خاتمة الجزء الثالث

قد توخَّينا في هذا الجزء إشباع الكلام على شرق الأندلس بما لا تبقى معه حاجة في نفس يعقوب، وجعلنا بداية الإقليم الذي وصفناه ثغر طرطوشة الذي كانت فيه دار الصناعة البحرية، وبقي مدةً طويلة هو الفاصل بين مملكتي المسلمين والنصارى، وكان يقيم فيه ناظر خاصٌّ للمسافرين الذين يطرءُون من بلاد النصارى إلى بلاد المسلمين، وقد تولَّى هذا المنصب في جملة من تولوه القاضي منذر بن سعيد البلوطي الذي صار قاضي الجماعة في قرطبة.

فقد بدأنا جغرافية شرقي الأندلس ببلدة طرطوشة، وتقدمنا منها إلى الجنوب والجنوب الغربي مارِّين ببنشكلة وعقبة أبيشة إلى مربيطر فبلنسية مع توابعها الغربية والجنوبية والشرقية التي منها شارقة والجوفية بحسب قولهم، ومنها البونت. ومن هناك جئنا إلى شاطبة فدانية فمرسية مع توابعها، ومن هذه إلى البسيط وشنجالة من جهة الجوف، وانتهينا بلورقة، ولم نتقدم إلى المريَّة ووادي آش وبسطة مع أنها صارت مصاقبةً لعمل مرسية. والسبب في ذلك هو أن حجم هذا الجزء قد زاد على الكفاية، ثم إن هذه المدن كانت هي الحدود الشرقية والجوفية لمملكة غرناطة بقية ممالك الإسلام في الأندلس، وبقيت نحوًا من مائتين إلى ثلاثمائة سنة هي الحد الفاصل بين الإسلام والنصرانية بعد أن سقط حكم الإسلام عن بلنسية ومرسية في أواسط القرن السابع للهجرة والثالث عشر للمسيح.

فهذه المدن ستدخل معنا إن فسح الله في الأجل بالجزء الذي سيختص بمملكة ابن الأحمر؛ أي مملكة غرناطة، وكذلك لم نُدخل في هذا الجزء جيَّان وعملها؛ لأن إقليم جيَّان هو في الوسط لا يعدُّ شرقيًّا كمرسية وبلنسية ولا غربيًّا كإشبيلية وبطليوس، بل هو في وسط الجزيرة الأندلسية مثل قرطبة؛ ولذلك سندخله إن شاء الله مع إقليم قرطبة في جزءٍ خاص بهما. وليعلم القارئ اللبيب أن هذا الجزء الثالث هو الجزء المودِّع للإسلام في شرقي الأندلس؛ فجميع ما فيه من ذكر ملوك وأمراء وعلماء مسلمين ومساجد وحصون إسلامية قد انتهى في هذا الجزء الذي يتكلم على الإسلام وآثاره وأشخاصه وأشيائه في شرقي الأندلس إلى حد سنة ٦٦٠ بالكثير؛ إذ بعدها خرج الحكم في تلك البقاع من يد الإسلام، وأخذ المسلمون الذين فيها بالمهاجرة إلى مملكة ابن الأحمر؛ أي غرناطة وتوابعها. ومنهم من هاجر إلى إفريقية رأسًا كتونس والجزائر وتلمسان وفاس والرباط وتطوان وغيرها، وبقية منهم بقيت هناك، كانوا يلقَّبُون بالمدجَّنين، ويقول لهم الإفرنج «الموريسك»، فقد كانوا يعملون في المزارع التي استولى عليها الإسبانيون، وكانت الزراعة زاهرة على أيديهم، فكان الإسبانيون لا يستغنون عنهم بحال؛ فبقيت بقاياهم تحت الدجن؛ أي حكم الإسبانيول، من أواسط القرن السابع للهجرة إلى القرن العاشر للهجرة؛ إذ أُخرجوا عند ذلك بأسرهم، ولم يبقَ منهم إلَّا من تنصَّر وتفرنج واندمج اندماجًا تامًّا في أمم النصرانية.

وإليك الآن وصف مختصر لما كانت عليه مملكة المسلمين قبل استصفاء الإسبانيول لها في شرقي الأندلس بقليل، ننقله عن «المعجب في تلخيص أخبار المغرب»، تأليف عبد الواحد المراكشي، فهو يقول في آخر كتابه: وأنا ذاكر بعد هذا ما بقي بأيدي المسلمين من البلاد، وعدد المراحل التي بينها، وقُربها من البحر وبُعدها؛ حتى يتبيَّن ذلك إن شاء الله تعالى. فأول شيء يملكه المسلمون بجزيرة الأندلس اليوم حصن صغير على شاطئ البحر الرومي يسمى «بنشكلة» بينه وبين مدينة بلنسية ثلاث مراحل، وهذا الحصن مما يلي بلاد الروم، بينه وبين طرطوشة مرحلتان أو أكثر قليلًا. ثم مدينة بلنسية، وهي مدينة في غاية الخصب واعتدال الهواء، كان أهل الأندلس يدعونها في ما سلف من الزمان مطيَّب الأندلس، والمطيَّب عندهم حزمة يعملونها من أنواع الرياحين، ويجعلون فيها النرجس والآس وغير ذلك من أنواع المشمومات؛ سموا بلنسية بهذا الاسم لكثرة أشجارها وطيب ريحانها.

وبين بلنسية هذه وبين البحر الرومي قريب من أربعة أميال، ثم بعدها مدينة تدعى شاطبة بينها وبينها مرحلتان. وبينهما مدينة صغيرة تدعى جزيرة الشقر، وسميت جزيرة لأنها في وسط نهرٍ عظيم قد حفَّ بها من جميع جهاتها، فلا طريق إليها إلَّا على القنطرة. ومن شاطبة هذه إلى مدينة دانية التي على ساحل البحر الرومي يوم تامٌّ. ومن شاطبة إلى مدينة مرسية ثلاثة أيام. ومن مرسية إلى البحر الرومي عشرة فراسخ. ومن مدينة مرسية إلى مدينة غرناطة سبع مراحل، وبين ذلك بلاد صغار أولها مما يلي مرسية حصن لُرقة، ثم حصن آخر يدعى بلس، ثم حصن آخر يدعى قلية، ثم بليدة صغيرة تسمى بسطة، ثم بليدة أخرى على مسيرة من غرناطة تسمى وادي آش، ويقال لها أيضًا: وادي الأشي، هكذا سمعت الشعراء ينطقون بها في أشعارهم؛ فهذه هي البليدات التي بين غرناطة ومرسية. انتهى.

قلت: هذا ما ذكره عبد الواحد المراكشي صاحب كتاب المعجب في تلخيص أخبار المغرب، الذي انتهى من تأليفه لست بَقِينَ من جمادى الآخرة من سنة ٦٢١؛ أي قبل سقوط شرق الأندلس في أيدي الإسبان ببضع عشرة سنة، نقلنا منه أسماء البلاد المشهورة في شرق الأندلس الذي هو موضوع هذا الجزء.

