الفصل الثالث

بَدْرُ الْبُدُورِ

(١) بِنْتُ الْإِمْبِرَاطُورِ

وَفِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ كَانَ «عَلَاءُ الدِّينِ» يَجُولُ فِي الْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ بِأَنَّ الْأَمِيرَةَ «بَدْرَ الْبُدُورِ»: بِنْتَ إِمْبِرَاطُورِ الصِّينِ، سَتَخْرُجُ — بَعْدَ قَلِيلٍ — مِنْ قَصْرِهَا إِلَى الْحَمَّامِ، لِتَسْتَحِمَّ فِيهِ. فَدَفَعَهُ حُبُّ الِاسْتِطْلَاعِ إِلَى رُؤْيَتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا فِي حَيَاتِهِ مِنْ قَبْلُ.

وَلَمَّا مَرَّتِ الْأَمِيرَةُ، وَهِيَ ذَاهِبَةٌ فِي طَرِيقِهَا إِلَى الْحَمَّامِ، وَحَوْلَهَا الْحُرَّاسُ وَرِجَالُ الشُّرْطَةِ (عَسَاكِرُ الطَّرِيقِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ الْأَمْنَ)، رَآهَا «عَلَاءُ الدِّينِ» فَأُعْجِبَ بِجَمَالِهَا وَخِفَّةِ رُوحِهَا.

ثُمَّ عَادَ إِلَى بَيْتِهِ، وَهُوَ يُفَكِّرُ فِيمَا رَآهُ. وَدَارَتْ بِرَأْسِهِ فِكْرَةٌ جَرِيئَةٌ، فَقَدْ طَمَحَتْ نَفْسُهُ (رَغِبَتْ وَتَطَلَّعَتْ) إِلَى مُصَاهَرَةِ الْإِمْبِرَاطُورِ، وَالتَّزَوُّجِ بِابْنَتِهِ الْأَمِيرَةِ: «بَدْرِ الْبُدُورِ». وَقَدْ شَجَّعَهُ عَلَى تَحْقِيقِ هَذِهِ الْفِكْرَةِ الْجَرِيئَةِ حُصُولُهُ عَلَى الْمِصْبَاحِ الْعَجِيبِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ صَاحِبُهُ — بِفَضْلِهِ — أَنْ يُظْهِرَ كَثِيرًا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْمُعْجِزَاتِ. وَقَدْ فَكَّرَ فِي الزَّوَاجِ طَوِيلًا؛ ثُمَّ اقْتَنَعَ — بَعْدَئِذٍ — بِوُجُوبِ السَّعْيِ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْأَمَلِ الْبَعِيدِ.

وَرَأَى أَنَّهُ — وَقَدْ أَصْبَحَ مِنْ سَرَاةِ الْمَدِينَةِ وَأَعْيَانِهَا — جَدِيرٌ أَنْ يَتَطَلَّعَ إِلَى مُصَاهَرَةِ الْإِمْبِرَاطُورِ. فَإِذَا اعْتَرَضَتْهُ أَيُّ عَقَبَةٍ — فِي سَبِيلِهِ — فَإِنَّ مِصْبَاحَهُ الْعَجِيبَ كَفِيلٌ (ضَامِنٌ وَقَائِمٌ) بِتَذْلِيلِهَا (تَسْهِيلِهَا)، وَالتَّغَلُّبِ عَلَيْهَا.

(٢) حِوارُ الْأُمِّ

وَرَأَتْ أُمُّ «عَلَاءِ الدِّينِ» عَلَى وَلَدِهَا أَمَارَاتِ التَّفْكِيرِ الْعَمِيقِ. فَسَأَلَتْهُ: «فِيمَ تُفَكِّرُ، يَا وَلَدِي؟»

