كلمات موضحة

في الساعة التي تزداد فيها فظاظة الكفاح في سبيل الدفاع عن استقلال الأناضول وتضغط على العقول بهولها وشدتها مدهشة العالم الغربي بأسره، شرعت أرتب وأدون في هذا الكتيب الرسائل والملاحظات الطفيفة الواصلة من آسيا الصغرى أثناء فصل الربيع الأخير، وطفقت ألتقط من ثناياها بعض معلومات مفصلة أصابت مكانًا من عنايتي واهتمامي.

ويلوح لي أني بإهدائي الجمهور الصور التي لم تنشر حتى الآن لمحرابنا الشرقي المجهول لدى أغلب الناس والمستعصي وصولهم إليه إنما أرفع الستار قليلًا عن الغموض المحدق بتلك المدينة المتنائية الخالدة، وذلك الملاذ المقدس الذي تخفق له قلوب عالم لَجِبٍ مضطرب طافحة بالضيق المستحكمة حلقاته.

وإذ صارت أنقرة العاصمة الوحيدة الممتازة فقد أصبحت — بفضل بطولتها التي لا تعتورها شائبة ما — دَارَ حَجٍّ حديثة الطراز. يؤمها جمهور الأبطال الناسلين من سائر الأمم الإسلامية ليستثيروا نيران حميتهم بالحرارة المنبعثة من هذا المكان المعتد مهبط الرجاء والعزم.

وإذا ما راقني أن أرسم هنا صورة جمالها البديع الآخذ بمجامع الألباب، فإنما أقدم على هذا العمل إرضاءً لتلك القلوب التي لا تحصى والتي تأبى في صدورها وتختلج بين جوانحها لأجل تلك العاصمة.

نعم لأجل تلك القلوب التي وإن لم تتمتع بمرآها فقد تغلغلت فيها قوتها الساحرة، وجعلتها مستعدة لتلبية ندائها المحترم المطاع.

وإني لراجية خيرًا من حبها المتلهب على بعد المزار؛ لأن اتساع نطاق شعورها اليوم سينتج — كما أنا واثقة من ذلك — فجر الغد المشرق، وعلى الرغم من حرج هذه الآونة ومرارة ما نذوقه فيها من العناء، فإننا نترقب هذا الفجر الوضاح بعزيمة صادقة لا تتزعزع أركانها.

كارتينا في يوليو ١٩٢١
قدرية حسين

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