تكوين الضمير الإبداعي

مَن يحكم على العمل الإبداعي في بلادنا، فيقول هذه الرواية تجاوزت المحرمات الدينية أو الأخلاقية أو السياسية؟! وبالتالي لا بد أن تُمنع من النشر، ولا بد من عقاب مؤلفها؟

هذا السؤال هام، ومطلوب عمل حوار فكري عميق حوله؛ لأنه يمس أهم شيء في حياتنا، وهو العقل الإبداعي الذي يمكن أن يكتشف الجديد في العلم أو الأدب أو الفن أو الفلسفة أو السياسة أو الاقتصاد … إلخ.

إنه يمس صميم الأزمة الفكرية التي تعاني منها بلادنا، والتي تجعلنا مستهلكين للاكتشافات العلمية والفنية في العالم، وعاجزين عن إنتاجها أو المشاركة في إنتاجها.

والمشكلة تكمن في رأيي في كلمة واحدة هي «الخوف» الذي نتربى عليه من الطفولة، الخوف من العقاب في الدنيا أو الآخرة إن تجاوزنا المحرمات الموروثة والمفروضة علينا تحت اسم السياسة أو الدين أو الأخلاق.

إن كل اكتشاف علمي أو فني جديد قد اصطدم على نحو ما بالثالوث المحرم: «السياسة والدين والجنس».

لقد حُرق الفلاسفة والعلماء في تاريخ البشرية الذين تجرءوا على الكنيسة والنظام السياسي الحاكم، وتم إهدار دم المفكرين من النساء والرجال في جميع أنحاء العالم تحت اسم الدين أو الأخلاق، أو السلام الاجتماعي والسياسي.

وقد ثبت أن هؤلاء المبدعين والمبدعات الذين أُدينوا في حياتهم (من نظمهم السياسية والدينية) أنهم كانوا أكثر أخلاقًا وأكثر فضيلة من هؤلاء الذين حكموا عليهم.

لأن الأخلاق والفضيلة هي العدل والحرية والحب، إن النظم السياسية أو الاجتماعية أو الدينية التي لا تقوم على العدل والحرية والحب هي التي تعادي الفضيلة، وهي التي تنتهك الأخلاق والمحرمات، وليس المبدعين أو ذوي العقل الإبداعي الحر.

وفي بلادنا هناك فصل غريب بين ما يسمى الحرية والعدل، وبين ما يسمى الديمقراطية، لا زالت بلادنا العربية محكومة بنظم سياسية واقتصادية وثقافية بعيدة كل البعد عن العدل والحرية، ومع ذلك تسمى نفسها بلادًا ديمقراطية.

كأنما الديمقراطية هي فقط تكوين أحزاب وانتخابات، وقد ثبت في العالم اليوم أن هذه الديمقراطية زائفة؛ لأنها لا تقوم على الحرية الحقيقية أو العدل الحقيقي بين المواطنين نساءً ورجالًا، فقراء وأغنياء، حكامًا ومحكومين.

الحرية بدون عدل مثل السلام بدون عدل، نحن نرى هذه الخدعة التي تقاوم بها إسرائيل وأمريكا تحت اسم السلام لسلب الشعب الفلسطيني من حقوقه العادلة، هذه هي الديمقراطية الغريبة الزائفة، وقد كشفت تمامًا ولم تعد صالحة، وهي يبحثون الآن عن خدعة جديدة لتضليل الشعوب.

وبالمثل في الأعمال الإبداعية فإن مفهوم الحرية في بلادنا غير مفهوم؛ لأن الحرية والمسئولية هما وجهان لشيء واحد.

إذا تربى الإنسان المبدع منذ الطفولة على الحرية فإنه يكون مسئولًا عن عمله الإبداعي، وليس في حاجة إلى الحكومة أو وزارة الثقافة لتفرض عليه الوصاية.

إن الطفل الذي يتعود على الوصاية وانتظار الأوامر والتوجيهات يصبح حين يكبر هو الوزير الذي ينتظر الأوامر العليا، والتوجيهات من السيد الرئيس.

