البداية

فلوباندو تعلِّمه لغة اﻟ «لالا» كلغة وسيطة بينه وبين التلاميذ. كان رديئًا في استيعابه.

لا رغبة لي في أن أعرف كلمة واحدة من هذه اللغة البائدة، التي لا يتحدثها في العالم كله أكثر من مليون مواطن فقط، في عالم يقدر عدد مواطنيه بالمليارات. بينما الناس خارج الدغل يتسابقون لتعلم آخر لغة كمبيوتر تم استخدامها، أتعلم أنا: إييلي بني، أمبوروو، دخو، دوخو، بوغو، مرّسي … إلى آخر لغة أول من تحدث بها الشيطان!

أنت.

نعم.

لا.

أنت.

لا …

أنت.

ذو الرأس المستطيل كالبطيخة، قل: كيو.

يوكو.

حمار! يا كلب السُّمع، يا بليد، قل: كيو، وليس يوكو.

يوكو.

اجلس يا حمار الوحش!

كان يخاطبهم باللغة العربية واللغة الإنجليزية، برطانته القبلية الخاصة، بما تعلمه من لغة اﻟ «لالا» البغيضة إلى نفسه، بلغة العصا/اللسان.

صبرًا يا كواكيرو صبرًا، أتريدهم عصريين بشروطك الخاصة، متصلين بجذورهم وثقافاتهم، باقين بدغلهم، وهم يتعاملون بالإنترنت والإنترنت وندوز ٢٠٠٠، يصنعون الطائرات والسيارات، يداوون السرطان والجمرة الخبيثة، ينتقدون ما بعد العولمة وسياسة الاحتواء، يتحدثون عن الخطاب الروائي الحديث وتي إس إليوت، وأنا، هذا السلطان تيه، الطريق إلى ذلك، أعلمهم ما لا أعلم أنا نفسي؟ حسنًا، استخدمت ضدي سلاحين: المرأة والحراب. وأبقيتني لتحقيق حلم الأطفال، حلم ساذَج، حلم عجز عن تحقيقه أبناء القبيلة أنفسهم، حطمتني، حسنًا.

أما أنا فسأقتلع أطفالك من جذورهم البائدة التي تحاول أنت إبقاءهم بها، حسنًا، سأجعلهم مسلمين، وذلك من أجل شيئين: لأكتسب فيهم أجرًا يدخلني الجنة، لأقتلك بالغيظ كمدًا.

•••

في اللحظة ذاتها التي حدَّد فيها سلطان تيه هدفًا واضحًا أنْ نصب نفسه رسولًا استثنائيًّا لإدخال تلاميذ «بيت التعليم» الإسلام، بدأ يعمل بجدية وبروح جديدة مشرقة، أخذ يعامل الطلاب بخلق صوفي نبيل: لا يشتمهم، ولا يضربهم، ولا يلسنهم، وعندما بدأ يعشق عمله وسنيلا فقط بدأت رياح التغيير تهب؛ حضر «بابو» الغريب، «بابو» ابن نادية ابنة الكواكيرو الكبرى، حضر ذات عصر ممطر يقود وحده عربة جيب ٩٩ ذات لون أحمر ساحر، أوقف العربة تحت شجرة جوغان ضخمة وأخذ يستعمل المنبِّه بصورة شاذة جعلت القرية كلها تُهْرَع إليه، عندها نزل الأرض، يرتدي بدلة إسموكن بيجية، وربطة عنق بها ألوان كثيرة هادئة، وجهه ناعم، به رقة أنثوية تعلن عن نفسها، ذو أصابع لينة دافئة، كما لاحظ أهله ذلك من الدغليين ذوي الأكفِّ الخشنة المتشققة، صافح كل القادمين، واحدًا واحدًا واحدًا، يدًا بيد.

عرف أسماء بعضهم، خاصة أصدقاءه من المحاربين، عرف الأسماء الأسرية للبعض الآخر وشبه البعض، بكى الناس فرحة بعودة الابن، وبكوا أيضًا عندما سأل عن أمه.

إنها ذهبت لتلبية نداء الأسلاف …

أخذه جده الكواكيرو إلى المنزل، وهنالك بكي كثيرًا، وتحدث كثيرًا.

شرب الدنبا التي اشتاق إليها كثيرًا، تحدث عن عشرات أبناء القبيلة بالبلاد الأخرى واحدًا واحدًا، قال: إنهم جميعًا سيأتون.

قال لآبائهم وأمهاتهم: نحن على صلة ببعضنا عبر تجمع أبناء الأوسط والشمالي.

– هل نوجا معكم أيضا؟

نعم، إنه معنا.

– هل شينو معكم أيضًا، إنه ابني؟

نعم، إنه معنا.

