١٦ قصيدة صغيرة

(١) هنالك رجل

هنالك رجل تتهافت عليه النساء،
يكتب كل يوم في الجريدة الكبرى عمودًا،
يحمل لقب الكاتب الكبير أو المفكر أو خلافه،
تظهر صورته داخل البرواز يبتسم أو يكشر
بالوجه أو بالبروفيل.
يبلغ الهاوية بعد الهاوية حين يعلو،
يقتل فينا الضحية ويكافئ الجاني،
يمشي وراء الأباطرة مثل النعامة
أو الحمل الوديع.
يحفر في التاريخ اسمه واسم أبيه وجده،
قال لي يومًا: أحبك.
قلت له أظهر ما عندك،
ولم يكن عنده شيء
إلا ذلك الذي بين الفخذين.
القاهرة ١٩٧٥

(٢) نصف رجل

صديقتي زوجة لرجل له زوجتان،
يقسم حياته بينهما بالعدل والقسطاس؛
نصف لصديقتي والنص الآخر للمرأة الأخرى،
وجاءني رجل متزوج وقال لي أحبك.
قلت ماذا تريد؟
قال زوجة شرعية على سُنة الله والرسول.
قلت أنا امرأة كاملة ولا أقبل نصف رجل.
امتقع لونه واتهمني بالكفر،
صوب مسدسه نحو رأسي قائلًا:
الموت لمن لا تعرف الله.
صوبت مسدسي نحو رأسه وقلت:
الموت لأنصاف الرجال؛
هكذا تراجع وعاد إلى زوجته.
القاهرة ١٩٦٣

(٣) الذين رأوا الله

قال أحد الحكام إنه رأى الله.
ردَّ عليه أحد منافسيه قائلًا:
أنا رأيت الله قبل أن تراه أنت.
ردَّ آخر ينافسهم الحكم:
بل أنا الذي رأيته قبلكم؛
أمسكوا بتلابيب بعضهم البعض،
كل منهم يصرخ أنا رأيت الله قبل هذا المدَّعي.
قلت كلهم يدَّعون رؤية الله وما رآه أحد.
قالوا ألم ير الله أحد؟
قلت: بل أنا رأيته في طفولتي وأمي رأته في شبابها وجدتي رأته في كهولتها.
قالوا: كلامك كفر؛ فالله لا يظهر للنساء.
القاهرة ١٩٧٧

(٤) مكافأة الجاني وعقاب الضحية مرتين

كان يشتهي فتاة صعبة المنال،
لها عقل في رأسها تعتز به أكثر
من أي شيء في جسدها.
تعقبها حين خرجت من باب المدرسة
وخطفها مع ثلاثة آخرين،
في منزل مهجور اغتصبوها واحد وراء الآخر،
ثم ألقوها في الطريق،
أصدرت المحكمة قرارًا بإعدامهم الثلاثة؛
إلا أن واحدًا منهم تقدَّم للزواج منها.
هكذا عوقبت الضحية مرتين وكوفئ الجاني،
وأطلق سراح الثلاثة دون كفالة؛
حسب المادة ٢٩١ من القانون الحالي.
القاهرة ١٩٩٨

(٥) المحرم

كان مثل الأزواج سريع الغضب،
يقذف في وجه زوجته يمين الطلاق بلا سبب،
أو لأن رئيسه في العمل شخط فيه،
يصرخ بأعلى صوته طالق طالق طالق،
تصبح زوجته طالقًا بحسب القانون،
ثم يعيدها إليه حين يروح مزاجه،
أو حين يبتسم الرئيس في وجهه،
وفي مرة أراد إعادتها فوقف المُشرع ضده.
لا يا أخ لا يمكن إعادتها إليك دون محرم عقابًا لك على سرعة الغضب.
سألت المرأة لماذا أنام مع رجل آخر لا أريده؟
هذا عقاب لي وليس لزوجي؛
أنا التي ستنام معه وليس زوجي،
إلا أن المشرع لم يكن يسمع ما تقوله المرأة.
القاهرة ١٩٧٦

