الفصل الرابع

زَوَاجُ الْأَمِيرَةِ

(١) زِينَةُ الْعُرْسِ

كَانَ «عَلَاءُ الدِّينِ» يَعُدُّ السَّاعَاتِ وَالْأَيَّامَ، مُتَرَقِّبًا مَوْعِدَ زَوَاجِهِ بِالْأَمِيرَةِ «بَدْرِ الْبُدُورِ»: ابْنَةِ إِمْبِرَاطُورِ الصِّينِ، حَتَّى مَضَى عَلَيْهِ شَهْرَانِ. وَكَانَ يُمَنِّي نَفْسَهُ أَعْذَبَ الْأَمَانِيَّ وَأَطْيَبَهَا وَأَحْلَاهَا. وَلَكِنْ وَقَعَ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحِسْبَانِ (حَدَثَ مَا لَمْ يَظُنُّهُ)؛ فَقَدْ خَرَجَتْ أُمُّ «عَلَاءِ الدِّينِ» مِنْ بَيْتِهَا مُبَكِّرَةً — ذَا صَبَاحٍ — فَرَأَتِ الزِّينَةَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَرَأَتِ السُّرَادِقَاتِ (الْخِيَامَ الْمَنْصُوبَةَ) تُقَامُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ أَنْحَاءِ الْمَدِينَةِ. فَسَأَلَتْ أَحَدَ النَّاسِ: «مَا الْخَبَرُ؟» فَأَجَابَهَا مَدْهُوشًا: «كَيْفَ تَسْأَلِينَ؟ أَلَسْتِ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ؟ أَلَا تَعْلَمِينَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ مَوْعِدُ زَوَاجِ الْأَمِيرَةِ: «بَدْرِ الْبُدُورِ» — ابْنَةِ إِمْبِرَاطُورِنَا الْعَظِيمِ — بِابْنِ كَبِيرِ وُزَرَائِهِ؟» وَمَا إِنْ سَمِعَتْ مِنْهُ هَذَا الْكَلَامَ حَتَّى امْتَلَأَتْ نَفْسُهَا غَمًّا وَحَسْرَةً، وَعَجِبَتْ: كَيْفَ يَنْقُضُ الْإِمْبِرَاطُورُ كَلِمَتَهُ، وَيُخْلِفُ وَعْدَهُ؟ وَأَسْرَعَتْ فِي طَرِيقِهَا — عَائِدَةً إِلَى مَنْزِلِهَا — وَقَصَّتْ عَلَى وَلَدِهَا «عَلَاءِ الدِّينِ» كُلَّ مَا سَمِعَتْهُ. فَحَزِنَ لِمَا سَمِعَ أَشَدَّ الْحُزْنِ، وَلَكِنَّهُ تَجَلَّدَ (تَقَوَّى وَتَحَمَّلَ)، وَعَلِمَ أَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلْيَأْسِ لَا يُفِيدُ. فَأَعْمَلَ فِكْرَهُ قَلِيلًا، حَتَّى اهْتَدَى إِلَى خُطَّةٍ حَاسِمَةٍ (وُفِّقَ إِلَى طَرِيقَةٍ فَاصِلَةٍ قَاطِعَةٍ)، يَثْأَرُ بِهَا لِنَفْسِهِ وَيَنْتَقِمُ، وَيَنَالُ بِهَا مَا يَتَمَنَّاهُ.

(٢) لَيْلَةُ الزَّوَاجِ

ثُمَّ ذَهَبَ «عَلَاءُ الدِّينِ» إِلَى حُجْرَةٍ أُخْرَى، وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهَا، وَأَحْضَرَ مِصْبَاحَهُ الْعَجِيبَ الَّذِي كَانَ يَخْبَؤُهُ فِيهَا. ثُمَّ فَرَكَ الْمِصْبَاحَ؛ فَمَثَلَ أَمَامَهُ الْجِنِّيُّ — لِسَاعَتِهِ — وَسَأَلَهُ مُتَلَطِّفًا: «هَأَنَذَا — يَا مَوْلَايَ — فَمُرْنِي أُطِعْكَ، أَنَا وَجَمِيعُ أَعْوَانِي: خُدَّامَ الْمِصْبَاحِ.»

فَقَالَ «عَلَاءُ الدِّينِ»: «سَتَكُونُ هَذِهِ اللَّيْلَةُ مَوْعِدَ زِفَافِ ابْنِ كَبِيرِ الْوُزَرَاءِ إِلَى الْأَمِيرَةِ: «بَدْرِ الْبُدُورِ». وَلَسْتُ أَطْلُبُ إِلَيْكَ شَيْئًا إِلَّا أَنْ تُقْصِيَ ابْنَ الْوَزِيرِ (تُبْعِدَهُ) عَنِ الْأَمِيرَةِ، وَتَحُولَ دُونَ تَمْكِينِهِ مِنَ الدُّنُوِّ (الْقُرْبِ) مِنْهَا طُولَ اللَّيْلِ.»

فَقَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ: «سَمْعًا وَطَاعَةً — يَا مَوْلَايَ — وَسَتَرَى مَا يَسُرُّكَ.» ثُمَّ غَابَ عَنْهُ وَانْصَرَفَ.

(٣) ابْنُ كَبِيرِ الْوُزَرَاءِ وِالْجِنِّيُّ

وَلَمَّا انْتَهَتْ حَفَلَاتُ الزِّفَافِ وَانْصَرَفَ الْحَاضِرُونَ، خَطِفَ الْجِنِّيُّ ابْنَ كَبِيرِ الْوُزَرَاءِ مِنْ حُجْرَةِ الْأَمِيرَةِ، وَوَضَعَهُ فِي مِرْحَاضِ الْقَصْرِ، وَلَمْ يَظْهَرِ الْجِنِّيُّ لِلْأَمِيرَةِ حَتَّى لَا تَنْزَعِجَ.

وَقَدْ عَجِبَتِ الْأَمِيرَةُ حِينَ تَلَفَّتَتْ فَلَمْ تَجِدْ زَوْجَهَا أَمَامَهَا. وَمَكَثَتْ وَحْدَهَا إِلَى الصَّبَاحِ، وَهِي مَدْهُوشَةٌ مِنْ غِيَابِ عَرُوسِهَا أَشَدَّ دَهْشَةٍ.

وَلَمَّا لَاحَ الصَّبَاحُ أَطْلَقَ الْجِنِّيُّ سَرَاحَهُ، فَعَادَ إِلَى حُجْرَةِ الْأَمِيرَةِ، وَقَدْ بَدَتْ عَلَيْهِ أَمَارَاتُ الرُّعْبِ وَالِارْتِبَاكِ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُحَدِّثَهَا بِشَيْءٍ مِمَّا حَدَثَ لَهُ فِي لَيْلَتِهِ السَّوْدَاءِ.

ثُمَّ جَاءَ الْإِمْبِرَاطُورُ وَزَوْجُهُ لِيُسَلِّمَا عَلَى ابْنَتِهِمَا، فَرَأَيَاهَا حَزِينَةً. فَسَأَلَاهَا عَنْ سِرِّ حُزْنِهَا؛ فَتَجَلَّدَتْ أَمَامَهُمَا، وَلَمْ تُخْبِرْهُمَا بِشَيْءٍ مِمَّا حَدَثَ. فَلَمَّا جَاءَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ حَمَلَ الْجِنِّيُّ عَرُوسَهَا؛ كَمَا حَمَلَهُ فِي اللَّيلَةِ السَّابِقَةِ. فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، صَنَعَ بِهِ الْجِنِّيُّ كَمَا صَنَعَ فِي اللَّيْلَتَيْنِ الْمَاضِيَتَيْنِ.

(٤) غَضَبُ الْإِمْبِرَاطُورِ

فَلَمْ تُطِقِ الْأَمِيرَةُ صَبْرًا عَلَى مَا رَأَتْ، وَاضْطُرَّتْ إِلَى الْإِفْضَاءِ إِلَى أُمِّهَا (إِخْبَارِهَا) بِكُلِّ مَا حَدَثَ. فَذَهَبَتْ أُمُّهَا إِلَى الْإِمْبِرَاطُورِ، وَقَصَّتْ عَلَيْهِ مَا سَمِعَتْهُ مِنِ ابْنَتِهَا. فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، وَأَحْضَرَ أَمَامَهُ كَبِيرَ وُزَرَائِهِ وَابْنَهُ، وَسَأَلَهُمَا أَنْ يُخْبِرَاهُ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ.

فَلَمْ يَسْتَطِعِ ابْنُ كَبِيرِ الْوُزَرَاءِ أَنْ يَكْتُمَ الْإِمْبِرَاطُورَ شَيْئًا مِمَّا حَدَثَ فِي اللَّيَالِي الثَّلَاثِ. ثُمَّ ارْتَمَى عَلَى قَدَمَيِ الْإِمْبِرَاطُورِ بَاكِيًا؛ يَسْأَلُهُ أَنْ يُخْلِيَ سَبِيلَهُ، وَأَنْ يُعْفِيَهُ مِنْ الْبَقَاءِ مَعَ الْأَمِيرَةِ.