وهل دنقو، وهل رودنا، وهل مابا، وهل لوبا، وهل دودو، وهل نيلو …

نام وتركهم حوله يسألون ويتفاءلون. وعندما أراد الجميع الانصراف انتفخ الكواكيرو قائلًا: ألم أقل لكم إن الأبناء سيأتون؟ قلبي لا يكذب، فليستعد القوم غدًا للاحتفال ﺑ «بابو» وبما سيقدم من أبناء.

لم تكن له متعلقات كثيرة، فقط حقيبة صغيرة بها بعض الملابس الداخلية وبيجامة النوم، وتحتوي أيضًا على جواز سفر وبعض العملات الأجنبية والكتب وراديو صغير ديجيتال، وله في جيب سترته جهاز اتصال إرسال واستقبال 30000 km. استيقظ مبكرًا، ليس كعادة أهل الدغل حيث إن البرد الصباحي القارس يحول دون فراقهم لمراقدهم الدافئة وبطاطين الرافيا الثقيلة، كما أن ما الشيء الذي نستيقظ من أجله مبكرين؟

ذهب للبحيرة كمحاولة عاطفية للربط بين الماضي والحاضر، ولإشباع الرغبة في تأكيد عودته إلى الدغل، هنا حمام القرية الطبيعي ومنذ طفولته المبكرة كان يحضر وأقرانه للاستحمام واللعب، لا تزال البحيرة تحتفظ بدفء أجسادنا، وسيتذكر الأشياء كلها مدغولة بسفره الشاسع من أجل العلم، ولكنه لا يستطيع أن يعطي مساحةً للماضي، لرقص هذا الغياب الممتد الحزين؛ لأن برأسه أشياء وأشياء يفكر فيها، أشياء بكبر الدغل، وعندما لحق به بانارودنا طلب منه مصاحبته في جولة حول المكان، دارا في الغابات المجاورة؛ أماكن مياه الشرب، التلال الصغيرة، الأحزمة النباتية الكثيفة الخيران، إبط الشيطان؛ إبطًا إبطًا وشيطانًا شيطانًا. وكان ناعمًا صلدًا لا يتعبه المشي ولا خوض البرك والطين أو صعود الجبيلات ولا اختراق الأعشاب الشوكية، كان ناعمًا صلدًا، ما أثار إعجاب بانارودنا وأثار دهشته.

هل هنالك جبال وغابات ونخيل وشوك وطين مثل هذا الطين؟

ضحك «بابو»: لا، لا، ولكن تدربنا على مناخ وطبيعة أكثر تعقيدًا من هذا المكان.

ولكنه لم يقل له إنه تخرج في كلية عسكرية ذات مكانة وكفاءة لا مثيل لها في العالم كله، إنه برتبة جنرال، وعندما عاد كانت في انتظاره وجبة الإفطار بحضرة عِلية القوم، ولكنه اجتمع أولًا بجده الكواكيرو لما يقارب الساعتين والنصف، وعندما خرج من خلوة الكواكيرو رفض الكواكيرو الغداء وذهب مباشرة إلى منزل بنيته الكبرى «لألأ»، فهي تصنع أجود أنواع الدنبا المسكرة، وأعلن لابنته وهو سكران شديد النعاس أم نعسان شديد السُّكر: قولي لهم ليس هنالك احتفال!

•••

وعند الظهر عاد اثنان من الطلاب على عربة جيب واحدة ومن ذات طراز عربة بانا.

ثم لحق بهما اثنان.

ثم لحق بهم جاقو.

ثم لحق بهم اثنان.

ثم لحق بهم اثنان.

ثم لحق بهم تيم، ثم لحق بهم …

وفي العصر كان الاجتماع، في العصر كانت قمة الدهشة بقافلة سيارات الجيب الجميلة، في العصر يتسلل الظن إلى خُسره الأول، ولأن الناس لا يعرفون لماذا ألغى الكواكيرو الحفل فإنهم أقاموه. في عمق الصَّخَب وغناء الآباء والأمهات والإخوان والأخوات والأصدقاء والعاشقات بقدوم الأبناء وانتظار من لم يحضر؛ تحدث «ألبرتو»، وهو الاسم الجديد ﻟ «سامبو» ابن الكواكيرو، الكواكيرو أُوقظ من نومه المسكور، جلس متهالكًا محبطًا ينفس دخان غليونه يَمنة ويَسرة، وأمامه يرى لا شيء غير ابتسامة مستر جين عالقة في الهواء. قال ألبرتو إنهم طوال هذه السنوات لم ينقطعوا أبدًا عن الدغل؛ لأن الدغل كان فيهم، وإنهم يذكرون سكانه فردًا فردًا، ويعرفون غاباته شجرة شجرة، طيورَه، دود القنطور، ذئابه الكراواوا، ويعرفون ويعرفون، كل شيء، وإنهم الدغل، و«الدغل روح تهيم فينا، في غيابنا عنكم، حضورنا فيكم، والرجل كما يقول برم بجيل لا يساوي شيئًا من دون غابته.»