(٦) امرأة مختلفة

أنا امرأة كاملة الأنوثة،
لا أخضع لقانون الطاعة،
لا أنتف حاجبيَّ،
لا أتكحل ولا أتأرجح،
فوق كعبيَّ.
كلمتي شرف لا أخون العهد،
أستقبل أول شعاع في الصبح،
أشرب فنجان قهوتي،
وأكتب قصيدتي،
ثم أمشي في المدينة قبل غروب الشمس،
أحمل شمعتي؛
أبحث عن شخص واحد يصون الوعد،
يأتي في موعده ولا يتأخر،
ولا يتخلف مثل بقية الناس،
لا يقف مكتوف اليدين،
ولا يطأطئ الرأس
أمام الرئيس.
القاهرة ١٩٨٣

(٧) لصوص الشرف

لصوص الشرف رجال لا حديث لهم
إلا عن الشرف.
يمارسون الجنس داخل الزواج وخارجه
ويدعون الشرف.
يخونون زوجاتهم مع زوجات أخرى،
وعشيقات وجواري سوداوات وخادمات،
وأجنبيات بيضاويات وسكرتيرات،
ثم يدعون الشرف والولاء
للوطن،
ولا أحد يعاقبهم؛
لأن القانون معهم
والشرع والدستور.
القاهرة ١٩٩٠

(٨) تحت عيون الجميع

كان لي طفلة اسمها شجاعة،
تركتها مريضة في بغداد،
ترتجف في برد الشتاء،
بلا غذاء ولا دواء ولا غطاء.
فتحت الصحف بالأمس،
رأيت الأمريكي المريض بالجنس،
يتهمها بعدم الطاعة
لقانون الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة،
ومجلس الأمن ولجنة التفتيش.
ضربها بصاروخ كروز،
تحت عيون الجميع،
يتابعون المشهد بقلق.
حكامنا العرب
يتقابلون في السر مع القوى العظمى،
ويأخذون المعونات؛
كالشحاذين،
وأنا مربوطة في سريري بالقيود،
منزوعة السلاح مكتومة الصوت،
وطفلتي شجاعة تموت
تحت عيون الجميع.
القاهرة ١٩٩١

(٩) حكام العرب

أشعر بالخزي حين أراهم جالسين مؤدبين،
أمام رؤسائهم خارج الوطن؛
كالبنات العذراوات يبتسمون في حياء وخفر،
يسمعون الكلام يطيعون لا يرفعون الصوت
إن تكلموا.
لا يرفعون الساق إن جلسوا،
وإن وقفوا يضعون أيديهم معقودة فوق قلوبهم،
وإن عادوا إلى الوطن تنمَّروا.
يرفعون عقيرتهم من خلال الأبواق ومكبرات الصوت،
يجلسون متغطرسين واضعين الساق فوق الساق،
يكاد كعب حذائهم أن يخرق عين الجالس،
عن يمينهم أو عن يسارهم.
يحمل الواحد منهم لقب خادم الشعب،
وهو ليس إلا
جلَّاد الشعب.
القاهرة ١٩٩٣

(١٠) حكام العرب مرة أخرى

رجال في أبهى الثياب لا يجمعهم أحد إلا الرئيس الأمريكي؛
إلا الرئيس الأمريكي،
يحرضهم بعضهم على بعض،
يدخلون الحرب معه ضد بعضهم البعض،
وضد شعوبهم،
تحت اسم الشرعية الدولية أو الديمقراطية،
يدفع لهم لإسقاط بعضهم البعض،
يورطهم في خطته تحت وهم المعونة؛
يتنافسون لإرضائه وتجويع بلادهم،
وترويع رجالهم ونسائهم؛
يندمون بعد فوات الأوان،
يعقدون اجتماعًا تحت اسم
القمة العربية،
ثم يذهبون من حيث أتوا،
وتتكرر القصة.
القاهرة ١٩٩٩

(١١) قالوا لنا إنك عورة

أمنا التي ولدتينا وأطعمتينا ودفعت حياتك
بلا مقابل كي نعيش،
كوني رحيمة بنا لأننا تخلينا عنك؛
لأننا ضعفنا أمام سلطة أبوية لا ترحم،
وسلطة الدولة الأكثر قسوة،
ورجال العائلة الواحد بعد الآخر،
طمسوا جميعًا اسمك من ذاكرتنا،
أرادوا أن ننساكي إلى الأبد،
ولا نفخر بك،
ولا يشرفنا أن نحمل اسمك.
قالوا لنا إنك عورة،
يجب أن تختفي عن الأعين،
وحرمة يجب ألَّا يكون لها صوت.
لقد ضاق هذا الكون الواسع بوجودك يا أمنا،
مع أنك أصل الوجود.
خذينا إلى حضنك الدافئ الحنون،
إلى أول قطرة ماء وأول قضمة خبز،
إلى كلمتك الأولى عن الحب والعدل،
بعدها أصبحت الكلمات خناجر تغتالنا الواحد وراء الآخر.
القاهرة ١٩٨٤

