فيكتور هوجو١

كان القرن التاسع عشر طفلًا في حَوْلِه الثاني حينما تمخضت الأيام بمولود «بيزانسون»، وهو ابن الكونت «سيجيسبير هوجو» من مشاهير القواد والكتاب الحربيين، ثم طوحت به في كل شرق وغرب كحبة تَذْرُوها الرياح حيث تشاء.

نشأ من دم بريطاني ولوريني؛ فأصبح هذا الصبي واسطة عقد شعراء القرن الماضي، بل إمام شعراء الغرب على الإطلاق.٢
ولما وُلِدَ في عام ١٨٠٢ كان القريض الفرنسي منحطًّا تَغَلَّب عليه الضعف؛ حتى كاد يُودِي به، وقد مضى وقتئذ على قتل «أندريه شينييه André Chenier» الشاعر النابغة ثماني سنين، فلم يبقَ من خيرة الأدباء إلا «شاتوبرييان Chateaubriand»، فإنه أتى بنثر رقيق متين تزينه روح الشعر.
وإذا استثنينا بعض الكتاب مثل: «أندريو Andrieux»، و«كولين دارلوفيل Colin d’Aarleville» اللذين مهرا في الروايات التمثيلية من نوع «الكوميدي»، والشعر البسيط المألوف؛ فإن الباقي من الأدباء لا يصلحون إلا لنظم الروايات المحزنة «التراجيدي»، التي كان يضرب الكل فيها على نغمة واحدة، والملاحم٣ الساذجة والأدوار المنظومة وغيرها مما تجرد جميعها من سحر البيان وغرر الإبداع، فكان نصيبها من القصاص أن طرحت في زوايا النسيان.
وكان من بين الأدباء في هذا العصر من يحسن الوزن، وتأتيه القوافي طوعًا، ولكن نظمه خالٍ من روح القريض ﮐ «ديليل Délille». ويقال: إنه كان يفتخر في أواخر أيامه بأنه نَظَم في الإبل اثنتي عشرة قصيدة، وأربعًا في الكلاب، وثلاثًا في الخيل، وستًّا في النمور، واثنتين في القطط، وواحدة لكل من الشطرنج والنرد والضامة والبليار، وعددًا عظيمًا في الشتاء والصيف والربيع وغروب الشمس والفجر؛ حتى ضل في عددها، ولما ظهر الجزء الأول من ديوان فيكتور هوجو المسمى «أود وبلاد Odes et Ballades»٤ الذي بدأ به وهو في السادسة عشرة من عمره سنة ١٨١٨ سنة ١٨٢٨، كان بردًا قشيبًا للبلاغة بعدما بَلِيَ ثوبها، وبدرًا تما في سماء البيان غاب لظهوره كل نجم، ولم يكد يبلغ العشرين حتى أدهش الناس بحميته وحماسته وقوة خياله وغزارة مادته وطلاوة إنشائه وانتظام وزنه وسلاسة تركيبه.

وقد قويت وعظمت هذه الصفات في الأجزاء التالية من ديوانه، وفيها: «الشرقيات» سنة ١٨٢٩، و«أوراق الخريف» سنة ١٨٣١، و«أناشيد الشفق» سنة ١٨٣٥، و«أصوات الضمير» سنة ١٨٣٧، «والأشعة والظلم» سنة ١٨٤٠.

وكما أنه مَهَّد للشعر سبلًا جديدة، وحل أصفاده٥ التي رسف فيها حينًا من الدهر، فإنه أتى بمعجزات المنثور وعنوان البيان وآية البراعة في كتابه «نوتردام دو باري Notre-Dame de Paris» سنة ١٨٣١، الذي جمع فأوعى من شتات اللغة، فكان له القدح المعلى٦ في دولة النثير كالنظيم.

نظر إلى فن التمثيل، وقد هَوَى إلى الدرك الأسفل من الحطة والعوز، فصال عليه واستطال؛ حتى هَذَّبه ورفع شأنه وبعثه بعثًا جديدًا.

ومن مشاهير رواياته التمثيلية التي سارت بذكرها الركبان، وسحبت على غيرها ذيل النسيان، ولم تفارق للآن أعظم المراسح ما وضعها شعرًا مثل: «إيرناني»، و«ماريون دولورم» سنة ١٨٣٠، و«الملك في لهوه» سنة ١٨٣٢، و«روي بلاس» سنة ١٨٣٨، و«ليبورجراف» سنة ١٨٤٣ وغيرها، وما كتبه نثرًا مثل «لوكريس بورجيا» و«ماري تودور» سنة ١٨٣٣، و«أنجيلو» سنة ١٨٣٥ وغيرها، وقد كتبها بنظم محكم السبك ونثر متين الحبك.