قال ألبرتو: لماذا لم نعد إلا الآن؟

نعم، كنا نعد لهذا اليوم، كل سنوات سفرنا نعد لهذا اليوم …

الناس صامتون، صمت حذر، الناقرون وضعوا عصيهم جانبًا ونقاقيرهم جانبين، المغنون نحَّوْا أغانيهم الزرقاء جانبًا وألحانهم ألف جانب، الوقت انتظار كبير موتور، وكأنما هنالك ملك يحتضر، ملك شرير، كان يقول ويقول ويقول، كانوا يسمعون ويسمعون ويسمعون، ولا يفهمون ولا يفهمون ولا يفهمون، الكواكيرو بدأت عليه دلائل قلق عصيٍّ، يحشو غليونه بالتباكو، الأطفال يصعدون على ظهر عربات الجيب الجميلة، يلعبون.

«عندما تعلمنا عرفنا، تفتحت أعيننا لأشياء كان يعمينا عنها الجهل، فرأينا الدغل كما يجب أن يُرى؛ ثرواته وأهمها البترول والذهب، الثروة الغابية والحيوانية وهذه لا تقدر بثمن أو تعدُّ. ولكن لماذا نظل نحن سكان الدغل أفقر الفقراء ونحن أغنى الأغنياء؟ لماذا نحن جائعون ومتخلفون، عراة وجاهلون؟»

ثم تحدث العائدون عن حرب الإبادة الشاملة وأعادوا ذكرى حرب ١٩٥٠، بتفاصيل نسيها من حضر الحرب من الشيوخ واندهش لدقتها المتذكرون، كانوا يعرفون كل كبيرة وصغيرة عن حرب ١٩٥٠، «ولولا أنكم لا تستطيعون القراءة والكتابة لعرضنا لكم الوثائق الآن.»

ثم تحدثوا عن حرب ١٩٥٢ التي عرفت في التاريخ بحرب التهجير، والتي أجبرت فيها كثير من القبائل الدغلية على هجر الدغل والإقامة على هوامش مدن الشرق المتحضرة والخضوع لبرامج تثقيفية تهدف لطمس هوية الدغليين وتشريقهم؛ مسخهم.

«الآن تفتحت أعين أعيننا.

والآن تفتحت آذان آذاننا.

وجئنا لنبصركم ما أبصرنا.

ونسمعكم ما سمعنا. جئنا لنوحد القول والرؤية.

فآن الأوان لكي نتحرر، لكي نستقل، لكي ننشئ دولتنا التي تخصنا، ونستمتع بثرواتنا التي تسرقها الآن حكومة الشرق.»

ثم تلا عليهم وقائع المؤتمر الثامن للحركة الوطنية للتحرير، الذي ضمن مقرراته أن يبدأ العمل المسلح الآن …

وقف الكواكيرو على رجليه لكي يراه الجميع، قال: «نسي الأبناء أننا هنا ما زلنا لا نفهم الكلام المعقد، والناس جميعًا هنا يريدون أن يعرفوا منكم باللغة التي يعرفونها: هل ستفتحون بيوتًا للتعليم؟

هل ستفتحون بيوتًا للشفاء؟

هل ستستغلون التبر في تعمير الدغل وإنشاء الصناعات المفيدة؟

هل ستحاربون الملاريا والجدري والسل ومرض العظام؟

هل ستبدءون ذلك اليوم؟

قولوا لهم ذلك وستسمعون النقارة تدق تحت كل شجرة وكل قصب الدغل سيتحول إلى مزامير وإيقاعات، قولوا لهم ذلك وسترون البنيات الجميلات يرقصن التاتاتا، قولوا لهم ذلك وسترون كيف يلعب الأطفال لعبًا لا يحلم به أحد.»

قال «موس»، وهو ابن المحارب «جامبو»، قضى بالخارج ما يزيد على خمسة وعشرين عامًا، وكان ضمن أول دفعة أرسلها الكواكيرو للتعلم: «وهذا ما سنفعله.

وهذا ما سنقوله.

ولكن ليس الآن، الآن يجب علينا أن نتحرر، أن نستقل بأنفسنا، أن ننشئ دولة باسم الدغل، دولة تحمي مصالح الدغليين، وتنهض بالدغل لتضعه في مصاف الدول المتقدمة ولدينا ما يحقق هذا الحلم، نحن نعد لذلك منذ خمسة عشر عامًا، أي منذ أنشأ أبناؤكم بالخارج الحركة الوطنية للتحرير.»

قال الكواكيرو: إذن أنتم تنوون الحرب؟

– حرب التحرير.

