الفصل الثاني

(يمثل هذا المنظر الفخم «معبد الشمس» وقد مر عهد طويل على وقوع حوادث الفصل الأول وأخذ الرومانيون يحاربون التدمريين بعد أن خافوا من امتداد نفوذهم وأوشكوا أن يشتبكوا معهم في معركة خطيرة حول أنطاكية. وهذا المشهد لصلاة كبرى في «معبد الشمس» استنجادًا على الأعداء، وقد حضرت الملكة وكبار حاشيتها وسراة المدينة وذوو الحيثيات المختلفة فيها نساء ورجالًا. وهذا المعبد أو الهيكل جامع لأروع النقوش الرمزية الدينية لعبادة الشمس، وقد وقف كبير الكهنة أمام المذبح وحوله أتباعه والمرتلات والمرتلون، وجلست الملكة وكبير وزرائها والفيلسوف لونجينوس وقائدها الأعظم، وجلس أعيان المملكة على الجانبين في صفين متقابلين، ويراعى إظهار رسم كبير مُذَهَّب للشمس على صدر الحائط الخلفي نافذة منه الأشعة الأرجوانية كما يوضع موقد للبخور مضاء بالنور الأحمر بالقرب من المذبح.)

المرتلون والمرتلات :
(الشَّمْسُ) حَيَاةُ الأَيَّامِ
وحَياةُ النَّاسِ وإنْ ضَلُّوا
ومَلَاذُ عزيزِ الأَحْلَامِ
للخَلْقِ، يدينُ لها (العَقْلُ)
ما (الكونُ) إذا (الشمسُ) انقرَضتْ
لا شيءَ، وحاشَا أنْ تَفْنَى
خَلَقَتْ (دُنيَا) وَحَبتْ (أُخْرى)
وكَفَتْ حُسنًا وَزَهَتْ حُسْنَا
في الصفوِ نناجيها أَمَلًا
في الهَمِّ نناشِدُها العَوْنَا
نسْتوْحي الحكمةَ والعَملَا
منها، ونَرُدُّ لها الدَّيْنَا
كبير الكهنة (دعاء) :
امْنَحي النُّورَ والهِدَايةَ حتى
نُبْصِر الحَقَّ والصَّوَابَ الحكيما
ربَّةَ الكَوْنِ أنتِ أيَّتُها (الشَّمـْ
ـسُ) فأعْطي النفوسَ خيرًا عميمًا
وانشري السلم فالحُرُوبُ وبالٌ
تنشرُ العسفَ والخرابَ الجَسيمَا
أنتِ نورُ الأنوارِ، أنتِ هُدَى الـ
إصلاحِ، ندْعوكِ أن تردِّي الأثيما
وانْصُري شَعْبَكِ الذي عاشَ بالإخـ
ـلاصِ، لا تتركيه يَشْقَى غريمَا
المرتلات والمرتلون وجميع الحاضرين (صلاة عامة في ركوع وخشوع) :
يا إلَهَ الضِّياءْ
يا إِلَهَ الحياهْ
يا شُعَاعَ الخلودْ
أَلهِمينا الرَّجاءْ
أَلهمينا النَّجاهْ
مِنْ عَدُوٍّ لدُودْ
منكِ سرُّ البقاءْ
للحُماةِ الكماءْ
يا حياةَ الجُنودْ
عندكِ الالتجاءْ
أنتِ أنتِ الإلهْ
الرحيمُ الوَدُودْ
كبير الكهنة :
بُورِكَتْ هذه الصلاةُ وبُورِكـْ
ـتُمْ بخيرٍ برَغمِ كلِّ عَدُو
قُوَّةُ الشَّعْبِ في اليقين وليستْ
قُوَّةُ الشعبِ مِنْ ضَلَال العُتُوِّ
نحْنُ شَعْبُ الشبابِ ما شَاخَ كالخصـْ
ـم، ولكنَّهُ قَرينُ النُّمُو
يترَامَى فنرْتَقِي نحنُ بالرَّغـ
ـمِ ونبقَى حياتَنَا في سُمُوِّ!

