أوريوله

إن مدينة «كريفيلَنت» واقعة بحذاء سلسلة جبال جرد على ضفة نهير يشرب منه نخيلها، وسكان هذه البلدة اليوم عشرة آلاف نسمة، ومن القصبات المعدودة في تلك الناحية بلدة يقال لها: «توريفيجا Torrevija»، وهي بحرية سكانها ثمانية آلاف، متصلة بالقنت بترام كهربائي. وقرية يقال لها «غرانجة Granja Rocamora» يمر بها الخط الحديدي إلى مرسية، ولها جندل كبير في رأسه أطلال قصر عربي، وأما فلُّوزة شقورة فهي مدينة صغيرة يظنها الإنسان عربية إلى يومنا هذا، وهي واقعة بحذاء صخور وجنادل كبار، وفيها منازل كثيرة منحوتة في الصخر، وفيها من البرتقال والنخل شيء كثير، ومن هناك يدخل المسافر في أرض أوريولة Orihuela١ التي هي المثل البعيد في الخصب، ويقال لهذه البلدة: أوريولة وأوريوالة، وأريول ولها أيضًا اسم آخر، وهو تدمير، وهو اسم أميرها الذي سيأتي ذكره، وسكانها اليوم نحو من عشرين ألف نسمة، وهي واقعة على الضفة اليمنى من نهر شقورة.

وجاء ذكر أوريولة في معجم البلدان، قال ياقوت: أُوريولة — بالضم ثم السكون وكسر الراء وياء مضمومة ولام وهاء — مدينة قديمة من أعمال الأندلس من ناحية تدمير، بساتينها متصلة ببساتين مرسية. منها خلف بن سليمان بن خلف بن محمد بن فتحون الأريولي، يكنى أبا القاسم، روى عن أبيه، وأبي الوليد الباجي، وغيرهما، وكان فقيهًا أديبًا شاعرًا مفلقًا، واستقضي بشاطبة ودانية، وله كتاب في الشروط، وتوفي سنة ٥٠٥، وابنه محمد بن خلف بن سليمان بن خلف بن محمد بن فتحون الأريولي أبو بكر، روى عن أبيه وغيره، وكان معنيًّا بالحديث، منسوبًا إلى فهمه، عارفًا بأسماء رجاله، وله كتاب الاستلحاق على أبي عمر بن عبد البَر في كتاب الصحابة في سفرين، وهو كتاب حسن جليل، وكتاب آخر أيضًا في أوهام كتاب الصحابة المذكور، وأصلح أيضًا أوهام المعجم لابن قانع في جزء، ومات سنة ٥٢٠، وقيل سنة ٥١٩. ا.ﻫ.

وجاء ذكر أوريولة في صبح الأعشى، وقد عدَّها في مضافات مرسية. وذكرها الشريف الإدريسي، وقال: إنها من كورة تدمير. وقال ياقوت في معجم البلدان على تدمير ما يلي: تدمير بالضم ثم السكون وكسر الميم وياء ساكنة وراء كورة بالأندلس، تتصل بأحواز كورة جيَّان، وهي شرقي قرطبة، ولها معادن كثيرة ومعاقل ومدن ورساتيق تذكر في مواضعها، وبينها وبين قرطبة سبعة أيام للراكب القاصد، وبسير العساكر أربعة عشر يومًا، وتجاور تدمير الجزيرتان وجزيرة يابسة (يريد بالجزيرتين ميورقة ومينورقة اللتين ثالثتهما يابسة)، قال أبو عبد الله محمد بن الجداد الشاعر المفلَّق الأندلسي:

يا غائبًا خطرات القلب محضره
الصبر بعدك شيء لست أقدره
تركت قلبي وأشواقي تفطِّره
ودمع عينيَّ آماقي تقطِّره
لو كنت تبصر في تدمير حالتنا
إذن لأشفقت مما كنت تبصره
فالنفس بعدك لا تخلى للذتها
والعيش بعدك لا يصفو مكدَّره
أُخفي اشتياقي وما أطويه من أَسَفٍ
على البريَّة والأشواق تظهره

وقال الأديب أبو الحسن علي بن جودي الأندلسي:

لقد هيَّج النيران يا أم مالك
بتدمير ذكرى ساعدتها المدامعُ
عشيَّة لا أرجو لنأيك عندها
ولا أنا أن تدنو مع الليل طامعُ

وينسب إليها جماعة منهم أبو القاسم طيب بن هارون بن عبد الرحمن التدميري الكناني، مات بالأندلس ٣٢٨. وإبراهيم بن موسى بن جميل التدميري — مولى بني أمية — رحل إلى العراق، ولقي ابن أبي خيثمة وغيره، وأقام بمصر إلى أن مات بها في سنة ثلاثمائة، وكان من المكثرين. انتهى.

وكتب ليفي بروفيسال في الانسيكلوبيدية الإسلامية ما يلي: تدمير Todmir اسم كورة من الأندلس كانت قاعدتها مرسية إلى أن انحلَّت الخلافة الأموية هناك، وإذا أخذنا بقول مؤلفي العرب يكون هذا الاسم مأخوذًا من «تيودومير Thiodomir» الوالي القوطي الذي كان في أيام فتح العرب للأندلس يمثِّل في بلاد مرسية سلطة لذريق ملك طليطلة. وأشهر ما اشتهر به هذا الرجل المعاهدة التي عاهده بها عبد العزيز بن موسى بن نصير، وقد ذكرها الضبي وعبد المؤمن الحميري، ونشرها المستشرق كازيري Casiri، وعلَّق عليها بحثًا طويلًا العالم كاسبار رميرو Remiro في كتابه تاريخ مرسية لعهد المسلمين.
وكورة تدمير عند العرب تجاور كورتي جيان وألبيرة، وأشهر مدنها لورقة وأوريولة وألقنت وقرطاجنة ومرسية،٢ وإذا شئت أن تعلم تاريخ هذه الكورة في أيام العرب، فانظر إلى الفصل المتعلق بمرسية من هذه المعلمة.