شهدت بنفسك حرب الإبادة في عام ١٩٥٠، رأيت كيف يقتلون الأطفال والرجال بلا رحمة، مليون ونصف المليون من البشر طُحنوا طحنًا تحت جنازير الدبابات أو شُوِّهوا بقاذفات اللهب أو أُخذوا عبيدًا ومساجين في الشرق. شهدت حرب التهجير بعد عامين من ذلك، ورأيت كيف يؤخذ الناس للعيش قسرًا على هوامش المدن، وهنالك تتفَّه معتقداتهم ويؤتى لهم بدين جديد، تتفَّه عاداتهم وتقاليدهم ويؤتى لهم بخُلُق جديد، تتفَّه ثقافاتهم ويؤتى لهم بثقافة أخرى لا تمت إليهم بصلة، ومن منهم يستطيع أن يقول لا؟ لأن من يقول لا يقتل في الحال، أنت تعرف ذلك. والآن ما سبب هجرة قبائل «لالا» و«شاري» و«فترا» و«كا» إلى هذه الأصقاع النائية من الدغل؟ وأين هي مواطنكم القديمة؟ في يد من؟ أين منجم الذهب الكبير؟ في يد من؟ من أين يستخرج الشرقيون البترول؟ لمصلحة من؟

وأين، وأين، وأين؟

ولمن؟

إنها لحرب مقدسة، والآن ما على المحاربين الشجعان إلا أن يستعدوا لتلقي التدريب العسكري الحديث على الآليات المتقدمة، التي هي في الطريق إلى هنا الآن، ونحمد الله على أن من أبنائكم مائة طالب تلقوا تدريبًا عسكريًّا عاليًا وتخرجوا بشهادات رفيعة في أشهر الكليات العسكرية في العالم، وهنالك الأطباء منهم والمهندسون والمعلمون والمفكرون في شتى ضروب المعرفة. سنشتري آلياتنا الحربية من مخزون الدغل، من آباط شياطينه، كما أننا لا نرد الأيدي الخيِّرة التي تمد إلينا من الدول الصديقة الكبرى الحادبة على مصلحتنا القومية. من أراد من الشعب التعليق فليتقدم إلى الأمام.

فسأل مواطن.

فسأل مواطن آخر.

فسأل محارب، فسأل محارب، فسأل محارب، فسأل محارب، فسأل محارب.

سألت كريبا العجوز بصوتها العميق الحلو: هل سنذهب للشرقيين في مدنهم ونحاربهم هنالك؟

الشرقيون هنا في مدننا ودغلنا وقرانا، إنهم في حدودنا الإقليمية ينصبون أنفسهم حكامًا علينا وحماة لنا من أنفسنا، يستمتعون بثرواتنا نيابةً عنا، وفي أرضنا يسرحون ويمرحون ويقتلون.

وانتهى الاجتماع بشكل غامض، وخرج الناس بفهم مبهم للحرب أو الرفاهية، حيث اختلط المفهومان في أذهان الدغليين البسطاء خلطًا بائسًا.

الذهب، البترول، الغابة، السكن المريح، الذهب، البترول، الغابة، السكن المريح، الشفاء، التعليم، التطور: الحرب، الشفاء، التعليم، التطور.

الحرب.

كان الناس ينفضون عن الاجتماع يتحاورون، يسأل بعضهم البعض في اتهام صريح وتشكك في آن، الآخر يفهم ولا يريد أن يقول.

أعرف أننا سنحارب الشرقيين، ولكن لماذا؟!

والأغرب من ذلك كان كثير منهم يسأل الكواكيرو الغاضب الحزين: متى ستبدأ بيوت التعليم في استقبال الأطفال؟

هل يتاح لنا أيضًا حضور الدروس؟

مَن مِن هؤلاء يعمل في العلاج؟

•••

تيم الأنيق الوسيم هو الذي استجوب سلطان تيه، كان يجيد الإنجليزية والعربية والإسبانية والفرنسية أيضًا، كان سفيرًا طائرًا لحركة تحرير الدغل الوطنية، شخص ذو ثقافة عالية ومعرفة مدهشة بالعملية السياسية في العالم، وله علاقات مع مئات من حركات التحرر ويعرف قادتها واحدًا واحدًا، فوق ذلك كان رجلًا طيبًا وعاطفيًّا. لم يستغرق الاستجواب كثيرًا؛ لأن تيم اقتنع سريعًا بأن سلطان تيه ليس بجاسوس شرقي، ولكن من الأحسن أن يغادر الآن إلى شرقه.

– ولكن الوقت ليلًا.

– تصرف، تصرف يا رجل، أمامك إلى منتصف الليل، سنعطيك سلاحًا شخصيًّا، ربما هاجمتك بعض الوحوش، أقصد ما تبقى من وحوش.

