شاطبة

هي على مسافة ٥٦ كيلومترًا من بلنسية، ليس فيها اليوم أكثر من ١٣ ألف نسمة، ولها موقع بديع إلى الشمال بحذاء جبل «برنيسا»، وفيها جندل عظيم مشقوق، وعلى كل من شقَّيه حصن والبلدة أيبيرية، وكان الرومانيون يقولون لها «سيتابيس» Soetabis، وكان فيها مركز أسقفية في زمان القوط، وقد استرجعها من أيدي المسلمين جاك الأول — ملك أراغون — وذلك سنة ١٢٤٤ للمسيح، ومن هذه البلدة خرج ألفونس بورجا Borjia، وجاء إلى إيطالية مستشارًا للملك ألفونس الأول صاحب نابولي. ثم إنه في سنة ١٤٥٥ انتُخب هذا الرجل لكرسي البابوية وسمِّي كالِكستُس الثالث، وكان هو المؤسس للعائلة الشهيرة آل بورجيا Borgia، ومن هذه العائلة خرج رودريق بورجيا المولود في شاطبة سنة ١٤٣١، وهو الذي صعد على عرش البابوية باسم إسكندر السادس، وكان له تاريخ طويل عريض وأحوال في سيرته الشخصية لا محل هنا للإشارة إليها لخروجها عن موضوع هذا الكتاب. وكان له ولد اسمه يوحنا، ولد بغير صورة شرعية لأبيه البابا إسكندر. ويوحنا المذكور هو أصل العائلة المسماة عائلة دوق غانديا، ومن هذه العائلة خرج كثير من آباء الكنيسة الكاثوليكية أشهرهم القديس فرنسيس بورجيا.
وقد جاء في الانسيكلوبيدية الإسلامية عن شاطبة Jativa ما يلي محصَّله: أن ارتفاع شاطبة عن سطح البحر لا يزيد على ١١٥ مترًا، وسكانها اليوم لا يزيدون على اثني عشر ألفًا، وكانت في القرون الوسطى مشهورة بمعامل الكاغد، يحمل منها إلى كل إسبانية وإلى مصر، ولا تزال مخطوطات كثيرة يعرف ورقها بالورق الشاطبي، ويقال له في المغرب: الشاطبي، وهو نوع من الورق معروف. وبقيت في شاطبة آثار من زمان الرومان. ونقل المقري في النفح أبياتًا لأبي عامر البُرياني يصف فيها التمثال الذي كان بشاطبة (تقدم ذكر هذه الأبيات)، وشاطبة بموقعها الطبيعي كانت من أعظم حصون الأندلس، فكانت قابضة من أعالي صخرتها على ناصية ذلك المرج الفسيح الخصيب الذي بحذائها، ولا تزال بقايا حصن شاطبة تدل على عظمة أثرية عظيمة، بالرغم مما شال الإسبانيول وحطُّوا منذ استرجاعهم إسبانية إلى اليوم.

وقد ذكر أبو الفداء ثلاثة متنزهات في شاطبة: «البطحة» و«الغدير» و«العين الكبيرة». ولما كانت شاطبة على مقربةٍ من بلنسية كان لا بد لها من أن تشاطر حظ بلنسية في مصيرها السياسي، وكانت هي المدينة الثانية في الخطة البلنسية، وكان أهلها في زمان العرب أكثر جدًّا مما هم اليوم، وبقيت طول مدة الخلافة الأموية ليس لها كبير ذكر إلى أن انحلَّت الخلافة وتولاها حفيد الحاجب الشهير المنصور بن أبي عامر، وهو عبد العزيز بعد الصقلبيين المبارك والمظفر.

ولما استولى القادر بن ذي النون على شاطبة بمعاونة ملك قشتالة أراد أن يستولي على شاطبة فساق إليها جيشًا، فرجع عنها بخُفيْ حنين، وجاء المنذر بن المقتدر بن هود — ملك لاردة ودانية وطرطوشة — فحمى شاطبة مدة من الزمن، ثم وقعت في يد ابن تاشفين — سلطان المرابطين — بعد وقعة الزلَّاقة. ثم استولى على شاطبة جاك الأول — ملك أراغون — سنة ١٢٣٩ المسيحية، فأخرج المسلمين منها جميعًا سنة ١٢٤٧. ا.ﻫ.

وقال الشريف الإدريسي في نزهة المشتاق: ومدينة شاطبة مدينة حسنة، ولها قصاب يضرب بها المثل في الحسن والمنعة، ويُعمل بها من الكاغد ما لا يوجد له نظير بمغمور الأرض ويعم المشارق والمغارب. ا.ﻫ.

ثم إن صاحب نفح الطيب ذكر شاطبة فقال: فمن أعمال بلنسية شاطبة التي يضرب بحسنها المثل، ويعمل بها الورق الذي لا نظير له، ثم قال في محلٍّ آخر:

نعم ملقى الرحل شاطبة
لفتًى طالت به الرُّحَلُ
بلدة أوقاتها سحرٌ
وصَبًا في ذيله بللُ
ونسيم عَرفه أرِجٌ
ورياض غصنها ثمِلُ
ووجوه كلها غررٌ
وكلام كله مثلُ

وقال ياقوت في المعجم: شاطبة — بالطاء المهملة والباء الموحدة — مدينة في شرقي الأندلس وشرقي قرطبة، وهي مدينة كبيرة قديمة قد خرج منها خلق من الفضلاء، ويُعمل الكاغد الجيد فيها ويحمل منها إلى سائر بلاد الأندلس. يجوز أن يقال: إن اشتقاقها من الشطبة وهي السَّعَفَة الخضراء الرطبة، وشطبت المرأة الجريدة شطبًا: إذا شقَّقَتْها لتعمل حصيرًا، والمرأة شاطبة، قال الأزهري: شطب: إذا عدل، ورمية شاطبة: عادلة عن القتل. وممن ينسب إلى شاطبة عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة أبو محمد السعدي الأندلسي الشاطبي، قال ابن عساكر: قدم دمشق طالبَ علم، وسمع بها أبا الحسن بن أبي الحديد، وعبد العزيز الكتَّاني، ورحل إلى العراق، وسمع بها أبا محمد الصريفيني، وأبا منصور بن عبد العزيز العكبري، وأبا جعفر بن مسلمة، وصنَّف غريب حديث أبي عبد الله القاسم بن سلام على حروف المعجم، وجعله أبوابًا، وتوفي في شهر رمضان سنة ٤٦٥ في حوران.

ومنها أيضًا أحمد بن محمد بن خلف بن محرز بن محمد أبو العباس المالكي الأندلسي الشاطبي المقرئ، قدم دمشق وقرأ بها القرآن المجيد بعدة روايات، وكان قرأ على أبي عبد الله الحسين بن موسى بن هبة الله المقرئ الدينوري، وأبي الحسن علي بن مكوَّس الصقلي، وأبي الحسن يحيى بن علي بن الفرج الخشَّاب المصري، وأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد المالكي المحاربي المقري، وصنف كتاب المقنع في القراءات السبع، قال الحافظ أبو القاسم: وأجاز في مصنَّفاته وكتب سماعاته سنة ٥٠٤، وكان مولده في رجب سنة ٤٥٤ بالأندلس، وقال أبو بحر صفوان بن إدريس المرسي في وصف شاطبة:

شاطبة الشرق شرُّ دارٍ
ليس لسكانها فلاحُ
الكسب من شأنهم ولكن
أكثر مكسوبهم سُلاحُ

(بضم السين). ا.ﻫ.

قلنا: ليس اشتقاق شاطبة من الشطبة ولا من الشطب؛ فإن هذا عربي واسم شاطبة في أصله ليس بعربي؛ إذ كان الرومانيون يقولون لهذه البلدة «سيتابي»، فلما جاء العرب، وكان يغلب عليهم تحويل السين إلى الشين، حرَّفوها إلى شاطبة تبعًا للأوزان العربية.

وقال القلقشندي في صبح الأعشى: مدينة شاطبة — بفتح الشين المعجمة وألف بعدها طاء مهملة مكسورة ثم باء موحدة مفتوحة وهاء في الآخر — هي مدينة عظيمة لها معقل في غاية الامتناع وعدة مستنزهات منها البطحاء والغدير والعين الكبيرة، وإليها ينسب الشاطبي صاحب القصيدة في القراءات السبع، وقد صارت الآن مضافة إلى ملك برشلونة في يد صاحبها. ا.ﻫ. وكان صاحب صُبح الأعشى من أهل أواخر القرن الثامن للهجرة؛ أي إنه لما كتب صبح الأعشى كان قد مضى على سقوط شاطبة في أيدي أصحاب أراغون وبرشلونة نحو من مائة وثمانين سنة.

وأهم شارع في شاطبة هو المسمَّى بشارع منكادة، منه يفيض المسافر إلى المكان الذي يقال له «أوفالو Ovalo»، فيرى العين المسمَّاة «عين الخمسة والعشرين ميزابًا»، وفيها كنيسة اسمها «سان فليو San Feliu»، وهي كنيسة قديمة طرز بنائها عربي، وبالقرب منها دير اسمه «مونت سانت»، فيه صهريج من زمان العرب. وأما أعجوبة شاطبة فهي الحصن المشرف عليها، كانوا يعتقلون فيه مشاهير الرجال، ومن جملة من اعتقل فيه ورثة تاج أراغون عندما اعتدى عليهم شانجُه الرابع سنة ١٢٨٤، ثم دوق كالبره ولي عهد نابولي في زمان فرديناند الكاثوليكي زوج إيزابلَّا.

ومن شاطبة يذهب الخط الحديدي إلى الجنوب الغربي فيدخل في وادي منتيشة، ويقطع النهر على جسر طوله ٥٦ مترًا، ثم يمر على الكدية ومنتيشة، وعلى بلادٍ أخرى من جملتها البونت كما تقدم الكلام عليه، ومن هناك إلى مجريط.

من انتسب إلى شاطبة من أهل العلم

منهم أبو الربيع سليمان بن مُنخَّل النفزي، صحب أبا عمر بن عبد البر، وكان فقيهًا خطيبًا، توفي سنة ٤٥٦، ذكره ابن بشكوال في الصلة نقلًا عن ابن مدير.

وسيِّد بن أحمد بن محمد الغافقي أبو سعيد، نزل شاطبة، سمع بقرطبة من أبي محمد الأصيلي، وأبي عمر بن المكوي، كان من أهل الأدب، أخذ عنه أبو القاسم بن مدير، وتوفي سنة ٤٥٤.

وأبو زكريا يحيى بن أيوب بن القاسم الفهري، روى عن أبي الحسن طاهر بن مفوَّز، ورحل إلى المشرق سنة ٤٧٥، وحج وأخذ عن أبي العز الجوزي وغيره بمكة، ترجمه ابن بشكوال في الصلة.

وأبو الحجاج يوسف بن القاسم بن أيوب الفهري، حدَّث عن أبي الحسن طاهر بن مفوَّز وعن غيره، وكان ثقةً في روايته، وروى الناس عنه، وهو من بيت نباهةٍ وديانة.

وأبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن جحدر الأنصاري، روى عن أبي الحسن طاهر بن مفوَّز، وأبي عبد الله محمد بن سعدون، وغيرهما، وكان حافظًا للفقه بصيرًا بالفتوى ثقة ضابطًا، واستقضي ببلده شاطبة، وتوفي مصروفًا عن القضاء سنة ٥١٤.

وأبو عبد الرحمن حيدرة بن مفوَّز بن أحمد بن مفوَّز بن عبد الله بن مفوَّز بن غفول بن عبد ربه بن صواب بن مدرك بن سلَّام بن جعفر الداخل إلى الأندلس المعافري، سمع أخاه أبا الحسن الطاهر بن مفوَّز، وكان من عباد الله الصالحين، يحسن تعبير الرؤيا، وابنه أبو بكر محمد بن حيدرة من مفاخر الأندلس، ترجمه ابن الأبَّار في التكملة.