وقال المقري في نفح الطيب في أثناء كلامه على فتح الأندلس في أول الأمر: ومضى الجيش إلى تدمير، وتدمير اسم العلج صاحبها سمِّيت به، واسم قصبتها أوريولة، ولها شأن في المنعة، وكان ملكها علجًا داهيًا، وقاتلهم مضحيًا، ثم استمرت عليه الهزيمة في فحصها، فبلغ السيف في أهلها مبلغًا عظيمًا أفنى أكثرهم، ولجأ العلج إلى أوريولة في يسير من أصحابه لا يغنون شيئًا، فأمر النساء بنشر الشعور وحمل القصب والظهور على السور في زي القتال متشبهات بالرجال، وتصدَّر قدامهن في بقية أصحابه يغالط المسلمين في قوته على الدفاع عن نفسه، فكره المسلمون مراسه لكثرة ما عاينوه على السور وعرضوا عليه الصلح؛ فأظهر الميل إليه ونكَّر زيَّه، فنزل إليهم بأمان على أنه رسول، فصالحهم على أهل بلده ثم على نفسه وتوثَّق منهم، فلما تم له من ذلك ما أراد عرَّفهم بنفسه واعتذر إليهم بالإبقاء على قومه، وأخذهم بالوفاء بعهده، وأدخلهم المدينة فلم يجدوا فيها إلا العيال والذرية، فندموا على الذي أعطوه من الأمان، واسترجحوه فيما احتال به، ومضوا على الوفاء له، وكان الوفاء عادتهم … إلخ.

وجاء في كتاب «أخبار مجموعة» في فتح الأندلس وذكر أمرائها — رحمهم الله — والحروب الواقعة بها بينهم، ذكر قضية تدمير هذه، وهذا الكتاب أقدم ما كُتب في فتح العرب للأندلس، يظن أن تأليفه كان في أيام الحكم المستنصر بن عبد الرحمن الناصر، جاء في هذا الكتاب على الجيش الفاتح: ثم مضى إلى تدمير، وإنما سميت تدمير باسم صاحبها، إنما كان يقال لها أوريولة، فلقيهم صاحبها في جيش جحفل فقاتلهم قتالًا ضعيفًا، ثم انهزم في فحص لا يستر شيئًا؛ فوضع المسلمون فيهم السلاح حتى أفنوهم، ولجأ من بقي إلى المدينة أوريولة وليست فيهم بقية ولا عندهم مدفع، وكان تدمير صاحبهم مجربًا شديد العقل، فلما رأى أن لا بقية في أصحابه أمر النساء فنشرن شعورهن وأعطاهن القصب وأوقفهن على سور المدينة، وأوقف معهم بقية من بقي من الرجال في وجه الجيش حتى عقد على نفسه، ثم هبط بنفسه كهيئة الرسول، فاستأمن فأمِّنَ، فلم يزل يراوض أمير ذلك الجيش حتى عقد على نفسه الصلح وعلى أهل بلده، فصارت تدمير صلحًا كلها ليس منها عنوة قليل ولا كثير، وعاملهم على ترك أمواله في يديه، فلما فرغ أبرز لهم اسمه وأدخلهم المدينة، فلم يروا فيها أحدًا عنده مدفع، فندم المسلمون، ومضوا على ما أعطوه، وكتبوا بالفتوح إلى طارق، وأقام بتدمير مع أهلها رجال، ومضى عظم الجيش إلى طليطلة … إلخ. وسيرد هذا وما هو أوسع منه عند تاريخ الفتح العربي أيام طارق بن زياد وموسى بن نصير.٣

ذكر من انتسب إلى أوريولة، من أهل العلم

منهم أبو القاسم خلف بن محمد بن خلف بن سليمان بن خلف بن محمد بن فتحون، سمع أباه أبا بكر محمدًا، وأبا علي الصدفي، وأبا جعفر بن بشتغير، وأبا بكر بن العربي، وأجاز له جده أبو القاسم خلف بن سليمان في صغره، وأخذ القراءات عن أبي بكر بن عمَّار اللاردي، وعن أبي الحسن بن ميمون، وكتب إليه أبو عبد الله الخولاني، وابن رشد، وابن عتَّاب، وغيرهم، ومن أهل المشرق أبو الحسن بن مشرَّف والسلفي، وولِّي القضاء بمرسية للأمير أبي محمد بن عياض فَحُمِدَت سيرته، وتوجَّه عنه رسولًا إلى المغرب فأقام بمراكش مدة، وانصرف سنة ٥٤٣ بعد موت ابن عياض، ثم نقل إلى قضاء بلده أوريولة، وتولَّاه مدة طويلة مقتصرًا على جارٍ من طيِّب المستخلص القديم الذي لا شبهة فيه.

وكان من قضاة العدل، صارمًا في أحكامه، مهيبًا وقورًا، معروف السلف بالنباهة والعلم، وكان الأمير أبو عبد الله بن سعد يميِّزه في رجاله من غيره، ويوجب له الحظ؛ إذ كان المنظور إليه بمكانه، وأحد الأفراد في زمانه رجاحةً وجلالًا وقولًا بالحق وعملًا به؛ قال ابن عيَّاد: ولِّي قضاء أوريولة مرتين؛ إحداهما سنة أربعين؛ أي ٥٤٠، وأعيد ثانية بعد موت أبي العباس بن الحلَّال، ووصفه بالتيقُّظ والتحفُّظ والورع والنزاهة، وبأنه لم يتغير له ملبس ولا مركب عما عهد منه قبل الولاية، وتوفي في جمادى الأولى سنة ٥٥٧، عن ابن الأبَّار.