قال سلطان تيه وكان جادًّا وصادقًا وحزينًا ومؤمِّلًا في ذات القول: هل تسمحون لي أن آخذ سنيلا معي؟ هل تسمحون؟

قال تيم الوسيم مبتسمًا: سنيلا! ولماذا سنيلا؟!

إنها من مواطني الدغل، ومواطنو الدغل سيبقون بالدغل.

•••

كان سلطان تيه يعد نفسه لمغادرة الدغل، ترك له تيم سلاحًا شخصيًّا حديثًا وبه ذخيرة بكمية معقولة ووداعًا مدهشًا.

هؤلاء الصعاليك أي مدينة داعرة أفاختهم؟! أي جحيم؟! وداعًا أصحابي أهل الكهف! حمران، زادك الله نومًا كالموت!

كان يحملق في خربشة الكلب على الحائط حينما سمع صوت فلوباندو في الخارج، أنتِ ماذا تريدين؟ لقد قال تيم كل شيء، كما أنني مشغول برحيلي ولا أرغب أية امرأة.

قالت ضاحكة: ومتى كنت ترغب في امرأة؟ لقد كنت أشهر عنِّين وطئت قدماه أرض الدغل.

قال وهو يحس بجفاف مُرٍّ في حلقه: يبدو أن ذاكرتك لا تحتفظ بشيء.

فانفجرت بضحك صاخب ثم سكتت فجأة، رقدت على فراش الموز مباعدة ما بين ساقيها رافعة رجليها لأعلى، قالت: الرجال الذين تحترمهم النساء يستلقين من أجلهم هكذا، والرجال الذين لا تحترمهم النساء يعطينهم مؤخراتهن فقط …

ثم نهضت في حركة رياضية بارعة وقالت: أرسلني إليك الكواكيرو.

– قولي له سلطان تيه لن يذهب إليكَ ولا يريد محادثة أحد إطلاقًا.

– يبدو أنك غضبت لأنني أريتك الفرق بين العِنِّين والرجل الفحل، لا يهم، المهم أن تذهب للكواكيرو، وعليك ألا تخلط ما بين الشخصي والعملي.

– لن أذهب.

– الكواكيرو يريد أن يزوجك سنيلا الآن.

– لن أذهب.

ولكنه أحس في ذاته بأنه سيذهب ولكن ليس مع فلوباندو، ولا أن تشمت به فلوباندو ولن ينكسر أمامها … ألا ترغب في برصائك المحببة إلى قلبك؟ لأول مرة في حياته يحس بأنه يجب عليه أن يقتل، أن يقتل. والإحساس بالحاجة لقتل إنسان إحساس لذيذ عنيف يسري في الدم كالثعبان المسحور، ودون أن يدري وجد نفسه يقبض على سلاح تيم الأوتوماتيكي يحشوه في سرعة رهيبة ويصوبه ناحية فلوباندو، كانت تنظر إليه في دهشة وهو يردد في حماس مسعور: سأقتلك الآن، سأقتلك، سأقتلك …

كان يرتجف كزرزور عجوز صعقه البرد، تيار القتل الخبيء يدب فيه، يحرك أنامله نحو لذة إنهاء شيء ما، فليكن فلوباندو، لا فرق والموت يسري، فليستطيونس، الراعي النئوم ذو حمران، يهمس الراعي في أذنه بينما يمسك بيد باردة قديمة عجفاء نخرة ذراع سلطان تيه بقوة.

لا هكذا يتعامل الرجل مع المرأة، فلقد خلق الله المرأة لكي تنجب لنا الأطفال، وها هي قبل لحظات تشهدك سر خلقها، فلقد باعدت لك ما بين نهريها وأرتك ما لو أرته لحجر لتمطت شهوة فعله، وها أنت ترى المعجزة وتصر على الكفر.

وأخذ منه السلاح وألقى به بعيدًا، كان سلطان تيه يرتجف كعصفور بئيس مصقوع.

ما هكذا.

ما هكذا، ما هكذا، ما هكذا.

ما هكذا، ما هكذا، ما هكذا.

وعندما برد شرر عينيه وانكسر في داخله اشتهاء القتل، أحست بالندم تجاه إنسان لا يستطيع أن يقوم بشيء، وهل تريد قتلي؟ إنه ليس بالإمكان، لم تتنبأ أية عرافة كانت بأنني سأموت على يد إنسان غريب، وهذا وحده هو الذي جعل فلوباندو تكذِّب ما ترى، وعندما انكسر وحش عينيه أحست بشفقة نحوه.

فليقتلني إذن، أهون، أهون.

قال وهو يتلاشى في فضاء الكوخ: أين الكواكيرو؟ أهو بمنزله؟ سأذهب إليه.

فبكت فلوباندو، فبكت فلو، با، ن، دو، فبكت فلو، فلو، فلو، فلو، فلو، فلو، فلو.

بَكَت.