•••

وَلَمْ يَكُنْ أَحَبَّ إِلَى الْإِمْبِرَاطُورِ مِنْ هَذَا الطَّلَبِ؛ فَقَدْ ذَكَرَ وَعْدَهُ أُمَّ «عَلَاءِ الدِّينِ»، وَأَيْقَنَ أَنَّ كُلَّ مَا حَدَثَ لِابْنَتِهِ — مِنْ حِرْمَانِهَا أَنْ تَسْعَدَ بِزَوْجِهَا — إِنَّمَا كَانَ انْتِقَامًا مِنَ اللهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِوَعْدِهِ.

وَعَلِمَ «عَلَاءُ الدِّينِ» مِنَ الْجِنِّيِّ كُلَّ مَا حَدَثَ؛ فَفَرِحَ أَشَدَّ الْفَرَحِ.

(٥) بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ

وَصَبَرَ «عَلَاءُ الدِّينِ» حَتَّى انْقَضَى الشَّهْرُ الثَّالِثُ، وَأَرْسَلَ أُمَّهُ إِلَى الْإِمْبِرَاطُورِ، لِتُذَكِّرَهُ بِوَعْدِهِ.

وَمَا إِنْ رَآهَا الْإِمْبِرَاطُورُ حَتَّى نَادَاهَا. فَتَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ مُتَأَدِّبَةً، وَرَكَعَتْ أَمَامَهُ خَاشِعَةً، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: «جِئْتُ إِلَى الْإِمْبِرَاطُورِ لِأُذَكِّرَهُ بِوَعْدِهِ، بَعْدَ أَنْ انْقَضَتْ ثَلَاثَةُ الأَشْهُرِ.»

فَأَقَرَّ الْإِمْبِرَاطُورُ أَنَّهُ مُنْجِزٌ مَا وَعَدَهَا بِهِ، وَالْتَفَتَ إِلَى كَبِيرِ وُزَرَائِهِ، يَسْأَلُهُ عَنْ رَأْيِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَرَى أَلَّا يَسْمَحَ الْإِمْبَرَاطُورُ بِتَزْوِيجِ الْأَمِيرَةِ بِرَجُلٍ مَجْهُولٍ أَصْلُهُ؛ فَرُبَّمَا كَانَ غَيْرَ كُفْءٍ (غَيْرَ أَهْلٍ) لِمُصَاهَرَةِ إِمْبِرَاطُورِ الصِّينِ الْعَظِيمِ. وَلَسْتُ أَرَى وَسِيلَةً لِلْخُرُوجِ مِنْ هَذَا الْمَأْزِقِ (لِلْخَلَاصِ مِنْ هَذَا الضِّيقِ)، إِلَّا أَنْ نَشْتَطَّ (نَحْكُمَ حُكْمًا جَائِرًا) فِي طَلَبِ مَهْرِ الْأَمِيرَةِ حَتَّى نُعْجِزَهُ، وَنُسَوِّغَ رَفْضَنَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ نَنْقُضَ عَهْدَنَا.»

فَالْتَفَتَ الْإِمْبَرَاطُورُ إِلَى أُمِّ «عَلَاءِ الدِّينِ»، وَقَالَ لَهَا: «لَسْتُ أَرَى مَانِعًا مِنْ تَحْقِيقِ طِلْبَتِكِ. وَلَكِنَّ مَهْرَ الْأَمِيرَةِ غَالٍ، لَا يَسْتَطِيعُهُ وَلَدُكِ؛ فَإِنِّي أَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ لِلْأَمِيرَةِ أَرْبَعِينَ صَحْفَةً مَمْلُوءَةً بِأَمْثَالِ اللَّآلِئِ الَّتِي قَدَّمْتِهَا إِلَيَّ فِي الْمَرَّةِ السَّابِقَةِ.»

فَعَادَتْ أُمُّ «عَلَاءِ الدِّينِ» يَائِسَةً (لَا أَمَلَ عِنْدَهَا)، وَقَدْ أَيْقَنَتْ أَنَّ وَلَدَهَا أَعْجَزُ مِنْ أَنْ يُحَقِّقَ هَذَا الطَّلَبَ الَّذِي لَا سَبِيلَ إِلَى تَحْقِيقِهِ.

(٦) مَهْرُ الْأَمِيرَةِ

وَمَا إِنْ أَخْبَرَتْ وَلَدَهَا «عَلَاءَ الدِّينِ» بِمَا حَدَثَ، حَتَّى امْتَلَأَتْ نَفْسُهُ سُرُورًا. وَأَسْرَعَ إِلَى الْمِصْبَاحِ فَفَرَكَهُ، وَطَلَبَ إِلَى الْجِنِّيِّ أَنْ يُحْضِرَ لَهُ أَرْبَعِينَ صَحْفَةً مَمْلُوءَةً بِاللَّآلِئِ الَّتِي يَطْلُبُهَا الْإِمْبِرَاطُورُ، وَأَرْبَعِينَ تَابِعًا يَحْمِلُونَهَا، وَأَرْبَعِينَ خَادِمًا يَتَقَدَّمُونَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ أَفْخَرُ الثِّيَابِ وَأَنْفَسُهَا.

وَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ قَصِيرٌ حَتَّى أَحْضَرَ لَهُ الْجِنِّيُّ كُلَّ مَا طَلَبَ؛ فَدَهِشَتْ أُمُّ «عَلَاءِ الدِّينِ» مِمَّا رَأَتْ. وَطَلَبَ إِلَيْهَا وَلَدُهَا أَنْ تَذْهَبَ بِهَذِهِ الْهَدَايَا الثَّمِينَةِ إِلَى قَصْرَ الْإِمْبِرَاطُورِ؛ حَتَّى لَا يَضِيعَ الْوَقْتُ.

وَمَا إِنْ خَرَجَتْ — وَمَعَهَا الْأَتْبَاعُ وَالْخَدَمُ — حَتَّى عَجِبَ النَّاسُ مِمَّا رَأَوْا أَشَدَّ الْعَجَبِ.

وَاشْتَدَّتْ دَهْشَةُ الْإِمْبِرَاطُورِ مِنْ تَحْقِيقِ مَطْلَبِهِ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ الْعَجِيبَةِ. فَالْتَفَتَ إِلَى كَبِيرِ وُزَرَائِهِ، وِسَأَلَهُ عَنْ رَأْيِهِ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُعَارِضَ فِي زَوَاجِ «عَلَاءِ الدِّينِ» بِالْأَمِيرَةِ، بِرَغْمِ حِقْدِهِ عَلَيْهِ، وَغَيْرَتِهِ مِنْهُ. فَالْتَفَتَ الْإِمْبِرَاطُورُ إِلَى السَّيِّدَةِ، وَقَالَ لَهَا: «لَقَدْ قَبِلْتُ مَا تَطْلُبِينَ، وَاشْتَقْتُ إِلَى رُؤْيَةِ وَلَدِكِ؛ لِأُزَوِّجَهُ الْأَمِيرَةَ: بَدْرَ الْبُدُورِ.»

فَشَكَرَتِ الْإِمْبِرَاطُورَ عَلَى عَطْفِهِ أَحْسَنَ الشُّكْرِ، وَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الْخُرُوجِ، فَأَذِنَ لَهَا الْإِمْبِرَاطُورُ. وَسَارَتْ فِي طَرِيقِهَا إِلَى مَنْزِلِهَا مُبْتَهِجَةً بِنَجَاحِهَا أَشَدَّ الِابْتِهَاجِ.

وَمَا إِنْ أَخْبَرَتْ وَلَدَهَا «عَلَاءَ الدِّينِ» أَنَّ الْإِمْبِرَاطُورَ يَدْعُوهُ إِلَى زِيَارَتِهِ لِيُزَوِّجَهُ بْابْنَتِهِ الْأَمِيرَةِ: «بَدْرِ الْبُدُورِ» حَتَّى امْتَلَأَتْ نَفْسُهُ بَهْجَةً وَسُرُورًا، وَخَرَّ رَاكِعًا شُكْرًا لِلهِ عَلَى نَجَاحِهِ، وَنَيْلِ أُمْنِيَّتِهِ الَّتِي كَادَ يَيْأَسُ مِنْ بُلُوغِهَا.

(٧) فِي الْحَمَّامِ

وَلَمْ يَتَوَانَ «عَلَاءُ الدِّينِ» (لَمْ يَتَأَخَّرْ لَحْظَةً) فِي انْتِهَازِ هَذِهِ الْفُرْصَةِ الثَّمِينَةِ، فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ الثَّانِيَةَ، وَأَحْضَرَ مِنْهَا الْمِصْبَاحَ وَفَرَكَهُ؛ فَحَضَرَ إِلَيْهِ الْجِنِّيُّ فِي الْحَالِ، وَسَأَلَهُ قَائِلًا: «مُرْنِي بِمَا تَشَاءُ.»

فَقَالَ لَهُ «عَلَاءُ الدِّينِ»: «لَقَدْ دَعَانِي الْإِمْبِرَاطُورُ إِلَى زِيَارَتِهِ، فَهَيِّئْ لِي حَمَّامًا فَاخِرًا لِأَسْتَحِمَّ فِيهِ، وَأَحْضِرْ لِي أَثْمَنَ ثِيَابٍ لِأَلْبَسَهَا.»

