شقورة

ولنذكر الآن مدينة شقورة Segura، ذكرها ياقوت في معجمه فقال: شَقورة — بفتح أوله وبعد الواو الساكنة راء — مدينة بالأندلس شمالي مرسية، وبها كانت دار إمارة همشك — أحد ملوك تلك النواحي — ينسب إليها عبد العزيز بن علي بن موسى بن عيسى الغافقي الشقوري، ساكن قرطبة، يكنى أبا الأصبغ، روى عن أبي بكر علي بن سكَّرة، وكان فقيهًا حافظًا عارفًا بالشروط، توفي بقرطبة سنة ٥٣١، ومولده سنة ٤٨٧، قال ابن بشكوال: وكان من كبار أصحابنا وأجلَّتهم. انتهى.١

وينتسب إلى شقورة، من أهل العلم أبو محمد عبد الله بن علي بن عتبة اللواتي، من شقورة، من قرية بها يقال لها «شقوبس»، توفي بعد سنة ٦٢٥، روى عن أبي الحسن بن كوثر في غرناطة، وأقرأ ببلده.

وأبو الأصبغ عبد العزيز بن بشير الغافقي، من أهل فرغليط عمل شقورة، كان من أهل الطب والرواية، أجاز له أبو القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي، والحسين بن الإمام أحمد بن الحسين البيهقي، وأبو الحسن سعد الخير بن محمد الأنصاري البلنسي، وغيرهم، ولابن ابنه نصر بن عبد الله بن عبد العزيز رواية وعناية.

وأبو عمرو نصر بن علي بن عيسى بن سعيد بن مختار الغافقي، من أهل شقورة، روى عن أبي علي الصدفي، واستجاز له أبو الحسن الفرغليطي سنة ٥٢٨، أبا عبد الله الفرَّاوي، وأبا كَرِب بن أبي كرب الجرجاني، ويروي عن أحمد البيهقي كتابه في السنن، ولِّي القضاء بشقورة، حدَّث عنه ابن أخيه أبو الحسن محمد بن عبد العزيز بن علي الشقوري، وابن ابنته أبو عمرو نصر بن عبد الله بن بشير، وغيرهما، ذكرهم ابن الأبَّار في التكملة.

وأبو عمرو نصر بن إدريس التجيبي، روى بقرطبة عن أبي بحر الأسدي، وأبي الحسن بن مغيث، وأبي عبد الله بن الحاج، وغيرهم، وولِّي الأحكام بشاطبة لأبي العباس بن الأصغر، وكان شيخًا صالحًا مشاركًا في الفقه، له معرفة بعقد الشروط ودربة بالأحكام وحفظ للتواريخ، توفي بشقورة سنة ٥٦٠، ذكره ابن الأبَّار.

وأبو عمرو نصر بن عبد الله بن عبد العزيز بن بشير الغافقي، أصله من فرغليط عمل شقورة،٢ وسكن «قيشاطة»، سمع من جده لأمه أبي عمرو نصر بن علي بن عيسى الشقوري، ومن أبي الحسن حنون بن الحكم اليعمري الأبذي، وأبي محمد بن سهل الكفيف وغيرهم، وسمع بقرطبة من أبي الحسن بن بقي، وأبي القاسم بن بشكوال، وسمع بمرسية من أبي عبد الله بن عبد الرحيم، وأبي بكر بن أبي جمرة، وأجاز له أبو الحسن بن هذيل، وأبو الحسن بن النعمة، ومن أهل الإسكندرية أبو طاهر السلفي، وأبو الطاهر بن عوف، وتصدر بقيشاطة للإقراء، وكان زاهدًا فاضلًا، ولما تغلب الروم على قيشاطة في عقب رمضان سنة ٦٢١، أخذوه أسيرًا، ثم تخلص من الأسر، وقدم قرطبة فأخذ عنه أبو القاسم بن الطيلسان، وقال: توفي بلورقة عام ٦٢٣، وقال ابن فرتون إنه توفي سنة ٦٣٣، ومولده سنة ٥٣٥، وقال ابن فرقد: كتب لي ولابنيه محمد وأحمد في آخر جمادى الأولى سنة ٦٢٧ من حصن التراب، قال: وسنه الآن اثنتان وتسعون سنة. ا.ﻫ. فيكون وقد مات سنة ٦٣٣ قد بلغ ٩٨ سنة.