وجده أبو القاسم خلف بن سليمان بن خلف، هو الذي ذكره ياقوت في المعجم، وقد تقدم نقل ذلك، وقد وردت ترجمة المذكور في صلة ابن بشكوال، كذلك ترجمة محمد بن خلف بن سليمان بن فتحون ولد أبي القاسم خلف واردة في صلة ابن بشكوال، ويظهر أن صاحب معجم البلدان نقل أقواله عنهما من كتاب الصلة؛ لأنه يذكر الألفاظ نفسها.

وأبو عمرو زياد بن محمد بن أحمد بن سليمان التجيبي، سمع من القاضي أبي علي الصدفي، وأخذ عن بعض رجال المشرق، قال ابن بشكوال إنه سمع بقرطبة من شيوخه وصحبه وأخذ عنه؛ أي عن ابن بشكوال، وأخذ ابن بشكوال عنه، وتوفي ببلده أوريولة في صدر ذي الحجة سنة ٥٢٦.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن سليمان بن عبد الله التجيبي، صاحب الأحباس بأوريولة، يعرف بابن الصفَّار، وهو والد أبي عمرو زياد بن محمد، سمع من أبي علي بن سكَّرة سنة ٤٩٦، ولقي أبا عبد الله بن الحداد، وأبا بكر بن اللبَّانة، وغيرهما من كبار الأدباء، ذكره ابن الدبَّاغ في مشيخته.

وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن فيرُّه الجذامي، أصله من لاردة، له رواية عن أبي الحسن بن عقال الشنتمري، وأبي عبد الله بن نوفل الأنصاري، حدَّث عنهما بالتيسير لأبي عمرو المقرئ في سنة ٥٢٥، قال ابن الأبَّار: قرأت ذلك بخطه.

وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن عميرة الأنصاري، أخذ القراءات عن أبي عبد الله بن فرج المكناسي وغيره، وسمع الحديث من أبي علي الصدفي، وأبي محمد بن أبي جعفر، وأخذ بقرطبة عن أبي بحر الأسدي، وأبي بكر بن العربي، وابن مغيث، وابن عتَّاب، وكان عالمًا بالفرايض والحساب، توفي بأوريولة سنة ٥٤٩.

وظافر بن إبراهيم بن أحمد بن أمية بن أحمد المرادي، يكنى أبا الحسن، صحب القاضي أبا علي الصدفي وسمع منه ومن غيره، توفي يوم الاثنين الخامس لصفر سنة ٥٢٣، ومولده سنة ٤٨١.

وبقي بن قاسم بن عبد الرءوف، يكنى أبا خالد نزل أوريولة، أخذ عن أبي محمد مكي بن أبي طالب المقري، والأستاذ أبي القاسم الخزرجي وغيرهما، ترجمه ابن بشكوال في الصلة.

وأبو عبد الله محمد بن صاف بن خلف بن سعيد بن مسعود الأنصاري، روى عن أبيه وعن أبي محمد بن أبي جعفر، وأبي علي الصدفي، وأبي بكر بن العربي، وأبي مروان بن غردي، وغيرهم، وأجاز له أبو الوليد بن رشد المدونة والمقدمات من تأليفه خاصة، وولِّي قضاء بلده أوريولة بعد أبي القاسم بن فتحون في إمارة ابن سعد، روى عنه ابن عيَّاد وقال: تُوُفِّي مصروفًا عن القضاء في ذي القعدة سنة ٥٥٢، ومولده بعد الثمانين وأربعمائة، ذكره ابن الأبَّار.

وأبو أحمد محمد بن أحمد بن معطي التجيبي، أخذ القراءات ببلده أوريولة عن أبي بكر بن عمَّار اللاردي، ورحل حاجًّا؛ فلقي بمكة أبا العلي بن العرجاء، وقفل إلى بلده أوريولة، وتصدر للإقراء، وأمَّ في المسجد المعروف به عند باب القنطرة حياته كلها، وكان شيخًا صالحًا ثقةً، من أهل الورع والعدالة مقرئًا مجودًا. قال ابن الأبَّار: أخذ عنه أبو عبد الله التجيبي شيخنا، وهو ابن عم والده، تلا عليه القرآن بما تضمنه التيسير لأبي عمرو المقرئ، ولازمه سنين، وأجاز له في شهر رمضان سنة ٥٦٥.

وأبو عبد الله محمد بن سليمان من برطُلُه (بُرطُلُه اسم علم محرَّف عن برتلو Bertelot، وهو من الأسماء الإفرنجية التي سمَّى بها العرب). قال ابن عميرة: فقيه تدميري، من أهل الفضل والورع، توفي سنة ٥٦٣.

وعتيق بن أحمد بن عبد الرحمن الأزدي أبو بكر بن جزيقر، حج سنة ٤٨٩، وسمع بمكة من أبي الفوارس طراد الزينبي، وحج أيضًا سنة ٥٢٠، وسمع من رزين بن معاوية، وزاهر الشحَّامي، وغيرهما، وحدَّث عنه السلفي في المجاز والمجيز، وصدر إلى بلده بروايات عالية وفوائد كان يقصد لأجلها، وهو آخر من حدَّث بالمغرب عن أبي الفوارس الزينبي. قال ابن الأبَّار: روى عنه أبو بكر بن أبي ليلى، وأبو القاسم بن بشكوال، وأبو عمر بن عياد، ولد سنة ٤٦٧ بأوريولة، وبها توفي سنة ٥٥١.

وأبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن فيُّره الجذامي، ولِّي خطة الشورى بأوريولة، وكان فيه صلاح وتواضع، توفي سنة ٥٦٩.