وَمَا إِنْ أَتَمَّ قَوْلَهُ حَتَّى حَمَلَهُ الْجِنِّيُّ، وَطَارَ بِهِ، وَأَنْزَلَهُ فِي حَمَّامٍ بَدِيعٍ، مَصْنُوعٍ مِنَ الرُّخَامِ الثَّمِينِ الْمُخْتَلِفِ الْأَلْوَانِ. فَجَلَسَ فِي بَهْوٍ (حُجْرَةٍ وَاسِعَةٍ فَسِيحَةٍ) لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ، ثُمَّ خَلَعَ ثِيَابَهُ وَاسْتَحَمَّ. وَعُنِيَ الْجِنِّيُّ وَأَعْوَانُهُ بِخِدْمَتِهِ، وِأَحْضَرُوا لَهُ أَحْسَنَ أَنْوَاعِ الْعُطُورِ وَالطِّيبِ، ثُمَّ أَلْبَسُوهُ ثِيَابًا مُوَشَّاةً (مُزَيَّنَةً) بِاللَّآلِئِ النَّادِرَةِ الَّتِي لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا فِي قَصْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ نَفْسِهِ.

فَدَهِشَ «عَلَاءُ الدِّينِ» مِمَّا رَأَى. ثُمَّ طَلَبَ مِنَ الْجِنِّيِّ أَنْ يُحْضِرَ لَهُ فَرَسًا مُسَرَّجًا (عَلَيْهِ السَّرْجُ)، مُطَهَّمًا (تَامَّ الْحُسْنِ)، وَعِشْرِينَ خَادِمًا، عَلَيْهِمْ أَفْخَرُ الثِّيَابِ، يَحْمِلُونَ صِحَافًا كَبِيرَةً مَمْلُوءَةً بِأَنْفَسِ اللَّآلِئِ، يَسِيرُونَ أَمَامَهُ، وَعِشْرِينَ مِثْلَهُمْ يَسِيرُونَ خَلْفَهُ؛ ثُمَّ يُحْضِرُ سِتَّ جَوَارٍ مُرْتَدِيَاتٍ أَفْخَرَ الْمَلَابِسِ؛ لِيَسِرْنَ (لِيَمْشِينَ) مَعَ أُمِّهِ، وَيُحْضِرَ عَشَرَةَ أَكْيَاسٍ، فِي كُلِّ كِيسٍ أَلْفُ دِينَارٍ ذَهَبًا.

(٨) فِي الطَّرِيقِ إِلَى الْقَصْرِ

وَمَا انْتَهَى «عَلَاءُ الدِّينِ» مِنْ قَوْلِهِ، حَتَّى اسْتَخْفَى الْجِنِّيُّ لَحْظَةً ثُمَّ عَادَ وَمَعَهُ كُلُّ مَا أَمَرَهُ بِهِ «عَلَاءُ الدِّينِ».

ثُمَّ سَارَ «عَلَاءُ الدِّينِ» وَوَالِدَتُهُ فِي مَوْكِبِهِ الْفَخْمِ، بَعْدَ أَنْ أَعْطَى أُمَّهُ أَرْبَعَةَ أَكْيَاسٍ، وَتَرَكَ السِّتَّة الْبَاقِيَةَ فِي أَيْدِي خَدَمِهِ؛ لِيُوَزِّعُوهَا — فِي أَثْنَاءِ سَيْرِهِ — عَلَى الْجُمْهُورِ الْمُحْتَشِدِ (الْمُتَجَمِّعِ).

figure

وَمَا زَالَ سَائِرًا — وَالنَّاسُ يَحْتَشِدُونَ عَلَى جَانِبَيِ الطَّرِيقِ، وَيَهْتِفُونَ بِهِ، مُعْجَبِينَ بِكَرَمِهِ، مَدُهُوشِينَ مِنْ فَخَامَةِ مَوْكِبِهِ — حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْقَصْرِ، حَيْثُ وَضَعَ الْخَدَمُ الْهَدَايَا أَمَامَ الْإِمْبِرَاطُورِ.

(٩) فِي قَصْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ

وَمَا إِنْ دَخَلَ الْقَصْرَ، حَتَّى قَابَلَهُ الْوُزَرَاءُ وَحَاشِيَةُ الْإِمْبِرَاطُورِ وَرَحَّبُوا بِهِ، وَسَارُوا مَعَهُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْعَرْشِ. فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَمَامَهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَمَنَعَهُ الْإِمْبِرَاطُورُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَعَانَقَهُ، وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ.

figure

فَشَكَرَ لَهُ «عَلَاءُ الدِّينِ» أَحْسَنَ الشُّكْرِ، وَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: «لَنْ أَنْسَى لِلْإِمْبِرَاطُورِ هَذِهِ الْعِنَايَةَ الَّتِي خَصَّنِي بِهَا، وَسَأَظَلُّ — طُولَ حَيَاتِي — خَادِمَهُ وَوَلَدَهُ الْمُخْلِصَ الْأَمِينَ.»