وأبو عبد الله محمد بن مسعود بن أبي الخصال الغافقي، من أهل شقورة، سكن قرطبة، كان مفخرة وقته، كاتبًا بليغًا، عالمًا أديبًا، من أهل الخصال الباهرة والأذهان الثاقبة، وله تواليف حسان ظهر فيها نبله، وكان حسن العشرة، واسع المبرة، مليح المنظر والمخبر، فصيح اللسان، حلو الكلام، أحد رجال الكمال في عصره، واستشهد — رحمه الله — ودفن يوم الأحد الثالث عشر من ذي الحجة سنة ٥٤٠، ودفن بمقبرة ابن عباس. ترجمه ابن بشكوال في الصلة وقال: وكان مولده في ما أخبرني به سنة ٤٦٥.

وأبو مروان عبد الملك بن محمد بن أبي الخصال الغافقي، من أهل قرطبة، أصله من شقورة، سمع أباه أبا عبد الله وغيره، ورحل حاجًّا فأدى الفريضة، وتوفي شهيدًا — رحمه الله — وثكله أبوه ورثاه. قال ابن الأبار في التكملة: ووجدت سماعه من أبيه في نسخة من رسالته التي رد فيها على ابن غرسية في جمادى الآخرة سنة ٥٢٨، وبعد ذلك كانت وفاته، وكان من نجباء الأبناء، وأحسبه مدفونًا بالمرية.

وأبو عبد الله محمد بن عتيق بن علي بن عبد الله بن محمد التجيبي، من أهل شقورة، سكن غرناطة، ويعرف باللاردي؛ لأن أصل سلفه منها؛ أي لاردة، روى عن أبيه أبي بكر عتيق، وعن أبي عبد الله بن حميد، سمع منه ببلنسية، وولي القضاء، ومن تواليفه «أنوار الصباح في الجمع بين الستة الصحاح»، وكتاب «الأنوار ونفحات الأزهار في شمائل النبي المختار»، وكتاب «المسالك النورية إلى المقامات الصوفية»، وكتاب «النكتة الكافية والنغبة الشافية في الاستدلال على مسائل الخلاف بالحديث»، وكتاب «الاعتماد في خطبة الإرشاد»، وكتاب «منهاج العمل في صناعة الجدل»، وكتاب «الدرر المكللة في الفرق بين الحروف المشكلة»، ترجمه ابن الأبَّار في التكملة، وقال: مولده في العشر الوسطى لصفر سنة ثلاث وستين وخمسمائة.

وأبو المطرف أحمد بن عبد الله بن محمد بن حسن بن عميرة المخزومي، قال فيه لسان الدين بن الخطيب: بلنسي شقوري الأصل، وأطنب في الإحاطة بوصف علمه وفضله وأدبه، وقال إنه كان في الكتابة علمًا، ونقل عن ابن عبد الملك قوله: وأما الكتابة فهو علمها المشهور وواحدها الذي عجزت عن ثانيه الدهور. ثم أردف لسان الدين كلام ابن عبد الملك بقوله: وعلى الجملة فذات أبي المطرف في ما ينزع إليه ليست من ذوات الأمثال؛ فقد كان نسيج وحده، إدراكًا وتفننًا، بصيرًا بالعلوم، محدثًا مكثرًا، راوية ثبتًا، متبحرًا في التاريخ والأخبار، ريان مضطلعًا بالأصلين، قائمًا على العربية واللغة، كلامه كثير الحلاوة والطلاوة، جم العلوم، غزير المعاني والمحاسن، شفاف اللفظ، حر المعنى، ثاني بديع الزمان في شكوى الحرفة وسوء الحظ، ورونق الكلام، ولطف المأخذ، وتبريز النثر على النظم، والقصور في السلطانيات. ا.ﻫ.

ثم روى أنه مما يذكر أن أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزومي هذا رأى النبي في المنام، فناوله أقلامًا، فكان يرى أن تأويل هذه الرؤيا ما أدركه من التبريز في الكتابة وارتفاع الذكر، وقد تقدمت ترجمة المذكور بين علماء بلنسية.