إن الطفلة أو الطفل الذي يتربى في جو من الحرية والجدل والمناقشة، بدلًا من القمع والطاعة، ينشأ مبدعًا حرًّا ومسئولًا في آن واحد عما يفعل وعما يكتب.

هذه الأزمة الفكرية في بلادنا تؤكد التناقض الذي نعيش فيه، أو الازدواجية الأخلاقية والسياسية والدينية التي تسود مجتمعاتنا.

في الوقت الذي نقدس فيه الشعب في موسم الانتخابات، ونعطيه حرية اختيار ممثليه في مجلس الشعب، فإن هذا الشعب يصبح قاصرًا وعاجزًا عن اختيار ما يقرأ من روايات؟!

لا شك أن الحكومة أو وزارة الثقافة (أو أي وزارة أخرى) ليس من حقها أو واجبها محاكمة المبدعين أو الحكم على الأعمال الإبداعية؛ لأن الضمير الإبداعي لدى موظف الحكومة (وإن كان وزيرًا) ليس أكثر وعيًا أو حرية أو مسئولية من ضمير المبدعين من الرجال أو النساء.

لكن السؤال: كيف يتكون الضمير الإبداعي إذا غابت الحرية؟ وكيف يتكون الإحساس بالمسئولية (تجاه الذات والآخر) إن غابت الحرية في البيوت والمدارس والجامعات والأحزاب والجمعيات؟!

هذه المعركة الأخيرة بين وزارة الثقافة والمثقفين تؤكد أننا في حاجة إلى طرح السؤال مرارًا وتكرارًا: مَن يحكم على العمل الإبداعي؟

أليس هو ضمير المبدع وإحساسه بالحرية والمسئولية تجاه القراء والقارئات من الشعب؟!

إن القراء هُم الحكم على الرواية أو العمل الإبداعي، وكثير من الأعمال الأدبية أو الروايات تسقط وحدها بسبب إعراض القراء والقارئات عنها، ذلك أن القارئ والروائي وجهان لشيء واحد، كلاهما حر ومسئول في آن واحد، ومن هنا ذلك المفهوم الجديد لما نسميه «القارئ المبدع» أي القارئ الذي يستطيع أن يكون قارئًا وناقدًا، والذي تربى على حرية الاختيار، وبالتالي مسئولية الحكم بنفسه على العمل الأدبي، ولا ينتظر القرارات الإدارية أو التوجيهات من أعلى.

إن الإبداع يتعلق بالخيال والأحلام والأفكار المسكوت عنها بسبب الخوف من العقاب أو الطمع في جائزة، هكذا نرى كم نخطئ في حق أنفسنا، وكم نلعب دورًا في قتل الضمير الإبداعي الحر حين يكون العقاب (أو الجوائز) هو الطريق الذي نتبعه للحكم على الأعمال الإبداعية.

نحن في حاجة إلى فصل وزارة الثقافة عن الأعمال الخاصة بمراقبة الأعمال الإبداعية أو الحكم عليها أو عقاب المؤلفين أو الأدباء أو غيرهم من المبدعين.

نحن في حاجة أيضًا إلى فصل وزارة الثقافة عن منح الجوائز الأدبية أو الإبداعية؛ لأن الثواب والعقاب وجهان لشيء واحد، والذي يمنح جائزة من حقه أيضًا أن يعاقب، فيحجب الجائزة، أو يصدر قرارًا بإقالة المبدع، وكلاهما عقاب.

نحن في حاجة إلى فلسفة جديدة للأخلاق والتربية تقوم على الحرية والمسئولية، وعلى الجدل والنقد، تكوين العقل النقدي؛ لأنه هو العقل الإبداعي.

وهذا يعني في النهاية «عدم الخوف»، كيف ينشأ الطفل والطفلة على الشجاعة والإقدام، وعدم الخوف من نقد السلطة الأعلى في البيت أو المدرسة أو الجامعة أو الحزب أو الوزارة أو المؤسسة التي يعمل بها؟!