وأبو القاسم خلف بن محمد بن غفول الشاطبي كان من أصحاب طاهر بن مفوَّز المختصِّين به، وسمع من غيره، وانتقل إلى فاس فسكنها إلى أن توفي بها بعد سنة ٥٢٠، قاله ابن بشكوال.

وأبو بكر بيبش بن عبد الله بن بيبش القاضي بشاطبة، فقيه محدِّث عارف عدل في أحكامه مُعان على تغيير المنكر، قال ابن عميرة في بغية الملتمس: صحبته فحمدته، توفي بعد الثمانين وخمسمائة.

وأبو حامد شاكر بن خيرة العامري مولى لهم، نشأ بشاطبة، وقرأ على أبي عمرو المقرئ، وتوفي بعد السبعين والأربعمائة، رواه ابن بشكوال عن ابن مدير.

وأبو الحسن طاهر بن مفوَّز بن أحمد بن مفوَّز المعافري، روى عن أبي عمر بن عبد البر الحافظ الكبير، واختص به، وهو أثبت الناس فيه، وسمع من أبي العباس العذري، وأبي الوليد الباجي، وأبي شاكر الخطيب، وأبي الفتح السمرقندي وغيرهم، عني بالحديث عنايةً كاملة، وشهر بحفظه وإتقانه، وكان حسن الخط جيِّد الضبط مع الفضل والصلاح والورع والانقباض والتواضع، وله:

عمدة الدين عندنا كلمات
أربع من كلام خير البريَّه
اتقِ المشبهات وازهد ودع ما
ليس يعنيك واعملنَّ بنيَّه

وهارون بن أحمد بن عات من أهل شاطبة، فقيه عارف من أهل بيت جلالة وعلم، توفي بعد الخمسمائة عن بغية الملتمس لابن عميرة الضبِّي.

وخلف بن موسى بن أبي تُليد الخولاني، واسم أبي تُليد خصيب بن موسى من أهل شاطبة، وهو جد أبي عمران بن أبي تُليد، سمع من عبد الوارث بن سفيان بقرطبة، وحدَّث عنه ابنه أبو المطرِّف عبد الرحمن، ذكره ابن الدبَّاغ، وقرأه ابن الأبَّار بخط ابن حُبيش.

وأبو القاسم خلف بن مفرج بن سعيد الكناني من أهل شاطبة، يعرف بابن الجنَّان، روى عن أبي الوليد الباجي، وأبي عبد الله بن سعدون القروي، وأبي الحسن طاهر بن مفوَّز، وولِّي القضاء بإحدى الكور الشرقية لأبي أميَّة بن عصام، وكان فقيهًا مشاورًا، حدَّث ودرَّس ببلده، روى عنه أبو عبد الله بن مغاور، وأبو محمد بن مكي، وغيرهما.

وأبو محمد طلحة بن يعقوب بن محمد بن خلف بن يونس بن طلحة الأنصاري، أهل شاطبة، وأصله من جزيرة شقر، روى عن أبيه وغيره، وكان كاتبًا بليغًا شاعرًا، أخذ عنه الخطيب أبو محمد بن برتلُه وغيره، وتوفي في رمضان سنة ٦١٨، عن ابن الأبَّار في التكملة.

والطيب بن محمد بن عبد الله بن مفوَّز بن غفول المعافري، سمع من أبيه كثيرًا، ورحل إلى قرطبة، فسمع من مشيخة وقته كالقاضي أبي عبد الله بن مفرِّج، ومسلمة بن بُترى، وغيرهما، نقله ابن الأبَّار من خط طاهر بن مفوَّز.

وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن مُعافى، روى عن أبي عبد الله بن الفخَّار، وعن أبي عمر بن عبد البر، وله رحلة إلى المشرق حج فيها وصحب العلماء، وأخذ الناس عنه، وتوفي سنة ٤٥٤، وقيل سنة ٤٥٣، وتولى غسله والصلاة عليه أبو محمد بن مفوَّز الزاهد.

وأبو محمد عبد الله بن مفوَّز بن أحمد بن مفوَّز المعافري، روى عن أبي عمر بن عبد البر كثيرًا، ثم زهد فيه لصحبته السلطان، وأخذ عن أبي العباس العذري، وأبي تمام القطيني، وكان من أهل العلم والفهم والصلاح والورع والزهد مشهورًا بذلك، توفي سنة ٤٧٥، ترجمه ابن بشكوال.

وأبو محمد عبد الله بن محمد بن دُرِّي التجيبي المعروف بالركلي (نسبة إلى ركلة من قرى الثغر الأعلى)، سكن شاطبة، روى عن أبي الوليد الباجي، وأبي مروان بن حيَّان، وغيرهما، وكان من أهل الأدب، قال ابن بشكوال: وسمع منه أصحابنا ووثَّقوه، وتوفي سنة ٥١٣، وقد ترجمه أيضًا ابن عميرة في بغية الملتمس.

وأبو محمد عبد الله بن محمد بن أيوب الفهري، سمع من أبي الحسن بن مفوَّز، ومن أبي الحسن بن الروش، وسمع من جماعة من شيوخ شرق الأندلس، وسمع بقرطبة. قال ابن بشكوال: وحدثنا بحديث مسلسل عن أبي الحسن طاهر بن مفوَّز، وأخذ عنه الناس في كل بلد قَدِمَهُ، ووفاته بشاطبة في شعبان سنة ٥٣٠، أخبرني بوفاته أبو جعفر بن بقاء صاحبنا، وذكر لي أنه شاهدها. ا.ﻫ.

وعبد الله بن يوسف بن ملحان كان خيِّرًا فقيهًا رفيعًا عند أهل بلده شاطبة، تولَّى القضاء عندهم، وتوفي عند الثلاثين والأربعمائة، نقله ابن بشكوال عن ابن مدير.

وأبو محمد عبد الله بن أيوب الشاطبي الفهري، فقيه محدِّث، توفي بشاطبة سنة ٥٣٠ وقد قارب السبعين، ذكره ابن عميرة في بغية الملتمس.

وأبو المطرِّف عبد الرحمن بن خلف بن موسى بن أبي تُليد، روى عن أبي عبد الله بن الفخَّار، وسمع كثيرًا من أبي عمر بن عبد البر، وتوفي سنة ٤٧٥ بحسب قول ابن مدير، وقال أبو عمران بن المترجم: إنه توفي سنة ٤٧٤.

وأبو محمد عبد الرحمن بن عبد العزيز بن ثابت الأموي، الخطيب بالمسجد الجامع بشاطبة، روى عن أبي عمر بن عبد البر، وعن أبي العباس العذري، وكان رجلًا فاضلًا زاهدًا ورعًا منقبضًا، قال ابن بشكوال: سمع منه جماعة من أصحابنا، ورحلوا إليه، واعتمدوا عليه، ووصفوه بما ذكرنا من حاله، وقال لي بعضهم: توفي سنة ٥٠٩، وقال ابن عميرة في «البغية»: إنه توفي سنة ٥١٠، ومولده سنة ٤٤٦، وقال لي أبو الوليد صاحبنا وأملاه عليَّ: قال لي أبو محمد الخطيب هذا: زارنا أبو عمر بن عبد البر في منزلنا فأنشد وأنا صبي صغير فحفظته من لفظه:

ليس المزار على قدر الوداد ولو
كانا كفيَّيْن كنا لا نزالُ معا

وأبو الأصبغ عبد العزيز بن عبد الله بن الغازي، من أهل شاطبة، حدَّث بالمرية، وتوفي بها سنة ٤٩٣، وكان قد سمع من طاهر بن مفوَّز، ومن أبي الوليد الكناني، وأجاز له ابن عبد البر.

وأبو الحسن علي بن سيد بن أحمد الغافقي، روى عن أبي القاسم بن عمر، وتوفي سنة ٤٧٥.

وأبو الحسن علي بن عبد الرحمن بني أحمد الأنصاري المقرئ المعروف بابن الروش من أهل شاطبة، أصله من قرطبة، روى عن أبي عمرو المقري، وعن أبي عمر بن عبد البر، وغيرهما، وأقرأ الناس القرآن، وأسمعهم الحديث، وكان ثقة ثبتًا ديِّنًا فاضلًا، قال ابن بشكوال في الصلة: قرأت بخط القاضي أبي عبد الله بن أبي الخير: توفي المقري أبو الحسن بشاطبة يوم الأربعاء ودفن يوم الخميس لأربع خلون من شعبان سنة ٤٩٦.

وأبو الحسن عبَّاد بن سرحان بن مسلم بن سيِّد الناس المعافري من أهل شاطبة، سكن العدوة، وكان روى ببلده عن طاهر بن مفوَّز، ورحل إلى المشرق حاجًّا، وأخذ بمكة عن أبي الحسين المبارك بن الصيرفي، وأبي محمد رزق الله التميمي، وأبي بكر ترخان، وأجاز له أبو عبد الله الحُميدي. قال ابن بشكوال: قدم علينا قرطبة سنة ٥٢٠ فسمعنا منه، وأجاز لنا بخطه ما رواه، وكانت عنده فوائد، وكان يميل إلى مسائل الخلاف ويدَّعي معرفة الحديث ولا يحسنه — عفا الله عنه — وكان مولده سنة ٤٦٤، وتوفي بالعدوة في نحو سنة ٥٤٣.

وأبو عامر محمد بن أحمد بن عامر الشاطبي، وكان لغويًّا أديبًا نحويًّا محدثًا، ألَّف كتبًا كثيرة في اللغة والأدب والتاريخ والحديث، قال ابن عميرة في بغية الملتمس: حدثني عنه أبو محمد عبد المنعم بن محمد قال: جالسته وناولني بعضها.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن موسى بن عياض الشاطبي، فقيه محدِّث، يروي عن القاضي أبي علي بن سكَّرة.

وموسى بن عبد الرحمن بن خلف بن أبي تُليد، فقيه حافظ، محدِّث مشهور، يروي عن أبي عمر بن عبد البَر، ويروي عنه أبو الوليد بن الدبَّاغ الحافظ، مولده سنة ٤٤٤، وتوفي سنة ٥١٧.

وأبو بكر محمد بن حيدرة بن أحمد بن مفوَّز المعافري، روى عن عمه أبي الحسن طاهر بن مفوَّز، وأبي علي حسين بن محمد الغسَّاني، وعن أبي مروان بن سراج، وأبي عبد الله بن فرج الفقيه، وأجاز له القاضيان أبو عمر بن الحذَّاء، وأبو الوليد الباجي، وكان حافظًا للحديث وعلله، عارفًا بأسماء رجاله متقنًا لما كتبه، وكان من أهل المعرفة بالأدب والعربية، وأسمع الناس بالمسجد الجامع بقرطبة وأخذوا عنه، وتوفي في ربيع الآخر سنة ٥٠٥، ودفن بالربض، وكان مولده سنة ٤٦٣ عن ابن بشكوال.

وأبو عامر محمد بن حبيب بن عبد الله بن مسعود الأموي، روى عن أبي الحسن بن مفوَّز، وأبي داود المقري، وأبي عبد الله بن سعدون القروي، قال ابن بشكوال: كتب إلينا بإجازة ما رواه بخطه، وسمع منه أصحابنا، ووصفوه بالجلالة والنباهة والفضل والديانة، وتوفي بشاطبة سنة ٥٢٨.

وأبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن خلف بن موسى بن أبي تُليد، روى عن أبي عمر بن عبد البَر، وكان فقيهًا مفتيًا ببلده شاطبة، أديبًا شاعرًا ديِّنًا فاضلًا. قال ابن بشكوال: أنشدنا صاحبنا أبو عمرو زياد بن محمد، قال: أنشدنا أبو عمران لنفسه:

حالي مع الدهر في تقلُّبه
كطائر ضمَّ رجله شركُ
همُّه في فكاك مهجته
يروم تخليصها فتشتبكُ

حدَّث عنه جماعة من أصحابنا ورحلوا إليه ووثَّقوه، وكتب إلينا بإجازة ما رواه، وتوفي — رحمه الله — في ربيع الآخر سنة ٥١٩، ومولده سنة ٤٤٤.