ركعت أمامه وكأنه إله أعظم، وكأنه عظيم غير متناهٍ، أخذت تقبل قدميه وترطن ترطن، ولأنه كان كأضعف ما يكون تذكر الصادق الكدراوي وحاول أن يتمثل ردة فعله الآن، في هذا الموقف بالذات همس ثمليخا في أذنه: إن فعلت هلكت.

همس فلستطيونس في أذنه: إن لم تفعل هلكت.

ولكنه سأل نفسه: ما هو الفعل؟

حاول أن يهدئ من روعها بكلمات أحس فيما بعد أن لا معنى لها، طوال الطريق إلى منزل الكواكيرو كانا صامتين، كلاهما ينظر للأرض، كان منكسرًا لأنه انكسر، كانا منكسرين، قالت له فلوباندو: هل تذهب للبحيرة، سوف نستحم. كانت جريئة وعميقة وقوية وامرأة جدًّا، أهي مزحة ماكرة أخرى؟

– سنذهب أولًا للكواكيرو …

ثم سألها في سره: هل سترقصين؟ قال لها: سأرحل الليلة على كل حال، فلقد أعطاني تيم فرصة ساعات قلائل. قالت بصوت خفيض مشروخ: كلنا يعلم بذلك.

– فقط لمنتصف الليل.

– نعم.

– أتُرى، ماذا يريد مني الكواكيرو؟

– لا أحد يعلم ما برأس الكواكيرو في هذه الأيام غير أنه محبط وبائس.

بدت القرية وهما يهبطان الجبل، تحتهما، قرية أخرى، فمنظر عربات الجيب الجميلة من انعكاس أشعة الغروب وحركة الأطفال السريعة المندهشة والطيور البيضاء الكبيرة التي تذهب بعيدًا تعبر أفق الرؤية ما بينهما، الشمس تذهب للغروب والناس يتحركون ما بين هنا وهناك مسرعين، سيقضون حاجاتهم مستفيدين مما تبقى من ضوء الشمس، ويسمون هذا الوقت «بنجارو»، أي الزمن الذي من ذهب.

أين تكون سنيلا الآن؟ سنلتي الجميلة المتوحشة، سآخذها معي للشرق، حتمًا، حتمًا، يعود المحاربون على حمر الوحش من رحلات صيدهم البعيدة محملين بالكراواوا ودود القنطور ولحم الغزلان والطيور الكبيرة وقصص طازجة عن صراعهم مع فتيات «الكا» الجميلات والوحوش، وسيحكون تفاصيل رحلاتهم وهم يتناولون دُنبا ما بعد مغيب الشمس، أطفال يقومون بتطبيع صغار حمر الوحش، صراخهم يأتي من بعيد ويمكن رؤيتهم أيضًا هنالك في أطراف القرية وحولهم بعض الكبار يضحكون ويقدمون النصائح، تقف عربة جيب بيضاء تشع نورًا بالقرب من شجرة كبيرة على ظهرها نساء كثيرات صغيرات جميلات يلبسن البابيت الملون، مروا أمام فلوباندو وسلطان تيه قبل أن تستقر بهم العربة الجميلة تحت شجرة الحبحب العملاقة، البنيات الصغيرات الجميلات عاريات الصدور، الناهدات الصدراوات وكأنهن حمائم الجبال البعيدة، كن منفعلات مندهشات وفي ما يشبه الصدمة، وكل واحدة منهن تحاول أن تتحدث مع السائق ذي الطلعة التي لا تشبه طلعة الصبيان الذين اعتدن عليهم، ذي رائحة ياسمينية لا كعبق دود الكراواوا الذي هو رائحة صبيان القرية.

وله، وله، وله، ليس ﻟ …

قالت فلوباندو لسلطان تيه: كل شيء سوف يتغير في القرية، نعم، وهذه هي سنة الحياة.

ولكن، كما يعرف، إن للصادق الكدراوي رأيًا آخر، وإذا شاهد ما يشاهدون همس في أقرب أذن: إنها وليمة بشرية، وربما يؤكد ذلك قول فلوباندو: إن هؤلاء الصبية القادمين من بعيد مثل عصافير ودو، لا ترهقهم مضاجعة الفتيات أبدًا، وإنهم أدخلوا أسلوبًا جديدًا لا يعرفه الدغل، وتندفع إليهم الصبيات ربما لإشباع حب الاستطلاع؛ أن يتحدثن للأخريات قائلات: إنه لحس شيئًا بلسانه، إنه، إنه، إنه.

وعندما اقتربا من الجيب أكثر حيَّت فلوباندو الصبيات، ثم قالت لهن بلهجة «فترا» التي لا يعرفها القادمون جملة جعلتهن ينفقعن ضحكًا، ما جعل فليب ابن أخت الكواكيرو ينظر يَمنة ويَسرة في حيرة مما يجري، ويبتسم بالخيبة: عزلة.