وأبو الحسن علي بن محمد بن يبقى بن جَبَلَة الأنصاري الخزرجي، من أوريولة وصاحب الخطبة بها، سمع سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة من السلفي وغيره، وتوفي بأوريولة سنة ٦٣٠، عن ابن الأبَّار.

وأبو بكر يحيى بن عبد الرحمن الأزدي، يعرف بابن «مصَّالة»، خطب بجامع بلده أوريولة، وناب في القضاء، وكان من أئمة العربية، قال التجيبي: كان شيخي في العربية واللغة، وصحبته عدة سنين، وعرضت عليه كتبًا كثيرة، قال: وأُخبِرت أنه حي إلى الآن؛ يعني سنة خمس وتسعين «وخمسمائة»، قال ابن الأبَّار في التكملة: فإن كان ذلك صحيحًا فقد استوفى مائة عام أو نيَّف عليها.

وأبو عبد الله محمد بن عبد السلام الأديب المعروف بالتدميري، سكن قرطبة، أخذ عن أبي عبد الله بن مفرِّج وغيره، ذكره أبو عبد الله بن عابد، وقال: إنه كتب عنه المناسك لسحنون بن سعيد، وقال: إنه فُقد في وقعة «فنتيش» سنة أربعمائة مع أبي عثمان بن القزَّاز الأديب — رحمهما الله — وذكره ابن حيان، وقال: كان خيِّرًا، ورعًا، عابدًا، متقشفًا، متفننًا في العلوم، ذا حظ من الأدب والمعرفة، وكان قد نظر في شيء من الحدثان. انتهى نقلًا عن الصلة. وما ذكره من النظر في علم الحدثان يعني به هذه الحسابات التي يعملها بعضهم ويتنبئون بها عما سيحصل من الحوادث.

وأبو عبد الله محمد بن يحيى التدميري، روى عن أبي بكر بن صاحب الأحباس وغيره، وكان عارفًا بالأحكام والشروط، وكان من المشاورين بمرسية، وتوفي بها سنة ٥١١ عن سن عالية، نقلًا عن الصلة.

ورجاء بن فرنكون (وفرنكون هذا من الأسماء الإفرنجية التي استعملها العرب)، من أهل تدمير، سمع ببلده من أبي الغصن، ومن عبيد الله بن يحيى، ومات بالقيروان في قصده إلى الحج، عن ابن الأبَّار.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن موسى بن وضَّاح التدميري، نزيل المرِّية، قال عنه ابن عميرة الضبِّي في بغية الملتمس: فقيه محدِّث، توفي بالمرية سنة ٥٣٧.

وأبو بكر محمد بن محمد بن يبقى بن جَبَلَة الخزرجي، من أهل أوريولة، سكن القاهرة، سمع من أبي طاهر السلفي، وأبي عبد الله المسعودي.

ومروان بن عبد الملك بن أبي جمرة، يروي عن أبيه عن سحنون بن سعيد، روى عنه ابنه وليد بن مروان، ذكره ابن الأبَّار، ولم يذكر سنة وفاته.

وأبو بكر ملك بن حِمْيَر، ذكره ابن سفيان، ووصفه بالأدب والمشاركة في الكتابة والشعر، وقال: توفي ببلده سنة ٥٦١، وأنشد له أبو عمر بن عيَّاد هذين البيتين:

رحلت وإنني من غير زادِ
وما قدَّمت شيئًا للمعادِ
ولكني وثقت بجودِ ربي
وهل يشقى المقلُّ مع الجوادِ

وأبو القاسم أحمد بن إبراهيم بن محمد بن خلف بن إبراهيم بن محمد بن أبي ليلى تدميري، كان قاضيًا بشلب، قال ابن عميرة الضبِّي في بغية الملتمس: فقيه محدِّث، توفي بشلب عام ٥١٤، يروي عن أبي الوليد الباجي، وأبي العباس العذري، وطاهر بن مفوَّز، وخلف بن مدير، قرأ عليه القراءات السبع.

وخلف بن سليمان بن فتحون الأوريوالي (تقدم أنه يقال لأوريولة أوريوالة كما يقال تدمير)، فقيه عارف، فاضل ورع، كان قاضيًا بشاطبة، ثم ولِّي قضاء دانية ثم استعفى فأُعْفِي، فلزم الانقباض، فكان لا يخرج من منزله إلَّا إلى الجمعة، وكان يصوم الدهر، فقالت له خالته، وهي جدة أبي محمد الرشاطي أم أبيه، في ذلك، فقال: كان أبي — رحمه الله — في آخر عمره التزم صيام الدهر، فلما توفي رأيت أن أرث ذلك عنه، فقالت له خالته: أنت الذي أنت ولدي تصوم وأنا لا أصوم؟ فالتزمت صيام الدهر من حينئذ إلى أن توفيت.

روى المترجم عن القاضي أبي الوليد الباجي، وصحبه، وقرأ عليه بأوريوالة كتاب البخاري مرتين؛ إذ كان قاضيًا بها، ولقي بشاطبة أبا الحسن طاهر بن مفوَّز وغيره، توفي بأوريوالة في ذي القعدة سنة ٥٠٥، ذكره ابن عميرة في البغية.

وأبو القاسم طيِّب بن محمد بن هارون بن عبد الرحمن بن الفضل بن عميرة الكناني، ثم العِتقي، من أهل تدمير من شرق الأندلس، روى عن الصباح بن عبد الرحمن ويحيى بن عون بن يوسف الخزاعي، وغيرهما، مات سنة ٣٢٨، ذكره ابن عميرة.

ومروان بن عبد الله بن مروان الزجاج، يروي عن أبي علي الصدفي، ذكره ابن عميرة الضبي، وقال: تدميري.