ثم إننا نحبُّ أن نذكر مَنْ سكن من بطون العرب وأفخاذها في شرق الأندلس، فمن هؤلاء بنو قاسم الأمراء الفضلاء، مرجعهم إلى فهر من قريش الظواهر، وكانوا في مدينة البونت عمل بلنسية. ومنهم أناس من بني كنانة، الذين منهم ابن جبير صاحب الرحلة، كانوا في شرقي الأندلس أيضًا. وكان في أوريولة من بني هذيل ابن مدركة بن إلياس بن مُضر، وبجوفي بلنسية من ينتسب إلى هوازن، وكل هؤلاء من العرب العدنانية. وكان في بلنسية كثير من المضرية.

وأما عرب اليمن فمنهم في شقورة بنو غافق من الأزد، وفي قبلي مرسية حي من طيء، وفي شرقي الأندلس كثير من جذام، منهم بنو هود الذين ملكوا سرقسطة مدة من الزمن. ومنهم بنو مردنيش يقولون إنهم من جذام، وبعض مؤرخي الإفرنج يرجحون أنهم من أصل إسبانيولي، وأن أصل مردنيش هو مرتينيس Martinez، ولكنهم جعلوا أنفسهم بطول الوقت عربًا؛ لتكون لهم عصبية تساعدهم على الملك. وفي أُندة بالقرب من بلنسية كثير من قضاعة. وفي مرسية كثير من عرب حضرموت. وكان الجنس البربري قليلًا جدًّا في شرق الأندلس، وأكثرهم كانوا في الجبال؛ فكانت العروبة التامة غالبة على الشرق، وكان مع ذلك أكثر البربر قد استعربوا واندمجوا في العرب حتى لا يفرِّقُ الإنسان بين العرب والبربر. وجاء في كتاب «الجمان في أخبار الزمان» أن بربر الأندلس كان منهم أمراء وقواد وقضاة وعلماء وكتَّاب للملوك وكثيرٌ من رجال الشرع. وأشهر قبائلهم في الأندلس صنهاجة وزناتة ويفرن وهيلان وبنو الخزر وبنو عوسجة وبنو زروال وبنو رزين أمراء شنتمرية الشرق، وفي تطوان اليوم عائلة يقال لها بنو رزين يترجح أنهم من ذريتهم.

وفي شرقي الأندلس كثير من الأزد؛ فإن كثيرًا من العلماء والأعيان يأتي في نسبته «الأنصاري»، وإذا قرأ القارئ تراجم علماء بلنسية ومرسية وشاطبة ودانية وغيرها من مدن شرقي الأندلس، تجلَّى له وشيج عروق العربية في ذلك الصقع بشكلٍ عجيب، فضلًا عما يتجلى له من كثرة عدد العلماء، والأدباء، والشعراء، وحفَّاظ كتاب الله والقرَّاء، وفحول اللغة، مما قد زال كله تدريجًا بتقلُّص ظل الإسلام عن الأندلس، ورجوعه من حيث أتى، وانحطاطه من حيث علا، بما كَسَبَتْ أيدي أبنائه واستولى عليهم من التنازع والتخاذل، كما سيأتي تفصيله في باب التاريخ؛ فقضوا على أنفسهم بأنفسهم إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ الله بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ.

مراثي الأندلس

والآن نختم هذا الفصل الذي هو خاتمة هذا الجزء بذكر مراثي الأندلس، بادئين بمراثي بلنسية، التي أشهرها سينية صاحب التكملة ابن الأبَّار القضاعي، وهي التي أنشدها السلطانَ أبا زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص صاحب تونس، موفدًا من قبل البلنسيين إلى الملك الحفصي بالصريخ؛ فاهتزَّ لها وأرسل أسطوله إلى بحر بلنسية، إلا أنه لم يَفُزْ بطائل، واستولى العدو على تلك البلد وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَّقْدُورًا.