وجدا الكواكيرو ثملًا، حوله قرع الدنبا، تفوح منها رائحة الأناناس وعليها رغوة بيضاء كأنها سحابات أول الخريف، قال له: اجلس يا بني.

كان لطيفًا ولو أنه قلق.

– أعطه قليلًا من الدنبا، إنها تشعل القريحة.

كانت الشمس الآن تغرب، يظلم المكان حوله شيئًا فشيئًا.

– ها هم كما ترى، قد عاد أبناؤنا الذين أرسلناهم في السنوات الماضية للتعلم في بلاد بعيدة، قد عادوا، كنت أرقب هذا عن كثب، قد عادوا.

– أعرف أنك تريد أن تقول لي ما قاله تيم؛ إنه لا مكان لي بالدغل.

– بالعكس هذا يسعدني.

– إن لديَّ رسالة في الشرق أريد أن أكملها. أريد أن أهاجر أنا أيضًا إلى البلاد البعيدة حيث أتذوق طعم الحياة.

قال الكواكيرو وهو يدفق كأسًا مزبدة من الدنبا في فمه الكبير: هل رأيت واحدًا منهم؟ هل صافحت أحدهم؟ إن أكفهم أنعم من أكف نساء سلطان «فترا»، إن الصبيات يتلذذن عندما يضغطن أكفهن الخشنة على أكفهم بقوة، فيتمايلون توجعًا مثل دودة الموز، وإنهم الآن يريدون الحرب، ولا شيء غير الحرب.

– إنهم أبناؤكم ولا دخل لي في شأنكم، وأنا سأغادر هذه الليلة إلى الشرق.

دفق الكواكيرو كأسًا أخرى من الدنبا في حلقه العميق الغور.

– ليسوا أبناءنا الذين أرسلناهم، إنهم مسخهم. المهم، أنا أريدك يا سلطان تيه أن تواصل في تعليم الصغار هنا بالقرية ولك كل ما تشاء، فلو شئت إبط شيطان بكامله أعطيتك.

وإذا شئت قنطارًا من الملح أعطيتك. أما سنيلا فهي لك منذ هذه اللحظة، وإذا أردت زوجتين زوجناك فلوباندو أيضًا، فقل ماذا ترى؟

زوجتان، زوجتان، زوجتان، زوجتان!

ضحك فيه الصادق الكدراوي، ضحك فيه، في عمق أسود مغبوب، عمق كالجراد، ضحك فيه، ثم عليه. ويلك أيها الصديق من النساء! وأنت لا تصلح لطفلة دعك من فتاتين، وأي الفتيات هما؟ فلوباندو وسنيلا.

– وإذا شئت جعلتك أحد أفراد هذه القبيلة، وإذا شئت نائبًا لي، وإذا شئت كواكيرو، في مكاني، فقط ابقَ معنا هنا.

دفق الكواكيرو كأسًا مترعة من الدنبا ومسح رغوتها بظهر كفه، علِق على شاربيه بعض شراب الأناناس الرائع.

– لست سكرانًا، أنا لا يسكرني بحر من الدنبا، لا تسكرني غابة من عرق النخيل.

هذه جبهة جديدة للحرب والموت ابتدعها الكواكيرو ونصب نفسه عدوًّا للقادمين؛ صعاليك، مجرد صعاليك حرب لا أكثر.

قال له الكواكيرو: سنعزلهم، والجميع سيملهم بعد قليل، إنها دهشة الأشياء الجديدة، وحالما يَمَلُّونهم عندما تهب الريح تغري الأشجار بالطيران معها فتتراقص الأشجار وتحاول أن تقلع نفسها عن الأرض، وحالما تذهب الريح وتصبح الأشجار في أماكنها. ويا حسرة من اقتلعت نفسها من على الأرض، فلا طارت مع الريح ولا بقيت على الأرض!

ودفق، ودفق.

ودفق الكواكيرو كأسًا في بئر جسده الضخم، ودفق.

في الخارج ومع بداية هطول الظلام أقام القادمون حفل الرقص، وكان من بينهم «أمازو» الفنان والذي يعرفه الكثيرون في بلاد الهجرة، طبَّقت شهرته آفاقًا بعيدة، لديه بعض الأغاني بلغة «لالا»، يغني بالإنجليزية وبالفرنسية، يقلد كل أغاني بوب مارلي وبيتر توش وخوليو، يحب أيضًا البيتلز، طويل رشيق ناعم الوجه والأطراف، يجيد الرقص.

ودفق.

جاء أمازو الموسيقي بكل آلاته الموسيقية، سيقوم ببث الروح الوطنية القتالية في نفوس القرويين، وعندما أضاءوا أول لمبة نيون ضخمة تعمل بالطاقة الشمسية وعندما صدح الترومبيت، دفق الكواكيرو كأسًا، ثم نهض واقفًا.