لكن نحن نتربى على الخوف، نولد في الخوف ونموت في الخوف، نحن نخاف السلطة التي تحكمنا، ويمكن لها أن تشردنا وتجوعنا وتحبسنا، لكن السجن قد يكون أخف وطأة من تشويه السمعة الأدبية أو الإبداعية لمن يتجاوزون الخطوط الحمراء في الثالوث المحرم.

القاهرة، ١٥ يناير ٢٠٠١

(١) الزوجة المطيعة

قال لي أبي وأنا طفلة:
إن مريم العذراء كانت طاهرة،
حملت لقب زوجة الإله وأم الإله.
قال أبي كوني مثلها،
ولا تكوني مثل حواء الآثمة،
هكذا أطعت أبي وتزوجت الإله وأنجبت الإله؛
إلا أن الناس رجموني بالحجارة،
قطعوا رأسي فوق المقصلة،
دقوني بالمسامير فوق الصليب،
وناديت الإله زوجي وأنا أنزف النفس الأخير،
وقلت يا إلهي لماذا تخليت عن زوجتك المطيعة؟!
كما تخليت من قبل
عن ابنك المسيح.

(٢) أحلامها لم تتغير

جلست لأكتب وشريط الذكريات يعود بي إلى طفولتي، منذ دخلت المدرسة لأول مرة، وطلب منا المدرس أن نكتب أسماءنا فوق الكراسة، كتبت اسمي نوال، وإلى جواره كتبت اسم أمي زينب، هكذا دربتني أمي على الكتابة قبل أن أدخل المدرسة، لكن المدرس انتفض غاضبًا حين رأى اسم أمي، أمسك القلم وشطب عليه بالحبر الأحمر بلون الدم، وقال لي: يا حمارة اسم الأم لا يُكتب، اكتبي اسم أبيك وجدك والد أبيك، كتبت كلمة «السعداوي» ويدي ترتعش بالغضب، إنه اسم جدي الذي مات قبل أن أولد، رجل غريب عني لا أعرفه، وأمي التي أعرفها وأحبها يشطبون على اسمها.

منذ تلك اللحظة بدأت أحلم بعالم آخر لا يشطبون فيه على أسماء الأمهات، ولا أحد يسألني من هو أبوك؟ وما هو دينك؟ وما هو جنسك؟ وما هي جنسيتك؟ وما هي هويتك؟ وما هي عائلتك؟ وغيرها من الأسئلة لا نكف عن سماعها منذ أن نولد حتى نموت.

في قريتي وأنا طفلة كنت أرى الأطفال يرتعشون ويموتون كالكتاكيت قبل أن يبلغوا العام الأولى من العمر، من حولي أرى وجوه النساء ضامرة مشققة محروقة بالشمس، أجسامهن داخل الجلابيب السوداء المتربة، يخرجن قبل الفجر إلى الحقول حافيات، يشتغلن بالفئوس في الأرض ثم يعدن عند غروب الشمس، أشهدهن عائدات على الطريق الزراعية مع البهائم، ما أن يدخلن حتى يشعلن الفرن، أو الكانون، ويبدأن الطبخ والخبز والغسيل والكنس، ثم يحملن الزلع فوق رءوسهن ليجلبن الماء من النيل، وقت العشاء يجلس الرجال والأولاد والذكور يأكلون، بعد أن ينتهوا ويشبعوا تجلس النساء والبنات ليأكلن ما بقي من الرجال والأولاد.

وفي أول أيام العيد أرى النساء داخل جلاليبهن السود المتربة سائرات إلى المقابر حين يبكين على الموتى، تبكي الأم طفلها الذي صعدت روحه إلى السماء بسبب الجوع أو المرض، وتبكي الزوجة زوجها الذي مات بالبلهارسيا، أو أخاها أو أباها الذي ذهب إلى الحرب ولم يعد، أو ضربته سيارة مسرعة على الطريق، أو مات في السجن أو هاجر ولا تعرف له طريقًا.