وأبو عبد الرحمن مطرِّف بن ياسين، سمع من ابن عبد البَر، وابن معافى، وأبي محمد بن مفوَّز، وعُني بالقرآن والحديث، وتوفي سنة ٤٨١ وقد قارب السبعين، ترجمه ابن بشكوال.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مفوز بن غفول بن عبد ربه بن صواب بن مدرك بن سلَّام بن جعفر الداخل إلى الأندلس المعافري، من أهل شاطبة، رحل إلى قرطبة، لازم أبا الحزم وهب بن مسرَّة وسمع منه سماعًا كثيرًا وأجاز له، ولما ودعه قال له: أوصني. قال له: أوصيك بتقوى الله العظيم وحزبك من القرآن وبر الوالدين. ثم رحل إلى المشرق حاجًّا، فكتب بالقيروان عن أبي العباس بن أبي العرب، ثم سار إلى بلده شاطبة، فكان منقطع القرين في الزهد والعبادة، متقللًا من الدنيا، كثير الصلاة والصوم، دءوبًا على تلاوة كتاب الله، وكان مُجاب الدعوة، اشتهر بذلك، توفي — رحمه الله — سنة عشر أو أول سنة ٤١١ وقد قارب المائة، نقل ابن الأبار خبره من خط طاهر بن مفوَّز، وعن ابن عبد السلام الحافظ، وقال: إن ابن بشكوال جعله من أهل قرطبة وغلط في ذلك.

وأبو عبد الله محمد بن أيوب بن القاسم الفهري، سمع أبا الحسن طاهر بن مفوَّز وصحبه، وأحضر ابنه أبا محمد عبد الله للسماع معه، وذلك بمسجد ابن وضَّاح من شاطبة سنة ٤٨٣، وله سماعٌ كثير من طاهر، وكان نبيهًا فاضلًا، قاله ابن الأبار.

وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن خَلَصَةَ المعافري، سمع من أبي عمر بن عبد البَر ونظرائه، ورحل حاجًّا فلقي بمكة أبا الحسن علي بن المفرِّج الصقلي، وسمع منه صحيح البخاري، ولقي بها أيضًا أبا محمد هيَّاج الحطِّيني؛ فأخذ عنه كتاب الزهد لهنَّاد بن السري، وذلك في سنة ٤٦٤، ثم لقي بالإسكندرية أبا القاسم شعيب بن سبعون العبدري الطرطوشي سنة ٤٦٩، فسمع منه بها مشاهد ابن إسحاق، وصدر إلى الأندلس، وأخذ عنه الجِلَّة مثل أبي الحسن طاهر بن مفوز، وأبي إسحاق بن جماعة، وأبي الحجاج بن أيوب، وغيرهم، وتوفي في نحو التسعين والأربعمائة، نقل ذلك ابن الأبار عن ابن عيَّاد، ومن خط طاهر بن مفوَّز.

وأبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن محمد الأنصاري، يعرف بابن الصيقل صحب طاهر بن مفوز، وأبا عبد الله بن سعدون، وأبا علي الجيَّاني، ودخل سجلماسة، فسمع بها من أبي محمد بن الغرديس صاحب أبي ذر الهروي، وتوفي بمدينة فاس بعد سنة خمسمائة، ذكره ابن الأبار.

وأبو عبد الله محمد بن خلف، روى عن أبي الحسن بن الدوش وغيره، ذكره ابن الأبار في التكملة كما ذكر أكثر هؤلاء.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن موسى بن عياض المخزومي، يعرف بالمنتيشي نسبةً إلى قرية مصاقبة لشاطبة، أخذ القراءات عن أبي داود المقري، وأبي الحسن بن الدوش، وغيرهما، وسمع الحديث من أبي علي الصدفي، وأبي بكر بن العربي، وغيرهما، وأخذ عن أبي بكر بن مفوَّز، وتصدَّر للإقراء بشاطبة فأخذ عنه الناس، وكان عالمًا بتفسير القرآن يقعد لذلك في كل جمعة، من الحظ الوافر من البلاغة، وتوفي بشاطبة سنة ٥١٩ وسنه فوق الأربعين، قال ابن الأبار: ونسبة المقامة العياضية إليه غلط، إنما هي لمحمد بن عيسى بن عياض القرطبي.

وأبو عبد الله محمد بن منخَّل، يعرف بالحداد، صحب طاهر بن مفوز وأكثر عنه، ذكره ابن الدبَّاغ في شيوخه، وترجمه ابن الأبار في التكملة.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن منخَّل بن محمد بن مشرَّف النفزي، أخذ بقرطبة عن أبي القاسم بن النحاس قراءة نافع، وقرأ التيسير لأبي عمرو المقرئ على أبي محمد بن سعدون الوشقي الضرير، ولما اجتاز أبو علي الصدفي بشاطبة إلى غزوة كُتَنْدَة التي فُقد فيها أخذ المترجم عنه.

وأبو عبد الله محمد بن مغاور بن حكم بن مغاور السلَمي من أهل شاطبة، وأصل سلفه من غرب الأندلس، روى عن أبيه، وأبي جعفر بن جحدر، وأبي عمران بن أبي تُليد، وأبي علي الصدفي، وأبي محمد الركلي، وأبي بكر بن العربي، وأبي القاسم بن الجنَّان، وأبي الوليد بن قيرون اللاردي، وغيرهم، وأجاز له ابن الدوش، وابن ورد، وكان فقيهًا عالمًا بصيرًا بعقد الشروط، رأسًا في الفتوى، وصدرًا في أهل الشورى، يتحقق بالفقه ويشارك بالحديث والأدب مع الحلم والوقار، توفي ثامن شوال سنة ٥٣٦ وهو ابن ثمان وخمسين سنة.

وأبو عبد الله محمد بن علي بن خلف بن أبي الفرج التجيبي المقرئ، أخذ القراءات عن ابن شفيع وبعضها عن ابن الدوش، وروى عنه ابنه عبد الله، وتوفي في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، ومولده حول سنة ٤٦٠.

وأبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أبي العاصي النفزي الضرير، يكنَّى بابن اللايُه، أخذ القراءات عن أبي عبد الله بن سعيد بدانية، وتصدر ببلده للإقراء. قال ابن الأبار: ومنه أخذ شيخنا أبو عبد الله بن سعادة المعمَّر، وأبو محمد قاسم بن فيروه، وقال فيه القاضي أبو بكر مفوَّز بن مفوَّز: هو من شيوخي في القرآن، وكان من أهل الدين والفضل والمعرفة بالقراءات وطرقها.

وأبو بكر محمد بن عبد العزيز بن يونس بن ميمون اليحصبي، سكن شاطبة، وهو من «أنْتُنْيَان» من عملها، وكان ينسب إليها، له رحلة إلى الشرق حج فيها، روى بيتين لبعض المصريين لا بأس بنقلهما:

أكثرت من زورِه فملَّك
وزدت في الوصل فاستقلَّك
لو كنت ممن يزور غِبًّا
آثر في قلبه محلَّك

وأبو عامر محمد بن علي العَكِّي، ويعرف بابن مُنْكَرَال، روى عن ابن الدوش، وابن أبي تُليد، وأبي محمد الركلي، وأبي علي الصدفي، وكان شيخًا صالحًا معنيًّا بالآداب والأخبار ثقةً عدلًا، وعنه أخذ أبو بكر بن مفوز، وكان من المعرفة والديانة بمكان، وتوفي بشاطبة سنة ٥٤١ عن ابن الأبار.

وأبو عامر محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن اليحصبي، من أهل شاطبة، يعرف بابن حنان، سمع أبا عمران بن أبي تُليد، وأبا جعفر بن جحدر، وأبا علي بن سُكَّرة في اجتيازه بهم غازيًا إلى كتُندة، وأبا الحسن طارق بن يعيش في بلنسية، وكانت له نباهة في بلده وعناية بالرواية، ولم يذكر ابن الأبار سنة وفاته.

وأبو عامر محمد بن يحيى بن محمد بن خليفة بن يَنَّق، قرأ القرآن على أبي عبد الله محمد بن فرج المكناسي، وسمع الحديث من أبي علي الصدفي، ورحل إلى قرطبة، فروى بها عن أبي الحسين بن سراج وطبقته، ومال إلى الأدب والعربية والعروض؛ فمهر في ذلك وبلغ الغاية من البلاغة في الكتابة والشعر، ولقي أبا العلاء بن زهر فلازمه مدة، وأخذ عنه علم الطب وحذا حذوه؛ فمال الناس إليه، وساعده الجد فبَعُد صيته في الطب مع المشاركة في علوم عدَّة، وكان محببًا في بلاده معظَّمًا جميل الرواء وافر المروءة، ما باع شيئًا قط ولا اشترى مباشرًا ذلك بنفسه، كثير اللزوم لداره، مشتغلًا بالعلم، وله تأليف كبير في الحماسة، وآخر في ملوك الأندلس والأعيان والشعراء بها، وأنشأ خطبًا عارض بها ابن نباتة، حدَّث عنه أبو عبد الله المكناسي، توفي آخر سنة ٥٤٧، ومولده سنة ٤٨٢، نقل ابن الأبَّار أكثر أخباره هذه عن ابن سفيان.

وأبو عامر محمد بن عبد الله بن خلف بن سوار، من أهل شاطبة، سكن دانية، له رواية عن الأستاذ أبي الحسن الشقَّاق أحد أصحاب أبي عمر بن عبد البر، وكان أديبًا شاعرًا من بيت نباهة وأدب، ترجمه ابن الأبار.

وأبو عبد الله محمد بن سليمان بن خلف النفزي، يعرف بابن بركة، سمع ببلده شاطبة من أبي عمران بن أبي تُليد، وأبي محمد بن ثابت، وأبي جعفر بن جحدر، وأبي جعفر بن غزلون، وأبي القاسم بن الجنَّان، ورحل في شبابه إلى مرسية، فسمع بها من أبي علي الصدفي، وأخذ عن أبي الحسن مغاور بن حكم القراءاتِ السبعَ، وكان فقيهًا حافظًا للمسائل، بصيرًا بالفتوى، نافذًا في عقد الشروط، يسرد متون الأحاديث، ويستظهر المقدمات لابن رشد، تولَّى خطة الشورى ببلده ورأس فيها.

قال ابن عيَّاد: سمعت ابن الدبَّاغ أبا الوليد يقول: أبو عبد الله بن بركة حافظ للمسائل، فذكرت ذلك لابن بركة فسُرَّ به، وترحَّم على أبي الوليد. وكان المترجم متقللًا من الدنيا على كثرة ما نال منها، مقتصرًا على بُلغة كانت بيده وَرِثَها عن أبيه محببًا إلى الخاصة والعامة، قال ابن الأبَّار: حدَّثنا عنه من شيوخنا عبد الله بن سعادة المعمَّر، وابن أخيه أبو عبد الله محمد بن أحمد النحوي، توفي سنة ٥٥٢ على رواية ابن سفيان، وقال ابن عياد: محمد توفي سنة ٥٥٣ لأربع مضين من جمادى الأولى منها، ومولده في جمادى الأولى سنة ٤٨١.

وأبو بكر محمد بن عبد الله بن سفيان بن سيدالَه التجيبي، من أهل شاطبة، أصله من قونكة، روى عن أبي القاسم بن الجنَّان، وأبي الوليد بن الدبَّاغ، وغيرهما، وتفقَّه بصهره أبي بكر بن أسد ولازمه، وبأبي عبد الله بن مغاور، وكتب إليه أبو بكر بن العربي، وكان عارفًا بالخبار، حافظًا لأسماء الرواة، له مجموع في رجال الأندلس وصل به كتاب ابن بشكوال، ذكر ذلك ابنه أبو محمد عبد الله، وسمَّاه في مشيخته، وقال: توفي سنة ٥٥٨.