(١٢) الإثم المعلق في التاريخ

في شهادة ميلادي كتبت أمي اسمي
حواء.
قال لأن كل شيء حي يخرج من حواء؛
لأن الفضيلة والشرف والخير يخرج من حواء،
لأن حواء هي الأولى التي ذاقت طعم المعرفة،
ولأن زوجها آدم تخلف عنها،
ولم يذق من المعرفة شيئًا إلا بعدها،
وبعد أن ألحت عليه وشجعته.
لولا حواء ما جاءت الإنسانية،
وما جاءت المعرفة.
لماذا إذن تلقى آدم من ربِّه كلمات فتاب عليه،
بالمفرد وليس بالمثنى ليشمل حواء معه؟!
القاهرة ١٩٩١

(١٣) من وحي قرار شيخ الأزهر «عمليات إعادة العذرية شرعية»

لن أعيد بكارتي

في طفولتي فقدت بكارتي،
في الحقيقة وفي الحلم فقدتها،
ومن ذاكرتي خلعتها.
بدأت أبتسم لإشراقة الشمس كل صبح،
أكتب قصيدتي وأنشرها على الناس،
أعزف لحني كما تعزف الطيور ألحانها؛
إلا أنهم جاءوا وسألوا:
أين بكارتك؟
قلت فقدتها في الطفولة.
قالوا سنعيدها إليك بمشرط الجراح.
قلت لن أعيدها أيها السادة،
وأترك لكم أيها السادة إن شئتم
حرية إعادة بكارتكم.
القاهرة ١٩٩٩

(١٤) ابنة إيزيس المصرية

أنا امرأة ولدتني أمي وتركتني طفلة
تحت سيطرة الدولة،
وكان لي أب شديد العداء للملك والإنجليز،
كان له أصدقاء وزملاء شباب يهتفون
ضد النظام،
تعلمت كل كلام ضد النظام،
أصبح لي سجن بدون نافذة،
وبيت داخله رجل يشبه السجان،
ولي حلم خطفه النسر،
ولي عقلي الخاص ونجمة في السماء؛
هي نجمتي،
وشجرة أعانقها في فناء السجن،
وتعلمت أن أكسر القاعدة والمألوف،
وأخرج عن النص والموروث،
فأنا امرأة من مصر.
القاهرة ١٩٨٨

(١٥) جدتي

كانت لي جدة في طفولتي،
تحكي أول قصص الحب،
تفتح الباب عند الفجر وتخرج عند الحقل،
تستقبل الندى على وجهها المكشوف،
تزرع وتروي وتعود تحمل المحصول،
أشم في جلبابها رائحة نوارات القطن،
وزهر البرتقال والتين والتوت،
عند الشروق تتصاعد رائحة خبزها،
وعند الغروب تملأ صحني بمرق الدجاج،
أدفن رأسي في صدري وأنام
لا أخشى الغزاة ولا أخشى الطغاة،
وأدوس بقدمي على صورة الملك،
وأهتف ضد الإنجليز.
القاهرة ١٩٩٢

(١٦) أمي

مَن وضع العداوة بيني وبينك؟
مَن جعلني أمد بصري إلى السماء
فلا أراك؟
وأمد بصري إلى التاريخ
فلا أجدك؟
وأمد بصري إلى الدنيا والدين والدولة
فلا أعثر على اسمك؟
لما يشطبون على اسمك يا أمي؟
وإن قلتُ أنا ابنتك يغضبون ويقولون:
أنت ابنة أبيك تحملين اسمه من المهد إلى اللحد،
وإن طلَّق أمك فهو ولي أمرك؛
فالمرأة لا ولاية لها،
وإن حملت لقب الوزير أو الرئيس.
القاهرة ١٩٩٧

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