وقد انْتُخِب في المجمع العلمي الفرنسي سنة ١٨٤١، ومُنِحَ رتبة «بيردو فرانس» سنة ١٨٤٥، ثم خاض غمار السياسة إلى أن صار رئيسًا لحزب الشمال الديمقراطي وخطيبه الأعظم، ثم حارب ضد لويس بونابرت، فحملته يد الاستبداد سنة ١٨٥١ إلى بروكسيل، حيث نفته هناك، ثم انتقل إلى جيرسيي، ومنها إلى جيرنزيي — وهما جزيرتان إنكليزيتان في بحر المانش — ولبث في منفاه ثماني عشرة سنة، ولم يرجع إلى وطنه إلا في سنة ١٨٧٠، حيث برَّ بقسمه بأن لا يطأ أرضه ما قامت لعرش الملك قائمة.

ولقد أسعده النفي بنفحات مدهشات البيان، فراق له جو الخيال، وأوحت إليه الموجودة ببدائع البدائه وأحاسن المحاسن؛ فزَفَّ إلى القراء من بنات أفكار النظم والنثر ما خلب العقول وسحر الألباب، فنظم كتابه الذي وَسَمَه ﺑ «نابليون الصغير»، وكتاب «العقوبات» سنة ١٨٥٣؛ فكان كأفعى تنفث سمًّا زعافًا فاغرة فاها نحو نابليون الثالث، ولم يجرِ يراع كاتب في الحقد والضغن بمثل ما أتى به قلمه في هذا الكتاب، ثم وضع كتاب «المشاهدات» سنة ١٨٥٦، و«سير القرون» سنة ١٨٥٩، وهو من أبلغ ما خطَّه بَنَان الشاعر. حشر فيها سير القرون الخوالي من أغلب الأمم؛ مما يدل على سعة اطلاعه في التاريخ، وأظهر فيها رقي الأمم من طور إلى طور، وتدرجهم في الكمال، ثم كتاب «البؤساء» سنة ١٨٦٢، وهو نثر وخير ما كتب في درس الإنسانية والحياة الاجتماعية، مما تذوب له القلوب حنانًا ورحمة وتذرف لهول بؤسه العيون الجامدة دمًا، وما لم يستطع كاتب أن يأتي بمثاله أو ينسج على منواله، و«عملة البحر» سنة ١٨٦٦، و«الرجل الضاحك» سنة ١٨٦٩، و«ثلاث وتسعون» وغيرها.

ولما آبَ إلى وطنه بعد سقوط المملكة وضع كتاب «العام الأسود» سنة ١٨٧٢، ثم الحلقة الثانية من «سير القرون» سنة ١٨٧٧، والحلقة الثالثة منها في سنة ١٨٨٣، و«تاريخ جناية»، وقد ذكر فيه حوادث الهيئة الاستبدادية وغيرها من كتب: تاريخية، وفلسفية، وقصصية، ورسائل، وأفكار، وخواطر. وصار من رؤساء الحزب الجمهوري، وكان يطربهم بخطبه الشائقة في العدل والإنسانية والتقدم الأدبي والاجتماعي إلى أن توفي بباريس سنة ١٨٨٥، وهو في الثالثة والثمانين من عمره، ومشى في جنازته ألوف مؤلفة؛ مما دل على عظم مكانته في قلوب قومه وتمجيدهم له.

نابليون الثاني Napoléon II٧

سنة ١٨١١: عام وما أدراك ما العام؟! ماجت فيه أمم لا يدركها الحصر، وقد أضجرهم الانتظار وفني منهم الصبر. يظلهم غمام مكفهر. مبتهلين إلى الله أن يستجيب دعوتهم وينيلهم أمنيتهم.

وكانوا يشعرون أن هذا المُلْك الواسع الأكناف المترامي الأطراف، يمتد تحت أرجلهم رعبًا، ويرتعد خشية ورهبًا، محدقين بأبصارهم إلى قصر اللوفر، وقد زمجر فوقه الرعد حتى كاد يدكه كطور سيناء، مطرقين كجواد بصر بصاحبه يقول بعضهم لبعض: ستتمخض الأيام بمولود ذي شأن ينتظره هذا الملك العظيم ليليه ويأخذ بزمامه.

ليت شعري! ما الذي أعده الجد لهذا الرجل الذي يفوق قيصر ورومية؟ ومن سيضيف حظوظ البشر إلى حظه فيسعدون بسعده ويشقون بشقائه؟!