وأبو عبد الله محمد بن مسعود بن خلصة بن فرج بن أبي الخصال الغافقي، ترجمه لسان الدين بن الخطيب في الإحاطة، فقال: الإمام البليغ المحدِّث الحجة، أصله من فرغليط من قطر شقورة من كروة جيَّان، وسكن قرطبة وغرناطة. ا.ﻫ.

قلت: إن نهر شقورة ينحدر من الجبال ويجري مسافة بعيدة إلى أن ينصبَّ في البحر بقرب أوريولة، فمن الناس من يُنسَب إلى هذا القطر ويكون ساحليًّا، ومنهم من ينسب إليه ويكون جبليًّا. هذا ونقل لسان الدين عن ابن الزبير في حق المترجم قوله: ذو الوزارتين أبو عبد الله، من أهل المعارف الجمة، والإتقان لصناعة الحديث والمعرفة برجاله والتقييد لغريبه، وإتقان ضبطه، والمعرفة بالعربية والأدب، والنسب والتاريخ، متقدمًا في ذلك كله. أما الكتابة والنظم فهو إمامهما المتَّفق عليه والمتحاكَم فيهما إليه، ولما ذكره أبو القاسم الملاحي بنحو ذلك قال: لم يكن في عصره مثله مع دين وفضل وورع.

قال أبو عمر بن الإمام الأشجعي في «سمط الجمان» لما ذكره: البحر الذي لا يُجتاح ولا يشاطَر، والغيث الذي لا يساجل ولا يقاطر، والروض الذي لا يفاوح ولا يعاطر، والطود الذي لا يزاحم ولا يخاطر … إلخ. وذكره الفتح في «قلائد العقيان»، فقال إنه وإن كان خامل المنشأ فقد تميز بنفسه، وتميَّز من أبناء جنسه، وظهر بذاته وفَخَر لِدَاته. ونقل لسان الدين عن أبي جعفر بن الزبير أن المترجم أخذ عن الغسَّاني، وابن البادش، وأبي عمران بن أبي تليد، وأبي بحر الأسدي، وغيرهم، قال: وأما كتبه وتواليفه الأدبية فكل ذلك مشهور متبادل بأيدي الناس، وقلَّ من يُعلم بعده ممن يجتمع له مثله رحمه الله. روى عنه ابن بشكوال، وابن جيش، وابن مضاء، ومن شعره مخمسًا، وكتبها من مراكش يتشوق إلى قرطبة:

بدت لهم بالغور والشمل جامعُ
بروق بأعلام العُذيب لوامعُ
فباحت بأسرار الضمير المدامعُ
ورُبَّ غرام لم تنله المسامعُ
ودام بها من فيضها المتصوِّبُ
وإليك هذا الأنموذج من نثره، وهو كتابة منه إلى الوزير أبي بكر بن عبد العزيز عن رسالة كتب بها إليه مع حاج يضرب بالقرعة:

أطال الله بقاء وليِّي الذي له إكباري وإعظامي، وفي سلكه اتسامي وانتظامي، للفضائل محييًا ومبتديًا، وللمحامد مشتملًا ومرتديًا، وللغرائب متحفًا ومهديًا، وصل كتابه صحبة عرَّاف اليمامة، وحادي نجد وتهامة، الظهور يقرْطسه ويحلِّيه، والخفاء يظهره ويبديه، ولعله رائد لابن صيَّاد، أو معاند للمسيح الدجال معاد، فأبدى شهادة إنصاف أن عنده أصداف، ولو كان هناك نظر صادق صاف، لقلت هو بادٍ غير خاف، من بين كل ناعت وصَّاف، وسأخبرك أيَّدك الله بما اتفق، وكيف طار ونعق، وتوسد الكرامة وارتفق، فامتدت نحوه النواظر، واستشرفه الغائب والحاضر، وتسابق إليه النابه والخامل، وازدحم عليه العاطل والعامل؛ هذا يلتمس مزيدًا، وذاك يبتغي شيئًا جديدًا … إلخ.