أدرك بخيلك خيل الله أندلسا
إن السبيل إلى مَنجاتها درسا
وهب لها من عزيز النصر ما التمست
فلم يزل منك عزُّ النصر ملتمَسا
وحاش مما تعانيه حشاشتها
فطالما ذاقت البلوى صباحَ مسا
يا للجزيرة أضحى أهلها جزَرًا
للحادثات وأمسى جدها تعسا
في كل شارقةٍ إلمام بائقة
يعود مأتمها عند العِدَا عُرُسا
وكل غاربة إجحاف نائبةٍ
تثني الأماني حذارًا والسرور أسى
تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم
إلَّا عقائلها المحجوبة الأُنُسا
وفي بلنسيةٍ منها وقرطبةٍ
ما يُذهب النفس أو ما ينزف النفسا
مدائن حلها الإشراك مبتسمًا
جذلان وارتحل الإيمان مُبْتَئِسا
وصيرتها العوادي العائثات بها
يستوحش الطرف منها ضعف ما أنسا
فمن دساكر كانت دونها حرسا
ومن كنائس كانت قبلها كنسا
يا للمساجد عادت للعدا بيعا
وللنداء غدا أثناءَها جرسا
لهفي عليها إلى استرجاع فائتها
مدارسًا للمثاني أصبحت دُرُسا
وأربعًا نمنمت أيدي الربيع لها
ما شئت من خلع موشية وكُسى
كانت حدائق للأحداق مونقة
فصوَّح النضر من أدواحها وعسا
وحال ما حولها من منظر عجب
يستجلس الركب أو يستركب الجلسا
سرعان ما عاث جيش الكفر وا حربا
عيث الدِّبا في مغانيها التي كبسا
وابتز بزتها مما تحيَّفها
تحيُّف الأسد الضاري لما افترسا
فأين عيش جنيناه بها خضرًا
وأين غصن حنيناه بها سلِسا
محا محاسنها طاغٍ أتيح لها
ما نام عن هضمها حينًا ولا نعسا
ورجَّ أرجاءها لما أحاط بها
فغادر الشُّمَّ من أعلامها خُنُسا
خلا له الجو فامتدت يداه إلى
إدراك ما لم تطأ رجلاه مختلسا
وأكثرَ الزعم بالتثليث منفردًا
ولو رأى راية التوحيد ما نبسا
صل حبلها أيها المولى الرحيم فما
أبقى المراس لها حبلًا ولا مرسا
وأحيِ ما طمست منها العداة كما
أحييْت من دعوة المهديِّ ما طمسا
أيام صرت لنصر الحق مستبقًا
وبت من نور ذاك الهدي مقتبسا
وقمت فيها بأمر الله منتصرًا
كالصارم اهتزَّ أو كالعارض انبجسا
تمحو الذي كثَّف التجسيم من ظلمٍ
والصبح ماحيةٌ أنواره الغلسا
وتقتضي الملك الجبَّارَ مهجتَهُ
يوم الوغى جهرة لا ترقب الخلسا
هذي رسائلها تدعوك من كثبٍ
وأنت أفضل مرجوٍّ لمن يئسا
وافَتْكَ جارية بالنجح راجيةً
منك الأمير الرضا والسيد الندسا
خاضت خضارة يُعليها ويُخفضها
عبابه فتعاني اللين والشرسا
وربما سبحت والريح عاتية
كما طلبتَ بأقصى شدَّةِ الفرسا
تؤم يحيى بن عبد الواحد بن أبي
حفصٍ مقبِّلة من تربه القُدُسا
ملك تقلدت الأملاك طاعته
دينًا ودنيا فغشَّاها الرضا لبسا
من كل غادٍ على يمناه مستلمًا
وكل صادٍ إلى نعماه ملتمسا
مؤيد لو رمى نجمًا لأثبته
ولو دعا أفُقًا لبَّى وما احتبسا
أمارةٌ يحمل المقدار رايتها
ودولة عزها يستصحب القَعَسا
يُبدي النهار بها من ضوئه شنبًا
ويطلع الليل من ظلمائه لَعَسا
ماضي العزيمة والأيام قد نكلت
طلق المحيَّا ووجه الدهر قد عَبَسا
كأنه البدر والعلياء هالته
تحفُّ من حوله شهب القنا حرسا
تدبيره وسَّع الدنيا وما وسعت
وعرف معروفه وأسى الورى وأسا
قامت على العدل والإحسان دولته
وأنشرت من وجود الجو ما رُمسا
مبارك هَدْيُه بادٍ سكينته
ما قام إلَّا إلى حسنى وما جلسا
قد نوَّر الله بالتقوى بصيرته
فما يُبالي طروق الخطب ملتبسا
يرى العصاة وراش الطائعين فقل
في الليث مفترسًا والغيث مرتجسا
فرب أصيد لا تلفى به صَيَدًا
ورب أشوس لا تلقى له شوسا
إلى الملائك ينمى والملوك معًا
في نبعةٍ أثمرت للمجد ما غرسا
من ساطع النور صاغ الله جوهره
وصان صيقله أن يقرب الدنسا
له الثرى والثريَّا خطتان فلا
أعز من خطتيه ما سما ورسا
حسب الذي باع في الأخطار يركبها
إليه محياه أن البيع ما وكسا
إن السعيد امرؤ ألقى بحضرته
عصاه محترمًا بالعدل محترسا
فظل يوطن من أرجائها حرمًا
وبات يوقد من أضوائها قبسا
بشرى لعبدٍ إلى الباب الكريم حدا
آماله ومن العذب المعين حسا
كأنما يمتطي واليمن يصحبه
من البحار طريقًا نجوه يبسا
فاستقبل السعد وضاحًا أسرته
في صفحة فاض منها النور وانعكسا
وقبل الجود طفاحًا غواربه
من راحة غاص فيها البحر وانغمسا
يا أيها الملك المنصور أنت لها
علياء توسع أعداء الهدى تعسا
وقد تواترت الأنباء أنك من
يُحيي بقتل ملوك الصفر أندلسا
طهر بلادك منهم إنهم نَجَسٌ
ولا طهارة ما لم تغسل النجسا
وأوطئ الفيلق الجرار أرضهمُ
حتى يطأطئ رأسًا كل من رأسا
وانصر عبيدًا بأقصى شرقها شرقت
عيونهم أدمعًا تَهمي زكًا وخسا
هم شيعة الأمر وَهْيَ الدار قد نهكت
داءً متى لم تُباشر حَسْمَهُ انتكسا
فاملأ هنيئًا لك التأييد ساحتها
جُرْدًا سلاهب أو خطيَّة دُعُسا
واضرب بها موعدًا بالفتح ترقبه
لعل يوم الأعادي قد أتى وعسا

مرثية مجهولة القائل

وهذه المرثية التي لم يذكر في نفح الطيب قائلها:

نادتك أندلس فلبِّ نداءَها
واجعل طواغيت الصليب فداءها
صرخت بدعوتك العلية فاحبُها
من عاطفاتك ما يقي حوباءها
واشدُد بجلبك جرد خيلك أزرها
تردد على أعقابها أرزاءها
هي دارك القصوى أوت لإيالةٍ
ضمنت لها مع نصرها إيواءها
وبها عبيدك لا بقاء لهم سوى
سُبُل الضراعة يسلكون سواءها
خلعت قلوبهمُ هناك عزاءها
لما رأت أبصارهم ما ساءها
دُفعوا لأبكار الخطوب وعُونها
فهم الغداة يصابرون عناءها
وتنكرت لهم الليالي فاقتضت
سراءها وقضتهمُ ضراءها
تلك الجزيرة لا بقاء لها إذا
لم يضمن الفتح القريب بقاءها
رِشْ أيها المولى الرحيم جناحها
واعقد بأرشية النجاة رشاءها
أشفى على طرف الحياة ذماؤها
فاستبق للدين الحنيف ذماءها
حاشاك أن تفنى حشاشتها وقد
قصرت عليك نداءها ورجاءها
طافت بطائفة الهدى آمالها
ترجو بيحيى المرتضى إحياءها
واستشرفت أمصارها لإمارةٍ
عقدت لنصر المستضام لواءها
يا حسرتى لعقائل معقولة
سئم الهدى نحو الضلال هِداءها
إيهٍ بلنسية وفي ذكراك ما
يمري الشئون دماءها لا ماءها
كيف السبيل إلى احتلال معاهدٍ
شب الأعاجم دونها هيجاءها
وإلى ربا وأباطح لم تعر من
حلل الربيع مَصيفَها وشتاءها
طاب المعرس والمقيل خلالها
وتطلعت غرر المنى أثناءها؟!
بأبي مدارس كالطلول دوارس
نسخت نواقيس الصليب نداءها
ومصانع كسف الضلال صباحها
فيخاله الرائي إليه مساءها
ناحت به الورقاء تسمع شدوها
وغدت ترجِّع نوحها وبكاءها
عجبًا لأهل النار حلوا جنة
منها تمدُّ عليهمُ أفياءها
أملت لهم فتعجلوا ما أمَّلوا
أيامهم لا سوَّغوا إملاءها
بعدًا لنفسٍ أبصرت إسلامها
فتوكفت عن حزبها إسلاءها
أما العلوج فقد أحالوا حالها
فمن المطيق علاجها وشفاءها
أهدى إليها بالمكاره جارح
للكفر كرَّه ماءَها وهواءها
وكفى أسًى أن الفواجع جمة
فمتى يقاوم أسوها أسواءها
مولاي هاك معادة أنباءها
لتنيل منك معادة أبناءها
جرِّد ظُباك لمحو آثار العدا
تقتل ضراغمها وتسبُ ظباءها
واستدع طائفة الإمام لغزوها
تسبق إلى أمثالها استدعاءها
لا غرو أن يعزى الظهور لملَّة
لم يبرحوا دون الورى ظهراءها
إن الأعاجم للأعارب نهبة
مهما أمرت بغزوها أحياءها
تالله لو دبت لها أدبابها
لطوت عليها أرضها وسماءها
ولو استقلت عوفها لقتالها
لاستقبلت بالمقربات عفاءها
أرْسِل جوارحها تجئك بصيدها
صيدًا وناد لطحنها أرحاءها
هبوا لها يا معشر التوحيد قد
آن الهبوب وأحرزوا علياءها
إن الحفائظ من خلالكم التي
لا يرهب الداعي بهن خلاءها
هي نكتة المحيا فحيَّهلا بها
تجدوا سناها في غدٍ وسناءها
أولوا الجزيرة نصرة إن العدا
تبغي على أقطارها استيلاءها
نقصت بأهل الشرك من أطرافها
فاستحفظوا بالمؤمنين نماءها
حاشاكمُ أن تُضمروا إلغاءها
في أزمة أو تُضمروا إقصاءها
خوضوا إليها بحرها يصبح لكم
رهوًا وجوبوا نحوها بيداءها
وافي الصريخ مثوِّبًا يدعو لها
فلتعلموا قصد الثواب ثواءها
دار الجهاد فلا تفتكم ساحةٌ
ساوت بها أحياؤها شهداءها
هذي رسائلها تناجي بالتي
وقفت عليها ريثها ونجاءها
ولربما أنهت سوالب للنهى
من كائنات حُمِّلت إنهاءها
وفدت على الدار العزيزة تجتني
آلاءها أو تجتلي آراءها
مستسقيات من غيوث غياثها
ما وقعه يتقدم استسقاءها
قد أمنت في سبلها أهواءها
إذ سوغت في ظلها أهواءها
وبحسبها أن الأمير المرتضى
مترقب بفتوحها آناءها
في الله ما ينويه من إدراكها
بكلاءة يفدي أبي أكلاءها
بشرى لأندلس تحب لقاءه
ويحب في ذات الإله لقاءها
صدق الرواة المخبرون بأنه
يشفي ضناها أو يعيد رواءها
إن دوخ العرب الصعاب مقادة
وأبى عليها أن تطيع إباءها
فكأنْ بفيلقه العرمرم فالقًا
هام الأعاجم ناسفًا أرجاءها
أنذرهم بالبطشة الكبرى فقد
نذرت صوارمه الرقاق دماءها
لا يعدم الزمن انتصار مؤيد
تتسوَّغ الدنيا به سراءها
ملك أمد النيرين بنوره
وأفاده لألاؤه لألاءها
خضعت جبابرة الملوك لعزه
ونضت بكفِّ صغارها خيلاءها
أبقي أبو حفص إمارته له
فسما إليها حاملًا أعباءها
سل دعوة المهدي عن آثاره
تُنبِيك أن ظباه قمن إزاءها
فغزا عداها واسترقَّ رقابها
وحمى حماها واستردَّ بهاءها
قبضت يداهُ على البسيطة قبضةً
قادت له في قده أمراءها
فعلى المشارق والمغارب ميسم
لهداه شرف وسمه أسماءها
تطمو بتونسها بحار جيوشه
فيروز زاخر موجها زوراءها
وسع الزمان فضاق عنه جلالة
والأرض طرًّا ضنكها وفضاءها
ما أزمع الإيغال في أكنافها
إلا تصيد عزمه زعماءها
دانت له الدنيا وشم ملوكها
فاحتل من رتب العلاء سماءها
ردت سعادته على أدراجها
ليل الزمان ونهنهت علداءها١
إن يُعْتِم٢ الدولَ العزيزة بأسه
فالآن يولي جوده إعطاءها
تقع الجلائل وهو راسٍ راسخٌ
فيها يوقِّع للسعود جلاءها
كالطود في عصف الرياح وقصفها
لا رهوها يخشى ولا هوجاءها
سامي الذوائب في أعز ذؤابة
أعلت على قمم النجوم بناءها
بركت بكل محلة بركاته
شفعًا يبادر بذلها شفعاءها
كالغيث صب على البسيطة صوبه
فسقى عمائرها وجاد قواءها
ينميه عبد الواحد الأرضي إلى
عليا فتمنح بأسها وسخاءها
في نبعة كرمت وطابت مغرسًا
وسمت وطالت نضرةً نظراءها
ظهرت لمحتدها السماء وجاوزت
لسرادقات فخارها جوزاءها
فئة كرام لا تكف عن الوغى
حتى تصرِّع حولها أكفاءها
وتكب في نار القرى فوق الذرا
من عزةٍ ألويَّها٣ وكباءها
قد خلقوا الأيام طيب خلائق
فثنت إليهم حمدها وثناءها
ينضون في طلب النفائس أنفسًا
حبسوا على إحرازها إمضاءها
وإذا انتضوا يوم الكريهة بيضهم
أبصرت فيهم قطعها ومضاءها
قوم الأمير فمن يقوم بمالهم
من صالحاتٍ أفحمت شعراءها
صفحًا جميلًا أيها الملك الرضي
عن محكمات لم نطق إحصاءها
تقف القوافي دونهن حسيرة
لا عيَّها تخفي ولا إعياءها
فلعل علياكم تسامح راجيًا
إصفاءها ومؤملًا إغضاءها

وفي فاجعة بربشتر يقول الفقيه الزاهد ابن العسَّال من قصيدة:

ولقد رمانا المشركون بأسهمٍ
لم تُخطِ لكن شأنها الإصماءُ
هتكوا بخيلهمُ قصور حريمها
لم يبقَ لا جبل ولا بطحاء
جاسوا خلال ديارهم فلهم بها
في كل يومٍ غارة شعواء
باتت قلوب المسلمين برعبهم
فحماتُنا في حوبهم جُبناءُ
كم موضعٍ غنموه لم يرحم به
طفل ولا شيخ ولا عذراء
ولكَم رضيعٍ فرَّقوا من أمه
فله إليها ضجةٌ وبغاءُ
ولرُبَّ مولودٍ أبوه مُجدَّلٌ
فوق التراب وفرشُه البيداءُ
ومصونةٍ في خدرها محجوبةٍ
قد أبرزوها ما لها استخفاء
وعزيزِ قومٍ صار في أيديهمُ
فعليه بعد العزَّةِ استخذاء
لولا ذنوب المسلمين وأنهم
ركبوا الكبائرَ ما لهنَّ خَفَاء
ما كان يُنصر للنصارى فارسٌ
أبدًا عليهم فالذنوب الداء
فشرارهم لا يختفون بشرِّهم
وصلاحُ منتحلي الصلاح رياء

نثر ابن الأبار فى التأسف على سقوط بلنسية

ولما سقطت بلنسية في أيدي الإسبان، واستولى عليها ملك أراغون، أكثَرَ أدباؤها بكاءها والتأسف عليها نظمًا ونثرًا؛ فمن ذلك قول الكاتب أبي المطرِّف بن عميرة، خاطب به الكاتب أبا عبد الله بن الأبَّار، جوابًا عن رسالة (ورد ذلك في الروض المعطار):