وأبو الفضل عميرة بن عبد الرحمن بن مروان العتقي، روى عن أصبغ بن الفرج، وسحنون بن سعيد، توفي عام ٢٣٨.

وأبو العالية فضل بن عميرة بن راشد بن عبد الله بن سعيد بن شريك بن عبد الله بن مسلم بن نوفل بن ربيعة بن ملك بن مسلم الكناني ثم العتقي، سمع عبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن قاسم، وولِّي قضاء تدمير في إمارة الحكم بن هشام، ومات سنة ١٩٧.

وأبو العافية — وقيل أبو العالية — فضل بن الفضل بن عميرة بن راشد، وهو ولد المترجم السابق، كان قد تركه أبوه حملًا، فسمي باسمه وكنِّي بكنيته، سمع عبد الملك بن حبيب السلمي، ويحيى بن يحيى، ولي القضاء أيضًا ببلده تدمير، ومات سنة ٢٦٥.

وأبو الفضل عميرة بن الفضل بن الفضل بن عميرة بن راشد العتقي، روى عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيره، مات سنة ٢٨٤، وهو ولد الذي تقدمت ترجمته عليه، ذكره ابن عميرة الضبي أيضًا.

وأبو القاسم مسعود بن عمر الأموي، روى عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، مات بالأندلس سنة ٣٠٧، ذكره ابن عميرة الضبِّي، وقال: تدميري.

وأبو شِمر نصر بن عبد الله الأسلمي، رحل ودخل إفريقية ومصر ومكة، وسمع من أهل بلده ومن بعض أهل الشرق، ذكره ابن عميرة الضبي، وقال: تدميري، ولم يذكر سنة وفاته.

وأبو حفص التدميري، يعرف بابن القيساري، شاعر أديب، ذكره أبو الوليد بن عامر وقال: أخبرني أبو الحسن بن علي الفقيه قال: كان في داري بقرطبة حاير صنع فيه مرج بديع وظلل بالياسمين، فنزَّهت إليه أبا حفص التدميري في زمن الربيع، فقال: ينبغي أن يسمى هذا المرج بالسندسة، وصنع على البديهة أبياتًا وهي:

نهار نعيمك ما أنفسَه
ورجْع سرورك ما آنسَه!
بَحَايِرُ قصرك من صوغهِ
دنانير قد قارنت أفلُسَه
وأسطار نور قد استوسقت
وسطر على العمد قد طلَّسَه
ونبت له مُدْرع أخضر
بسفرة أسياعه ورَّسَه
فأبدع ما شاء لكنه
أجلُّ بدائعه السندسه
مدارعها خضرٌ غضة
أعارَ النعيم لها مَلْبَسَه
كأن الظلال علينا بها
أواخر ليل على مَغْلَسَه
كأن النواير في أفقها
نجوم تطلعن في حندسه
ومهما تأملت تحسينها
فعيني بقرَّتها معرسَه
محل لعمرك قد طيَّب الـ
إله ثراه وقد قدَّسه

وأبو الأدهم متوكل بن يوسف، من أهل تدمير، مات بالأندلس، ذكره محمد بن حارث الخشني، ونقل ذلك ابن عميرة في البغية.

وخطاب بن محمد بن مروان بن خطاب بن عبد الجبار بن خطاب بن مروان بن نذير، مولى مروان بن الحكم، من أهل تدمير، رحل حاجًّا إلى المشرق مع أبيه وأخيه عميرة سنة ٢٢٢؛ فسمعوا جميعًا بالقيروان من سحنون بن سعيد المدونة، ذكر ذلك ابن الفرضي عن وليد بن عبد الملك. قال ابن الأبَّار في التكملة: وقرأت بخط أبي عمر بن عبد البر أنهم أدركوا أصبغ بن الفرج وأخذوا عنه.

وأبو الحسن ظافر بن إبراهيم بن أحمد بن أمية بن أحمد المرادي، من أهل أوريولة، يعرف بابن المرابط، صحب القاضي أبا علي الصدفي، وسمع منه ومن غيره، توفي يوم الاثنين ٥ صفر سنة ٥٢٣، ومولده سنة ٤٨١.

ومحمد بن عبد الله بن عصام تدميري، يروي عن القاضي أبي علي الصدفي، ذكره ابن عميرة في البغية.

ومحمد بن عبد الله بن أبي جعفر الخشني تدميري، من أهل بيت فقه وجلالة ورئاسة، توفي سنة ٤٩٤، ذكره ابن عميرة.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن خندف العتقي، تدميري، فقيه أديب، يروي عن أبي الحجاج يوسف بن علي بن محمد القضاعي وغيره، ذكره أيضًا ابن عميرة.

وأبو بكر محمد بن الطيِّب العتقي، تدميري، فقيه، كان قاضيًا بلورقة، وتوفي وهو خطيب جامع مرسية وصاحب الصلاة به بعد ابن طرَّافش في سنة ٥٩٥.

وأبو عبد الله التدميري محمد بن أبي الحسام طاهر القيسي الزاهد المعروف بالشهيد، كان ورعًا فاضلًا، فقيهًا عالمًا، خيِّرًا، ناسكًا متبتلًا، من أهل بيت جلالة وصلاح، طلب العلم في حداثة سنه في بلده أوريولة، ثم رحل إلى قرطبة فروى الحديث بها وتفقَّه بفقهائها، وباحث أهل الورع من علماء قرطبة في أموال بلده تدمير، وسُقاهم ووجوه مستغلاتهم، وأخذ فيها أجوبتهم فجاءت مفيدة نافعة، ورسخ المترجم في علم السنة، ونافس في صالح العمل والحسبة، ثم ارتحل إلى المشرق لتمام ثلاثين سنة من عمره، وسكن الحرمين ثمانية أعوام يتعيَّش فيها من يده، وكان يرحل إلى بيت المقدس، وذهب إلى العراق ليلقى الشيخ أبا بكر الأبهري الفقيه المالكي، فأخذ عنه وعن غيره.