ثم قال من جملة هذه الرسالة: ألم يأنِ أن تدينوا لي بالإكبار، وتعلموا أني من الجهابذة الكبار؟ فقلنا: منك الإسجاح فقد ملكت، ومنك ولك النجاح أيَّةً سلكت؛ فأطرق زهوًا، وأعرض عنا لهوًا، وقال: اعلموا أن القرعة لو طوت أسرارها وغيبتني أخبارها لمزَّقت صدارها وذروت غبارها، ولكان فيَّ أوسع منتدح وأنجد زناد يُقتدح؛ أين أنتم عن صدى الأملاك وعليَّات الأفلاك؟! أنا في موج الموج وأوج الأوج، والمنفرد بعلم الفرد والزوج، مُسترط السرطان، ومستدبر الدبران، وبائع المشتري بالميزان … إلخ.

ثم نقل لسان الدين عن كيفية وفاة المترجم قال: من خط الحافظ المحدِّث أبي القاسم بن بشكوال: كان ممن أصيب في أيام الهرج بقرطبة؛ فعظم المصاب به، الفقيه الشيخ الأجل، ذو الوزارتين، السيد الكامل، الشهير الأثير، الأديب الكاتب البليغ، معجزة زمانه وسابق أقرانه، ذو المحاسن الجمة الجليلة الباهرة، والأدوات الرفيعة الزكية الطاهرة، المجمع على تناهي نباهته، وحمد خصاله وفصاحته؛ أبي عبد الله بن أبي الخصال — رحمه الله تعالى ونضَّر وجهه — أُلفِيَ مقتولًا قرب باب داره بالمدينة وقد سُلب ما كان عليه بعد نهب داره واستئصال حاله، وذلك يوم السبت الثاني عشر من شهر ذي الحجة من سنة أربعين وخمسمائة، فاحتمل إلى الربض الشرقي بحومة الدرب؛ فغُسِّل هنالك وكفِّن، ودفن بمقبرة ابن عباس عصر يوم الأحد بعده، ونعي إلى الناس وهم مشغولون بما كانوا بسبيله من الفتنة، فكثر عند ذلك التفجُّع لفقده؛ لأنه كان آخر رجال الأندلس علمًا وحلمًا، وفهمًا ومعرفةً، وذكاءً وحكمة، ويقظة وجلالًا، ونباهة وتفننًا في العلوم، كان صاحب لغة وتاريخ ومعرفة برجال الحديث، عارفًا بوقائع العرب وأيام الناس وبالنثر والنظم، جزل القول، عذب اللفظ، حلو الكلام، فصيح اللسان، بارع الخط، كان في جميع ذلك واحد عصره مع جمال منظر وحسن خلقة وكرم فعالٍ ومشاركة إخوان، جميل التواضع، حسن المعاشرة لأهل العلم، نهَّاضًا بتكاليفهم، حافظًا لولائهم، جم الإفادة، له تصانيف رفيعة القدر نبيهة. ا.ﻫ. ملخصًا.

وقال غيره: قتل بدرب الفرعوني بقرب رحبة أبان داخل قرطبة قرب باب عبد الجبار يوم دخلها النصارى مع أميرهم ملك طليطلة يوم قيام ابن حمدين، وقتاله مع يحيى بن غانية من المرابطين، يوم الأحد لثلاث عشرة مضت من ذي الحجة عام أربعين وخمسمائة، قتله بربر المصامدة لحسن ملبسه ولم يعرفوه، وقتلوا معه محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن مسعود، وكان أَزْوَجَه ابنته، فقُتلا معًا.

وأبو مروان عبد الملك بن أبي الخصال مسعود بن فرج بن خلصة الغافقي الكاتب، من أهل شقورة، ومن قرية بها يقال لها فرغليط، وسكن قرطبة، روى عن أبي الحسن الأسدي وغيره من شيوخ قرطبة، وسمع منه أبو عبد الله بن العريض، وكان أديبًا حافلًا كاتبًا بليغًا مدركًا فصيحًا، واستعمله ولاة لمتونة وأمراؤها في الكتابة بمراكش وبفاس وغيرهما، وله رسائل بديعة، وتوفي لستٍّ بقين لشهر ربيع الأول سنة ٥٣٩، قال ابن الأبَّار في التكملة: قرأت وفاته بخط ناقلها من خط أبي عبد الله بن أبي الخصال، وذكرها ابن حبيش ولم يذكر الشهر. وفي آخر هذه السنة انقرضت دولة اللمتونيين من الأندلس. ا.ﻫ، يريد باللمتونيين المرابطين.