كان ذلك في القرن الماضي في الأربعينيات، اليوم نحن في القرن الواحد والعشرين وبداية الألفية الثالثة، رغم ذلك حين أزور قريتي تبدو وجوه النساء كأنما لم تتغير، وجلاليبهن السوداء المتربة هي التي رأيتها منذ ستين عامًا، وبكاؤهن ونحيبهن في المقابر أول يوم العيد هو البكاء وهو النحيب، كأنما لم يتغير شيء في القرية، إلا أن مساحات الخضرة أصبحت أقل مما كانت، زحفت المباني من الطوب كالأورام السرطانية، وأكلت الزرع والحقول، لم تعد الشمس تدخل بيوت القرية كما كانت تدخل وأنا طفلة، أصبحت النوافذ مسدودة بجدران البيوت المجاورة، أصبح الهواء ثقيلًا بالدخان والغبار، والأزقة الضيقة أصبحت مسدودة بالسيارات المستوردة من كل نوع، أما كل بيت من الطين سيارة وكوم من السباخ أو القمامة.

ابنة عمتي زينب تبدو امرأة عجوز مجعدة الوجه ضامرة الجسم متورمة المفاصل، تجلس في مدخل البيت أمامها جهاز تليفزيون فوق منضدة خشبية مشققة، تتابع بعينيها المضعضعتين فيلمًا أمريكيًّا تتلوَّى فيه أجساد نساء نصف عاريات يُطلق الرصاص في كل اتجاه، وتضج القرية بأصوات عشرات الرجال يؤذنون للصلاة من فوق مآذن الجوامع ركبت عليها الميكروفونات، ترتفع أصواتهم إلى السماء، لا ينافسها في الارتفاع إلا الإعلانات عن سجائر مارلبورو وكوكاكولا وسفن أب وسبرايت على أعمدة الطرق الزراعية.

يتخلل عرض الفيلم مقاطع من الإعلانات عن غسول الشعر الأمريكي سان سيلك، تظهر امرأة عارية تحت الدش تغسل شعرها بالشامبو ذي الرغوة الغزيرة، تطل ساقاها البيضاوان من تحت الماء، يلي ذلك فقرة قصيرة دينية، يظهر شيخ وقور يتكلم بصوت رصين، يمتدح حجاب المرأة وطاعتها لزوجها، واحتشامها درءًا للفتنة، ثم تعود الفقرة الإعلانية ونرى امرأة لها شفتان مغريتان تحركهما في دلال وتضغط عليهما بقلم روج أحمر مستورد.

طوال هذا الوقت كله تجلس ابنة عمتي زينب أمام الشاشة، تشهد الصور المتعاقبة أمام عينيها، ومن باب الزريبة المفتوحة تطل البقرة أيضًا تتابع فوق الشاشة المضيئة، تمسح زينب حبات العرق فوق جبينها بطرف طرحتها السوداء، مفاصل أصابعها متورمة مشققة بمقبض الفأس حفرت به الأرض السنين، أكثر من نصف قرن.

عيناها سقطت رموشها، جفت فيها دموعها، تقرب فمها من أذني وتهمس: «من ستين سنة وأكثر لما كنت عيلة صغيرة في المدرسة الابتدائي كان نفسي أبقى دكتورة عشان أهرب من العيشة السودة دي، لكن الحلم راح، اشتغلنا زي العبيد في الأرض عشان نعلم أولادنا في المدارس، ودخلوا الجامعة واتخرجوا بعد التعب والشقا في المذاكرة، وتعبنا وشقانا في الأرض، وأَهُم زي ما انتي شايفاهم، قاعدين جنبنا في البيوت من غير شغل، أو واقفين صايعين في الشوارع، ما فيش شغل ولا وظايف، ولا الأرض بقت تجيب تمنها ولا تمن الشغل فيها، زمان كنا بنزرع أكلنا وناكل عيشنا، دلوقتي بقينا نشتري العيش ونشتري الأكل، حتى الفول المدمس اللي كنا بنزرعه في أرضنا بقينا نشتريه في علب جاية من بلاد بره، بيقولوا عليها كاليفورنيا.»