وصحب الأخيار والنُّساك، واقتدى بهم، ولبس الصوف، وقنع بالقُرْص، وتورع جدًّا، وأعرض عن شهوات الدنيا؛ فأصبح عالمًا عاملًا منقطع القرين، وكانت دعواته مستجابة. وقال ابن عميرة الضبِّي: إنه كانت له كرامات ظاهرة يطول القول في تعدادها، حملها عنه رواة صدق، قال: ثم انصرف مجيبًا دعوة والده أبي الحسام؛ إذ كان لا يزال يستدعيه مع حاج الأندلس، فقدِم تدمير في سنة ست أو سبع وسبعين وثلاثمائة، ولكنه تنكَّب — رحمه الله — النزول بمدينة مرسية — قاعدة تدمير — وطنه، ونزل خارجًا منها بالقرية المنسوبة إلى بني طاهر، وكان لا يرى سكن مرسية ولا الصلاة في مسجدها الجامع لداخلة تتبَّعها فيه، وابتنى هناك لنفسه بيتًا سقفه بحطب الشعراء والطرفاء يأوي إليه، وكانت له هناك جنينة يعمرها بيده ويقتات بما يتخذه فيها من البقل والثمر، وكان لا يدع في خلال ذلك الجهاد مع محمد بن أبي عامر وقواده، وشهد معه فتح مدينة سمُّورة وفتح مدينة قلمريَّة من قواعد جلِّيقية، ثم ترك سكنى قريته هذه ورحل إلى الثغر، وواصل الرباط بفروجِه المخوفة، وكان له بأس وشدة وشجاعة وثقافة، تحدَّث عنه فيها أهل الثغر بحكايات عجيبة، ولم يزل مرابطًا بطلبيرة إلى أن استشهد مقبلًا غير مدبر، حميد المقام، وذلك في سنة ٣٧٩ أو السنة التي قبلها، روى كل ذلك ابن عميرة.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن موسى بن وضَّاح التدميري، نزيل المرية، فقيه محدِّث، توفي فيها سنة ٥٣٧، ذكره ابن عميرة.

وأبو المطرف عبد الرحمن بن الفضل بن عميرة بن راشد الكناني العتقي، ولي القضاء بتدمير، روى عن عبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم، وغيرهما، ومات سنة ٢٢٧.

وأبو المطرف عبد الرحمن بن الفضل بن الفضل بن عميرة بن راشد العتقي، يروي عن أبيه، وهو ابن أخي المترجم قبله، مات بالأندلس سنة ٢٩٤، ذكر هذين، وذكر الأربعة الذين سبقت تراجمهم من هذه العائلة ابن عميرة الضبي في بغية الملتمس.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الوارث التدميري يروي عن أبي المطرف بن سَلَمَة، حدَّث عنه أبو محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي تليد الشاطبي، ذكره ابن الأبَّار في التكملة نقلًا عن ابن عيَّاد.

ومحمد بن مروان بن خطاب بن عبد الجبار بن خطاب بن مروان بن نذير، مولى مروان بن الحكم، كان يعرف بأبي جمرة، قال ابن الأبَّار في التكملة: المعروف بأبي جمرة على ما ألفيتُ بخطِّ شيخنا أبي بكر بن أبي جمرة، رحل حاجًّا هو وابناه خطاب وعميرة في سنة ٢٢٢، وسمعوا ثلاثتهم من سحنون بن سعيد المدونة بالقيروان، ذكر ذلك ابن الفرضي في تاريخه، وسمى عميرة منهم في بابه، وأغفل أباه وأخاه، وقرأت بخط أبي عمر بن عبد البر: حج محمد بن مروان مع ابنيه عميرة وخطاب، وسمع معهما المدونة من سحنون، وأدركوا أصبغ بن الفرج وأخذوا عنه.

وأبو بكر محمد بن مفضل بن حسن بن عبد الرحمن بن محمد بن مهيب اللخمي، أصله من طبيرة، وولد بأوريولة، وسكن المرية. قال ابن الأبَّار: سمع من ابن عمه الحاج أبي إسحاق بن علي بن مهيب، ومن أبي الحسين بن زرقوق شيخنا، وأبي إسحاق بن الحاج الزاهد، وأصهر إليه، وولي الخطبة بقصبة المرية، وكان أديبًا شاعرًا مكثرًا، مائلًا إلى التصوف، لقيته بتونس في وفادته عليها، وسمعت منه وسمع مني، وأجاز لي بلفظه، وأجزت له كذلك، ويروي عنه كتاب «الجواهر الثمينة» أبو عبد الرحمن بن غالب، وتوفي بسبتة في رجب، وقيل أول ليلة من جمادى الآخرة سنة ٦٤٥، وكانت جنازته مشهودة، وولد بأوريولة سنة ٥٨١.

وعبد الرحمن بن أبي أميَّة بن عصام، من أهل تدمير، سمع من أبي الغصن، ومحمد بن هارون، ومحمد بن عمر بن لبابة، ذكره ابن حارث، وترجمه ابن الأبَّار في التكملة.

وصاف بن خلف بن سعيد بن مسعود الأنصاري، من أهل أوريولة، وصاحب الأحكام بها، يكنى أبا الحسن، وكان من أهل المعرفة بالقراءات، روى عن أبي الوليد الباجي، وروى عنه ابنه أبو عبد الله محمد بن صاف القاضي، ذكره ابن عيَّاد، قال ذلك ابن الأبَّار في التكملة. وقد تقدمت ترجمة ابنه المذكور. انتهى ما اطلعنا عليه من أخبار أهل العلم المنسوبين إلى أوريولة.