فَشَكَرَ لَهُ الْإِمْبِرَاطُورُ أَدَبَهُ وَظُرْفَهُ. وَجَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ قَلِيلًا، حَتَّى جَاءَ وَقْتُ الْغَدَاءِ، فَسَارَا مَعًا إِلَى قَاعَةٍ فَخْمَةٍ، وَجَلَسَ الْإِمْبِرَاطُورُ مَعَ صِهْرِهِ «عَلَاءِ الدِّينِ»، وَوُزَرَائِهِ وَحَاشِيَتِهِ عَلَى مَائِدَةٍ فَاخِرَةٍ، وَأَكَلُوا جَمِيعًا. وَدَارَتِ الْأَحَادِيثُ بَيْنَهُمْ؛ فَأُعْجِبَ الْإِمْبِرَاطُورُ بِذَكَاءِ «عَلَاءِ الدِّينِ» وَبُعْدِ نَظَرِهِ، وَأَصَالَةِ رَأْيِهِ (صَوَابِهِ)، وَحُسْنِ أَدَبِهِ.

figure

فَلَمَّا انْتَهَوْا مِنَ الْأَكْلِ، أَمَرَ الْإِمْبِرَاطُورُ بِاسْتِدْعَاءِ قَاضِي الْقُضَاةِ، لِيُزَوِّجَ «عَلَاءَ الدِّينِ» بِالْأَمِيرَةِ «بَدْرِ الْبُدُورِ».

(١٠) فِي الْقَصْرِ الْجَدِيدِ

ثُمَّ أَظْهَرَ لَهُ الْإِمْبِرَاطُورُ اسْتِعْدَادَهُ لِإِقَامَةِ حَفَلَاتِ الْعُرْسِ فِي قَصْرِهِ، إِذَا شَاءَ. فَقَالَ لَهُ «عَلَاءُ الدِّينِ»: «أَرْجُو أَنْ يَأْذَنَ لِيَ الْإِمْبِرَاطُورُ أَنْ أُشَيِّدَ (أَبْنِيَ) قَصْرًا جَدِيدًا لِلْأَمِيرَةِ، أَمَامَ قَصْرِهِ.»

فَأَذِنَ لَهُ الْإِمْبِرَاطُورُ فِي ذَلِكُمْ. وَلَمَّا حَانَ وَقْتُ الِانْصِرَافِ، سَلَّمَ «عَلَاءُ الدِّينِ» عَلَى الْإِمْبِرَاطُورِ، وَعَادَ إِلَى بَيْتِهِ مَعَ أُمِّهِ مَسْرُورًا.

وَمَا إِنْ وَصَلَا إِلَى الْبَيْتِ، حَتَّى أَحْضَرَ «عَلَاءُ الدِّينِ» مِصْبَاحَهُ الْعَجِيبَ، وَفَرَكَهُ؛ فَحَضَرَ الْجِنِّيُّ مِنْ وَقْتِهِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِمَا يَشَاءُ. فَقَالَ لَهُ «عَلَاءُ الدِّينِ»: «أُرِيدُ أَنْ تُشَيِّدَ لِي — فِي أَقْصَرِ وَقْتٍ مُسْتَطَاعٍ — قَصْرًا فَاخِرًا أَمَامَ قَصْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ، وَأَنْ تَخْتَارَ أَحْجَارَهُ مِنَ الْعَقِيقِ وَالْمَرْمَرِ وَاللَّازَوَرْدِ (وَهُوَ حَجَرٌ كَرِيمٌ لَوْنُهُ أَزْرَقُ صَافٍ)، وَأَنْ تُشَيِّدَ لِي فِي أَعْلَى الْقَصْرِ حُجْرَةً فَسِيحَةً، فِيهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ نَافِذَةً، مُرَصَّعَةً (مُحَلَّاةً) بِأَثْمَنِ أَحْجَارِ الْمَاسِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ، وَأَنْ تَحُوطَ الْقَصْرَ بِحَدِيقَةٍ كَبِيرَةٍ، ثُمَّ تُحْضِرَ لِي صُنْدُوقًا مَمْلوءًا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَتُجَمِّلَ هَذَا الْقَصْرَ بِأَفْخَرِ أَنْوَاعِ الْأَثَاثِ وَالْخَدَمِ وَالْجَوَارِي، وَكُلِّ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْجِيَادِ الْفَاخِرَةِ الْمُطَهَّمَةِ (الَّتِي اجْتَمَعَتْ لَهَا كُلُّ مَزَايَا الْحُسْنِ).»

فَقَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ: «سَمْعًا وَطَاعَةً لَكَ يَا مَوْلَايَ.» ثُمَّ انْصَرَفَ الْجِنِّيُّ.

وَكَانَتِ الشَّمْسُ قَدْ مَالَتْ لِلْغُرُوبِ، فَجَلَسَ «عَلَاءُ الدِّينِ» مُغْتَبِطًا، يُفَكِّرُ فِي السَّعَادَةِ الَّتِي تَنْتَظِرُهُ، وَيَشْكُرُ اللهَ عَلَى تَوْفِيقِهِ. وَبَاتَ لَيْلَتَهُ قَرِيرَ الْعَيْنِ، هَادِئَ النَّفْسِ، مُرْتَاحَ الْقَلْبِ. حَتَّى لَاحَ الصَّبَاحُ. وَمَا إِنِ اسْتَيْقَظَ حَتَّى مَثَلَ أَمَامَهُ الْجِنِّيُّ، وَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ تَمَّ بِنَاءُ الْقَصْرِ — يَا مَوْلَايَ — فَهَيَّا (أَقْبِلْ) لِتَرَاهُ».

ثُمَّ طَارَ بِهِ لَحْظَةً، حَتَّى وَصَلَا إِلَى الْقَصْرِ. فَرَأَى «عَلَاءُ الدِّينِ» مَا أَدْهَشَهُ وَسَحَرَ لُبَّهُ (فَتَنَ عَقْلَهُ)، وَوَجَدَ أَكْثَرَ مِمَّا طَلَبَهُ مِنَ الْجِنِّيِّ. ثُمَّ سَأَلَهُ الْجِنِّيُّ: «مَاذا تُرِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ؟»

فَطَلَبَ إِلَيْهِ «عَلَاءُ الدِّينِ» أَنْ يُحْضِرَ بِسَاطًا كَبِيرًا يَفْرُشُهُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي بَيْنَ قَصْرِهِ وَقَصْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ؛ لِتَسِيرَ عَلَيْهِ الْأَمِيرَةُ: «بَدْرُ الْبُدُورِ» حِينَ تَخْرُجُ مِنْ قَصْرِ أَبِيهَا إِلَى قَصْرِهَا الْجَدِيدِ.

figure

فَغَابَ الْجِنِّيُّ عَنْهُ لَحْظَةً، ثُمَّ أَحْضَرَ الْبِسَاطَ، وَسَأَلَهُ: «مَاذَا يُرِيدُ مَوْلَايَ بَعْدَ ذَلِكَ؟» فَشَكَرَ لَهُ «عَلَاءُ الدِّينِ» أَحْسَنَ الشُّكْرِ، وَانْصَرَفَ الجِنِّيُّ إِلَى سَبِيلِهِ. وَعَادَ «عَلَاءُ الدِّينِ» إِلَى بَيْتِهِ الْقَدِيمِ؛ فَأَحْضَرَ مِصْبَاحَهُ الْعَجِيبَ، وَوَضَعَهُ فِي حُجْرَةٍ مِنَ الْقَصْرِ الْجَدِيدِ.

(١١) الْإِمْبِرَاطُورُ فِي قَصْرِ «عَلَاءِ الدِّينِ»

ثُمَّ أَسْرَعَ «عَلَاءُ الدِّينِ» إِلَى الْإِمْبِرَاطُورِ، وَدَعَاهُ إِلَى زِيَارَةِ قَصْرِهِ الْجَدِيدِ الَّذِي شَيَّدَهُ لِلْأَمِيرَةِ: «بَدْرِ الْبُدُورِ».

وَكَانَ الْإِمْبِرَاطُورُ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ وَاقِفًا مَعَ كَبِيرِ وُزَرَائِهِ يَنْظُرَانِ إِلَى قَصْرِ «عَلَاءِ الدِّينِ» — الَّذِي تَمَّ إِنْشَاؤُهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ — بِدَهْشَةٍ وَحَيْرَةٍ شَدِيدَتَيْنِ. وَكَانَ كَبِيرُ الْوُزَرَاءِ حَاقِدًا عَلَى «عَلَاءِ الدِّينِ»، مُنْطَوِيًا عَلَى عَدَاوَتِهِ وَبُغْضِهِ؛ لِأَنَّهُ صَاهَرَ الْإِمْبِرَاطُورَ، بَعْدَ أَنْ عَجَزَ ابْنُهُ عَنْ مُصَاهَرَتِهِ، وَالتَّزَوُّجِ بِابْنَتِهِ.

فَقَالَ الْوَزِيرُ لِلْإِمْبِرَاطُورِ: «لَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ سَاحِرٌ. فَلَيْسَ فِي مَقْدُورِ إِنْسَانٍ — مَهْمَا يَنَلْ مِنَ الْغِنَى وَالْقُوَّةِ — أَنْ يُشَيِّدَ مِثْلَ هَذَا الْقَصْرِ الْفَخْمِ الْكَبِيرِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ.»