وأبو عبد الله محمد بن خلف بن عبد الرحمن، من أهل شاطبة، يعرف بالسلجماسي، روى عن أبي إسحاق بن جماعة، وكانت له رحلة حج فيها، ولقي بالإسكندرية أبا القاسم بن جارة، فحمل عنه كتاب المصابيح لأبي محمد الخراساني، ذكره ابن عيَّاد وقال: لم يكن له اعتناء بالحديث، توفي بشاطبة سنة ٥٦١، ومولده ببلنسية لسبع بقين من شوال سنة ٥٠٤، قاله ابن الأبار.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن فرج بن سليمان بن يحيى بن سليمان بن عبد العزيز القيسي من أهل شاطبة، يعرف بابن تريس، ويشهر بالمكناسي، سمع من أبي علي الصدفي، وأبي زيد بن الورَّاق، وأبي القاسم بن الجنَّان، وأبي عمران بن أبي تُليد، وغيرهم، وأجاز له أبو بكر بن العربي، وأبو الوليد بن رشد، وأبو الحسن بن شفيع، وأبو القاسم بن ورد، وطارق بن يعيش، ومن أهل المشرق أبو المظفَّر الشيباني، وأبو علي بن العرجاء، وروايته متسعة، وله في شيوخه مجموع سماه التعريف، وقد سمع من ابن الدبَّاغ، وحمل عن أبي إسحاق بن خفاجة منظومه ومنثوره، حدَّث عنه أبو الحجاج بن أيوب، وأثنى عليه أبو عمر بن عياد، ووصفه بالتقلل من الدنيا، وقال: إنه توفي يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة أو اثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ٥٦١ وقد قارب السبعين، وروى ابن سفيان أن السلفي والمازري وغيرهما من أهل مصر والشام والحجاز كتبوا إليه، ذكره ابن الأبار.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن أبي العيش اللخمي، من أهل طرطوشة، سكن شاطبة، يعرف بابن الأصيلي، أخذ القراءات عن أبي علي منصور بن خير، وسمع من أبي عبد الله بن الحاج، وأبي عبد الله بن أبي الخصال، وأبي القاسم بن ورد، وأبي محمد البطليوسي، وأبي الحجاج بن يسعون، وتصدَّر بشاطبة للإقراء والتعليم، وكان موصوفًا بالمعرفة والفهم ضعيف الخط، حدث عنه أبو الحسين بن جبير، سمع منه الموطأ سنة ٥٥٧، وذكره ابن سفيان وقال: إنه توفي سنة ٥٦٦، وقال محمد بن عيَّاد: إنه توفي سنة ٥٦٧، ومولده بطرطوشة سنة ٤٩٦.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن الزبير القيسي، من أهل شاطبة، يعرف بالأغرشي؛ نسبةً إلى بعض أعمالها، روى عن أبي محمد بن جوشن وغيره، وولِّي الصلاة والخطبة بجامع شاطبة، وكان موصوفًا بالزهد والخشوع والإخبات والبكاء، توفي سنة ٥٦٧ عن ابن الأبار.

وأبو الوليد محمد بن عريب بن عبد الرحمن بن عريب العبسي، من أهل سرقسطة، سكن شاطبة، وتولى الصلاة والخطبة بها، وقد تقدمت ترجمته في الجزء الثاني من الحلل السندسية، وذلك عند الكلام على من انتسب من أهل العلم إلى سرقسطة.

وأبو عمر محمد بن أبي بكر بن يوسف بن عفيون الغافقي، روى عن أبي عبد الله بن بركة، وأبي محمد بن مكِّي، وأخذ عن هذا علم الشروط، وصحب أبا جعفر بن سلَّام، وأبا الحسين بن جبير، وغيرهما من الأدباء، وجمع شعر ابن جبير في صباه، وألف كتابًا في عجائب البحر، وكتابًا في أخبار الزهاد، وتوفي بعد سنة ٥٨٤، ذكره ابن الأبَّار.

وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مطرِّف بن أبي سهل بن ياسين النفزي، روى عن أبيه أبي زيد عبد الرحمن وغيره، وكان معدودًا من الفقهاء والأدباء، توفي في العشر الأول من رمضان سنة ٥٩٠، قال ابن الأبار في التكملة: إن جد المترجم — وهو مطرِّف بن أبي سهل — مذكور في الصلة.

وأبو عبد الله محمد بن محمد بن مُخْلَد النحوي من أهل شاطبة، انتقل من بلده إلى غرب الأندلس، وله شرح في كتاب الجمل للزجَّاجي روي عنه. وما قرأنا في ترجمته أكثر من هذا.

وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن علي بن بقاء اللخمي، من أهل شاطبة، يعرف بالجنجالي، أخذ القراءات عن أبي محمد قاسم بن فيروه الشاطبي قبل رحلته إلى المشرق، وعن ابن حميد وابن حبيش، وأجازوا له، وتصدَّر للإقراء بشاطبة، وممن أخذ عنه القراءات الفقيه الفاضل المتصوِّف أبو عبد الله محمد بن أبي الربيع سليمان بن محمد بن عبد الملك المعافري الشاطبي نزيل الإسكندرية، أجاز له في التاسع والعشرين لذي القعدة سنة سبع وستمائة.

وأبو بكر محمد بن سليمان بن عبد العزيز بن عمر السُّلَمي، أخذ عن ابن مغاور وغيره من مشيخة شاطبة، وكان من أهل العلم والأدب عدديًّا فرضيًّا صاحب مساحة، ولي قضاء ألش من كور مرسية، وأقرأ مقامات الحريري، وسماه ابن بُرطُله في شيوخه، وكان حسن النظر في فك المعمَّى، توفي بشاطبة في عقب رجب سنة ٦١٢.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن سعادة، أخذ القراءات عن أبي الحسن بن هذيل، وأبي بكر بن نمارة، وأبي بكر بن سيِّد بونه وغيرهم، وأخذ الحديث عن أبي عبد الله بن سعادة، وأبي محمد بن عاشر، وغيرهما، وأخذ العربية واللغة عن ابن النعمة، وابن حميد، وابن سعد الخير، وغيرهم، وكان مقرئًا متصدِّرًا نحويًّا محققًا لغويًّا، أقرأ وأخذ الناس عنه. قال ابن الأبار: لقيته عند أبي — رحمه الله — وقد قصده زائرًا، فأجاز لي جميع روايته بسؤال أبي ذلك منه، وتلفَّظ بالإذن في التحديث عنه، وذلك قبل سنة ٦١٢ بعد سماعي من عمه شيخنا المعمَّر أبي عبد الله بن سعادة. ا.ﻫ. وتوفي المترجم سنة ٦١٤.

وأبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن سعادة، أخذ القراءات عن أبي الحسن بن هذيل، وأبي بكر بن نمارة، وأبي عبد الله الداني، وابن النعمة، وسمع من أبي عبد الله بن سعادة، وأبي حفص بن واجب، وأبي محمد بن عاشر، وأبي محمد بن عات، وكان من أهل الصلاح والقيام على كتاب الله، والإتقان للقراءة، وأسَنَّ وأخذ عنه الناس، قال ابن الأبار: قدم علينا بلنسية في أول شوال سنة ٦١٠؛ فأخذت عنه وأجاز لي ما رواه، وكان شيخنا أبو الخطاب بن واجب يوثِّقه، ويُثني عليه، ويقول بفضله، ويقدم صحبته لأبي الحسن بن هذيل وغيره من الشيوخ، توفي بشاطبة يوم الثلاثاء التاسع من شوال سنة ٦١٤ عن سن عالية بلغت المائة أو أربت عليها يسيرًا، وهو ممتع بجوارحه كلها، مولده سنة ٥١٤، وقيل سنة ٥١٦.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبيد الله النفزي، يعرف بابن قَبُّوج، أخذ عن ابن هذيل، وتفقه بأبي محمد عاشر بن محمد، وبابن عات، وكان فقيهًا جليلًا حافظًا للرأي والمسائل، ثقةً عدلًا، روى عنه جماعة منهم ابنه أبو الحسين عبيد الله، وتوفي بعد سنة ٦١٦، عن ابن الأبار.

وأبو عبد الله محمد بن موسى بن محمد المعروف بالقطيني، سمع من أبي الخطاب بن واجب، وأبي عمر بن عات، وأبي محمد بن حوط الله، وغيرهم من شيوخ ذلك الوقت، ولقي بمدينة فاس أبا القاسم بن الملجوم، وأخذ عن أبي الحسن بن حريق الأدب والعربية، وتوفي سنة ٦٢١، قاله ابن الأبار.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن مسعود بن عبد الرحمن الأزدي، يعرف بابن صاحب الصلاة، سمع كثيرًا من ابن هُذيل، واحتيج إليه بآخرة من عمره عند انقراض تلاميذ ابن هذيل، توفي ببلنسية سنة ٦٢٥، ومولده بشاطبة في صفر سنة ٥٤٢.

وأبو القاسم محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري، يعرف بالولي، أخذ عن أبيه، وعن أبي عبد الله بن سعادة، وأبي الخطاب بن واجب، وأبي عمر بن عات، وأبي جعفر بن عميرة، وأبي القاسم الطرَسُوني، وأبي الحسن بن حريق، وتصدَّر للإقراء ببلده، وأُخذ عنه، وتوفي سنة ٦٣٦.

وأبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك بن محمد بن أبي الحسن الكناني الضرير، يعرف بابن الأحدب، أخذ عن أبي عبد الله بن نوح، وأبي زيد بن ياسين، وأبي زكريا بن سيد بونُه الخزاعي، وأبي عبد الله بن سعادة، وغيرهم، وأقرأ القرآن دهره كله، وكان ضابطًا ماهرًا، توفي سنة ست أو سبع وثلاثين وستمائة.

وأبو عبد الله محمد بن لب بن محمد بن عبد الله بن حيرة، أخذ عن أبي عبد الله القطيني العربية وأقرأها ببلده شاطبة، وكانت وفاته فيها في نحو الأربعين وستمائة. هكذا قال ابن الأبَّار، وقد ترجمه المقري في النفح، فقال: إنه حدَّث بالقاهرة، وتوفي قريبًا من سنة ٦٤٠، وهو أحد أصحاب الشيخ أبي الحسن بن الصبَّاغ، قال: ومن كلامه: اشتغالك بوقت لم يأتِ تضييعٌ للوقت الذي أنت فيه.

وأبو الحسن مغاور بن حكم بن مغاور السلمي المكتِّب، من أهل شاطبة، أصله من غرب الأندلس، وحَكَم أبوه هو المنتقلُ إلى شاطبة، أخذ عن أبي الحسن بن الدوش، وعن ابن شفيع، وأدَّب بالقرآن وأقرأ بالسبع، وذكَّر في مسجده المنسوب بناؤه إلى واصل، حدَّث عنه ابنه محمد بن مغاور، وأبو عبد الله بن بركة، وأبو محمد بن مكِّي، وغيرهم، وتوفي بشاطبة سنة ٥٠٩.

وأبو الحسن مكِّي بن أيوب بن أحمد بن رشيق التغلبي، أصله من بجاية، أخذ القراءات عن أبي داود المقري، وأبي عبد الله المغامي، وأبي القاسم بن مدير، وابن الدوش، وابن شفيع، وطاهر بن مفوَّز، أخذ عنه ابنه أبو محمد عبد الغني بن مكي، ولم نطلع على سنة وفاته.