(تنهض الملكة وينهض الجميع إثرها.)

الملكة :
الآنَ أَرْجُو خَلْوَةً
برجالِ عَرْشي للمَشُورَهْ

(يخرج جميع الحاضرين بعد إبداء الاحترام للملكة، ويبقى معها كبير الكهنة والوزير الأعظم والقائد الأعظم والفيلسوف لونجينوس، وينشد الآخرون أثناء الخروج بانتظام النشيد الآتي.)

الخارجات والخارجون من المعبد :
جَلَّ هذا الدُّعَاءْ
والصَّلَاةُ الوَفِيَّهْ
للإله المُنيرْ
مُستعزَّا
إنما الاحتماءْ
للنُّفوسِ الأبيَّهْ
في عُلَاهُ الكبيرْ
دام حِرْزًا
للنُّفُوسِ الأبيَّهْ
نَفْتَدِي بالحياهْ
(تَدْمُرَ) الغاليهْ
نَفْتَدِي بالحياهْ
في تَفانِ
لَنْ نُذِلَّ الجِباهْ
للقُوَى العاتيهْ
لَنْ نُذِلَّ الجِباهْ
طَوْعَ جانِ
للقُوَى العاتيَهْ!
الملكة (جالسة وقد وقف تجاهها في احترام من بقي معها) :
بَعْدَ الذي حَدَّثتني فيما مضى
ما الرَّأيُ (پيلنيوس)؟١ ماذا يُرْتَجَى؟
ما دام (مارِسْيُوسُ)٢ يَبغي هَدْمنا
والجُندُ مُرْتَدٌّ فعُقبانا الدُّجَى؟
ما قُوَّةُ (الرُّومانِ) لَهْوًا … إنها
وَيلٌ … فهل أَعْدَدتَ منها مَخْرَجَا
هذا أوانٌ للشجاعةِ كلِّها
والعزمِ والجهدِ المُضَاعَفِ والحجَى
إن فاتَ رأيُكَ أو جهادُكَ لم نجدْ
رأيًا ولا جُهدًا مُغيثًا مُنتِجَا!
پيلنيوس (القائد الأعظم) :
هذا وَليُّ العَهد مأ
سُورٌ وقد حُمَّ القضاءْ
وَعدُوُّنا في زَحفِه
ملَكَ المسالكَ والفضاءْ
لكنَّني ما زلتُ أر
جُو أن يحلَّ به العناءْ
وأصونَ مُلْكك مِن فنا
ءٍ والبلادَ من البلاءْ
وجميعُ سُؤْلي أن أُجا
بَ لما سأَلتُ منَ الرضاءْ
الملكة :
أنتَ لي عُدَّةٌ وموضعُ إِكْبَا
ري فأهلٌ إذَنْ لكلِّ رضائي
أَنت عنوانُ قُوَّةِ الجيشِ غلَّا
بًا فعشْ سيدًا كبيرَ المَضاءِ
القائد الأعظم :
إنَّ سُؤلِي الحياةُ في شَرَفِ العَرْ
شِ … … …
الملكة (مقاطِعة) :
… … … …
لقد حُزْتَ كُلَّ فَخْرٍ لِعَرْشِي
فاذْهَب الآنَ للوَغَى ناصرَ (الشَّمْـ
ـسِ) فتحمي البلادَ مِنْ كُلِّ بَطْشِ
القائد الأعظم (يركع ويقبل يدها ثم ينشد) :
آنَ الودَاعُ إذنْ … فيا تَوْدِيعي
كُنْ لي على بُعْدِي أبرَّ شَفِيعِ
هَذَا دَمِي سيُرَاقُ في ساح الوَغَى
شَرَفًا، فَعيشي تَاجَ كلِّ رفيعِ
وَلَدَيْكِ أعْوَانٌ شُهُودٌ، كلُّهم
وافٍ لذكرِ عواطفي وصَنِيعي

(ينحني احترامًا للجميع ثم يخرج بعد الاستماع لنشيد التوديع الآتي.)