طارحني حديث مورد جفَّ وقطين خفَّ، فيا لله لأترابٍ درجوا وأصحابٍ عن الأوطان خرجوا، قُصَّت الأجنحة، وقيل: طيروا. وإنما هو القتل أو الأمر أو تسيروا. فتفرقوا أيدي سبا، وانتشروا ملء الوهاد والرُّبا؛ ففي كل جانبٍ عويل وزَفْرَه، وبكل صدرٍ غليل وحَسْرَه، ولكل عينٍ عِبْرَة لا تُرقأُ من أجلها عَبْرَه. داءٌ خامر بلادنا حين أتاها، وما زال بها حتى سجَّى على موتاها، وشجا ليومها الأطول كهلها وفتاها. وأنذر بها في القوم بُحرانُ أنيجَهْ، يوم أثاروا أسدها المهيجَه. فكانت تلك الحطمةُ طلَّ الشؤبوب، وباكورة البلاء المصبوب. أثكلتنا إخوانًا أبكانا نعيُّهم، فلله أحوذيُّهم وألمعيُّهم. ذاك أبو ربيعنا، وشيخ جميعنا، سعد بشهادة يومه، ولم ير ما يسوءُه في أهله وقومه.

وبعد ذلك أخذ من الأمِّ بالمخنَّق، وهي بلنسية ذات الحسن والبهجة والرونق. وما لبث أن خرس من مسجدها لسان الأذان، وأخرج من جسدها روح الإيمان؛ فبَرَح الخفاء، وقيل على آثار من ذهب العفاء، وانعطفت النوائب مفردةً ومركبَّةً كما تعطف الفاء. وأودت الخِفَّة والحصافَه. وذهب الجسر والرُّصافه، ومُزِّقت الحُلَّة والسَّهْلَه، وأوحشت الحرْف والرَّملَه، ونزلت بالحارة وقعة الحرَّه، وحصلت الكنيسة من جآذرها وظباءها على طول الحَسْرَه. فأين تلك الخمائل ونضرتها، والجداول وخضرتها، والأندية وأرَجُهَا، والأودية ومنعرجها، والنواسم وهبوب مبتلِّها، والأصائل وشحوب معتلها؟ دارٌ ضاحكت الشمس بحرها وبحيرتها، وأزهار ترى من أدمع الطَّلِّ في أعينها ترددها وحيرتها.

ثم زحفت كتيبة الكفر بزرقها وشقرها، حتى أحاطَتْ بجزيرة شقُرِها؛ فآهًا لمسقط الرأس هوى نجمه، ولفادح الخطب سرى كَلْمُه! وبالجنة أجرى الله تعالى النهر تحتها، وروضة أجاد أبو إسحاق نعتها، وإنما كانت داره التي فيها دبَّ، وعلى أوصاف محاسنها ألَبَّ، وفيها أتته منيته كما شاء وأحب، ولم يعد بعد مُحبِّين قشيبهم إليها ساقوه، ودمعهم عليها أراقوه.

وله من رسالة أخرى في المعنى:

ثم ردف الخطاب الثاني بقاصمة المتون، وقاضية المنون، ومضمرة نار السجون، ومذرية ماء الشئون. وهو الحادث في بلنسية دار النحر، وحاضرة البر والبحر، ومطمح أهل السياده، ومطرح شعاع البهجة والنضاده. أودى الكفر بإيمانها، وأبطل الناقوس صوت أذانها. ودهاها الخطب الذي أنسى الخطوب، وأذاب القلوب. وعلَّم سهام الأحزان أن تصيب، ودموع الأجفان أن تصوب، فيا ثكل الإسلام! ويا شجو الصلاة والصيام! يوم الثلاثاء، وما يوم الثلاثاء؟ يا ويح الداهية الدهياء، وتأخير الأقدام عن موقف العزاء! أين الصبر وفؤادي أُنسِيَه، لم يبق لقومي على الرمي سِيَه، هيهات تجد لما مضى من تَنْسِيَه، من بعد مصابٍ حلَّ في بلنسية.

يا طول هذه الحسره! ألا جابر لهذه الكسره؟ أكل أوقاتنا ساعة العُسره؟ أخي! أين أيامنا الخوالي؟ وليالينا على التوالي؟ ولأية عيش نعم بها الوالي؟ ومسندات أنس يعدها الرواة من الغوالي؟ بعدًا لك يا يوم الثلاثاء من صفر، ما ذنبك عندي بشيءٍ يُغتفر، قد أشمَتَّ بالإسلام حزب من كفر، من أين لنا المفرَّ؟ كلا لا مفَر.

كل رزءٍ في هذا الرزء يندرج، وقد اشتدت الأزمة فقل لي متى تنفرج. كيف انتفاعنا بالضحى والأصائل؟ إذا لم يعد ذلك النسيم الأرج، ليس لنا إلا التسليم، والرضا بما قضاه الخلَّاق العليم.

وقال في رسالةٍ أخرى في المعنى:
وأجريت خبر الحادثة التي محقت بدر التمام، وذهبت بنضارة الأيام، فيا من حضر يوم البطشه، وعُزِّي في أنسه بعد تلك الوحشه! أحقًّا أنه دُكَّت الأرض، ونزف المَعين والبَرض، وصوَّح روضُ المنى، وصَرَّح الخطب وما كَنَى؟ أَبِنْ لي كيف فُقدت رجاحة الأحلام، وعُقدت مناحة الإسلام، وجاء اليوم العَسِر، وأوقدت نار الحزن فلا تزال تستعر. حُلمٌ ما نرى؟ بل ما رأى ذا حالم. طوفان يُقال عنده لا عاصم. من ينصفنا من الزمان الظالم؟ الله بما يلقى الفؤاد عالم. بالله أيَّ نحوٍ تنحو، ومسطور تُثبت وتمحو؟! وقد حُذف الأصليُّ والزائد، وذهبت الصلة والعائد، وباب التعجب طال، وحال البائس لا تخشى الانتقال، وذهبت علامة الرفع، وفُقدت سلامة الجمع، والمعتلُّ أعدى الصحيح، والمثلث أردى الفصيح. وامتنعت العجمة من الصرف، وأمنت زيادتها من الحذف. ومالت قواعد المِلَّه، وصرنا إلى جمع القله. وللشرك صيال وتخمُّط، ولقِرنه في شَرَكِه تخبَّط. وقد عاد الدين إلى غربته، وشرق الإسلام بكربته. كأن لم يُسمع بنصر ابن نُصير، وطَرق طارق بكل خير، ونَهَشاتٍ حَنَشٍ.٤ وكيف أعيت الرُّقى، وأزالت بليل السليم يوم الملتقى. ولم تُخبَر عن المروانيَّة وصوائفها، وفتى معافر٥ وتعفيره للأوثان وطوائفها. لله ذلك السلف! لقد طال الأسى عليهم والأسف.
وقال في رسالةٍ أخرى:

وما الذي نبغيه، وأي أملٍ لا نطرحه ونلغيه، بعد الحادثة الكبرى، والمصيبة التي كل كبدٍ لها حرَّى، وكل عينٍ من أجلها عبرى؟! لكن هو القضاء لا يُردُّ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ومما قاله في ذلك من المنظوم قوله:

ما بال دمعك لا يَني مدْرارُهُ
أمْ ما لقلبك لا يقرُّ قرَارُهُ
أللوعةٍ بين الضلوع لظاعن
سارت ركائبُهُ وشَطَّت داره
أم للشباب تقاذفت أوطانه
بعد الدنوِّ وأخفقت أوطاره
أم للزمان أتى بخطبٍ فادحٍ
من مثل حادِثِهِ خلت أعصاره
بحر من الأحزان عبَّ عبابه
وارتجَّ ما بين الحشا زخَّاره
في كلِّ قلب منه وجدٌ عنده
أسفٌ طويل ليس تخبو ناره
أما بلنسيةٌ فمثوى كافرٍ
حُفَّت به في عقرها كُفَّاره
زرع من المكروه حلَّ حصاده
عند الغُدوِّ غداة لجَّ حِصاره
وعزيمة للشرك جَعْجَعَ بالهدى
أنصارها إذ خانه أنصاره
قل كيف تثبت بعد تمزيق العِدا
آثاره أم كيف يُدرك ثاره
ما كان ذاك المِصرُ إلا جنةً
للحسن تجري تحته أنهاره
طابت بطيب بَهاره آصاله
وتعطَّرت بنسيمه أشجاره
أمَّا السرار فقد غداه وهل سوى
قمر السماء يزول عنه سِراره
قد كان يُشرق بالهداية ليلُهُ
والآن أظلم بالضَّلال نهاره
ودجا به ليلُ الخطوبِ بصحبهِ
أعيا على أبصارنا أسفاره

ومما صدر عن الكاتب أبي عبد الله محمد بن الأبَّار في ذلك من رسالة:

وأما الأوطان المحبب عهدها بحكم الشباب، المشبَّب فيها بمحاسن الأحباب، فقد ودعنا معاهدها وداعَ الأبد، وأخنى عليها الذي أخنى على لُبَد أسلمها الإسلام وانتظمها الانتثار والاصطلام حين وقعت أنُسُرها الطائرة، وطلعت أنحسها الغائرة، فغلب على الجذل الحزَن، وذهب مع المسْكَن السَّكَن.

كزعزع الريح صكَّ الدوح عاصفها
فلم يدع من جنًى فيها ولا غُصُنِ
واهًا وواهًا يموت الصبر بينهما
موت المحامد بين البخل والجبنِ

أين بلنسية ومغانيها، وأغاريد وُرقها وأغانيها؟ أين حُلي رصافتها وجسرها، ومنزلا عطائها ونصرها؟ أين أفياؤها تندى غَضَاره، وركاؤها تبدو من خُضاره؟ أين جداولها الطفاحة وخمائلها؟ أين جنائبها النفاحة وشمائلها. شدَّ ما عَطَلَ من قلائد أزهارها نحرها، وخلعت شعشعانية ضحاها بحيرتها وبحرها، فأية حيلة لا حيلة في صرفها مع صرف الزمان؟ وهل كانت حتى بانت إلا رونق الحق وبشاشة الإيمان؟! ثم لم يلبث داء عُقرها أن دبَّ إلى جزيرة شقرها، فأمرَّ عذبها النمير، وذوى غصنها النضير، وخرست حمائم أدواحها، وركدت نواسم أرواحها، ومع ذلك اقتُحمت دانية، فنُزحت قطوفها وهي دانية، وبالشاطبة وبطائحها، من حيف الأيام وإنحائها، وا لهفاه ثم لهفاه على تدمير وتلاعها، وجيَّان وقلاعها، وقرطبة ونواديها، وحمص وواديها، كلها رُعيَ كلؤُها، ودُهيَ بالتفريق والتمزيق ملَؤُها، عضَّ الحصار أكثرها، وطمس الكفر عينها وأثرها، وتلك ألبيرة بصدد البوار وريه، في مثل حَلْقة السُّوار لا مِرية في المريَّة وخفضها على الجوار إلى بُنيَّات لواحق بالأمهات، ونواطق بهاك لأول ناطقٍ بهات.

ما هذا النفخ بالمعمور؟ أهو النفخ في الصور، أم النفر عاريًا من الحج المبرور؟ ومالأندلس أصيبت بأشرافها، ونقصت من أطرافها، قوِّض عن صوامعها الأذان، وصُمَّت بالنواقيس فيها الآذان؟ أجَنَت ما لم تجنِ الأصقاع؟! أعقَّت الحق فحاق بها الإيقاع؟! كلا بل دانت للسنه، وكانت من البدع في أحسن جُنه. هذه المروانية مع اشتداد أركانها وامتداد سلطانها، ألقت حُبَّ آل النبوة في حبات القلوب، وألوت ما ظفرت من خلعة ولا قلعة بمطلوب، إلى المرابطة بأقاصي الثغور والمحافظة على معالي الأمور، والركون إلى الهضبة المنيعة، والروضة المريعة، فليت شعري بم استوثق تمحيصها، ولِمَ تعلق البلوى تخصيصها؟ اللهم غفرًا! طالما ضرَّ ضجر، ومن الأنباء ما فيه مزدجر، جرى بما لم تقدِّره المقدور، فما عسى أن ينفث به المصدور، وربنا الحكيم العليم. فحسبنا التفويض له والتسليم. ويا عجبًا لبني الأصفر! أنسيت مرج الصُّفر ورميها يوم اليرموك بكل أغلب غضنفر؟ دع ذا فالعهد به بعيد، ومن اتعظ بغيره فهو سعيد.

نونية أبي البقاء الرندي

وهذه النونية التي فاقت في الشهرة قفا نبك، ولم يعهد الناس مرثية بلغت ما بلغته من إثارة الحفائظ، وإرهاف العواطف، فضلًا عن إبداع النظم وإحسان السبك، للعلامة خاتمة أدباء الأندلس صالح بن شريف الرندي المعروف بأبي البقاء الرندي:

لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان
فلا يُغَرَّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحدٍ
ولا يدوم على حال لها شان
يمزق الدهر حتمًا كل سابغة
إذا نبت مشرفيات وخرصان
وينتضي كل سيف للفناء ولو
كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذوو التيجان من يمنٍ
وأين منهم أكاليل وتيجان
وأين ما شاده شداد في إرمٍ
وأين ما ساسه في الفرس ساسان
وأين ما حازه قارون من ذهبٍ
وأين عاد وشداد وقحطان
أتى على الكل أمر لا مردَّ له
حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
وصار ما كان من ملك ومن ملك
كما حكى عن خيال الطيف وسنان
دار الزمان على دارا وقاتِلِه
وأمِّ كسرى فما آواه إيوان
كأنما الصعب لم يسهل له سبب
يومًا ولا ملك الدنيا سليمان
فجائع الدهر أنواع منوَّعة
وللزمان مسرات وأحزان
وللحوادث سلوان يسهِّلها
وما لما حل بالإسلام سلوان
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له
هوى له أُحُد وانهدَّ ثهلان
أصابها العين في الإسلام فارتزأت
حتى خلت منه أقطار وبلدان
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية
وأين شاطبة أم أين جيَّان؟
وأين قرطبة دار العلوم فكم
من عالم قد سما فيها له شان!
وأين حمص وما تحويه من نزه
ونهرها العذب فياض وملآن؟
قواعد كنَّ أركان البلاد فما
عسى البقاء إذا لم تبقَ أركان
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف
كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديارٍ من الإسلام خالية
قد أقفرت ولها بالكفر عمرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائس ما
فيهن إلا نواقيس وصلبان
حتى المحاريب تبكي وَهْي جامدة
حتى المنابر ترثي وَهْي عيدان
يا غافلًا وله في الدهر موعظة
إن كنت في سِنَةٍ فالدهر يقظان
وماشيًا مرحًا يلهيه موطنه
أبعد حمص تغرُّ المرء أوطان
تلك المصيبة أنست ما تقدمها
وما لها مع طول الدهر نسيان
يا راكبين عتاق الخيل ضامرة
كأنها في مجال السبق عقبان
وحاملين سيوف الهند مرهفة
كأنها في ظلام النقع نيران
وراتعين وراء البحر في دعةٍ
لهم بأوطانهم عز وسلطان
أعندكم نبأ من أهل أندلس
فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم
قتلى وأسرى فما يهتز إنسان
ما ذا التقاطع في الإسلام بينكم
وأنتمُ يا عباد الله إخوان
ألا نفوس أبيَّات لها همم
أما على الخير أنصار وأعوان؟
يا من لذلة قوم بعد عزهمُ
أحال حالهمُ كفر وطغيان!
بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم
واليوم هم في بلاد الكفر عبدان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم
عليهمُ من ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهمُ
لَهَالَكَ الأمر واستهوتك أحزان
يا رب أم وطفل حِيلَ بينهما
كما تفرَّق أرواح وأبدان
وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت
كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهة
والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ
إن كان في القلب إسلام وإيمانُ

مرثية أبي جعفر بن خاتمة

ومن مراثي الأندلس الجديرة بالحفظ هذه المرثية للأديب أبي جعفر بن خاتمة، تاريخ نظمها ٩٠٤ أو ٩٠٥ للهجرة؛ أي في أثناء سقوط غرناطة، وكانت رندة قد سقطت من قبل. وقد أصبتُ هذه القصيدة عند الأخ الفاضل السيد عز الدين علم الدين التنوخي ناموس المجمع العلمي العربي، وذلك عند حصولي بدمشق سنة ١٣٥٦.

أحقًّا خبا من جوِّ رُندة نورها
وقد كسفت بعد الشموس بدورها
وقد أظلمت أرجاؤها وتزلزلت
منازلها ذات العلا وقصورها
أحقًّا خليلي أن رندة أقفرت
وأُزعِج عنها أهلها وعشيرها
وهدت مبانيها وثُلَّت عروشها
ودارت على قطب التفرق دورها
منازل آبائي الكرام ومنشئي
وأول أوطان غذانيَ خيرها
فمالقة الحسناء ثكلى أسيفة
قد استفرغت ذبحًا وقتلًا حجورها
وجزَّت نواصيها وشُلَّت يمينها
وبدل بالويل المبين سرورها
وقد كانت الغربية الجنن التي
تقيها فأضحى جنة الحرب سورها
وبلَّش٦ قطَّت رجلها بيمينها
ومن سريان الداء بان فطورها
وضحت على تلك الثنيات حجرها
فأقفر مغناها وطاشت حجورها
وبالله إن جئت المنكَّب٧ فاعتبر
فقد خف ناديها وجف نضيرها
وقد رجفت وادي الأشى٨ فبقاعها
سكارى وما استاكت بخمر ثغورها
وبسطة٩ ذات البسط ما شعرت بما
دهاها وأنَّى يستقيم شعورها
وما أنس لا أنس المرية١٠ إنها
قتيلة أدجال أزيل عذيرها
ألا ولتقف ركب الأسى بمعالمٍ
قد ارتجَّ باديها وضجَّ حضورها
بدار العلا حيث الصفات كأنها
من الخلد والمأوى غدت تستطيرها
محل قرار الملك غرناطة التي
هي الحضرة العليا زهتها زهورها
ترى للأسى أعلامها وهي خشع
ومنبرها مستعبر وسريرها
ومأمومها ساهي الحجى وإمامها
وزائرها في مأتمٍ ومزورها
وجاءت إلى استئصال شأفة ديننا
جيوش كموج البحر هبت دبورها
علامات أخذ ما لنا قبل بها
جنايات أخذ قد جناها مثيرها
فلا تنمحي إلا بمحو أصولها
ولا تنجلي حتى تحط أصورها
معاشر أهل الدين هبُّوا لصعقةٍ
وصاعقةٍ وارى الجسوم ظهورها
أصابت منار الدين فانهدَّ ركنه
وزعزع من أكنافها مستطيرها
ألا واستعدوا للجهاد عزائمًا
يلوح على ليل الوغى مستنيرها
بأُسْد على جرد من الخيل سبَّق
يدعُّ الأعادي سبقها وزئيرها
بأنفسِ صدق موقناتٍ بأنها
إلى الله من تحت السيوف مصيرها
فوا حسرتا كم من مساجد حولت
وكانت إلى البيت الحرام سطورها
ووا أسفا كم من صوامع أوحشت
وقد كان معتاد الأذان يزورها
فمحرابها يشكو لمنبرها الجوى
وآياتها تشكو الفراق وصورها
وكم طفلةٍ حسناء فيها مصونة
إذا أسفرت يسبي العقول سفورها
تميل كغصن البان مالت به الصبا
وقد زانها ديباجها وحريرها
فأضحت بأيدي الكافرين رهينةً
وقد هتكت بالرغم منها ستورها

قد وصف صاحب هذه القصيدة سقوط مملكة بني الأحمر مدينة بعد مدينة، وكانت صُبابة كأس الأندلس، فذكر رندة، ثم مالقة وبلش، ثم المنكَّب، ثم وادي آش، ثم بسطة، ثم المريَّة، وختم ابن خاتمة مناحَتَه بذكر غرناطة أم البلاد. ومن نسق نظمها يظهر أنه كان مشاهدًا تلك الحوادث القاصمة للظهور، وأن البيان كان عن عيان.