هوامش

(١) قال الشريف الإدريسي: من «قونكة» إلى «وبذي» (هاتان البلدتان في إقليم طليطلة) ثلاث مراحل، ووبذي وأقليش مدينتان متوسطتان، ولهما أقاليم ومزارع عامرة، وبين وبذي وأقليش ١٨ ميلًا، ومن أقليش إلى شقورة ثلاث مراحل. وشقورة حصن كالمدينة عامر بأهله، وهو في رأس جبل عظيم متصل منيع الجهة حسن البنية ويخرج من أسفله نهران: أحدهما نهر قرطبة المسمَّى بالنهر الكبير، والثاني هو النهر الأبيض الذي يمر بمرسية (الإدريسي يجعل النهر الأبيض هو نهر مرسية الذي يقال له نهر شقورة، والحال أن الأكثرين يقولون النهر الأبيض لنهر بلنسية)؛ وذلك أن النهر الذي يمر بقرطبة يخرج من هذا الجبل من مجتمع مياه كالغدير ظاهر في نفس الجبل، ثم يغوص تحت الجبل ويخرج من مكان في أسفل الجبل، فيتصل جريه غربًا إلى جبل «نجدة» إلى «غادرة» إلى قرب مدينة «أبَّذة» إلى أسفل مدينة بياسة إلى حصن «أندوجر» إلى «القصير» إلى قنطرة «أشتشان» إلى قرطبة إلى حصن «المدوَّر» إلى حصن «الجُرف» إلى حصن «لورة» إلى حصن «القليعة» إلى حصن «قطنيانة» إلى «الزرَّادة» إلى «إشبيلية» إلى «قبطال» إلى «قبتور» إلى «طبرشانة» إلى «المساجد» إلى «قادس»، ثم إلى «بحر الظلمات». فأما النهر الأبيض الذي هو نهر مرسية فإنه يخرج من أصل الجبل، ويحكى أن أصلهما واحد؛ أعني نهر قرطبة ونهر مرسية. ثم يمر نهر مرسية في عين الجنوب إلى حصن «أفرد»، ثم إلى حصن «موله»، ثم إلى مرسية، ثم إلى أوريوالة إلى المدوَّر إلى البحر.
ومن شقورة إلى مدينة «سرتة» مرحلتان كبيرتان، وهي مدينة متوسطة القدر حسنة البقعة كثيرة الخصب (إلى أن يقول): ومن أراد المسير من مرسية إلى المرِّية سار من مرسية إلى قنطرة أشكابة (هي التي يقال لها اليوم: قنطريَّة Cantarilla) إلى حصن «لبرالة» إلى حصن «الحمة» إلى مدينة لورقة، وهي مدينة غرَّاء حصينة على ظهر جبل، ولها أسواق وربض في أسفل المدينة، وعلى الربض سور، وفي الربض السوق، وبها معادن تربة صفراء ومعادن مغرة. ا.ﻫ.
(٢) قال الحميري في الروض المعطار: شقورة من أعمال جيَّان؛ قالوا: وجبل شقورة ينبت الورد الذكي العطر، والسنبُل الرومي الطيب، وفي غيران «شنت مرتين» من جبل شقورة إشقاقل كبير قوي الفعل يفوق غيره، وإذا نزل بتلك الغيران أحد كثر منه الاحتلام، ويقال: إن في قرية هنالك ماءً يفعل مثل ذلك.
وفي جبل شقورة شجر الطنحش الذي يتخذ منه القِسيُّ، وعصير ورقه سم قتَّال وَحِيٌّ. وفي تلك الناحية ماء صعيد في حجر قدر ما تدخل الدابة رأسها فيه فتشرب ويتتابع على ذلك العدد الكثير من الدواب، فتصدر رواء؛ فإذا استقى في إناء لم يكن يروي الرجل.
ولعليِّ بن جعفر بن همشك — وكُتب على قبره — بشقورة:
لعمرك ما أردت بقاء قبري
وجسمي فيه ليس له بقاءُ
ولكني رجوت وقوف مارٍّ
على قبري فينفعني الدعاءُ
سبيل الموت غاية كل حيٍّ
فكلٌّ سوف يلحقه الفناءُ
ومن شقورة أبو بكر بن مُجبر، الشاعر المفلق المجيد، شاعر دولة بني عبد المؤمن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