فَخَجِلَ «عَلَاءُ الدِّينِ»، وَأَطْرَقَ بِرَأْسِهِ إِلَى الْأَرْضِ حَيَاءً. وَلَمَّا أَلَحَّتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ بِالسُّؤَالِ، قَالَ لَهَا مُتَلَعْثِمًا (مُتَوَقِّفًا قَبْلَ الْجَوَابِ): «لَقَدْ كُنْتُ أَوَدُّ أَنْ أَكْتُمَ عَنْكِ سَبَبَ آلَامِي وَأَحْزَانِي؛ لِئَلَّا تَتَّهِمِينِي بِالْجُنُونِ. وَلَكِنَّكِ أَلْحَفْتِ (أَلْحَحْتِ وَأَكْثَرْتِ) فِي السُّؤَالِ. وَلَيْسَ فِي قُدْرَتِي أَنْ أَكْتُمَ مَا يَخْتَلِجُ (مَا يَتَرَدَّدُ) فِي نَفْسِي مِنَ الْآمَالِ. فَقَدْ رَأَيْتُ — فِي هَذَا الْيَوْمِ — ابْنَةَ إِمْبِرَاطُورِ الصِّينِ؛ وَمَا إِنْ أَبْصَرْتُهَا حَتَّى طَمَحَتْ نَفْسِي إِلَى الزَّوَاجِ بِهَا.»

فَصَرَخَتْ أُمُّهُ مَدْهُوشَةً ثَائِرَةً، وَقَالَتْ مُتَعَجِّبَةً حَائِرَةً: «ابْنَةُ إِمْبِرَاطُورِ الصِّينِ الْعَظِيمِ، يَتَطَلَّعُ إِلَى الزَّوَاجِ بِهَا «عَلَاءُ الدِّينِ» الصَّغِيرُ، ابْنُ «مُصْطَفَى» الْخَيَّاطِ الْفَقِيرِ! لَا شَكَّ فيِ أَنَّكَ جُنِنْتَ يَا وَلَدِي!»

فَقَالَ لَهَا مُبْتَسِمًا: «كَلَّا. لَمْ أُجَنَّ — يَا أُمِّي — فَإِنِّي لَا أَزَالُ رَاشِدًا مُتَثَبِّتًا مِمَّا أَقُولُ. وَلَسْتُ أَطْلُبُ إِلَيْكِ إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا عَلَيْكِ، ذَلِكِ: هُوَ أَنْ تَذْهَبِي إِلَى الْإِمْبِرَاطُورِ، وَتَطْلُبِي إِلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَنِي بِابْنَتِهِ الْأَمِيرَةِ: بَدْرِ الْبُدُورِ.»

فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ، وَقَدِ اشْتَدَّتْ دَهْشَتُهَا: «لَا تُفَكِّرْ — يَا وَلَدِي — فِي هَذَا الْمُسْتَحِيلِ؛ فَإِنَّ الْإِمْبِرَاطُورَ — إِذَا سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ — أَمَرَ فِي الْحَالِ بِصَلْبِنَا (قَتْلِنَا وَتَعْلِيقِ أَجْسَامِنَا). وَمَنْ نَحْنُ حَتَّى نَتَطَلَّعُ إِلَى مُصَاهَرَةِ إِمْبِرَاطُورِنَا الْعَظِيمِ؟ اخْتَرْ — يَا وَلَدِي — أَيَّ فَتَاةٍ أُخْرَى، وَأَنَا أُزَوِّجُكَ إِيَّاهَا. أَمَّا أَنْ تَتَطَلَّعَ إِلَى الزَّوَاجِ بِابْنَةِ الْإِمْبِرَاطُورِ، فَذَلِكَ أَمَلٌ لَا سَبِيلَ إِلَى تَحْقِيقِهِ. وَلَيْسَ مِنَ الْحَزْمِ (تَدْبِيرِ الْأَمْرِ بِحِكْمَةٍ وَتَعَقُّلٍ) أَنْ تُعَرِّضَ نَفْسَكَ لِغَضَبِ الْإِمْبِرَاطُورِ، وَسُخْرِيَةِ النَّاسِ.»

