة السلطانية، غير أن المبلغ المذكور كان يُعتبَر برمته قيمة الإتاوة المفروضة على مصر للقسطنطينية.

وبناءً على ما تقدَّم يكون لدينا عن هذا العصر خمسة مبالغ للإتاوة هي:
  • (١)

    بيترو دلا فال سنة ١٦١٥م ٢٧٧٧٤٠ج.م.

  • (٢)

    البكري سنة ١٦٢٦م ٣٦٠٠٠٠ج.م.

  • (٣)

    كورنيل لي بران سنة ١٦٨٠م ١٧٤٥٨٨ج.م تقريبًا.

  • (٤)

    ماييه في النصف الثاني من القرن السابع عشر ٢٦٠٠٠٠ج.م.

  • (٥)

    إستيف في القرن الثامن عشر ١٥٨٧٢٥ج.م.

الإتاوة في عهد الأسرة المحمدية العلوية من سنة ١٨٠٥م إلى الآن

اختلفت الإتاوة التي ترسلها مصر إلى الحكومة العثمانية في عهد الأسرة المحمدية العلوية، ففي أوائل عهد محمد علي كان مبلغها ضئيلًا متفِقًا مع إيراد مصر في ذلك الحين.

وذكر مانجان في كتابه «مختصر تاريخ مصر» (ج١ ص١٥٤) أنها كانت سنة ١٨٣٣م ١٢٠٠٠ كيس مصري (٦٠٠٠٠ج.م).

وفي سنة ١٨٤١م لما مُنِح محمد علي ولاية مصر على أن تكون من بعده للأكبر فالأكبر من ذريته بالفرمان المؤرَّخ في ١٣ فبراير سنة ١٨٤١، كان من بين مواد هذا الفرمان أن ربع المتحصل من الرسوم الجمركية وباقي الضرائب يُرسَل إلى الخزانة الشاهانية — بدون تحديد هذا الربع بمبلغ معيَّن.

ثم عُيِّن في فرمان أول يونيو سنة ١٨٤١ الذي جاء مؤيدًا للفرمان السابق، فكان ٨٠٠٠٠ كيس عثماني (٣٥٤٦٨٨ج.م).

وبقيت هذه الإتاوة كما هي في عهد عباس الأول وسعيد وأوائل عهد إسماعيل، إلى أن جاء الفرمان الذي تعدلت فيه قاعدة توارث الولاية المصرية، وأُعطيت مصر فيه بعض الامتيازات، وأُضِيفت إلى حكومتها جهات مصوع وسواكن والتاكة فزيدت الإتاوة فيه ابتداءً من شهر المحرم سنة ١٢٨٣ (١٦ مايو سنة ١٨٦٦) من ٨٠٠٠٠ كيس إلى ١٥٠٠٠٠ كيس عثماني؛ أيْ ٧٥٠٠٠٠ ليرة عثمانية سنويًّا، وهذا المبلغ يساوي ٦٦٥٠٤٠ج.م.

وفي أول يوليو سنة ١٨٧٥ أُضِيف إلى هذا المبلغ ١٣٣٦٥ج.م في مقابل تنازل الدولة العلية للخديوية المصرية عن مدينة زيلع وملحقاتها، فأصبح مبلغ الإتاوة ٦٧٨٤٠٥ج.م.

وقد ظل هذا المبلغ بدون تغيير إلى سنة ١٨٨٩م، حيث أوقف دفع إتاوة زيلع، فرجع مبلغ الإتاوة إلى ما كان عليه (٦٦٥٠٤٠ج.م)، وبقي كذلك إلى الآن رغم انسلاخ مصر عن الدولة العثمانية وتوقُّفها عن دفعه لهذا السبب؛ لأن الدولة العثمانية تنازلت عنه لدائنيها إلى مدة معينة، ووافقت مصر على هذا التنازل، فحكمت عليها المحكمة المختلطة باستمرار دفعه لهؤلاء الدائنين إلى انتهاء هذه المدة.

إجمال عام لقسم الإتاوة

والجدول الآتي يبيِّن المبالغ التي أُخِذت من مصر في عهود حكومات الدول التي حكمتها بالتعاقب:

الحكومة الإتاوة بالجنيهات المصرية
حكومة الفرس ١٦١٠٣٧
حكومة الرومان ٣٠٨٠٠٠
حكومة البيزانطيين: نقلًا عن رينيه في القرن السادس ٢٨٠٠٠٠
نقلًا عن الآنسة رويارد في القرن السادس ٥٦٠٠٠٠
حكومة العرب
خلافة معاوية ٦٠٠٠٠٠
خلافة هشام ١٦٣٤٣٠٢
خلافة مروان الثاني ١٢٠٠٠٠
خلافة المهدي ١٠٩٧١٠٠
خلافة هارون الرشيد ١٣٠٨٠٠٠
خلافة المأمون ١١٥٢٠٠٠
خلافة المقتدر بالله ١٥٠٠٠٠٠
حكومة العثمانيين
نقلًا عن بيترو دِلَّا فال سنة ١٦١٥م ٢٧٧٧٤٠
نقلًا عن البكري سنة ١٦٢٦م ٣٦٠٠٠٠
نقلًا عن كورنيل لي بران سنة ١٦٨٠م ١٧٤٥٨٨
نقلًا عن ماييه في القرن السابع عشر ٢٦٠٠٠٠
نقلًا عن إستيف في القرن الثامن عشر ١٥٨٧٢٥
الأسرة المحمدية العلوية
الوالي محمد علي في سنة ١٨٣٣م ٦٠٠٠٠
الوالي محمد علي في سنة ١٨٤١م ٣٥٤٦٨٨
الخديوي إسماعيل في سنة ١٨٦٦م ٦٦٥٠٤٠
الخديوي إسماعيل في سنة ١٨٧٥م ٦٧٨٤٠٥
من سنة ١٨٨٩ إلى الآن ٦٦٥٠٤٠

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