وأبو بكر مفوَّز بن طاهر بن حيدرة بن مفوَّز بن أحمد بن مفوَّز المعافري، قاضي شاطبة، وهو من أهلها، سمع أباه وأبا عامر بن حبيب، وأبا إسحاق بن جماعة، وأبا الوليد بن الدبَّاغ، وأبا عبد الله بن سعادة، وأبا الحسن بن أبي العيش، وأبا عبد الله بن اللايُهْ، وأبا محمد عاشر بن عاشر، وأبا عبد الله بن مغاور، وغيرهم من فحول وقته، وكتب إليه فحول آخرون من علماء الأندلس والمشرق مثل ابن مسرَّة، وابن هُذيل، وابن نمارة، وابن بشكوال، وهؤلاء من الأندلس، وأبي الطاهر بن عوف، وأبي الفضل بن الحضرمي، وأبي الطاهر السلفي، وأبي القاسم بن جارة، ولما تولَّى قضاء شاطبة حُمدت سيرته، وكان فقيهًا فصيحًا بليغًا، جميل الشارة، حسن السمت، جليل القدر، موصوفًا بالبيان والإدراك، وله حظ من قرض الشعر، قال ابن الأبَّار: أخبرنا عنه من شيوخنا أبو عامر بن نذير، وأبو ربيع بن سالم، ومن شعره:

بماذا عسى أن يمدح الورد مادح
أليس الذي أضحى مُبرًّا على الزهر
حكى لِيَ في أوراقه وغصونه
خدود الغواني تحت أقنعة خضر

وله أيضًا:

وقفت على الوادي المنعم دوحه
فأرسلت من دمعي هنالك واديا
وغنت به ورق الحمام عشية
فأذْكرن أيامًا مضت ولياليا

قلت: أما البيت الأول في مدح الورد فهو أشبه بشعر فقيه منه بشعر شاعر. وأما الأبيات الأخرى، ولا سيما بيتا الوادي، فمن كلام الشعراء المجيدين، وفيه رقتهم وجزالتهم. توفي المترجم بشاطبة ضحى يوم الأربعاء الموفي عشرين لشعبان سنة ٥٩٠، ودفن لصلاة العصر منه بمقبرة الربض، ومولده سنة ٥١٧ بعد أخيه عبد الله بعامٍ واحد.

وأبو محمد عبد الله بن أبي القاسم الحجري المقرئ، قال عنه ابن الأبار: إنه كان زاهدًا فاضلًا، يقرئ القرآن، ويؤم في صلاة الفريضة، أخذ عنه أبو عبد الله المكناسي.

وأبو محمد عبد الله بن حيدرة بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري، سمع بقرطبة من أبي الحسن العبسي، وبدانية من أبي المقري، وأجاز له عمه أبو الحسن بن مفوز سنة ٤٨٢، وسمع من أبي علي الصدفي سنة ٥٠١، قال ابن الأبار: وكان عريق البيت في العلم والنباهة، ولا أعلمه حدَّث، وقد حدث أخواه أبو بكر — الإمام العلم — وطاهر.

وأبو محمد عبد الله بن عيسى بن إبراهيم، يعرف بابن الأسير، صحب أبا الحسن طاهر بن مفوَّز، وأخذ عن أبي الحسين بن البيَّاس، وحج في نحو الثمانين والأربعمائة، ثم قفل إلى الأندلس، وسمع أبا علي الصدفي سنة ٥٠٣، وكان من أهل الصلاح والخير، حسن الخط، جيد الضبط، قال ابن الأبار: ولم أقف على تاريخ وفاته.

وأبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن خلف بن موسى بن أبي تُليد الخولاني، يعرف بالحمصي، أخذ القراءات عن ابن الدوش والحديث عن طاهر بن مفوَّز، وأخذ عن ابن عمه أبي عمران بن تُليد، وعن أبي محمد الركلي، وأبي عبد الله بن عبد الوارث التدميري، وتصدر لإقراء القرآن بشاطبة حياته كلها، وكان فاضلًا مجاب الدعوة، وأخذ عنه أبو عمر بن عيَّاد، وقال ابنه محمد بن عيَّاد: إنه توفي سنة ٥٣٣، وقال ابن الأبَّار: إنه نقل نسب المترجم من خط محمد بن عيَّاد.

وأبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد بن علي اللخمي، سبط أبي عمر بن عبد البر، سمع جده أبا عمر، وأجاز له روايته وتواليفه سنة ٤٦٢، وسمع من أبي العباس العذري صحيحي البخاري ومسلم، ومن أبي الوليد الباجي صحيح البخاري، قال ابن الأبار: إنهما لم يجيزا له شيئًا من روايتهما ولا تواليفهما، قال: وقرأت بخط أبي عبد الله بن أبي البقاء أنه روى عن أبي الفتح السمرقندي، وهذا أيضًا لم يجز له، وتولى قضاء أغمات بالمغرب، وأخذ عنه جماعة هناك، وعمِّر حتى بلغ التسعين، وتوفي بأغمات وهو يتولى قضاءها سنة ٥٣٢، وقيل سنة ٥٣٣، وهذه رواية ابن بشكوال في معجم مشيخته ومولده ببلنسية سنة ٤٤٣.

وأبو عبد الله بن يوسف بن أيوب بن القاسم بن بيرَة بن عبد الرزاق بن غوصُه بن سليمان بن صالح بن يزيد بن عبد الرحمن بن لبيب الداخل إلى الأندلس القرشي الفهري، سكن دانية، وأصله من شاطبة من قرية يقال لها «رغاط» قبلي الفجِّ، وتلك القرية نزلها جدهم لبيب وذريته من بعده، سمع المترجم من أبيه أبي الحجاج، ومن أبي علي الصدفي، وأبي الحسن طاهر بن مفوَّز، وأجاز له أبو العباس العذري، وحدَّث عنه ابنه يوسف بن عبد الله وغيره، وتوفي بدانية يوم عاشوراء سنة ٥٤٨، ومولده في شوال سنة ٤٦٩.

وأبو محمد عبد الله بن طاهر بن حيدرة بن مفوَّز المعافري، من بيت العلم والفضل في شاطبة، أخذ القراءات عن ابن أبي العيش، وسمع الحديث من أبيه أبي الحسن طاهر، ومن أبي إسحاق بن جماعة، وأبي الوليد بن الدبَّاغ، وتفقَّه بأبي عبد الله بن مغاور، وأبي بكر بن أسد، وكتب إليه من الإسكندرية أبو طاهر السلفي في رمضان سنة ٥٣٦، وكان من أهل المعرفة بالفقه، حافظًا لمسائل الرأي، بصيرًا بالشروط، وقورًا، رحب الصدر، عالي القدر، ولي قضاء بلده فحمدت سيرته، وجرى على سَنَن سلفه الصالح عدلًا وزكاءً وحلمًا وأناةً وعفة نفس، قال أبو عمر بن عياد: قدم علينا لرية قاضيًا عليها من قبل ابن سعد، وأفادنا كتاب الإمامة لأبي محمد بن مفوَّز الزاهد، كان يحمله عن أبيه طاهر، وكانت وفاته بجزيرة شقر، قدمها زائرًا لبعض معارفه هناك، وكان قاضيًا بشاطبة، فاحتمل إلى شاطبة ودفن بها إلى جانب سلفه — رحمهم الله — وأتبعه الناس ثناءً جميلًا، وكانت وفاته سنة ٥٦٧، ومولده سنة ٥١٦، عن ابن الأبَّار.

وأبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن خلف بن أبي الفرج التجيبي، أخذ القراءات عن أبيه أبي عبد الله بن محمد، وسمع الحديث من ابن جماعة، وابن الدبَّاغ، وابن سعادة أبي عبد الله، وابن أسد أبي بكر، وابن عاشر، وابن مغاور، وأخذ الأدب عن ابن ينَّق، وأبي جعفر بن عبد الغفور الشاطبي، وولِّي الأحكام ببعض جهات شاطبة، وكان من أهل المعرفة بمسائل القضاء والبصر بالشروط، ولد سنة ٥١٢، وتوفي سنة ٥٧٤، عن ابن الأبَّار.

وعبد الله بن محمد بن عبد الله بن سفيان التجيبي، من أهل شاطبة، وأصل سلفه من قونكة؛ ولذلك يُعرف الواحد منهم بالقونكي، سمع جماعة من كبار العلماء؛ مثل ابن الدبَّاغ، وابن هذيل، وابن النعمة، وابن سعادة، وابن بركة، وأبي العرب التجيبي، وأبي عامر بن ينَّق، وأبي محمد المكناسي، وأبي العلاء بن الجنَّان، وأبي الحسن بن سعد الخير، فتأدب بهم، وتفقَّه بهم وبغيرهم من تلك الطبقة العالية، وتولَّى قضاء لورقة، وكان بليغًا مفوَّهًا صاحب نظمٍ ونثر، توفي في حدود التسعين وخمسمائة، ذكره ابن الأبار.

وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن موسى بن حفص الأنصاري من أهل دانية، سكن شاطبة، سمع بدانية من أبي بكر أُسامة بن سليمان، وأبي القاسم بن إدريس، وأخذ العربية عن أبي عبد الله التجيبي، وعن عمه أبي الحسين يحيى بن عبد الله، وسمع بإشبيلية من أبي القاسم بن بقيٍّ موطَّأَ مالك، ورحل إلى المشرق؛ فسمع بالإسكندرية ودمشق والموصل جماعة من كبار العلماء؛ منهم أبو عبد الله الحرَّاني، وأبو نصر الشيرازي، وأبو عبد الله المقدسي، وأبو إسحاق إبراهيم الخشوعي، وغيرهم، وكتب إليه من مُسْنِدي بغداد طائفة منهم أبو صالح الجيلي، وأبو القاسم علي بن أبي الفرج الجوزي، وكان عنده شعر أبي العلاء المعرِّي مسموعًا على أبي إسحاق بن أبي اليسر عن والده عن جده عن أبي العلاء نفسه، ومال إلى علم الطب وعُنِيَ به، وكان له حظ من الأدب، وكان معاصرًا لابن الأبار القضاعي صاحب التكملة الحافظ الشهير والأديب الكبير، وقد زكَّاه في التكملة وقال عنه صاحبنا، وذكره بالتواضع والطهارة ونزاهة النفس ونباهة البيت، وقال: إنه صاحبه بتونس — وذلك بعد أن استولى العدو على بلنسية وهاجر ابن الأبار إلى تونس — ورحل المترجَم إلى المشرق ثانيةً في أواخر ذي الحجة سنة ٦٤٥، فتوفي بالقاهرة ظهر يوم الجمعة منسلخ شعبان، ودفن يوم السبت بعده مستهلَّ رمضان من سنة ٦٤٦، ومولده قبل التسعين وخمسمائة.

وأبو مروان عبد الله بن نجاح بن يسار، أخذ القراءات عن ابن الدوش، وسمع من أبي علي الصدفي في اجتيازه بشاطبة غازيًا إلى كتندة في صفر سنة ٥١٤، وتصدر للإقراء بشاطبة وأخذ الناس عنه، قاله ابن الأبار.

وأبو الحسين بن عبيد الله محمد بن عبيد الله النفزي،١ يعرف بابن قبُّوج، روى بشاطبة عن أبيه، وعن أبي عمر بن عات، وأبي الخطَّاب بن واجب، وغيرهم، وأخذ بإشبيلية الفقه عن ابن زرقون، ويقول ابن الأبار في التكملة إنه لقيه هناك سنة ٦١٨، ثم رجع إلى شاطبة، فلزم داره، واعتزل الناس، وأقبل على العبادة ودراسة العلم، وكان في شبيبته جوَّد الشعر، ثم تنزَّه عنه زهادةً بعد ذلك، وخرج من شاطبة بعد محاصرة الروم إياها وإفراجهم عنها على تملك بعضها، فركب المترجم البحر من دانية قاصدًا بجاية من المغرب الأوسط، فتوفي عند وصوله، وذلك ليلة الخميس مستهل جمادى الأولى، ودفن لصلاة العصر منه سنة ٦٤٢، وكانت له جنازة مشهورة، وكان الثناء عليه جميلًا.