وبينما هم يتحدثون إذ انقشع الغيم المربدُّ،٨ وأشرقت السماء رافلة في حلَّتها اللازوردية. يتلألأ في كبدها بدر هذا المولود الذي اختاره القادر؛ ليقبض على صولجان هذا الملك الفخم، فما كان لهذا الشعب الصاخب٩ إلا أن صمت واستكان لظهور هذا المولود في عالم الوجود.
نُفِخَت ريح هذا الرضيع في قبة دار العجزة،١٠ فخفقت فيها الأعلام المسجونة، واهتزت كالسنابل حركتها الرياح، وكان صياحه الرخيم هو الذي أطلق من المدافع المتربعة ببابه أصواتها المزعجة.
نفخت الكبرياء بعرنين والده الأشم،١١ وكان مطبقًا بذراعيه على صدره ثم فتحهما، تحوط يده ابنه الذي تنبعث من عينيه أنوار أضاءت ما حوله، وارتد عنها كل طرف كليلًا.

•••

ولما عَرَضَ الأب وارث عرشه على رءوس الأشهاد من أمم تابعة وملوك خاضعة، هاجت به شجونه١٢ ونظر شزرًا وازدراءً لمن حوله من الملوك؛ إذ لم ير غير ابنه كفؤًا لهذه المملكة الشاسعة، كنسر حط من عل١٣ فوق قلة١٤ صائحًا مستبشرًا بصوت ملؤه الكبرياء والعظمة: المستقبل لي وحدي وطوع بناني! كلا ثم كلا، فالمستقبل ليس لأحد بل لله الواحد القهار، ولا تمر ساعة إلا وتودعنا الكائنات. المستقبل سر مكنون، والأرض وما عليها من مجد وسعادة وقوة وتيجان ونصر متنازع لطمع أشعبي حقيق، وهذه المنح كلها عواريُّ١٥ كطير حط على دورنا فما هو إلا لمحة ويطير.

مهما بلغ المرء من الحول والقوة، ومهما ضحك وقهقه، أو بكى وأعول لا يستطيع أن يطلع على الضمائر والسرائر، ولا أن يقضي على أحد قبل أجله وساعته.

•••

أيها الخيال الأخرس والطيف الملثم! يا من هو أتبع لنا من ظلنا! يا من يدعونك الغد.

إنما الغد حارت فيه الأفهام، وضلت في مفاوزه الظنون والأحلام. يبذر الإنسان السبب، فينضجه القادر غدًا؛ فيستحيل من عالم الذر إلى عالم الظهور والقوة. غدًا برق محتجب، ونجم مستتر في السحب، وخائن يزيح اللثام، ومنجنيق يدك الحصون والمعاقل، وكوكب ينتقل من منطقته وباريس تتبع بابل. غدًا تنُّوب١٦ العرش واليوم مخمله، غدًا جواد يخوض المعامع مرغيًا مزبدًا. غدًا — أيها الفاتح — تلتهب موسكو في الليل الحالك كالمصباح في يد المدلج. غدًا تغطي جثث حرسك القديم السهول والبطاح. غدًا واترلو. غدًا القديسة هيلانة. غدًا الرمس!

إنك لتستطيع أن تطأ المدن بسنابك خيل فرسانك، وتحل مشكلات الحروب بصمصامك، وتسد نهر التاميز والنصر حليفك بحولك وقوتك، وتحطم الأبواب المغلقة بسطوتك وقدرتك، ثملًا بنشوة الظفر، يرنح عطفيك صوت نفيرك، ساحبًا ذيل النسيان على كل صيت طائر.

أمد الله في أيامك! إنك لقادر أن لا تترك من الأرض ذراعًا، وأن تنزع أوروبا من شارلمان، وآسيا من آل سام، ولكن هيهات أن يخضع لك الغد إلى الأبد.

•••

يا للنائبات الواعظات! لما أخذ شبل هذا الأسد تاج رومية بدل اللعب حتى ذاع شأنه، ولما أظهره أبوه للملأ وجبينه الملوكي يهتز، دهشوا لعظمة هذا الصغير وهيبته.

وقد ظفر والده لأجله بوقائع عديدة وفتوحات عظيمة، فجلس بجانب سرير طفله مبتسمًا بادي البِشْر، وقد كان كبانٍ يعرف كيف يؤسس بناءه؛ إذ أجهز على الدنيا بضربة معول فأقبلت خاضعة طائعة حسب أمانيه.

ولما أتمَّ الوالد ما أعده ليمهر الطفل الحقير بالعظمة الدائمة. هيأ له قصرًا وطيد الأساس متين الدعائم؛ ليحفظ حياة ابنه من العوادي والغوائل.

ولما ظمئ النسر وجد أمام فرنسا كأسا مفعمة١٧ بخندريس١٨ الأمل، وقبل أن يدني هذا السم المموه من شفتيه ويذوقه انقض فارس من القوزاق على الطفل انقضاض العقاب على الظبي، وأردفه خلفه على الجواد، وفر كالسهم قذفته القوس.
وفي ذات ليلة كان المضرحي١٩ صافًّا٢٠ في القبة الزرقاء إذ اكتنفته ريح صرصر عاتية كسرت جناحيه، فهوى إلى الغبراء هُوِيَّ الصواعق، وانقضت عليه الذئاب الضارية عند وكنه تتقاسمه وتنهشه بأنياب حداد، فكان من نصيب إنكلترا القشعم٢١ والنمسا الهيثم.٢٢

لم يغب عنك ما فعل بهذا العظيم الهائل، فقد زج به في أعماق السجون ست سنين وراء أفريقية والبحار.