فَقَالَ لَهُ الْإِمْبِرَاطُورُ: «لَيْسَ عَجِيبًا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُقَدِّمَ لَنَا تِلْكَ الْهَدَايَا النَّفِيسَةَ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي خَزَائِنِ أَكْبَرِ الْمُلُوكِ!»

ثُمَّ جَاءَ «عَلَاءُ الدِّينِ»؛ فَانْقَطَعَ الْحَدِيثُ. وَهَشَّ لَهُ الْإِمْبِرَاطُورُ (تَبَسَّمَ وَارْتَاَحَ لِلِقَائِهِ) وَصَافَحَهُ هُوَ وَكَبِيرُ وُزَرَائِهِ.

وَمَا إِنْ دَعَاهُمَا «عَلَاءُ الدِّينِ» إِلَى زِيَارَةِ قَصْرِهِ، حَتَّى لَبَّاهُ الْإِمْبِرَاطُورُ مُبْتَهِجًا مَسْرُورًا. وَقَدْ أُعْجِبَ بِالْبِسَاطِ الْفَاخِرِ، الْمَصْنُوعِ مِنَ الْقَطِيفَةِ النَّادِرَةِ، الَّذِي فَرَشَهُ فِي طَرِيقِهِ، كَمَا أُعْجِبَ بِكُلِّ مَا رَآهُ فِي قَصْرِ «عَلَاءِ الدِّينِ».

ثُمَّ وَقَفُوا جَمِيعًا فِي الْحُجْرَةِ ذَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ نَافِذَةً؛ فَاشْتَدَّ عَجَبُ الْإِمْبِرَاطُورِ مِنْ حُسْنِ تَقْسِيمِهَا وَهَنْدَسَتِهَا، وَجَمَالِ نَوَافِذِهَا، وَفَخَامَةِ أَثَاثِهَا وَفِرَاشِهَا. وَمَا زَالُوا يَتَحَدَّثُونَ حَتَّى جَاءَ مَوْعِدُ الْغَدَاءِ؛ فَمُدَّتْ لَهُمْ مَائِدَةٌ حَافِلَةٌ، لَمْ يَرَ مِثْلَهَا الْإِمْبِرَاطُورُ فِي حَيَاتِهِ.

(١٢) «بَدْرُ الْبُدُورِ» فِي الْقَصْرِ الْجَدِيدِ

وَلَمَّا عَادُوا إِلَى قَصْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ، أَمَرَ الْإِمْبِرَاطُورُ بِدَقِّ الْطُّبُولِ، وَإِقَامَةِ زِينَةِ الْعُرْسِ — فِي كُلِّ أَنْحَاءِ الْمَدِينَةِ — ابْتِهَاجًا بِزَوَاجِ الْأَمِيرَةِ «بَدْرِ الْبُدُورِ» بِصَاحِبِنَا «عَلَاءِ الدِّينِ».

figure

وَمَا إِنْ حَانَ وَقْتُ الْمَسَاءِ، حَتَّى أَصْبَحَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا فِي عُرْسٍ وَضِيَاءٍ. وَقَدْ فَرِحَتِ الْأَمِيرَةُ «بَدْرُ الْبُدُورِ» بِقَصْرِهَا الْجَدِيدِ، كَمَا فَرِحَ «عَلَاءُ الدِّينِ» بِزَوَاجِهِ ابْنَةَ الْإِمْبِرَاطُورِ، وَتَمَّتْ لَهُمَا السَّعَادَةُ وَالْحُبُورُ.

وَكَانَ «عَلَاءُ الدِّينِ» كَثِيرًا مَا يَخْرُجُ لِلصَّيْدِ وَالْقَنْصِ عِدَّةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا عَادَ إِلَى قَصْرِهِ تَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمُعْوِزِينَ وَالْمُحْتَاجِينَ وَالْمَسَاكِينَ. وَكَانَ الإِمْبِرَاطُورُ — فِي كُلِّ يَوْمٍ — يَذْهَبُ إِلَى قَصْرِ ابْنَتِهِ «بَدْرِ الْبُدُورِ» فِي الصَّبَاحِ؛ فَيَزُورُهَا وَيُحَيِّيهَا، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى دِيوَانِهِ؛ فَيَحْكُمُ بَيْنَ الْمُتَقَاضِينَ بِالْعَدْلِ.

وَهَكَذَا مَضَى عَامٌ بِأَكْمَلِهِ، وَهُمْ فِي أَسْعَدِ حَالٍ، وَأَهْنَإِ بَالٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