فَقَالَ لَهَا «عَلَاءُ الدِّينِ»: «ثِقِي — يَا أُمِّي — أَنَّنِي لَنْ أَعْدِلَ عَنْ هَذَا الرَّأْيِ، مَهْمَا تَبْذُلِي مِنَ الْجُهْدِ فِي إِقْنَاعِي. وَلَسْتُ أَطْلُبُ مِنْكِ إِلَّا شَيْئًا وَاحِدًا؛ هُوَ أَنْ تَذْهَبِي إِلَى قَصْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ، وَتَلْتَمِسِي مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَنِي بِنْتَهُ.

فَإِذَا أَجَابَكِ إِلَى طِلْبَتِكِ (مَقْصُودِكِ)، حَقَّقْتِ لِي — بِذَلِكِ — أَكْبَرَ أُمْنِيَّةٍ تَصْبُو (تَمِيلُ) إِلَيْهَا نَفْسِي. وَإِذَا رَفَضَ، فَقَدْ قُمْتِ بِوَاجِبِكِ خَيْرَ قِيَامٍ، وَبَذَلْتِ لِي كُلَّ مَا تَسْتَطِيعِينَ.»

وَعَلَيَّ أَنْ أَسْعَى وَلَيْـ
ـسَ عَلَيَّ إِدْرَاكُ النَّجَاحِ

(٣) هَدِيَّةُ الزَّوَاجِ

فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ مُسْتَهْزِئَةً: «وَأَيُّ هَدِيَّةٍ تَسْتَطِيعُ — يَا وَلَدِي — أَنْ تُقَدِّمَهَا إِلَى الْإِمْبِرَاطُورِ الَّذِي تَطْمَحُ إِلَى مُصَاهَرَتِهِ؟»

فَقَالَ لَهَا «عَلَاءُ الدِّينِ»: «أَسْتَطِيعُ أَنْ أُهْدِيَ إِلَى الْإِمْبِرَاطُورِ أَفْخَرَ الْهَدَايَا؛ فَإِنَّ عِنْدِي مِنَ الْكُنُوزِ النَّادِرَةِ مَا لَا يُقَوَّمُ (مَا لَيْسَ يُقَدَّرُ) بِثَمَنٍ.» فَقَالَتْ أُمُّهُ سَاخِرَةً: «وَمَاذَا عِنْدَكَ، يَا وَلَدِي؟ وَأَيْنَ هِيَ هَذِهِ الْكُنُوزُ النَّادِرَةُ الَّتِي تَحْلُمُ بِهَا؟»

فَقَالَ لَهَا: «أَلَا تَذْكُرِينَ — يَا أُمِّي — تِلْكَ الذَّخَائِرَ الَّتِي كُنْتُ قَدْ أَحْضَرْتُهَا مَعِي مِنَ الْكَنْزِ؟ إِنَّ كُلَّ لُؤْلُؤَةٍ مِنْهَا لَا تُقَوَّمُ بِثَمَنٍ، لِنَفَاسَتِهَا (لِعِظَمِ قِيمَتِهَا وَعُسْرِ الْحُصُولِ عَلَيْهَا). وَلَيْسَ فِي خَزَائِنِ الْإِمْبِرَاطُورِ— مِنَ اللَّآلِئِ الثَّمِينَةِ — مَا يُمَاثِلُهَا خَطَرًا (قَدْرًا وَمَنْزِلَةً) وَنُدْرَةً (قِلَّةَ وُجُودٍ). وَلَيْسَ هَذَا رَأْيِي — وَحْدِي — بَلْ هُوَ رَأْيُ كِبَارِ تُجَّارِ اللَّآلِئِ وَشُيُوخِهِمْ.»

figure

فَقَالَتْ لَهُ: «وَمَاذَا تَصْنَعُ إِذَا طَلَبَ إِلَيْكَ الْإِمْبِرَاطُورُ — بَعْدَ هَذِهِ الْهَدِيَّةِ — مَهْرَ ابْنَتِهِ؟ وَأَيْنَ تَسْكُنُ بِنْتُ الْإِمْبِرَاطُورِ، بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهَا؟ أَتَرْضَى الْأَمِيرَةُ أَنْ تُقِيمَ مَعَكَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الْحَقِيرِ؟ ذَلِكَ مَا لَا سَبِيلَ إِلَى تَحْقِيقِهِ.»