النفي ممقوت كافر! كان هذا البطل العظيم متربعًا في قفصه، منحنيًا تلعب أسنانه بركبتيه، ولو كان قلب هذا الطريد خلوًا لكان أنعم بالًا، ولكن قلوب الآباء لهي قلوب الآساد؛ إذ كان ابنه آخذًا بشغاف قلبه، ولم تُبْقِ له الدنيا إلا ذخيرتين في عرينه: صورة ابنه وخريطة الدنيا، وبعبارة أخرى مرمى فكره ولبه وجميع قلبه.

وفي المساء كان يسرح الطرف في مخدعه؛ إذ كانت تدور في رأسه الصلعاء أعماله وفتوحاته الماضية، وكان السجانون والديادبة له بالمرصاد ليل نهار ليقرءوا ما يرتسم على جبهته من الفكر والآمال.

ما كان يفكر ساعتئذٍ في ملحمة كتبها بظبة حسامه؛ إذ يصف أركول وأوسترلنز ومونميراي.٢٣ لا ولا الأهرام وباشا القاهرة وصافناته الجياد التي عضضن صدور خيله. لا ولا الجلل والمدافع التي لبثت تحت قدميه عشرين سنة وأذكت الوغى بقتامها وسحبها السود، ولما هبت ريحها على هذا اليم الهائج كانت الأعلام الخافقة مائلة في الملحمة الشعواء.
لا ولا مجريط٢٤ أو قصر الكرملين٢٥ أو الفنار، لا ولا موسيقاه تعزف في الصباح لإيقاظ الجند. لا ولا جنوده المعسكرة في السهول من خيل ورجل بملابسهم الحمراء كزهور أرجوانية نابتة في حقل من الحنطة.

بل كان شغله الشاغل عسجد شعر طفله الجميل، وورد خدوده وهو نائم مطمئن بفم يكاد ينطبق وهو كالشرق في بهائه وحسنه، وقد انحنت عليه مرضعة متهللة تلقمه ثديها ضاحكة.

رزح الوالد تحت أثقال همومه وشجونه، وقد تيمهُ حب ابنه، فأسند بمرفقيه إلى كرسيه، وهاجت بقلبه تأوهات مستعرة؛ فتفجر الدمع من آماقه واسترسل على خدوده.

بوركت٢٦ من طفل مسكين أثلجت شعوب رأسه، وإنك وحدك القادر على تسلية أبيه وعزائه لملك ضاع وأفلت من بين يديه.

•••

أناخ الدهر بكلكله على النسر وفرخه فألحقهما بخبر كان، فيا له من زمان قاس ابتدأ بقهار الجبابرة، وغلاب القياصرة! ثم ختمه بعظام رفات نخرة، وقد كفت عشر سنين لنسج أكفان الأسد وشبله.

احتوى اللحد مجدًا وصبًا وكبرياء، والمرء يود لو يترك له الموت خلفًا، ولكنه لا يسمع له نداءً، وكل عنصر يرجع لأصله: فالهواء يأخذ الدخان، والأرض الرماد، والنسيان الاسم.

•••

يا للهياج والاضطراب الذي أجهله، وأنا أحقر الملاحين إذ لا أدرك كنه ما يعمله القادر في الغياهب تحت اللجج٢٧ الهائجة الحاقدة عليك الهازئة بك. وأسرار الخالق غامضة يضل فيها النهى. ليت شعري أهذه الأمواج الثائرة، وأصوات هذه الحفر المرة المزمجرة، وهذا التيار الدوار بمخالبه الهائلة، والبرق ولألاؤه، والرعد وقصفه ودويه، أليست اللهم صالحة لدرر البحار؟!

وهذه الأنواء والعواصف المخوفة لترتعد أمامها الخلائق من أمير وحقير. يا لليم من أعمى أصم أضل من شعب ثائر هائج، وماذا ينفعك نشيدك يا شاعري وأغانيك التي يمليها عليك الخيال ويرددها الصدى في هذه اللجج الحائرة المضطربة، وقد صمت آذانها؛ فلا تسمع لك نداءً ولا غناءً، ويذهب صوتك صرخة في وادٍ.

