الفصل السادس

عصر العثمانيين

من سنة ٩٢٣ﻫ/١٥١٧م إلى ١٢١٣ﻫ/١٧٩٨م

لا يوجد لدينا عن هذا العصر سوى مبلغين أحدهما خاص بأوائل حكمهم، والثاني بآخره.

فالأول ذكره ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور» (ج٣ ص٢٦٦) حيث قال:

وقد بلغني ممَّن أثق به أنه كان متحصل خراج مصر في دولة ابن عثمان لما ملكوها ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار (٧٨٠٠٠٠ج.م)، ومن المغل ستمائة ألف إردب، منها ثلاثمائة ألف إردب قمح، وثلاثمائة ألف إردب شعير وفول وغير ذلك. ا.ﻫ.

وبما أن هذا المؤلف توفي سنة ٩٣٠ﻫ/١٥٢٣م والفتح العثماني كان سنة ٩٢٣ﻫ/١٥١٧م، فيكون الخراج الذي ذكره هو عن السبع السنوات الأولى من هذا العصر، فإذا قدرنا ثمن الإردب من اﻟ ٦٠٠٠٠٠ إردب التي ذكرها ﺑ ٣٥ قرشًا، كان ثمن هذه الكمية ٢١٠٠٠٠ج.م وبإضافة هذا إلى المبلغ الأول تكون جملة الخراج ٩٩٠٠٠٠ج.م ولم يذكر ابن إياس المساحة التي فُرِض عليها هذا الخراج.

وأما الثاني فقد ذكره علماء الحملة الفرنسية في كتاب «وصف مصر»، وإليك ما قاله لانكريت Lancret في مذكرته عن طريقة فرض الخراج ص٢٣٦ من هذا الكتاب:

قد تم ترتيب الأموال الأميرية في عهد السلطان سليم على أن الأقرب إلى الصواب أن ذلك كان في عهد مَن خلفه كما يُعلَم مما أبديته فيما سلف، ويظهر أنه بعد أن فتح الأتراك مصر أرادوا أن يفرضوا خراجًا على الأراضي برسم السلاطين بالآستانة، فوجدوا أن السجلات أُحرِقت، ودعت الحال إلى الاسترشاد بمعلومات الأوجاقلي الجاويشية، وتقرر الخراج فعلًا بناء على هذه المعلومات، وتم توزيعه على كل قرية بدون التفات إلى عدد الأفدنة، وبعد ذلك اقتسم الملتزمون فيما بينهم هذه العهدة بحسب اتساع مناطقهم، وهذا التقسيم الذي تم في أول عهد الفتح هو الذي ما زال معمولًا به إلى الآن. وقد تم بطريقة غير عادلة مطلقًا، حتى إن الخمسين ميديًا من المال الحر كان عليها من الأموال الأميرية ميديان تارة أو أكثر إلى عشرين ميديًا تارات أخرى، وفرض السلطان سليمان على الوجه القبلي أموالًا أميرية تُؤخَذ عينًا من المحاصيل؛ لتزويد فرقة عساكر الأوجاقلي التي كان أعيد تنظيمها حديثًا. ا.ﻫ.

وقال في الصفحة ٢٤٦:

قسمت الضريبة في الوجه القبلي إلى قسمين رئيسيين هما المال أو الرسوم المحصلة نقدًا والخراج الذي يُجبى عينًا، وكلاهما يحصله الملتزمون، فالأول يُؤخَذ عن الذرة والثاني عن الشعير والقمح وغيره، وعلى ذلك كانت الحالة تستدعي سنويًّا مسح أرض هذين النوعين للتمكن من عمل الحساب حسب التقدير المعين لهما في كل قرية، ومعرفة ما يجب أن يدفعه كل مزارع للملتزم، وهذا التقدير كان يختلف باختلاف القرى. ا.ﻫ.

ثم قال في الصفحة ٢٥٤:

ويقسم المال الأميري إلى قسمين رئيسيين؛ المال الشتوي والمال الصيفي، فإيرادات الأول تُؤخَذ عن محاصيل الفول والشعير والقمح، وتزيد قيمتها على قيمة المال الصيفي، وتُجبى قبله، وما يحصل منها يخصَّص للإنفاق على الشئون الداخلية التي هي دائمًا أول ما يتطلب عناية الحكومة. أما دخل المال الصيفي فكان يُؤخَذ فيما بعدُ عن مزارع الأرز، وتخصَّص قيمته للمصروفات الخارجية. ا.ﻫ.

وقال إستيف في مذكرته عن المالية المصرية بكتاب «وصف مصر» (ج١ ص٣٠٦):

لم يتوصل الترك إلى تقرير خراج مصر إلا بعد جهد عظيم وكثير من البحث والتنقيب، وبما أن المماليك كانوا أحرقوا محفوظات الحكومة فقد حاول السلطان سليم أن يعتاض عنها بمعلومات عمال الحكومة القديمة، فاستطاع أن يعرف ما يدره الخراج من هؤلاء العمال الذين كانوا يوزعون على كل ممول بيانًا بما هو مربوط عليه بإلزامهم أن يسلموا السجلات التي كانت تحت أيديهم، ومع ذلك لم تُفِدْه هذه الطريق الفائدة التي كان يرتجيها، فأمر بعمل روك عام للقطر في المديريات والمدن والقرى ومسحت كل دائرة منها بالفدان، ولكن يجب الاعتراف بأن أعمال هذه المساحة لم تتم على الوجه المطلوب، فقد كان يوجد بكل المديريات تقريبًا ممتلكات وقرى ما زالت مسطحاتها مجهولة للحكومة إلى الآن. ا.ﻫ.