فَقَالَ لَهَا «عَلَاءُ الدِّينِ»: «لَا تُقْلِقِي بَالَكِ — يَا أُمِّي — فَإِنَّ مِصْبَاحِي كَفِيلٌ بِتَحْقِيقِ كُلِّ مَا يَطْلُبُهُ الْإِمْبِرَاطُورُ مِنِّي، وَإِنْ غَلَا وَجَاوَزَ الْحَدَّ، وَجَارَ فِي مطَالِبِهِ وَاشْتَدَّ.»

(٤) فِي قَصْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ

وَرَأَتْ أُمُّ «عَلَاءِ الدِّينِ» إِصْرَارَ وَلَدِهَا عَلَى تَحْقِيقِ أُمْنِيَّتِهِ، وَعَلِمَتْ أَنَّ كُلَّ مُحَاوَلَةٍ لِإِقْنَاعِهِ لَنْ تَزِيدَهُ إِلَّا تَشَبُّثًا (تَمَسُّكًا) وَعِنَادًا.

فَوَعَدَتْهُ بِبَذْلِ جُهْدِهَا فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ أُمْنِيَّتِهِ.

فَفَرِحَ «عَلَاءُ الدِّينِ»، وَقَبَّلَ يَدَيْهَا شَاكِرًا.

وَنَامَ — طُولَ لَيْلَتِهِ — وَهُوَ يَحْلُمُ بِأَمَانِيِّهِ الْجَمِيلَةِ.

وَنَهَضَ «عَلَاءُ الدِّينِ» فِي الصَّبَاحِ مُبَكِّرًا، وَأَيْقَظَ أُمَّهُ لِتَذْهَبَ إِلَي قَصْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ مُخَالَفَتَهُ. وَلَبِسَتْ أَفْخَرَ مَا عِنْدَهَا مِنَ الثِّيَابِ، وَأَخَذَتِ اللَّآلِئَ الَّتِي أَحْضَرَهَا وَلَدُهَا مِنَ الْكَنْزِ، وَذَهَبَتْ بِهَا إِلَى قَصْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ، وَهِيَ يَائِسَةٌ مُرْتَبِكَةٌ أَشَدَّ الِارْتِبَاكِ. فَرَأَتِ الْإِمْبِرَاطُورَ، وَحَوْلَهُ وُزَرَاؤُهُ وَحَاشِيَتُهُ (أَعْنِي رِجَالَهُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ شُئُونَهُ وَيُحِيطُونَ بِهِ) وَأَمَامَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَقَاضِينَ (أَصْحَابِ الْقَضَايَا وَالْخُصُومَاتِ).

فَوَقَفَتْ فِي آخِرِ النَّاسِ، وَهِيَ حَائِرَةٌ خَائِفَةٌ، لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَقَدَّمَ خُطْوَةً وَاحِدَةً. وَظَلَّتْ وَاقِفَةً حَتَّى جَاءَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ — عَلَى أَنْ يَعُودُوا فِي الْيَوْمِ التَّالِي لِلْفَصْلِ فِي قَضَايَاهُمْ — فَعَادَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا مَحْزُونَةً.

(٥) بَعْدَ أُسْبُوعٍ

وَمَا إِنْ رَآهَا «عَلَاءُ الدِّينِ» حَتَّى سَأَلَهَا مُتَلَهِّفًا: «مَاذَا صَنَعْتِ يَا أُمِّي؟»

فَقَصَّتْ عَلَيْهِ كُلَّ مَا حَدَثَ، وَوَعَدَتْهُ بِالذَّهَابِ — فِي الْيَوْمِ التَّالِي — إِلَى الْقَصْرِ. وَمَا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ حَتَّى أَيْقَظَهَا «عَلَاءُ الدِّينِ». فَسَارَتْ إِلَى قَصْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ، وَحَدَثَ لَهَا مَا حَدَثَ فِي الْيَوْمِ السَّابِقِ. وَمَا زَالَتْ هَكَذَا أُسْبُوعًا كَامِلًا.