وأنت أيها الطير المسكين الذي تتقاسم ريشك الرياح، وأنت تغني فوق زبد ذلك الجبار العتيد على سارية جارية٢٨ ضلت سبيل النجاة! ليل طويل. وعذاب مستمر، وسماء مكفهرة لا يُرى بها ركن رائق، وقد اختلطت الأشياء بالناس اختلاط الحابل بالنابل،٢٩ وهووا في مهاوي الفناء، وابتلعهم الخضم الغشمشم فكانوا من المغرقين.

كل من عليها من ملوك وأمراء ونابليون العظيم والصغير طوتهم الأرض في جوفها طي السجل للكتب، ومحتهم كما تمحو اللجة اللجة، وكُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.

الغريق Le Naufragé

واأسفا للمرء المسكين تلعب به الكائنات والعوالم لعب الشمأل بالشجر، ثم تفترسه كالسنور يلاعب الفأرة ريثما تنبه منه شهوة الطعام، ثم يمزقها كل ممزق بأنياب حداد وأظافر كالأسنة. تصعقه الزرقاء٣٠ وتبتلعه الغبراء٣١ ضعيف تعس منكود، وُلِدَ محاطًا بنحس يثقل كاهله، ويُحني عاتقه، يسترشد عقله فيضله ويغره، وإن أبرق له الإلهام ببعض أشعة ضئيلة ليهتدي بها في حنادس ضلاله، أدركها القضاء الغامض فطفق يجالدها وتجالده حتى تنطفئ وتنعدم.
أنعم النظر في البحر، واعطف على رابية من الصفا ناتئة من الماء فوقها كوخ حقير لصائدي الأسماك. عرشه من بقايا السفن التي حطمتها الأمواج الثائرة، يحيط به الماء إحاطة السِّوَار بالمعصم، وتضمه اللجج ضمًّا عنيفًا كالأفعوان٣٢ يلتوي على فريسته ببأس حتى يكاد يهشم منها الأضلاع، تود لو تزعزع الصخر من مكانه لتفترس الصائد.

انكمش هذا البائس الضعيف في كوخه، فاصطلحت عليه الأنواء والأعاصير؛ فلم يستطع أن يبرح مكانه ليكدح لرزقه. عظم واتسع أمامه المحيط لينصب له شراكه. اكفهرت السحب فخاف منها كل نسر قشعم، واسودَّ من الفضاء الإهاب، ثم أومض البرق، وقصف الرعد، وصفرت العواصف، وهاجت الأمواج، وطفقت تحطم في جدار هذا المنكود، وما وراء هذا الفضاء وعظمته والليل وظلمته إلا الحتف المميت.

ماذا تفكر أيها الشقي البائس لتنجو من مطاردة هذه العوالم الحاقدة عليك وأنت عدوها الألد؟ أتتخذ لك نفقًا في الأرض أم سلمًا في السماء؟! أتراك تستطيع الصعود وقد حالت دونه العواصف والأنواء، وأنَّى لك وأنت ترتعد مكانك من هول المنظر؟! وإنِّي لا أخالك إلا مقبورًا ضليلًا طريدًا. ليت شعري كيف تنازل هذه القوى العظيمة التي ما لها من نفاد وأنت أسير حفرتك؟!

حسبك دفاعًا مع العظمة التي أقبرتك في كوخك، وأهاجت عليك السماء وما حوت والأرض وما وعت حتى اغبرَّ وجه الكون عليك أسفًا، وأظلمت الدنيا حدادًا؛ فاخضع أيها الغريق للقضاء واستسلم لهذا اليم الجبار العتيد.

وهذه الشمأل٣٣ العاتية التي أوشكت أن تقوض أركان مأوالك، وهذا الوابل الذي كاد يجرف ذراك.٣٤ وتلك الغياهب التي تهلع لها القلوب تبذل الوسع لمحوك وفنائك، وهذا الليل المقبل بالويل الذي ترتعد منه رعبًا سيُصب فوق رأسك الأعاصير الهوج٣٥ مع الظلمات؛ فاجمع أعضاءك والتصق بالأرض، وطأطئ رأسك لما يهب فوقها من العُلا دون أن تسأل السماء المعتمة عن السبب، ودع الهلاك يسيل فوق أعضائك التي تثلجت من الهول؛ إذ لا قوة لك ولا حول.

إن للرمال لَلِينًا خائنًا كلين النساء Pour le sable comme pour la femme il y’a une finesse perfide

يُشاهَد في بعض المواطن من شواطئ بريطانيا الفرنسية واسكتلندا أن المسافر أو الصائد يأخذ طريقه في مستنقع بعيد عن الشاطئ، لا يكاد يظهر ماؤه على الصعيد٣٦ فيلاحظ بغتة أنه منذ هنيهة يحس بثقل قدميه، وأن العراء٣٧ تحتهما كالفار٣٨ تلتصق به نعلاه، بيد أنه لم يصادف بللًا في طريقه ينذره بما يضمر له من السوء هذا الرمل الناعم الذي يفوق في الفتك خضراء الدمن،٣٩ وكلما خطا خطوة غارت قدمه قليلًا وتركت أثرًا لا يلبث أن يمتلئ ماءً.