وقال في الصفحة ٣٣١:

يرجع الفضل في وجود الزراعة بمصر إلى فيضان النيل الذي لولاه لما كانت تربتها خصبة، ولأتلفها الرمال وصيرتها صحراء جرداء، ودرجة الفيضان في هذا البلد الذي لا يسقيه الغمام أبدًا هي المقياس الوحيد للأعمال والمحاصيل الزراعية، والقاعدة المتبعة في تحصيل الخراج هي أن الفلاحين لا يُلزَمون بدفعه إلا إذا غمرت المياه الأراضي، ولكن الحكومة كانت تكتفي بفتح الخليج لهم لإثبات ذلك وإلزامهم بالخراج، فنشأ عن هذه الطريقة أن كانت الأراضي لا تُعفَى من الضريبة أبدًا حتى في السنين الرديئة الفيضان، وكان الباب العالي لا يسمح مطلقًا بحدوث أي تخفيض في الأموال الأميرية، وكذلك لم يكن الولاة أكثر منه تساهلًا في مال الكشوفية، وعندما يكون الفيضان ناقصًا أو زائدًا ويكون المحصول تبعًا لذلك ضئيلًا أو رديئًا، يكف الملتزم عن المطالبة ويُؤجل التحصيل، ثم ينشط عادة في العام التالي إلى جبايته مع تحصيل المتأخر في السنة الماضية، وبما أنه لم يكن هناك نظام يُلزِم البكوات أو الملتزمين بإجراء تخفيض في الضرائب عندما يكون المحصول سيئًا، كانت العاطفة البشرية وعسر الفلاح في أغلب الأحيان هما اللذان يقدران المبالغ التي يضعونها عن كاهله. ا.ﻫ.

وقال إستيف بصدد الخراج إنه استمر على ما هو عليه من وقت حكم السلطانين سليم وسليمان، فلم يحدث فيه سوى زيادة طفيفة في عهد حكم السلاطين أحمد ومحمد ومصطفى، بلغ مقدارها ٧٤١٢٨٩٣ ميديًا (١٥٠٠٠ج.م) تقريبًا، وبذلك وصلت قيمة هذا الخراج إلى ٢٧٢٩٦١٩٢ فرنكًا (١٠٥٢٩٥١ج.م) عينًا ونقدًا، وبمقارنة هذا المبلغ بالقيمة التي ذكرها ابن إياس وهي ٩٩٠٠٠٠ج.م نجد في مبلغ إستيف زيادة قدرها ٦٢٩٥١ج.م وهذا مما يؤيد دقة المعلومات التي رواها إستيف، والفرق بين اﻟ ١٥٠٠٠ج.م واﻟ ٦٢٩٥١ج.م يرجح أنه حدث من تقدير ثمن الحبوب، أو سعر الميدي الذي لم تكن قيمته ثابتة على حال واحدة.

وقال إستيف أيضًا: إن طريقة توزيع الخراج كانت في أغلب المديريات غير عادلة، والسبب إما فساد عملية التوزيع أو طروء تلف أو إصلاح على الأرض نفسها؛ لأنك بينما ترى أطيان ناحية خصبة مفروضًا عليها مبلغ يسير، ترى أطيانًا أخرى أقل منها سعة وخصبًا مفروضًا عليها مبلغ كبير، ولكن متى علمنا أن هذا التوزيع حدث منذ ثلاثة قرون بطل عجبنا، وتبيَّنَ لنا أن ظهور هذا الفساد في التوزيع لم يكن سوى أمر طبيعي.

أما المساحة التي أجراها السلطان سليم فليس لدينا لسوء الحظ أي مستند نقف منه على أي نتيجة لها، ولم يُشِرْ التاريخ كذلك إلى مساحة أخرى عُمِلت أثناء هذه الفترة. ومع كلٍّ فإن مهندسي الحملة الفرنسية مسحوا أرض مصر، ومن المرجح كثيرًا أن المساحة المزروعة التي وجدها هي نفس المساحة التي كانت تُزرَع قبل ذلك بسنين قلائل.

ولقد وجد الفرنساويون مساحة الأرض المزروعة ٣٢١٧٦٧١ فدانًا، مسطح كلٍّ منها ٥٩٢٩ مترًا مربعًا، أيْ ٤٥٤٢٢٧٩ فدانًا، مساحة كلٍّ منها ٤٢٠٠ متر مربع، وبناء على ذلك نكون قد حصلنا مع خراج قدره ١٠٥٢٩٥١ج.م على متوسط قدره ٣٣ قرشًا للفدان الذي مساحته ٥٩٥٩ مترًا مربعًا، و٢٣ قرشًا للفدان الذي مساحته ٤٢٠٠ متر مربع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