وَكَانَ الْإِمْبِرَاطُورُ يَرَاهَا تَتَرَدَّدُ عَلَى سَاحَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ، وَتَنْصَرِفُ آخِرَ النَّاسِ. فَطَلَبَ إِلَى كَبِيرِ وُزَرَائِهِ أَنْ يُذَكِّرَهُ بِهَا فِي الْيَوْمِ التَّالِي — إِذَا حَضَرَتْ — لِيَسْأَلَهَا عَمَّا تُرِيدُ. فَلَمَّا جَاءَ الْيَوْمُ التَّالِي ذَكَّرَهُ بِهَا؛ فَنَادَاهَا الْإِمْبِرَاطُورُ وَسَأَلَهَا: «مَاذَا تُرِيدِينَ، أَيَّتُهَا السَّيِّدَةُ الْفَاضِلَةُ؟»

فَتَقَدَّمَتْ نَحْوَهُ، وَخَرَّتْ (هَبَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ) رَاكِعَةً أَمَامَهُ، وَقَالَتْ مُتَأَدِّبَةً: «إِذَا تَفَضَّلَ مَوْلَايَ الْإِمْبِرَاطُورُ الْعَظِيمُ بِسَمَاعِ قِصَّتِي، فَإِنِّي لَنْ أَنْسَى لَهُ — مَا حَيِيتُ — هَذَا الْفَضْلَ الْكَبِيرَ. وَلَكِنَّنِي أَرْجُو أَنْ يَأْذَنَ لِي فِي أَنْ أُسِرَّ إِلَيْهِ حَدِيثِي (أُرِيدُ أَنْ أَنْفَرِدَ بِهِ، لِأَقُولَهُ لَهُ سِرًّا).»

فَأَمَرَ الْإِمْبِرَاطُورُ بِإِخْرَاجِ الْحَاضِرِينَ، وَلَمْ يُبْقِ مَعَهُ إِلَّا كَبِيرَ وُزَرَائِهِ. ثُمَّ سَأَلَهَا عَمَّا تُرِيدُ؛ فَرَكَعَتْ أَمَامَهُ مَرَّةً أُخْرَى، ثُمَّ قَدَّمَتْ إِلَيْهِ مَا مَعَهَا مِنَ الْهَدَايَا الْفَاخِرَةِ.

فَأُعْجِبَ الْإِمْبِرَاطُورُ بِاللَّآلِئِ الثَّمِينَةِ النَّادِرَةِ.

وَشَارَكَهُ كَبِيرُ وُزَرَائِهِ فِي الْإِعْجَابِ بِهَا. ثُمَّ سَأَلَهَا: «وَمَاذَا تُرِيدِينَ مِنِّي، بَعْدَ قَبُولِي هَذِهِ الْهَدَايَا الثَّمِينَةَ؟»

فَقَالَتْ لَهُ: «إِنَّ وَلَدِي «عَلَاءَ الدِّينِ» قَدْ دَفَعَتْهُ جُرْأَتُهُ وَأَمَلُهُ فِي كَرَمِ جَلَالَتِكُمْ، إِلَى أَنْ تَطْمَحَ نَفْسُهُ إِلَى مُصَاهَرَةِ الْإِمْبِرَاطُورِ.»

فَلَمْ يَشَإِ الْإِمْبِرَاطُورُ أَنْ يَرُدَّهَا خَائِبَةً، وَقَالَ لَهَا مُبْتَسِمًا: «لَقَدْ قَبِلْتُ هَدِيَّتَهُ الْفَاخِرَةَ، وَسَأُزَوِّجُهُ ابْنَتِي بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.»

فَخَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِ شَاكِرَةً مُبْتَهِجَةً، وَأَخْبَرَتْ وَلَدَهَا «عَلَاءَ الدِّينِ» بِقَبُولِ الْإِمْبِرَاطُورِ؛ فَكَادَ يَطِيرُ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