وأبو المطرِّف عبد الرحمن بن عبد الله بن مُعافى المقرئ، روى عن أحمد بن نابت التغلبي، وروى عنه أبو المطرف عبد الرحمن بن موسى بن أبي تُليد والد أبي عمران، وروى عنه أيضًا ابنه عبد الرحمن بن معافى، ذكره ابن بشكوال.

وأبو محمد عبد الرحمن بن مروان العبسي، يعرف بابن الطَوْج، روى عن ابن عبد البَر، وحدَّث عنه أبو عبد الله الحوضي المعروف بابن أبي أحد عشر، سمع منه كتاب التقصِّي لأبي عمر بن عبد البر، وذكره ابن بشكوال ووصفه بالصلاح، وروى أنه توفي سنة ٥٠٧، وقال ابن الأبار: أحسبه من أهل شاطبة.

وأبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن نزار المرسي، قال ابن الأبار: لعله سكن مرسية ولو كان من شاطبة، روى عن طاهر بن مفوز، ورحل إلى قرطبة فأخذ عن أبي علي الغسَّاني كتاب التقصِّي لابن عبد البر، وصحب في قرطبة القاضي المشهور والحكيم المعروف أبا الوليد بن رشد، وأبا محمد بن عتَّاب، وأبا بحر الأسدي، وأبا عبد الله بن الحاج، وأبا الحسن بن مُغيث، وكان علم الرأي أغلب عليه من علم الحديث، وولِّي خطة الشورى بشاطبة، وكان فقيهًا حافظًا حافلًا، من أكثر الناس درسًا، وكانت له مشاركة في أصول الفقه مع العدالة والتواضع، توفي سنة ٥٤٠.

وأبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن يعيش المُهري، روى عن أبي محمد بن عبد العزيز الأنصاري، وحدَّث عنه أبو الحسن ثابت بن أحمد بن عبد الولي الشاطبي، قاله أبو الحسن بن المفضَّل المقدسي. هكذا روى ابن الأبَّار.

وأبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المكتِّب، من أهل شاطبة، نزل تلمسان، روى عن أبي محمد بن أيوب الحديث المسلسل في الأخذ باليد، وكان رجلًا صالحًا، حدَّث عنه أبو عبد الله بن عبد الحق التلمساني، ذكره ابن الأبَّار.

وأبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مغاور بن حكم بن مغاور السلمي، سمع من أبيه ومن أبي علي الصدفي، وأبي جعفر بن غزلون، وأبي الوليد بن الدبَّاغ، وله رواية عن القاضي الحسن بن واجب، وأبي بكر بن العربي، وأبي القاسم بن ورد، وأبي بكر بن مفوَّز، وكان في وقته بقية مشيخة الكتَّاب والأدباء بالأندلس، مع صدق اللهجة وكرم النفس، وكان بليغًا مفوَّهًا مدركًا له حظ وافر من قرض الشعر ومشاركة في الفقه، وله ديوان اسمه «نَور الكمائم وسجع الحمائم» مشهور بأيدي الناس، وطال عمره، وحدَّث عنه الكثيرون، وهو آخر السامعين من أبي علي الصدفي؛ لأنه لما مات لم يكن بقي أحد ممن سمعوا من الإمام المذكور، وأمر أن يخط على قبره:

أيها الواقف اعتبارًا بقبري
استمع فيه قول عظمي الرميم
أودعوني بطن الضريح وخافوا
من ذنوبٍ كلومها بأديمي
قلت: لا تجزعوا عليَّ فإني
حسن الظنِّ بالرءوف الرحيمِ
واتركوني بما اكتسبت رهينًا
غَلِقَ الرهن عند رب كريم

ولد بشاطبة سنة ٥٠٢، وتوفي في صفر سنة ٥٨٧، عن ابن الأبَّار.

وأبو زيد عبد الرحمن بن عبد الواحد بن سعيد بن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن هارون بن غالب بن حرب بن أبي شاكر الأنصاري، سمع ببلنسية من أبي عبد الله بن بيبش الأندي أحاديث خراش. وروى عن ابن جماعة وابن الدبَّاغ، وكان من أهل النباهة والعناية بالرواية.

وأبو زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن مطرِّف بن أبي سهل بن ياسين النفزي، أخذ القراءات عن أبي عبد الله بن عبادة الجياني، وأبي محمد قاسم بن فيروه الضرير، وغيرهما، وتصدَّى للإقراء ببلده شاطبة، وأخذ عنه ابنه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن. ذكره ابن الأبَّار، ولم يذكر تاريخ وفاته.

وأبو القاسم عبد الرحيم بن أحمد بن علي بن طلحة الأنصاري، من أهل سبتة، أصله من شاطبة، يعرف بابن عليم، سكن مراكش، ودخل الأندلس غازيًا، ورحل حاجًّا سنة ٦١٣، وكتب الحديث بمصر ودمشق وبغداد وغيرها، ولقي السلفي وغيره من الأئمة، وبعد أن أقام بالشرق مدة قدم إلى تونس سنة ٦٤٢، وسمع منه ابن الأبَّار بعد مهاجرته إلى تونس، وأجاز له وأخبره أن مولده عصر الجمعة السادس والعشرين لربيع الآخر سنة ٥٣٥، وتوفي سنة ٦٥٥، قلنا: إن لم يكن هناك خطأ في النسخ فيكون عمر المترجم ١٢٠ سنة، وليس هذا بقليل الوقوع في الدنيا، ولكن لو كان عُمِّر إلى هذا الحد لكان ابن الأبَّار أشار إلى ذلك؛ فالأرجح عندنا أن هناك غلطًا في الأرقام.

وأبو مروان بن عميرة الشاطبي يحدِّث عنه أبو عبد الله بن المَعِز اليفرني الميورقي لم يزد ابن الأبَّار في ترجمته على هذا السطر.

وأبو الحسن طاهر بن حيدرة بن مفوَّز بن أحمد بن مفوَّز المعافري، من أهل بيت العلم الشهير بشاطبة، سمع أخاه أبا بكر، وأبا علي الصدفي، وأبا جعفر بن جحدر، وأجاز له عمه طاهر بن مفوَّز، وكان فقيهًا حافظًا مقدمًا في علم الفرائض يُلجأ إليه في ذلك. ولي قضاء شاطبة وجزيرة شقر جميعًا فحمدت سيرته وشُهرت عدالته، ثم استعفى من القضاء فأعفي، وتوفي في المحرم سنة ٥٥٢، عن ابن الأبار.

وأبو عيسى لب بن محمد بن محمد، من أهل شاطبة، يعرف بالبلنسي؛ لأن أصله منها، صحب أبا عمر بن عات، وروى عن أبي الخطَّاب بن واجب، وأبي عبد الله بن سعادة، وغيرهما، وكان من أهل الثقة والعدالة، توفي في غرَّة جمادى الأولى سنة ٦٣١.

وإمام القراء أبو محمد القاسم بن فيرُّه بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير. قال ابن خلكان: صاحب القصيدة التي سماها «حرز الأماني ووجه التهاني» في القراءات، وعدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتًا، وقد أبدع فيها كل الإبداع، وهي عمدة قراء هذا الزمان في نقلهم، فقَلَّ من يشتغل بالقراءات ولا يقدم حفظها ومعرفتها، وهي مشتملة على رموز عجيبة وإشارات خفية لطيفة، وما أظنه سبق إلى أسلوبها، وقد روي عنه أنه كان يقول: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلَّا وينفعه الله — عز وجل — بها؛ لأني نظمتها لله تعالى مخلصًا في ذلك. ثم إنه نظم قصيدة دالية في خمسمائة بيت مَنْ حَفِظَها أحاط علمًا بكتاب التمهيد لابن عبد البر.

وكان عالمًا بكتاب الله تعالى قراءةً وتفسيرًا، وبحديث رسول الله مبرزًا فيه، وكان إذا قُرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ يصحح النسخ من حفظه ويملي النكت على المواضع التي تحتاج إليها. وكان أوحد زمانه في علم النحو واللغة. ثم ذكر ابن خلكان أنه قرأ القرآن بالروايات على المقرئ أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أبي العاص النفزي، وأبي الحسن علي بن محمد بن هذيل، وأنه سمع الحديث من أبي عبد الله بن سعادة، وأبي عبد الله محمد الخزرجي، والحافظ أبي الحسن بن النعمة، وغيرهم، وانتفع به خلقٌ كثير.

قال: وأدركت من أصحابه جمعًا كثيرًا بالديار المصرية، وكان يجتنب فضول الكلام، ولا ينطق في سائر أوقاته إلا بما تدعو إليه ضرورة، ولا يجلس إلى الإقراء إلا على طهارة في هيئة حسنة وتخشع واستكانة. وكان يعتلُّ العلَّة الشديدة فلا يشتكي ولا يتأوَّه، وإذا سُئِلَ عن حاله قال: بعافية، لا يزيد على ذلك. وكانت ولادته في آخر سنة ٥٣٨، وخطب ببلده على فتاء سنه، ودخل مصر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وكان نزيل القاضي الفاضل، ورتبه بمدرسته بالقاهرة متصدرًا لإقراء القرآن وقراءة النحو واللغة، وتوفي يوم الأحد بعد صلاة العصر الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة، ودفن يوم الاثنين في قرية القاضي الفاضل بالقرافة، وزرت قبره مرارًا — رحمه الله تعالى — وصلى عليه الخطيب أبو إسحاق العراقي خطيب جامع مصر.

وفيرُّه — بكسر الفاء وسكون الياء المثناة من تحتها وتشديد الراء وضمها — وهو بلغة اللطيني من أعاجم الأندلس معناه في العربي الحديد. والرُّعَيْني — بضم الراء وفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون — هذه النسبة إلى ذي رُعَين، وهو أحد أقيال اليمن، نسب إليه خلق كثير.

والشاطبي — بفتح الشين المعجمة وبعد الألف طاء مكسورة مهملة وبعدها باء موحدة — هذه النسبة إلى شاطبة، وهي مدينة كبيرة ذات قلعة حصينة بشرق الأندلس، خرج منها جماعة من العلماء، استولى عليها الفرنج في العشر الأخير من رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة، وقيل: إن اسم الشيخ المذكور أبو القاسم، وكنيته اسمه، لكن وجدت في إجازات أشياخه له أبو محمد القاسم كما ذكرته هنا. ا.ﻫ.

وأما صاحب نفح الطيب فقد رجَّح أن يكون اسمه أبا القاسم فقال: الإمام العلامة أبو القاسم الشاطبي صاحب حرز الأماني والعقيلة وغيرهما، وهو أبو القاسم بن فيرُّه بن خلف بن أحمد الرُّعَيْني الشاطبي المقرئ الفقيه الضرير، إلى أن يقول: إنه دخل الديار المصرية سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وحضر عند الحافظ السلفي، وابن بَرِّي وغيرهما، ثم ذكر ولادته سنة ٥٣٨ ووفاته يوم الأحد الثامن والعشرين، وقيل: الثامن عشر من جمادى الآخرة سنة ٥٩٠ بعد العصر، ودفن من الغد بالتربة الفاضلية بسفح المقطم.

وحُكي أن الأمير عز الدين موسك الذي كان والد ابن الحاجب حاجبًا له بعث إلى الشيخ الشاطبي يدعوه إلى الحضور عنده، فأمر الشيخ بعض أصحابه أن يكتب إليه:

قل للأمير مقالة
من ناصح فطن نبيه
إن الفقيه إذا أتى
أبوابكم لا خير فيه

قال في النفح ما خلاصته: أن أبا الحسن بن خِيَره وصف الشاطبي من قوة الحفظ بأمرٍ عجيب، وأنه كان موصوفًا بالزهد والعبادة والانقطاع، وأن قبره بالقرافة يزار وتُرجى استجابة الدعاء عنده، وأن الشاطبي ترك أولادًا منهم أبو عبد الله محمد، عاش نحو ثمانين سنة، وقال السبكي إنه كان قوي الحافظة، واسع المحفوظ، كثير الفنون؛ فقيهًا مقرئًا محدثًا نحويًّا زاهدًا عابدًا ناسكًا، يتوقد ذكاءً. قال السخاوي: أقطع أنه كان مكاشفًا، وأنه سأل كتمان حاله. ا.ﻫ.