الجميع :
سِرْ للدِّفاع عن الكَرَا
مَة والحَضَارَةِ والمَفَاخِرْ
واحفظْ (لتدمر) مَجْدَها
مِنْ ذلك العادي المُكَابِرْ
فحِجَاكَ يومَ الرَّوْعِ قاهرْ!

(يسمع هذا النشيد خارج المسرح.)

الحاشية (خارج المعبد) :
هكذا هكذا
الجريءُ الشُّجَاعْ
فلْتنلْ ما تشاءْ
يا حليفَ الظَّفَرْ
ولتعدْ في جلالْ!
ولتعدْ في جلالْ!
لنْ يُصيبَ الأذَى
الرئيسَ المُطَاعْ
الشريفْ الإِباءْ
الحليفَ القَدَرْ
العديمَ المِثَالْ!
يا عظيمَ المآلْ!
الفيلسوف لونجينوس :
بإذنِكِ مولاتي أرى خَيْرَ نِعْمَةٍ
لتُهْدَى (لپيلنيوس) إنْ عَادَ ظافرا
بدًا (لمرندا) …
كبير الكهنة (غاضبًا) :
… حَسْبُكَ الآن لا تَزدْ
وَلَا تَكُ في هذي المشورة عاثرًا
وكم لكَ رأيٌ ردَّه الحِلْمُ فلْنَضَعْ
لنُصْحِكَ حَدًّا، واتْرُك النُّصْحَ ساخِرا!
الملكة :
أيُّ ذنبٍ جناه يا (ثاديُوسُ)؟!
إنَّما الحُبُّ ما تُعِزُّ النفوسُ
و(مِرَنْدَا) تُحبُّ طلعةَ (پيلنيو
سَ) حُبًّا، كذاك (پيلنيوسُ)
لم يُسئْكَ الصديق في نُصْحِهِ هـ
ـذا، ففيم الملامُ يا (ثادِيُوسُ)؟!
الفيلسوف لونجيوس :
حَسْبِي شهادتُكِ الكريمةُ هذه
ما رُمْتُ إلَّا الوُدَّ والتقديرَا
أيُلامُ مَنْ بَذَلَ المحبَّة ناصحًا
ويُعَدُّ من نَشر الخداعَ قديرا؟!
كبير الكهنة :
ما الذنبُ ذَنْبي بلومٍ
الذَّنْبُ ذنبُ صديقِي
فكم أشارَ برأيٍ
أدَّى لضيقٍ وضيقِ
وحَسْبُنَا الحربُ هذي
… … … …
الفيلسوف لونجينوس (متعجبًا عاتبًا) :
… … … …
ماذا؟ أهذا حقيقي؟
فيمَ الغُلُوُّ بعذْلٍ
وأنتَ دَوْمًا رفيقي؟!
فما نَصَحْتُ وحيدًا
في النُّصْحِ، أوْ في طريقي!٣
الملكة (عاذلة ناصحة) :
أَنْتُمَا (فَرْقَدَانِ) للمُلْكِ فَلْيَبـْ
ـقَ على المُلْكِ مِنْ هُدَى (الفرقدين)
ووزيري الأَجَلُّ (كالقمر) النا
شر (للشمس) نُورَهَا رغم بَيْنِ
هكذا أنتمو الثلاثة أضوا
ء حياةٍ وقُوَّةٍ ثم عَوْنِ
فدعوا مَسْلَكَ التَّنَابُذِ بَيْنَا خَصْمُنَا
غالبٌ، وكونوا لِصَوْنِ
كبير الكهنة :
يا رَبَّةَ التَاج عَفْوًا
فما أرَدْتُ الإساءهْ
وألف شكرٍ لشُكْرٍ
فأنتِ أصلُ الإضاءَهْ
الوزير الأعظم :
باسم المليكةِ قُلْ ما شِئتَ وانْبينَا
عما أَهَاجَكَ يا منْ عُدَّها دِينَا
كبير الكهنة :