نبع هذا الماء لينذره بسوء المنقلب، ولكن أسبل القضاء على عينيه سترًا فلم يبصره. أمامه الشاطئ الرحب سهل ساكن لا يفرق بين صلبه ورخوه، فأخذ يواصل سيره ليبلغ الشاطئ، كاد يعتريه القلق، ولأي أمر يقلق؟ غاية ما هنالك أنه أخذ يشعر أن قدميه تزدادان ثقلا كلما خطا خطوة، وعلى حين غفلة يجدهما غائرتين في الرمل أصبعين أو ثلاثة.

أوشك أن يشعر الآن بضلاله؛ فألقى عصا الترحال ليبحث عن الطريق الأمين، ثم نظر فجأة إلى قدميه فوجدهما غائصتين في الرمل. نزعهما راجعًا القهقرى، ولكنهما غابتا ثانية إلى الكعبين. تخلص وارتمى يسرة فأخذه الرمل إلى نصف ساقه. انتشلهما وانطرح يمنة، فغاص إلى ركبتيه. تحقق الآن من ضلاله فسقط في يده، وكاد يقطع سبابته من شدة الندم. عرف أن قد غره السراب، وتقطعت به الأسباب، فوقع في حبالة هذا الوسط الهائل الذي لا تثبت عليه الأقدام، بل لا تستطيع أن تسبح فيه الأسماك.

يحار الكاتب في تسميته، ليس ببر ولا ببحر، أخذ يفكر في سبيل للنجاة، فرأى أن يطرح حقيبته كالسفين، أخذها الموج من كل مكان، فقذف الركب عرض البحر ما تحمله من كل مرتخص وغال لينجوا بأنفسهم. جعل يعالج النجاة وقد أعيته الحيل، فابتلعه الرمل إلى ركبتيه. طفق يصيح مستغيثًا مشيرًا بمنديله، ولكن الرمل مستمر في اختطافه. فإن كان الشاطئ مقفرًا، والديار بعيدة، وعدم النصير؛ فقد حم القضاء، وذهب صرخة في وادٍ فريسة لهذا القبر السحيق، مستمرًّا في هويه البطيء في جوف الأرض، التي لم تمهله وابتلعته واقفًا حرًّا في عنفوان صبوته وشرخ شبابه، كلما عالج وقاوم واشتد في صياحه وصراخه أسرعت الأرض في ابتلاعه.

بخل الثرى بالتعجيل بالتقامه ليترك له من الوقت ما يكفيه لوداع هذا العالم ليزداد حسرة على حسرة ومصابًا فوق مصاب. أخذ يسرح الطرف، فرأى أمامه الأفق والأشجار والرياض الزاهرة ودخان القرى يتصاعد كالسحب وشُرُع السفن الماخرة في عباب البحر والطير الصادح والشمس المشرقة والسماء اللازوردية.

•••

وهذه الرمال لهي القبر خرج من بطن الثرى على شكل مستنقع خفي ليختطف الأحياء الأصحاء.

يحاول هذا التعس الوقوف والقعود والاستلقاء بغير طائل. بل كل حركة يفعلها تزيد في غرسه، فيزأر كالأسود وينهب الأرض بذراعيه من اليأس، حتى إذا التقمه الرمل إلى صدره رفع ذراعيه وزاد زئيره. ينشب أظافره في الرمل، ويتكئ على مرفقيه لينسل من هذه الهاوية، ولا يزال الرمل حتى يصل إلى كتفيه ثم إلى عنقه، فلا يرى منه إلا الرأس، لم يبقَ منه إلا فم يصيح ويستغيث، ولكن حنق عليه الرمل فألجمه وسده؛ فلا تسمع له همسًا ولا لمسًا. بقيت عيناه تتوسلان بذرف العبرات، ولكن سئم منهما الرمل فأقفلهما، وصار يتخبط في ليل أَليَل، بقي منه شعر يلعب به الهواء، ثم خرجت من الرمل يده، واختلج بعض خلجات فاضت بعدها روحه فكان من الهالكين، وإن هي إلا هنيهة التأم فيها الرمل، وعاد كما كان سويًّا، وطوت الأرض في جوفها بائسًا كأنه لم يكُ شيئًا.