وقد ذكرنا أن أوريولة واقعة على نهر شقورة Segura، والخط الحديدي يعبر بهذا النهر، فيكون على شماليه الشارة المسماة «قولمبارس Columbares»، وعلى ٥٩ كيلومترًا قرية «بنيال»، وعلى ٦٤ كيلومترًا قرية «زناتة»، وعلى الضفة اليمنى من نهر شقورة جبل «أغودو Agudo» على رأسه آثار قصر عربي، وعلى ٦٥ كيلومترًا المحطة المسماة «مرسية القرية Murcia Alquerias»، وفيها مجمع الخطين بين مرسية وقرطاجنة، وعلى ٧٠ كيلومترًا «بني آجان Beniajan» إلى الشمال، وعلى ٧٦ كيلومترًا مدينة مرسية.

هوامش

(١) قال الحميري في الروض المعطار: أوريولة حصن بالأندلس، وهو من كورتدمير، وأحد المواضع السبعة التي صالح عليها تدمير بن عبدوس عبد العزيز بن موسى بن نصير حين هزمه عبد العزيز ووضع المسلمون السيف فيه، فصالحه على هذه المعاقل وعلى أداء الجزية، وكان حصن أوريولة قاعدة تدمير، وذكره مشروح في ذكر قرطاجنة. وبين أوريولة وألش ثمانية وعشرون ميلًا، ومدينة أوريولة قديمة أزلية، كانت قاعدة العجم (أي غير العرب) وموضع مملكتهم، وتفسيرها باللطيني «الذهبية». ولها قصبة في نهاية من الامتناع على قُنَّة جبل، ولها بساتين وجنات فيها فواكه كثيرة، وفيها رخاء شامل وأسواق وضياع، وبينها وبين مرسية اثنا عشر ميلًا، وبينها وبين قرطاجنة خمسة وأربعون ميلًا، ولِّي قضاءها أبو الوليد الباجي. ا.ﻫ.
(٢) جاء في كتاب «الروض المعطار في خبر الأقطار» لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحميري، جمعه سنة ٨٦٦ للهجرة، أن من كور تدمير «أشكوني»، وقال: إن من أراد أن يتخذ في أشكوني جنانًا صرف إلى الموضع العناية بالتدمين والعمارة والسقي من النهر، فتنبت الأرض هناك بطبعها شجر التفاح والكمثرى والتين والرمان وضروب الفواكه، حاشا شجر التوت، من غير غراسة ولا اعتمال. ا.ﻫ.
قلت: التدمين هو تسويد الأرض، جاء في لسان العرب: ودمَّن القوم الموضع سوَّدوه وأثَّروا فيه بالدِّمن. والدمن: ما يلبَّد من السرقين، وصار كرسًا على وجه الأرض، ويقال أيضًا: سمَّد الأرض؛ أي زبَّلها، والاصطلاح عندنا في جبل لبنان أن يقال: «سود الأرض»، وهي فصيحة مثل «سمَّد الأرض».
(٣) إن الكتاب الذي أَمَّن به عبد العزيز بن موسى بن نصير الأمير تدمير الذي كان واليًا على أوريولة ونواحيها، لا شبهة في قضية إعطاء عبد العزيز بن موسى له؛ لأن روايات المؤرخين تظافرت على ذلك، ولقد نشر فرنسيسكوس قديرة نصَّ هذا الكتاب في المقدمة الإسبانيولية التي صدَّر بها طبعة «بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس» لأحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبِّي، وهو التاريخ الذي طبع في مجريط سنة ١٨٨٤ المسيحية، تحت إشراف المستشرق قديرة المذكور، ونص الكتاب هو هذا: «تأمل نسخة كتاب الصلح للنصارى في أول الفتح من عبد العزيز بن نصير رحمة ربه عليه.»
كتاب الصلح الذي كتبه عبد العزيز بن موسى بن نصير لتدمير بن عبدوش الذي سميت باسمه تدمير؛ إذ كان ملكًا، ونسخة ذلك الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من عبد العزيز بن موسى بن نصير لتدمير بن عبدوش أنه نزل على الصلح، وأن له عهد الله وذمته وذمة نبيه ألا يقدَّم له ولا لأحد من أصحابه ولا يؤخر ولا ينزع عن ملكه، وأنهم لا يُقتلون ولا يسبون ولا يفرَّق بينهم وبين أولادهم ولا نسائهم، ولا يُكرهوا على دينهم، ولا تحرق كنائسهم، ولا ينزع عن ملكه ما تعبَّد ونصح وأدَّى الذي اشترطنا عليه، وأنه حاكم على سبع مداين: أوريولة وبلنتلة ولقنت وحولة وتقسر وأيتة ولورقة، وأنه لا يُؤوِي لنا آبقًا ولا يُؤوي لنا عدوًّا، ولا يُخيف لنا آمنًا ولا يكتم خبر عدو علمه، وأن عليه وعلى أصحابه دينارًا كل سنة، وأربعة أمداد قمح، وأربعة أمداد شعير، وأربعة أقساط طِلا، وأربعة أقساط خل، وقسطي عسل وقسطي زيت، وعلى العبيد نصف ذلك، شهد على ذلك عثمان بن أبي عبدة القرشي، وحبيب بن أبي عبيدة، وإدريس بن ميسرة التميمي، وأبو قاسم المُولي، وكتب في رجب سنة أربع وتسعين من الهجرة. انتهى.