وقد ترجمت الشاطبي الانسيكلوبيدية الإسلامية، فذكرت أن قصيدة الشاطبي في القراءات هي نظم كتاب التيسير لأبي عمرو الداني، وذكرت نقلًا عن ياقوت أن القصدية المذكورة لا تخلو من صعوبة وتعقيد؛ لذلك كثر شُرَّاحها. ومن أشهر شارحيها برهان الدين بن عمر الجعبري المتوفى سنة ٧٣٢، ولها شرح آخر لأحد تلاميذ الشاطبي، وهو أبو الحسن علي السخاوي، ولها شرح ثالث لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل، ولها شروح أخرى، وللشاطبي قصيدة ثانية اسمها «عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد»، وموضوع هذه قراءة القرآن على الوجه الأجمل لا ذكر أنواع القراءات. ثم للشاطبي قصيدة هي نظم التمهيد لابن عبد البر، وقد نقلت الانسيكلوبيدية عن ياقوت أنها قصيدة معقدة أيضًا، ولكن لم يقدروا أن ينكروا أهمية كتب الشاطبي ورغبة الناس فيها.

وعبد العزيز بن ثابت بن سليمان بن سوار، من أهل شاطبة، ومن قرية بها تسمى بلاله، روى عن أبي عمر بن عبد البر، وصحبه سنين عدة، وسمع منه في سنة ٤٥٣، وسمع بعد ذلك معه ابنه أبو محمد عبد الرحمن بن عبد العزيز في سنة ٤٦٠، وذكره ابن الدباغ، قال ابن الأبار: قرأت بعضه بخط أبي الحسن طاهر بن مفوَّز. ولم يذكر في التكملة تاريخ وفاته.

وأبو محمد عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة السعدي، رحل حاجًّا، وقدم دمشق، فسمع بها من أبي الحسن بن أبي الحديد، وعبد العزيز الكناني، ودخل العراق فسمع بها أبا محمد الصريفيني، وأبا منصور بن عبد العزيز العكبري، وأبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة، ورتب شرح غريب الحديث لأبي عبيد، وسمع منه أبو محمد بن الأكفاني سنة ٤٦٥، وقال: توفي بحوران من أعمال دمشق في رمضان سنة ٤٦٥، ذكره ابن عساكر.

وأبو محمد عبد العزيز بن عبد الله بن سعيد بن خلف الأنصاري، روى عن أبي الحسن طاهر بن مفوَّز، سمع منه الحديث المسلسل في الأخذ باليد، حدَّث به عنه أبو زيد بن يعيش المهري، أفادَ ذلك أبو الحسن بن المقدسي الحافظ، ذكره ابن الأبار في التكملة، ولم يذكر تاريخ وفاته.

وأبو الأصبغ عبد العزيز بن محمد بن فرج بن سليمان بن يحيى بن سليمان بن عبد العزيز القيسي، يعرف بالمكناسي، أخذ القراءات عن أبيه، وأبي الحسن شريح بن محمد، وأبي علي منصور بن الخير، واستوطن غرناطة، وأقرأ بها الفرائض والحساب، وكان من أهل الأدب والعلوم الرياضية، مقرئًا فقيهًا متكلمًا، عارفًا بالوثائق، ولد بشاطبة سنة ٤٥٢، وتوفي بغرناطة في صفر سنة ٥٣٦، ذكره ابن أخيه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المكناسي، وحدَّث عنه.

وأبو الأصبغ عبد العزيز بن خلف بن إدريس السلمي، روى عن أبي جعفر بن جحدر، وتفقَّه به ولازمه، وسمع الحديث من أبي عمران بن أبي تُليد، وأبي علي الصدفي، وأبي القاسم بن الجنَّان، وكتب للقضاة، وولي خطة الشورى، وكان حافظًا لمسائل الرأي عارفًا بها، بصيرًا بالوثائق، دَرِبًا بوجوه الفتيا وأحكام القضاء، نافذًا في علم اللسان، وكانت في أخلاقه حزونة. روى عنه أبو جعفر بن أشكية، وأبو محمد بن سفيان، وتوفي بشاطبة سنة ٥٤١، عن ابن الأبار.

وأبو الأصبغ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العزيز، يعرف بابن النيبلش، سمع من أبي الوليد بن الدبَّاغ موطَّأَ مالك، ومن أبي عبد الله بن سعادة السير لابن إسحاق. قال ابن الأبَّار: وقيدت ذلك عن بعض شيوخنا، ثم وقفت بخطه على تسمية شيوخه، وهم أبو الحسن بن هذيل، وأبو عبد الله بن سعيد الداني، وأبو الحسن بن النعمة، وأبو محمد عاشر بن محمد بن عاشر، وأبو عبد الله بن سعادة، لم يذكر فيهم ابن الدبَّاغ، وولِّي أحكام بلده للقاضي أبي القاسم بن إدريس، وكان فقيهًا حافظًا، روى عنه أبو محمد بن خيرة، وأبو عبد الله بن أبي البقاء، أجاز له في سنة ٦٠٣، وعاش بعد ذلك.

وأبو محمد عبد الوهاب بن إسحاق بن لب الفهري، يعرف بابن الحمري، منسوب إلى الحمرة — قرية بشاطبة — كذا قال ابن الدبَّاغ، والصحيح في اسمها الحمراء وفي نسبه الحمراوي. أخذ عن صهره أبي جعفر بن جحدر، وتفقَّه به، وسمع من أبي محمد عبد الرحمن بن عبد العزيز بن ثابت الخطيب وغيره، وتوفي سنة ٥٢٥.

وعبد الحق بن خلف من مفرِّج أبو العلا الكناني الشاطبي، يعرف بابن الجنَّان، سمع أباه، وصحب أبا إسحاق بن خفاجة، وكان من كبار الأدباء وجلَّة البلغاء والشعراء، وله بصر بالطب والعربية واللغة، توفي سنة ٥٣٩ عن ستين سنة، وكان أبوه من فقهاء شاطبة، يروي عن الباجي، ذكره ابن الأبَّار في التكملة.

وأبو محمد عبد الغني بن مكي بن أيوب التغلبي، روى عن أبيه، وأبي عبد الله بن سيف، وسمع أبا بكر بن مفوَّز، وأبا عمران بن أبي تليد، وأبا علي الصدفي وجماعة. وتفقَّه بمرسية عند أبي محمد بن جعفر، وكان فقيهًا حافظًا عالمًا شاعرًا ماهرًا في الشروط، ولِّي خطة الشورى ببلده، توفي سنة ٥٥٥.

وأبو الحسن علي بن محمد بن أبي العيش الطرطوشي نزيل شاطبة، أخذ القراءات عن أبي الحسن بن الدوش، وأبي المطرِّف بن الورَّاق، وأبي محمد بن جوشن، وتصدَّر للإقراء بشاطبة، وكان من أهل الصلاح والفضل مع التقدم في صناعة القراءات، أخذ عنه أبو بكر مفوَّز بن طاهر بن مفوَّز، وأخوه أبو محمد عبد الله، وأبو الحسين بن جبير الزاهد، وغيرهم. ولم يذكر ابن الأبَّار تاريخ وفاته.

وعلي بن عبد الله بن علي أبو الحسن الشاطبي بن البنَّاد، روى عن أبي عبد الله بن سعادة، وأبي عبد الله بن عبد الرحيم، واختص بأبي بكر بن أبي جمرة، وكان فقيهًا مشاورًا ذا ثروة وفضائل وتصانيف، توفي سنة أربع عشرة. هكذا ترجمه ابن الأبَّار في التكملة، واقتصر على قوله: توفي سنة أربع عشرة.

وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن محمد بن موسى جمال الدين التجيبي الأندلسي الشاطبي، نزيل دمشق، روى أبو عبد الله الفاسي عنه «الراية» بسماعه لها من المؤلف، وهو جد الجمال علي بن يحيى بن علي الشروطي.

وأبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن منخل النفزي الشاطبي، سمع من عبد المنعم بن الفرس، وأبي بكر بن أبي زمنين وحدَّث. توفي في آخر سنة ٦٣٠، ترجمه ابن الأبَّار في التكملة.

وأبو محمد عاشر بن محمد بن عاشر بن خلف الأنصاري، سكن شاطبة، سمع من أبي علي بن سكَّرة، وأبي جعفر بن جحدر، وأبي عامر بن حبيب، وأبي عمران بن أبي تليد، وأبي بحر الأسدي وجماعة، وتفقَّه بأبي محمد بن أبي جعفر، وأخذ القراءات بقرطبة عن أبي العباس بن ذروة، وأخذ بعضها عن أبي القاسم بن النحاس، وسمع من أبي محمد بن عتاب وغيره، وأجاز له أبو عبد الله الخولاني، وكتب إليه من مكة رزين بن معاوية، ومن الإسكندرية أبو الحجاج بن نادر، وعني بعلم الرأي، وشهر بالفهم والحفظ، وولِّي خطة الشورى ببلنسية، ثم ولِّي قضاء مرسية وأقاليمها؛ فنال دنيا عريضة وحمدت سيرته، فلما انقضت الدولة اللمتونية سنة تسع وثلاثين صرف ونزل شاطبة يدرِّس ويحدِّث، وكان رأس الفتوى، وإليه ترد صعاب المسائل ومشكلاتها.

وكان متفننًا في العلوم، روى عنه أبو الخطَّاب بن واجب، وأبو عبد الله بن سعادة، وابن أخته أبو محمد بن غلبون، وأبو عبد الله الأندرشي، وصنَّف «الجامع البسيط وبغية الطالب النشيط» دلَّ به على مكانه من العلم، ووصل فيه إلى كتاب الشهادات، وتوفي قبل إتمامه، وهو كتاب مطول رجح فيه واستدل.

توفي في نصف شعبان سنة ٥٦٧ بعد أن كُفَّ بصره، وولد بحصن يُناشته سنة ٤٨٤، قال ابن الزبير: قال ابن عات وأخذ عنه: أخبرني أنه رأى محمد بن فرج بقرطبة شيخًا كبيرًا، توفي في الجامع ليلة سبع وعشرين من رمضان. قال ابن الزبير: روى عن عاشر أبو محمد عبد المنعم بن الفرس، والحاج أبو العباس بن عمرة، وأبو بكر بن أبي جمرة، وأبو محمد غلبون المرسي. قيل لأبي سليمان بن حوط الله: هل رأيت أحفظ من ابن الجد؟ قال: نعم، رأيت عاشرًا، وكان أحفظ منه. في النسخة: توفي سنة سبع وسبعين، عن ابن الأبَّار.

وأبو محمد هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النفزي الشاطبي، أخذ القراءات عن أبي مروان بن يسار صاحب ابن الدوش، وسمع من أبي الوليد بن الدبَّاغ، ودرس الفقه على أبي جعفر الخشني، ولازمه سبع سنين وعرض عليه المدونة مرات، ومهر عنده، وكان فقيهًا مشاورًا مستقلًّا بالفتاوى، فرضيًّا حاسبًا، له تواليف، استقضي ببلده فحمدت سيرته، حدَّث عنه أبو عمر بن عيَّاد، ومن شيوخنا ابنه أبو عمر، وأبو عبد الله بن سعادة، وتوفي في شعبان سنة ٥٨٢ وله سبعون سنة.

وسليمان المعروف بالبيغي الشاطبي نزيل سبتة، لقي أبا عمر بن عبد البر، وأبا العباس العذري، وأبا الأصبغ بن سهل وغيرهم، وأجازوا له، سمع منه القاضي عياض، توفي في نحو سنة ٥٢٠.

