الفصل الرابع

علم الأحياء

لعلم الأحياء عند اليونان تاريخ طويل حتى لقد اضطر المؤرخون إلى الفصل بين تاريخ علم الأحياء قبل أرسطوطاليس، وعلم الأحياء بعده، وإذا حققنا النظر فيما عرف العرب من هذا العلم، رأينا أنهم قد اتصلوا بما عرف اليونان من بدايات هذا العلم في العهدين، مما يدل دلالة صادقة على أنهم اشتغلوا به اشتغال العلماء، لا اشتغال النقلة والمترجمين.

ولقد ذاع عند العرب مذهب اتصال العوالم على النحو الذي ذاع به عند اليونان فقالوا: إن آخر مرتبة الجواهر المعدنية متصلة بأول مرتبة الجواهر النباتية، وإن أول مرتبة النبات متصلة بآخر مرتبة الجواهر المعدنية، وإن آخرها متصل بأول مرتبة الحيوان، وإن آخر مرتبة الحيوان متصل بأول مرتبة الإنسان.

وكان لهذا المذهب أثر كبير في تطور الفكر واتجاهه نحو فكرة النشوء، ودليلنا على هذا قولهم: إن الحيوانات كلها متقدمة الوجود على الإنسان بالزمان، فكان من ذلك بداية حسنة للتفكير في تتابع نشوء الأحياء على مدى العصور الأرضية.

وقد يطول بنا البحث إذا نحن عمدنا إلى تتبع جميع المبادئ العلمية التي نقلها العرب عن اليونان في هذا العلم، وإنما نكتفي هنا بنقل أهم الحقائق العلمية التي نقلها العرب عن اليونان في علم الأحياء، وعليها قام البحث عندهم:
  • (١)

    إن النباتات لا يخرج شيء منها عن صورة جنسه أو يتجاوز عن أشكال نوعه، وذلك أنه ما رُئِيَتْ قطُّ ورقة زيتون خرجت من شجرة جوز، ولا حبة شعير خرجت من سنبلة حنطة، وكذلك حكم كل الحيوانات وأشكال أنواعها في أشخاصها، وذلك أنه ما رُئِيَ قطُّ أن مهرًا خرج من رحم ناقة، ولا جدي خرج من رحم بقرة، ولا كركي خرج من بيض نعامة، ولا فروج خرج من حمامة.

  • (٢)
    إن لكل نوع من النبات أصلًا، فما أصله كيموس ما،١ ولكيموسه مزاج ما، لا يتكون من ذلك المزاج إلا ذلك الكيموس، ولا يتكون من ذلك الكيموس إلا ذلك النوع من النبات، وإن كان يسقى بماءٍ واحد وينبت في تربة واحدة ويلفحها نسيم هواءٍ واحد، وتنضجها حرارة شمس واحدة، وبهذا تختلف أحوال النبات، وذلك أن رطوبة الماء ولطائف أجزاء التراب إذا حصلت في عروق النبات تغيرت وصارت كيموسًا على مزاجٍ ما، لا يجيء من ذلك الكيموس والمزاج غير ذلك النوع من النبات، وكذلك حكم أوراقه ونوره وثمره وحبه.
  • (٣)

    النباتات هي كل جسم يخرج من الأرض ويتغذى وينمو.

  • (٤)

    إن النبات متقدم الكون والوجود على الحيوان بالزمان؛ لأنه مادة لها كلها وهيولي لصورها وغذاء لأجسادها، وهو كالوالدة للحيوان، وذلك أنه يمتص رطوبات أجزاء الأرض بعروقه إلى أصوله ثم يحيلها إلى ذاته، ويجعل من فضائل تلك المواد ورقًا وثمارًا وحبوبًا نضيجًا، ويتناوله الحيوان غذاءً صافيًا هنئيًا مريئًا.

  • (٥)

    إن حيوان الماء وجوده قبل حيوان البر بزمان؛ لأن الماء قبل التراب والبحر قبل البر في بدء الخلق.

  • (٦)

    إن الحيوانات كلها متقدمة الوجود على الإنسان بالزمان.

  • (٧)

    الحيوان جسم متحرك حساس يتغذى وينمو ويحس ويتحرك حركة مكان.

هذا قليل من كثير مما يستطاع نقله عن مؤلفي العرب، ولكن الظاهر أنهم نقلوا هذه المبادئ فرادى، فإنه لم يصلنا كتاب واحد مما كتب اليونان في هذا العلم منقولًا إلى العربية، ولكن الثابت أن مبادئ هذا العلم قد تسربت إليهم عن اليونان.

١  الكيموس: الخلط: وهي سريانية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