هيا لنرى الشيطان الذي يصرخ ويضيء الظلام.

لم يبقَ أحد في القرية في بيته، حتى كلاب الحراسة والقطط والحشرات الصغيرة، دار الجميع حول المغنين والضوء والآلات التي تنادي، كل شيء. وُضع مقعد الكواكيرو كالعادة أمام الجميع، في موضع يراه الجميع ويسمعه الجميع إذ يأمر، تفاءل القادمون بمجيئه وأنه ربما غيَّر في رأيه، وأنه لان. دَفَق، ثم أمر: غنُّوا …

الموسيقى كانت صاخبة بشكل لم يعتدْه الدغليون ولم تستسغه أسماعهم، وكادوا ينصرفون، ولكن عندما رقص الأولاد القادمون أثاروا انتباه الجميع وشهية المشاهدة فيهم، كانوا يرقصون بصورة خليعة ولكنها بارعة على كل حال ونالت الإعجاب المسخوط. سنيلا كانت هنالك، خجلة، تقف وسط صبيات دغليات جميلات يلبسن البابيت الملون وعلى صدورهن. سلطان تيه قرب الكواكيرو.

دَفَق.

ثم علا شخيره، وشخيرُ الكواكيرو أمر بأن الأشياء يجب أن تستمر على ما هي عليه.

لا يحس وجعة شباب القرية غير شباب القرية أنفسهم؛ المحاربون، كانوا يحسون بغربة بالغة، وأنهم يقفون على هامش الأحداث، وأن العائدين سرقوا المشهد، وأن لا أحد يلتفت إليهم؛ هم الغُبْش ذوو الأيدي الخشنة، يلبسون جلود الثعالب والرافيا وينتعلون جلد الخرتيت، يركبون حمر الوحش ويتسلحون بالفئوس والحراب ولا يعرفون بل ولا يقرون بأن يلحس المحارب شيء الصبية.

أترى كيف يرقص هؤلاء الخصيان، ما رأيك أن نضحك عليهم؛ أن نرقص مثلهم، نضحك الناس عليهم؟ إنهم يرقصون رقصًا لا يشبه رقصة الحرب ولا رقصات الحصاد ولا رقص المطر، ولا رقص أية موسم يعرفه الناس، سنسخر منهم.

ودخل «وينو» الرهيب الساحة، كان يرقص في سخرية، مرة يقلد الراقصين؛ يرفع رجليه قافزًا في الهواء، ينحني بنسوانية بائسة، ويضحك الجميع ويهتفون تشجيعًا له. لوينو أُذن واحدة، قطع الأخرى الكواكيرو بعد العصيان الذي قام به وينو في الخور قبل سنين كثيرة مرت، ولو أنه الآن في السابعة والثلاثين من عمره إلا أنه ما زال ولدًا نزقًا تركب رأسه العفاريت، ويركب ظهرها، كانت أمه العجوز كريبا هي الوحيدة التي تحس بقلق عليه وعلى وينو: اعقل يا وينو، اعقل يا بني.

سنيلا تعرف أن وينو عندما يبدأ شيئًا يتمه، تربت معه في منزل واحد، طلب وينو من أمازو أن يعطيه ذلك الشيء، وأنه يريد أن يغني، الجميع يعرف صوت وينو الذي في أحسن الأحوال نهيق حمار وحشي مذعور، ويعرفون أغانيه الداعرة …

وعندما رفض أمازو الرقيق النحيل الطويل رفسه وينو رفسة جعلت كل شيء يصمت، وبدأ وينو الغناء بصوت حماري أشتر أجش بذيء.

شيء المحارب.

شيء المحارب.

شيء المحارب في طول قناته.

قالت له لوما: لماذا لا تتخذ ساق المهوقني قناة لك؟

ففهم القرويون شيئًا، فهم القادمون شيئين، استيقظ الكواكيرو.

دَفَق.

انتهى الحفل، قال له الكواكيرو بلهجة باردة مخمورة وهو يمسك بيده مودعًا: إذا حاولت الهرب فأنت تغامر بحياتك؛ لأنني سأرسل خلفك المحاربين، وإذا بقيت فزت بالمال والجاه والصبيات أيضًا.

– لكن تيم.

أنا سيد هذا الدغل وليس تيم، سأراك غدًا في البسنتا، فالصغار في انتظارك، وعندما تحضر غدًا تجد المحاربين بنوْا لك بيتًا مجاورًا للبسنتا، بداخله تجد سنيلا في انتظارك بدنبا الصباح، مع السلامة.

وابتسم ومضى وبقيت فلوباندو في رفقته إلى أن شارف الكوخ ثم عادت أدراجها لبيتها.

يجب أن نكسب هؤلاء المحاربين أولًا، فسينصاع لنا الكواكيرو العنيد طائعًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