بأمرِكِ الآن أرْوِي خشيتي وَجِلا
مِنْ قَائِدٍ ماكرٍ بالخُبثِ يُلْهيِنَا!
الجميع (في دهشة) :
ماذا تقولُ؟
كبير الكهنة :
… نَعَمْ! بالخبثِ يُلهينا
ويتركُ الخصمَ غلَّابًا فيُفنينا
وقد سمعتُ له تلميحَ مُجْتَرِئٍ
يَهْوَىَ من العرشِ حَظَّ المُرْتَجَى فينَا
فيُصْبِحُ المَلِكَ القَهارَ في وَطنٍ
قد صانَ مُلْكَك عَهْدَ الحُبِّ بل دِينَا
الجميع (في تعجب) :
ماذا تقولُ؟!
كبير الكهنة :
… سيُبدي يومَ حاجتنا
إليه ما كان يخفيه فيُشقينَا …
أمَّا فَتَاتي فلن أرضى مَحَبَّتهَا
له وقد بات خدَّاعًا يُراضينَا
وقد تَحِينُ أحايينٌ يُهدِّدُنا
بحيلةِ الخائنِ الجاني فيُرْدِينَا!
الملكة (متظاهرة بالدهشة) :
حيَّرْتني أيَّ حَيْرَهْ!
ماذا! أيَنْشُدُ ضَيْرَهُ؟!
هل جُنَّ أم باع مَجْدي
إلى عَدُوِّي الألَدِّ؟
أم حَنَّ جَهْلًا لِأصْلِهْ؟
إذنْ فَحُكْمي بقَتْلِهْ!
بئس الجنيبُ الدخيلُ
إذا عداه الجميلُ!
أمَّا فُؤادي وعَرْشِي
فمِلْكُ شعْبي ونعْشي!
أظل رَبَّةَ نَفْسي
حتى يُكَفَّنَ حِسِّي!
وَيْلٌ له مِنْ خَؤُونِ
ومِنْ أصيلِ الجُنُونِ
دَمِي فداءٌ لقَوْمي
ولن أُذَالَ بيَوْمِ!
الوزير الأعظم :
خَفِّفي عَنْك! بعضَ هذا فإِنِّي
لا أرى الخوفَ هكذا أُسَّ حِكْمَهْ
حَسْبُكِ اليَوْمَ يا مليكةُ أنَّا
حَوْلَكِ اليومَ: حَزْمُنا حَزْمُ أُمَّهْ!
الفيلسوف لونجينوس :
وأنا كذلك لن أديـ
ـنَ إلى الخيالِ والانزعاجْ
يكفي التعاونُ باحترا
سٍ في حِمى عَرْشٍ وتاجْ
ومن المليكةِ قدوةٌ
للشعب إنْ عمَّ الخَطَرْ
تُذْكِي شَجَاعتُهَا الجَبَا
نَ وتُلْهِمُ الجُهْدَ الحجَرْ!

(تنهض فيقف الحاضرون.)

الملكة :
إذنْ فلا تيأسوا
إذَنْ فقولوا معي

(ينشدون جميعًا مع الملكة البيتين التاليين.)

حَياتُنا لِلوغَى
للمَوْطِنِ المُوجَع!
هيهات أن يعتلي
الظالمُ المُدَّعي!
الحاشية (يسمع هذا الترديد في الخارج بينما الملكة ومن معها متجهون إلى باب المعبد للخروج) :
حَيَاتُنا لِلْوَغَى
للموطنِ الموُجَعِ!
هيهات أن يَعْتلي
الظالمُ المدَّعي!

(ثم تسدل الستارة العامة فورًا.)

١  پيلنيوس القائد الأعظم لجيشها.
٢  قائد الجيش الروماني المحارب للتدمريين.
٣  أو في خطتي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