طرفة من الموسيقي Un Peu de Musique

أرعني سمعك، وانظر هذا الغاب، وأصخ٤٠ لتغريد الطيور في أوكارها المحجوبة عن الأبصار، وهذه الجلبة تقترب منا، من ضحك، وأصوات، ووقع أقدام منبعثة من أعماق هذه الأدغال السحيقة، وقد رمى البدر لألاءه الفضيَّ على سوادها، وفيها يُسمع رخيم نغمات مزاهر جبال «انسبروك»، التي تمتاز بجلجل مقبضها التي ترن فيه حبة من الرمل، فيختلط هناك صوت الإنسان بهذه النغمات مما يحدث أشبه بلحن مبهم.

هيا إن أردتِ أن نتيه في عالم الأحلام، فنركب جوادين من حسان الخيل المطهمة، وإنك لتجذبين إليك قلبي إذ أريد أن أنتشلك من بين أسرتك.

نحن سائران يطربنا شجي شدو العنادل٤١ في هذا الغاب إذ أنا سيدك وفريستك، فلنسافر فقد اقترب النهار من الرحيل، وسيكون جوادي الفرح وجوادك الحب، وسيسيران جنبًا لجنب ورأسًا لرأس، وسنطعمهما في رحلتنا هذه الشائقة قُبَلًا بدل الشعير، وإنهما يترافسان إذ يضرب فرسي برجله في أحلامي، ومهرك يرفس في كبد السماء، ونحن في سفرتنا هذه في حاجة لرحل يتركب من دعواتنا وسعادتنا وبؤسنا والزهرة التي في شعرك الجميل.
خيًّم الظلام واسودت أشجار البلوط، وقد ضحك منا الشحرور ساخرًا من وسواس٤٢ السلاسل التي ربطت بها قلبي، وليس الذنب ذنبي إن لم تهمس إلينا الأدغال٤٣ والأطواد، ونحن سائران متكاتفين قائلة: فلنحب.
كوني لينة حنونة. فما أبهج الغاب المبلل وقد نجيت٤٤ أغصانه على أجمل شكل!
أرى الفراش يتبع أنفاسك الشذية، وطيور الليل الحواسد يفتحن عيونها المستديرة وقد أكمدها الحزن والحور،٤٥ وقد أملن آنيتهن مبتسمات في المغاور متسائلات: «هل أصبنا في عقولنا؟» فهذان «لياندر٤٦ وهيرو» إذ انسكب ما حملناه من الماء، ونحن منصتات لحديثهما الشجي.

فلنعرج على النمسا، ونستقبل سنا القمر بجباهنا، وسأكون عظيمًا وأنت غنية، حيث ربطنا الحب بعُرًى متينة لا انفصام لها، ولنسر على الأرض بمهرينا الجميلين، ثم نطير في الفضاء بل في الأسرار بل في الذهل، ثم نعوج بالخان وننقد صاحبه أجره من ابتسامك، وناهيك بابتسام العذارى ومن سلامي، وحبذا سلام التلميذ، وستكونين سيدة وأكون «كونت»، وسيفتح قلبي لما ستقصينه من الحديث، كما تتفتح الزهرة من كمها ونحن نسامر نجوم الليل المتألقة.

النغم شجي يتردد صداه تحت الخمائل٤٧ التي ازرقت من لألاء القمر، ثم يضعف اللحن فينعدم النغم ويخمد صوت الصادح، كطير حطَّ وسكن صامتًا.

أما وقد وضع شفتي Puisque J’ai mis ma lévre

أما وقد وضعت شفتي على كأسك الدهاق٤٨ وأسندت بجبهتي الشاحبة بين يديك؛ فاستنشقت عرف زفير روحك الشذي الذي غيب في بطون الغياهب.

وحيث أسعدني الجد بأن تصيخي إلى الكلمات، التي بها تنكشف أسرار القلب الغامضة، ورأيت ثغرك يضحك فوق ثغري، وعينك تبكي فوق عيني، وشاهدت شعاعًا يلمع فوق رأسي من كوكبك الدري الذي احتجب، وبصُرت بورقة من الورد نُزِعَت من أيامك وسقطت في لجج حياتي؛ فالآن أستطيع أقول للأعوام التي تكر: مري وسيري فلست أخاف الشيخوخة، واذهبي بأزهارك الذابلة فإن لي في الروح زهرة ناضرة يعجز الكل عن اقتطافها، وإن اصطدم جناحك بكأسي التي أرتوي منها فلا يُسيل منها شيئًا وإن ملأتها حتى طفحت، وإن روحي لكثيرة النار وأنت خلو من الرماد، وبقلبي من الحب أكثر مما عندك من النسيان.

