مقدمة
تحدثنا فيما سبق عن الأحداث الجسام التي وقعت في عهد «بطليموس الثالث» وما قام به من إصلاحات خطيرة في نواحي الحياة المصرية، وبخاصة من الوجهة الدينية، والمباني العظيمة التي أقامها في أنحاء البلاد؛ إرضاء للمصريين، وتنفيذًا للخطة التي رسمها أسلافه من قبل، وهي أن تصبح مصر ضيعة بطلمية في الداخل، ومملكة عظيمة بين الأمم الهيلانستيكية التي كان يتألف منها العالم المتمدين وقتئذٍ.
وتوحي إلينا ظواهر الأمور على أن مصر في عهد «بطليموس الثالث» كانت قد بلغت الذروة من حيث الثروة والجاه والممتلكات، غير أن عوامل الانحدار من القمة نحو الحضيض كانت قد بدأ يدب دبيبها في نواحٍ كثيرة من مرافق الحياة الداخلية، وكذلك بدأت عناصر جديدة تظهر في أفق السياسة المصرية في الخارج كانت تتطلب يدًا حازمة، وعقلًا جبارًا يسير بسفينة البلاد إلى برِّ السلام، ولكن الحظ لم يُسْعِد مصر بذلك الرجل الذي تتجمع فيه هذه الصفات، وتلك المميزات التي كانت في مسيس الحاجة إليها، بل على العكس نجد أن عرش مصر قد اعتلاه بعد «بطليموس الثالث» ابنه «بطليموس الرابع» الذي قاد البلاد إلى الهاوية، وسنرى أنه في نهاية حكمه أخذت مصر تتدهور بسرعة إلى أن وصلت إلى درجة مخزية.

حَكَم «بطليموس» على حسب ما ذكره المؤرخ «سكيت» من ٢١ فبراير عام ٢٢١ إلى ٢٨ نوفمبر عام ٢٠٥ق.م.



والواقع أن «بطليموس الرابع» كان بداية سلسلة من ملوك البطالمة المستبدين الذين كانوا يجمعون بين حب الشهوات من النساء والفتيان والقسوة، والأدب، والحرمان من الحس الخلقي. فكان هؤلاء الملوك بذلك يحملون في نفوسهم رذائل مدنية مزخرفة من الخارج بطلاء براق جذاب للنفوس الوضيعة، ولكن في باطنها العذاب والفساد، والواقع أن الغريزة الجنسية كانت طاغية في هذه الأسرة إلى أبعد حدودها حتى أصبحت مضرب الأمثال، وغاية ما يمكن الإنسان أن يقوله في جانب هؤلاء الملوك — إذ التزامنا جانب الحياد — هو أننا لا نعرفهم إلا معرفة ملؤها السوء والخابئث، كما رواها لنا المؤرخون القدامى.
وفي الحق أن ما لدينا من معلومات عن هذا العاهل باستثناء ما رواه المؤرخ «بوليبيوس» ليست معلومات مستقاة من مصادر أصلية، كما أنها في الوقت نفسه ليست خالية من المبالغات التي تزيد الطين بِلَّه، وأكثر ما نُسِب لهؤلاء الملوك الذين مثَّلهم لنا التاريخ بأبشع صور تنطوي على الخلاعة والمجون والفجور والفسق والانحدار الخلقي الذي وصل إلى أسفل سافلين، ولدينا أكبر دليل على ذلك ما قيل عن كليوبترا من قصص خلاعة ومجون ودعارة، ولكن كل ذلك كان من جانب أعدائها، وعندما وُضِعت في ميزان النقد البريء ظهرت بأنها كانت أعفَّ نساء عصرها، ولكن ما الحيلة وليس لدينا عن هؤلاء الملوك البطالمة إلا ما رواه الجانب المعادي على ما يُظَن؟ ومع ذلك فلدينا وَمضات يمكن من خلالها أن نلمح بعض جوانب الحق، وذلك مما نجده دفينًا في بعض فصول الكتب التي دُوِّنت عن هذا العصر.