أراها ترمقني بعينيها الذابلتين كأنما تسألني، ولا أعرف ماذا أقول لها، وما هي أحلامي التي يمكن أن أحدثها عنها في بداية الألفية الجديدة؟ هل أقول لها إن هناك نهاية لهذا البؤس الذي تعيشه وأهل القرية؟ هل أقول لها إن الأحوال تزداد سوءًا عامًا وراء عام؟ إن مصر تنوء تحت عبء الديون الخارجية، وإن هناك عجزًا في الميزانية العامة، في التجارة والصناعة والزراعة، إن مصر تستورد طعامها، إن الفقراء يزدادون فقرًا، والأغنياء يزدادون ثراءً، وإن الفقر يصيب النساء أكثر لأنهن الشريحة الأضعف، الشريحة التي تطرد من سوق العمل بأجر بسبب البطالة، تحت اسم العودة إلى حظيرة الدين، هل أقول لها إن العالم يحكمه نظام فاسد قائم على القوة وليس الحق، وإن ٤٤٣ رجلًا فقط في العالم يملكون نصف ما يملكه ستة بليون من سكان الأرض؟ وإن هؤلاء الذين ينتجون ويتاجرون في الأسلحة يشعلون الحرب والفتن بين الناس تحت اسم اختلاف الدين أو العرق أو الهوية؟! وإنهم هم الذين يتاجرون بالمخدرات والعقاقير والأديان والبترول وصدام الحضارات؟ وإن الحكومات المحلية تعمل معهم ضد مصالح الأغلبية من البشر، هل أطلب منها أن تعمل أكثر هي التي لم تكف في حياتها عن العمل كل يوم من الشروق إلى الغروب؟

هل أقول لها إن المقهورات والمقهورين في بلاد العالم قد بدءوا يخلعون عن عقولهم الحجاب، يكتشفون الخديعة ويثورون ضد النظام العالمي الجديد والقديم، إن مظاهرات سياتل تتكرر في كل بلد، وإن الحواجز بين البشر سوف تسقط ويسقط معها النظام الدولي؟!

هل أشرح لها ماذا حدث في سياتل؟ هل أقول لها إن أحلامي منذ الطفولة هي أحلامي، وأنني حين أنام أشهد سقوط هذا النظام غير العادل؟ هل أقول لها إنها هي زكية بطلة روايتي «الإله يموت في حضن» زكية المرأة المكلومة الثكلى التي استطاعت أن تتحدى العمدة، وتكشف الصلة الخفية بين السلطة السياسية والسلطة الدينية في القرية؟

ثم دق جرس التليفون فوق مكتبي، جاءني صوت المحررة من لندن تسألني عن المقال، قلت لها كتبت نصفه فقط وباللغة العربية، قالت أرسليه بالفاكس، وسوف نجد له مترجمًا، ويمكنك إرسال النصف الباقي غدًا حتى يمكن نشر المقال بعد غد.

إلا أنني لم أكتب النصف الآخر من المقال، كنت أعرف أنني قلت ما أريد في النصف الأول، إن أحلامي لم تتغير منذ كنت طفلة صغيرة في القرية، تحلم بالحرية، تحلم أن الفروق بين البشر قد اختفت، فلا شيء يفرق المرأة عن الرجل، أو الأب عن الأم، أو الولد عن البنت، أو المسلم عن القبطي، أو العامل عن الفلاح عن العمدة، ألسنا جميعًا أولاد وبنات تسعة — كما كانت جدتي الفلاحة تقول — (تسعة يعني شهور حمل داخل الرحم) يستوي في ذلك الملك والغفير والغني والفقير والرجل والمرأة، صوت جدتي لا زال يسري في أذني — رغم مرور أكثر من ستين عامًا — «ربنا هو العدل عرفوه بالعقل» وإذا كان الله هو العدل فما الفرق بين دين ودين؟ لماذا لا تُلغى إذن خانة الدين من بطاقات الشخصية؟! ولماذا يشطبون على أسماء الأمهات فوق كراريس التلاميذ والتلميذات؟! السؤال الملح لم يفارق عقلي منذ دخلت المدرسة.

القاهرة ٢٠٠٠

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