١  Victor Hugo.
٢  كتبت مجلة Je sais tout، في عددها الصادر في ١٥ أكتوبر سنة ١٩٠٨: إنَّ اثنين من محرريها كتبا إلى المشاهير من النوابغ في العلوم والفنون الجميلة في جميع أقطار أوروبا يسألون كلًّا منهم رأيه عن الإمام في: الشعر، والموسيقى، والتصوير، وفن وضع الروايات والعلوم؛ فانتخب بأغلبية الأصوات فيكتور هوجو في الشعر، وبيتهوفن في الموسيقى، وبلزاك في فن الروايات، وباكون في العلوم.
٣  الملاحم جمع ملحمة، وهي في اللغة الوقعة العظيمة التي يلتحم فيها الجيشان، واصطلح عليها المتأخرون كابن خلدون، وأطلقوها على المنظومات التي تمثل أحوال أمة أو قوم، وتفصل تاريخهم ووقائعهم الحربية.
٤  بحران من الشعر الفرنسي ففضَّلنا وضعهما بلفظهما.
٥  جمع صفد، وهو القيد.
٦  السهم السابع في الميسر وهو أفضلها، وإذا فاز حاز سبعة أنصباء من الجزور.
٧  هذه القطعة ترجمها المرحوم الفاضل نجيب أفندي حداد بعنوان «المستقبل لله»، ولكنَّها مُخالفة كلَّ المخالفة لهذه الترجمة، وإني أتوسل إلى القارئ أن لا يتسرع بتوجيه اللائمة إليَّ قبل أن يُراجع الأصل الفرنسي.
٨  المتكاثف.
٩  من الصخب؛ أي اللغط والجلبة.
١٠  دار عظيمة من الآثار المشهورة بباريس، وبها بقايا نابليون الأول.
١١  أي الأنف المرتفع بحسن؛ كناية عن الأنَفَة وعزة النفس.
١٢  الهموم والأحزان.
١٣  أعلى.
١٤  قمة الجبل.
١٥  جمع عارية، وهو الشيء المستعار.
١٦  نوع من الشجر؛ يريد تحول عرشه بعد العبث به إلى خشب عارٍ مما كان يُزينه من القطيفة.
١٧  اسم من أسماء الخمر.
١٨  مملوءة لحافتها.
١٩  النسر العظيم.
٢٠  من صف الطائر إذا بسط جناحيه في الهواء، وسكنهما فلم يُحركهما كما تفعل الحدأ والرخم.
٢١  النسر القوي.
٢٢  فرخ النسر.
٢٣  الوقائع الحربية التي انتصر فيها نابليون.
٢٤  الاسم العربي لعاصمة إسبانيا المعروفة بمدريد.
٢٥  كان هذا القصر مقرًّا للقياصرة بموسكو.
٢٦  انتقال في الكلام، والمتكلم الآن هو: فيكتور هوجو.
٢٧  جمع لُجَّة، وهي الأمواج.
٢٨  سفينة.
٢٩  مأخوذ من المثل العربي: «التبس الحابل بالنابل.» أي سدى الثوب باللحمة، وأما الواردة في المثل الآخر: «ثار حابلهم ونابلهم.» فمعناه الصائد بالحبالة؛ أي الشبكة والرامي، ويُضرب الأخير للقوم إذا تقلَّبت أحوالهم، وثار بعضهم على بعض.
٣٠  السماء.
٣١  الأرض.
٣٢  ذكر الأفاعي.
٣٣  ريح الشمال.
٣٤  بمعنى البيت.
٣٥  جمع أهوج ويُقال: إعصار أهوج، وريح هوجاء، وهي التي لا تستوي في هبوبها، وتقتلع البيوت.
٣٦  وجه الأرض.
٣٧  المكان المُتَّسع الذي لا سُترة به.
٣٨  الزفت.
٣٩  مأخوذ من الحديث الذي ذهب مثلًا: إيَّاكُم وخضراء الدمن، أراد بها «المرأة الحسناء في المنبت السوء.» والدمن جمع دمنة، وهو ما تُدمنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها؛ فينزل عليه المطر كلأً قويًّا نضرًا؛ لأنَّه امتص هذه الأسمدة فتأكله الأنعام؛ فيضرها ويمرضها.
٤٠  من أصاخ: استمع وأنصت لصوت.
٤١  جمع عندليب، وهو البلبل.
٤٢  صوت الحلي أو ما شاكلها.
٤٣  الغابات.
٤٤  من نجوت الشجرة؛ أي شذبتها وقلمتها.
٤٥  اخترنا لفظة الحور في ترجمة Nymphes، واعتاد أغلب الكتاب على ترجمتها بالعذارى، فلا يُفرِّق القارئ بينها وبين الآدميات، وهي في خُرافات اليونان آلهة إناث جميلات كنَّ يعشن في الغابات، والمغاور، وحول الماء.
٤٦  من خرافات اليونان أنَّ شابًّا من أبيدوس أحبته هيرو كاهنة الزهرة إلهة الجمال، وغرق في أيلليسبون، وصار يُضرب بهما المثل في الحب.
٤٧  ما تكاثف والتفت أغصانه من الأشجار.
٤٨  الطافحة بما فيها من الشراب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