وقد ورد في الانسيكلوبيدية الإسلامية أن هذا الكتاب القديم جاء في تاريخ الضبِّي وتاريخ ابن عبد المنعم الحميري، وأن أول ناشر له بالإسبانيولي هو المستشرق كازيري Casiri في كتابه المسمَّى «بالمكتبة الإسبانية Bibliotheca Hispana»، وعلق عليه شرحًا مطولًا كاسبار برفيرو Gaspar Berviro في كتابه «تاريخ مرسية الإسلامية Historia de Murcia Musulmana»، ونحن اطَّلعنا على تاريخ بالإسبانيولي يقال له «تاريخ استيلاء العرب على مرسية Historia de la Dominacion de los Arabes en Murcia»، بقلم «الدون فليكس بنسوا سيبريان Don Felix Bonzoa Cebria»، طبع في مدينة «بالمه» قاعدة جزيرة ميورقة سنة ١٨٤٥، وقد وجد فيه هذا الكتاب بالإسبانيولي، وطابقنا بينه وبين النص العربي الذي رأيناه في تاريخ ابن عميرة الضبِّي، فوجدناه مطابقًا، فأما المدن السبع التي أبقى عبد العزيز بن موسى بن نصير عليها ولاية تدمير بن عبدوش فهي هذه: أوريولة Auriola، وبلنتلة Valentila، ولقنت Lecant، وموله Mula، وبوسكَرَه وفي النص العربي الذي اطلعنا عليه بقسر Boscara، وأوتة — وفي النص العربي — أيته Ota، ولورقة Lurca.
أما ما وجدناه من الفروق بين صورة الكتاب العربية المنشورة في بغية الملتمس، وبين الصورة الإسبانية المنشورة في تاريخ مرسية للدون فيلكس بنسوا سيبريان، فمنها أنه في الصورة العربية يقول: شهد على ذلك عثمان بن أبي عبدة القرشي، وحبيب بن أبي عبيدة، وإدريس بن ميسرة التميمي، وأما في الصورة الإسبانية فيقول إنه شهد على ذلك عثمان بن أبي عبدة، دون أن يقول «القرشي»، وكذلك ذكر اسم إدريس بن ميسرة دون أن يقول «التميمي» كما في الصورة العربية. وأما الشاهد الأخير، وهو أبو القاسم، ففي الصورة العربية لم نتبين اللفظة التي بعد أبي قاسم هل هي «المُولي» أو «المسولي» أو غير ذلك، والحال أن في النسخة الإسبانيولية هذا الشاهد هو أبو القاسم بوضع «ال» على قاسم ثم بعده المسيلي El Meceli، وكذلك في أول هذا الكتاب قبل البسملة في النسخة العربية مذكور: كتاب الصلح الذي كتبه عبد العزيز بن موسى بن نصير لتدمير بن عبدوش الذي سميت باسمه تدمير؛ إذ كان ملكًا، ونسخة ذلك الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم … إلخ.
فأما في النسخة الإسبانية فقبل البسملة موجودة عبارة ترجمتها الحرفية هي ما يلي: كتابة وعقد صلح بين عبد العزيز بن موسى بن نصير وتدمير بن عبدوش — ملك أرض تدمير — ثم يقول: إن عبد العزيز وتدمير عملا معاهدة هذا الصلح، أثبته الله ووقاه؛ وذلك بأن تدمير تكون له الإمارة على أصحابه وجميع النصارى الذين في مملكته، وأنه لا يكون بينهم حرب، وأنه لا يسبى أولادهم ولا نساؤهم، ولا يزعجون في دينهم، ولا تحرق كنائسهم، ولا يلزمون خدمة أو واجبًا غير ما هو مذكور هنا، وأن هذا العهد يشمل المدن السبع: أوريولة، وبلنتيلة، ولقنت، ومولة، وبُسقرة، وأوتة، ولورقة، وأن تدمير لا يقبل أعداءنا ولا يكون خائنًا لنا ولا يكتم عنا عداوة عرف بها، وأنه هو ونبلاؤه يؤدون دينارًا ذهبًا كل سنة، وأربعة أمداد قمح، وأربعة أمداد شعير، وأربعة أقساط طلا، وأربعة أقساط خل، وأربعة أقساط عسل (وفي الصورة العربية: وقسطين من العسل) وأربعة أقساط زيت (وفي الصورة العربية: وقسطين من الزيت)، فأما العبيد والأجراء فيدفعون نصف هذه الفرائض، وكتب في ٤ رجب من السنة ٩٤ من الهجرة (والحال أنه في الصورة العربية لا يقول في ٤ رجب، بل في رجب دون تعيين اليوم). ا.ﻫ.
والنسخة التي في الروض المعطار للحميري هي هذه: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من عبد العزيز بن موسى بن نصير لتدمير بن عبدوش أنه نزل على الصلح، وأن له عهد الله وذمته وذمة نبيه؛ ألَّا يقدَّم له ولا لأحد من أصحابه ولا يؤخَّر، ولا يُنزع من مُلكه، وأنهم لا يُقتلون ولا يسبون ولا يُفرَّق بينهم وبين أولادهم ولا نسائهم، ولا يُكرهوا على دينهم، ولا تُحرق كنائسهم، ولا يُنزع عن كنائسه ما يُعبد، وذلك ما أدَّى الذي اشترطنا عليه، وأنه صالح على سبع مدائن: أوريولة، وبلنتلة، ولقنت، ومولة، وبلانة، ولورقة، وألُّه، ولا يُؤوي لنا آبقًا، ولا يُؤوي لنا عدوًّا، ولا يخيف لنا آمنًا، ولا يكتم خبر عدو علمه، وأن عليه وعلى أصحابه دينارًا كل سنة، وأربعة أمداد قمح، وأربعة أمداد شعير، وأربعة أقساط طلا، وأربعة أقساط خل، وقسطي عسل وقسطي زيت، وعلى العبد نصف ذلك، وكتب في رجب سنة ٩٤ من الهجرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