وبينما أنا أختم هذا الجزء وأهيِّئُه للطبع إذ اطلعت في جريدة الصفاء سنة ١٩٣٩ على قصيدة مؤثرة في رثاء الأندلس، وذكرى أيامها الخالية لأبي الفضل الوليد بن طعمة من أدباء إخواننا المسيحيين اللبنانيين، فأحببت تخليدها في هذا الكتاب لمكانها من النخوة الأدبية والنزعة العربية، وهي:

يا أرض أندلس الخضراء حيينا
لعل روحًا من الحمراء تحيينا
عادت إلى أهلها تشتاق فتيتها
فأسمعت من غناء الحب تلحينا
كانت لنا فعَنَتْ تحت السيوف لهم
لكن حاضرها رسم لماضينا
في عزنا اكتسبت منا فصورتُنا
محفوظة أبدًا فيها تعزِّينا
لا بِدْعَ إن نشَّقتنا من أزاهرها
طيبًا فإنا ملأناها رياحينا
وإن طربنا لألحان نُردِّدها
فإنها أخذت عنا أغانينا
في البرتغال وإسبانيَّة ازدهرت
آدابنا وسمت دهرًا مبانينا
وفي صقلية الآثار ما برحت
تبكي التمدُّن حينًا والعلا حينا
كم من قصورٍ وجناتٍ مزخرفةٍ
فيها الفنون جمعناها أفانينا
وكم صروح وأبراج ممردة
زدنا بها الملك توطيدًا وتمكينا
وكما مساجد أعلينا مآذنها
فأطلعت أنجمًا منها معالينا
تلك البلاد استمدت من حضارتنا
ما أبدعته وأولته أيادينا
فيها النفائس جاءت من صناعتنا
ومن زراعتنا صارت بساتينا
فأجدبت بعدنا واستوحشت زمنًا
تصبو إلينا وتبكي من تنائينا
أيام كانت قصور الملك عاليةً
كان الفرنج إلى الغابات آوينا
وحين كنا نجر الخزَّ أرديةً
كانوا يسيرون في الأسواق عارينا
جاءت من الملأ الأعلى قصائدنا
والروم قد أخذوا عنا قوافينا
لم يعرفوا العلم إلَّا من مدارسنا
ولا الفروسة إلَّا من مجارينا
أعلى الممالك داستها جحافلنا
وسرحت خيلنا فيها سراحينا
تلك الجياد بأبطال الوغى قطعت
جبال برنات وانقضَّت شواهينا
في أرض إفرنسة القصوى لها أثر
قد زاده الدهر إيضاحًا وتبيينًا
داست حوافرها ثلجًا كما وطئت
رملًا وخاضت عبابًا في مغازينا
كسرى وقيصر قد فرَّت جيوشهما
للمرزبان وللبطريق شاكينا
حيث العمامة بالتيجان مزريةٌ
من يوم يرموك حتى يوم حطينا
وللعروش طواف بالسرير إذا
قام الخليفة يعطي الناس تأمينًا
بعد الخلافة ضاعت أرض أندلس
وما وفى العَرَب الدنيا ولا الدينا
الملك أصبح دعوى في طوائفهم
واستمسكوا بعرى اللذات غاوينا
وكل طائفة قد بايعت ملكًا
لم يلف من غارة الإسبان تحصينا
وهكذا يفقد السلطان هيبته
إن أكثر الناس بالفوضى السلاطينا
تلك المساجد صارت للعدا بيعًا
بعد الأئمة لا تهوى الرهابينا
هل ترجعن لنا يا عهد قرطبة
فكيف نبكي وقد جفت مآقينا
ذبلت زهرًا ومن ذياك نشوتنا
وإن ذكراك في البلوى تسلِّينا
ما كان أعظمها للملك عاصمةً
وكان أكثرها للعلم تلقينا
لم يبقَ منها ومن ملك ومن دول
إلا رسوم وأطياف تباكينا
والدهر ما زال في آثار نعمتها
يروي حديثًا به يشجو أعادينا
أين الملوك بنو مروان ساستها
يصحون قاضين أو يمسون غازينا
وأين أبناء عباد ورونقهم
وهم أواخر نور في دياجينا
يا أيها المسجد العالي بقرطبة
هلا تذكرك الأجراس تأذينا
تلك القصور من الزهراء طامسة
وبالتذكُّر نبنيها فتبنينا
على الممالك منها أشرفت شُرَفٌ
والملك يعشق تشييدًا وتزيينا
وعبد رحمانها يلهو بزخرفها
والفن يجمع فيها الهند والصينا
كانت حقيقة سلطان ومقدرة
فأصبحت في البلى وهمًا وتخمينا
عمائم العَرَب الأمجاد ما برحت
على المطارف بالتمثيل تصبينا
وفي المحاريب أشباح تلوح لنا
وفي المنابر أصوات تنادينا
يا برق طالع قصورًا أهلها رحلوا
وحيِّ أجداث أبطالٍ منيخينا
أهكذا كانت الحمراء موحشةً
إذ كنت ترقب أفواج المغنينا
وللبرود حفيف فوق مرمرها
وقد تضوَّع منها مسك دارينا
ويا غمام افتقد جنات مرسية
وردَّ من زهرها وردًا ونسرينا
وأمطر النخل والزيتون غاديةً
والتوت والكَرْم والرمان والتينا
أوصيك خيرًا بأشجار مباركةٍ
لأنها كلها من غرس أيدينا
كنا الملوك وكان الكون مملكةً
فكيف بتنا المماليك المساكينا
وفي رقاب العدا انفلَّت صوارمنا
واليوم قد نزعوا منا السكاكينا

وكان الفراغ من طبع هذا الجزء الثالث من كتابنا «الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية» في رجب سنة ١٣٥٨ وفق أغسطس سنة ١٩٣٩، وذلك بمطبعة السادة عيسى البابي الحلبي وشركائه بمصر. ويليه الجزء الرابع الذي هو أهم أجزاء هذا التأليف؛ ففيه سيدور الكلام على قرطبة أم الأندلس وعلى أواسط الجزيرة الأندلسية كجيان وبياسة وبيانة وماردة وقلعة رباح، وغيرها من البلاد المتوسطة. وكما أحسن الله فيما مضى يحسن فيما بقي بكرمه تعالى ومَنِّه.

هوامش

(١) لم نجد في اللغة «علداء» ولا «أعلد»، فلعل الشاعر جعلها على القياس، والعلد هي الصلابة.
(٢) أعتم قِرى الضيف: أبطأ به.
(٣) في اللغة لا يوجد «الألوي» بمعنى الطيب أو عود له رائحة زكية، وإنما هي «الألُوَّة»، وهي عود يتبخَّر به، وتفتح فيها الهمزة وتضم. وفي صفة أهل الجنة مجامرهم الألوَّة. ولعل أصلها «أَلوَّها» مستعملة بالجمع وتحرَّفت بالنسخ. أو لعل الشاعر نسب إلى «الألوة» فقال: «ألويَّها»، وهكذا قد تصح.
(٤) حنش الصنعاني، وكان من فاتحي الأندلس.
(٥) يعني به المنصور بن أبي عامر الذي غزا ٥٦ غزوة فلم تنكسر له راية، فقد كان من معافر.
(٦) بلش: مالقة، وكانت من أمصار الأندلس.
(٧) المنكب على البحر: أقرب مرفأ إلى غرناطة.
(٨) أو وادي الأساة.
(٩) من مدن مملكة غرناطة إلى الشمال الشرقي منها.
(١٠) المرية كانت من أعظم ثغور الأندلس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