وأبو الحسين يحيى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري، من ولد سعيد بن عبادة الداني، سكن شاطبة، وسمع من صهره أبي بكر بن أبي جمرة، وأبي الخطَّاب بن واجب، وجماعة كثيرة، وعني بهذا الشأن مع الحظ الوافر من البلاغة والكتابة والضرب بسهم في الشعر إلى نباهة البيت. قال ابن الأبَّار: سمعت «منه» وصحبته مدة صارت إليه في الفتنة رئاسة شاطبة وتدبير أمورها من قبل محمد بن يوسف بن هود والي الأندلس، وتوفي في شعبان سنة ٦٣٤ عن خمس وخمسين سنة.

وأبو عبد الله محمد بن سراقة الشاطبي بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن سراقة محيي الدين، ويكنى أيضًا أبا القاسم، وأبا بكر الأنصاري الشاطبي المالكي، ولد بشاطبة سنة ٥٩٢، وسمع من أبي القاسم بن بقي، ورحل في طلب الحديث؛ فسمع ببغداد من الشيخ أبي حفص عمر السهروردي، وأبي طالب الغبيطي، وأبي جعفر الدينوري وجماعة، وسمع بحلب من ابن شداد وغيره، وتولى مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة بعد وفاة ابن سهل القصري سنة ٦٤٢، وبقي بها إلى أن توفي بالقاهرة في شعبان سنة ٦٦٣، ودفن بسفح المقطم، وكان الجمع كبيرًا

وهو أحد الأئمة المشهورين بغزارة الفضل وكثرة العلم والجلالة والنبل، وأحد مشايخ الصوفية، له في ذلك إشارات لطيفة مع الدين والعفاف والبشر والوقار والمعرفة الجيدة بمعاني الشعر، وكان صالح الفكرة في حل التراجم مع ما جُبِلَ عليه من كرم الأخلاق، واطِّراح التكليف، ورقة الطبع، ولين الجانب. ومن شعره قوله:

نصبت ومثلي للمكارم ينصب
ورمت شروق الشمس وهي تغرِّب
وحاولت إحياء النفوس بأسرها
وقد غرغرت يا بعد ما أنا أطلب
وأتعب إن لم تمنح الخلق راحة
وغيري إن لم تتعب الخلق يتعب
مرادي شيء والمقادير غيره
ومن عاند الأقدار لا شك يُغلب

وقوله:

إلى كم أمني النفس ما لا تناله
فيذهب عمري والأمانيُّ لا تقضى
وقد مر لي خمس وعشرون حجة
ولم أرضَ فيها عيشتي فمتى أرضى؟
وأعلم أني والثلاثون مدتي
حر بمغاني اللهو أوسعها رفضا
فماذا عسى في هذه الخمس أرتجي
ووجدي إلى أوب من العشر قد أفضى
فيا رب عجل لي حياة لذيذة
وإلا فبادر بي إلى العمل الأرضى

وقال — رحمه الله تعالى:

وصاحب كالزلال يمحو
صفاؤه الشك باليقين
لم يحص إلا الجميل مني
كأنه كاتب اليمين

وهذا عكس قول المنازي:

وصاحب خلته خليلًا
وما جرى غدره ببالي
لم يحص إلا القبيح مني
كأنه كاتب الشمال

ترجمه المقري في النفح.

وأبو الوليد بن الجنان محمد بن الشرف أبي عمرو بن الكاتب أبي بكر بن العالم الجليل أبي الملاء بن الجنان الكناني الشاطبي. قال ابن سعيد: توارثوا بشاطبة مراتب تحسدها النجوم الثاقبة، وأبو الوليد أشعرهم، وقد تجدد به في أقطار المشرق مفخرهم، وهو معروف هناك بفخر الدين، ومتصدِّر في أئمة النحويين، ومرتب في شعراء الملك الناصر صاحب الشام، ومقطعاته الغرامية قلائد أهل الغرام، صحبته بمصر ودمشق وحلب، وجريت معه طلق الجموح في ميادين الأدب، وأنشدني بدمشق:

أنا من سكر هواهم ثمل
لا أبالي هجروا أم وصلوا
فبشعري وحديثي فيهم
زمزم الحادي وسار المثل
إن عشاق الحمى تعرفني
والحمى يعرفني والطلل
رحلوا عن ربع عيني فلذا
أدمعي عن مقلتي ترتحل
ما لها قد فارقت أوطانها
وهي ليست لحماهم تصل
لا تظنوا أنني أسلو فما
مذهبي عن حبكم ينتقل

وقوله — رحمه الله تعالى:

بالله يا بانة الوادي إذا خطرت
تلك المعاطف حيث الشيح والغار
فعانقيها عن الصب الكئيب فما
على معانقة الأغصان إنكار
وعرفيها بأني فيك مكتئب
فبعض هذي لها بالحب أخبارُ
وأنتمُ جيرة الجرعاء من إضم
لي في حماكم أحاديث وأسمار
وأنتمُ أنتمُ في كل آونة
وإنما حبكم في الكون أطوار
ويا نسيمًا سرى تحدو ركائبه
لي بالغوير لبانات وأوطار

وله:

يا — رعى الله — إننا بين روض
حيث ماء السرور فيه يجول
تحسب الزهر عنده يتثنى
وتخال الغصون فيه تميل

وله:

هات المدام فقد ناح الحمام على
فقد الظلام وجيش الصبح في غلب
وأعين الزهر من طول البكا رمدت
فكحلتها يمين الشمس بالذهب
والكأس حلتها حمراء مذهبة
لكن أزرتها من لؤلؤ الحبب
كم قلت للأفق لما أن بدا صلفًا
بشمسه عندما لاحت من الحجب
إن تهت بالشمس يا أفق السماء فلي
شمسان وجه نديمي وابنة العنب
قم اسقنيها وثغر الصبح مبتسم
والليل تبكيه عين البدر بالشهب
والسحب قد لبست سود الثياب وقد
قامت لترثيه الأطيار في القضب

وله:

عليك من ذاك الحمى يا رسول
بشرى علامات الرضا والقبول
جئت وفي عطفيك منهم شذًا
يسكر من خمر هواه العذول

ومنها:

أحبابنا ودعتمُ ناظري
وأنتمُ بين ضلوعي نزول
حللتمُ قلبي وهو الذي
يقول في دين الهوى بالحلول
أنا الذي حدَّث عني الهوى
بأنني عن حبكم لا أحول
فليزد العاذل في عذله
وليقل الواشي لكم ما يقول

انتهى كلام النور بن سعيد. وقال غيره: ولد المذكور بشاطبة منتصف شوال سنة ٦١٥، ومات بدمشق، ودفن بسفح قاسيون، وكان عالمًا فاضلًا، دمث الأخلاق، كريم الشمائل، كثير الاحتمال، واسع الصدر، صحب الشيخ كمال الدين بن العديم، وولده قاضي القضاة مجد الدين، فاجتذبوه إليهم وصار حنفي المذهب، ودرَّس بالمدرسة الإقبالية الحنفية بدمشق، وله مشاركة في علوم كثيرة.

وله أيضًا:

قم اسقنيها وليل الهم منهزم
والصبح أعلامه محمرَّة العذب
والسحب قد نثرت في الأرض لؤلؤها
تضمن الشمس في ثوب من الذهب

انتهى. وقد تقدم عن ابن سعيد له ما يقارب هذا، وله — رحمه الله تعالى — في كاتب:

ولي كاتب أضمرت في القلب حبه
مخافة حسادي عليه وعذالي
له صنعة في خط لام عذاره
ولكن سها إذ نقط اللام بالخال

عن نفح الطيب للمقري.

وأبو عبد الله محمد بن سليمان المعافري الشاطبي، نزيل إسكندرية، ويعرف بابن أبي الربيع، أحد أولياء الله تعالى، شيخ الصالحين، صاحب الكرامات المشهورة. جمع بين العلم والعمل والورع والزهد والانقطاع إلى الله تعالى، والتخلِّي عن الناس، والتمسك بطريقة السلف، قرأ القرآن ببلده بالقراءات السبع على أبي عبد الله محمد بن سعادة الشاطبي وغيره، وقرأ بدمشق على الواسطي، وسمع عليه الحديث، ورحل فسمع من الزاهد أبي يوسف يعقوب خادم أضياف رسول الله بين قبره ومنبره سنة ٦١٧، وسمع بدمشق على أبي القاسم بن صصري، وأبي المعالي بن خضر، وأبي الوفاء بن عبد الحق، وغيرهم، وانقطع لعبادة الله تعالى في رباط سوار من الإسكندرية بتربة أبي العباس الراسي، وتلمذ للشاطبي تلميذ الراسي.

وصنف كتبًا حسنة، منها كتاب «المسلك القريب في ترتيب الغريب»، وكتاب «اللمعة الجامعة في العلوم النافعة» في تفسير القرآن العزيز، وكتاب «شرف المراتب والمنازل في معرفة العالي في القراءات والنازل»، وكتاب «المباحث السنية في شرح الحصرية»، وكتاب «الحرقة في إلباس الخرقة»، وكتاب «المنهج المفيد في ما يلزم للشيخ والمريد»، وكتاب «النبذ الجلية في ألفاظ اصطلح عليها الصوفية»، وكتاب «زهر العريش في تحريم الحشيش»، وكتاب «الزهر المضي في مناقب الشاطبي»، وكتاب «الأربعين المضية في الأحاديث النبوية»، ومولده بشاطبة سنة ٥٨٥، ووفاته بالإسكندرية في رمضان سنة ٦٧٢، ودفن بتربة شيخه المجاورة لزاويته — رحمهما الله تعالى ونفع بهما — عن المقري في النفح.

وأبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة مرسي، سكن شاطبة، ودار سلفه بلنسية، سمع أبا علي الصدفي، واختص به وأكثر عنه، وإليه صارت دواوينه وأصوله العتاق وأمَّهات كتبه الصحاح؛ لصهر كان بينهما، وسمع أيضًا أبا محمد بن أبي جعفر، ولازم حضور مجلسه للتفقه به، وحمل ما كان يرويه ورحل إلى غرب الأندلس، فسمع أبا محمد بن عتاب، وأبا بحر الأسدي، وأبا الوليد بن رشد، وأبا عبد الله بن الحاج، وأبا بكر بن العربي، وغيرهم، وكتب إليه أبو عبد الله الخولاني، وأبو الوليد بن طريف، وأبو الحسن بن عفيف، وأبو القاسم بن صواب، وأبو محمد بن السيد، وغيرهم.

ثم رحل إلى المشرق سنة عشرين وخمسمائة، فلقي بالإسكندرية أبا الحجاج بن نادر الميورقي، وصحبه وسمع منه، وأخذ عنه الفقه وعلم الكلام، وأدَّى فريضة الحج في سنة إحدى وعشرين، ولقي بمكة أبا الحسن رزين بن معاوية العبدري؛ إمام المالكية بها، وأبا محمد بن صدقة المعروف بابن غزال؛ من أصحاب كريمة المروية، فسمع منها وأخذ عنها. وروى عن أبي الحسن علي بن سند بن عياش الغساني ما حمل عن أبي حامد الغزالي من تصانيفه.

ثم انصرف إلى ديار مصر؛ فصحب ابن نادر إلى حين وفاته بالإسكندرية، ولقي أبا طاهر بن عوف، وأبا عبد الله بن مسلم القرشي، وأبا طاهر السلفي، وأبا زكريا الزناتي، وغيرهم، فأخذ عنهم، وكان قد كتب إليه منها أبو بكر الطرطوشي، وأبو الحسن بن مشرف الأنماطي، ولقي في صَدَره بالمهدية أبا عبد الله المازري؛ فسمع منه بعض كتاب المعلم، وأجاز له باقيه، وعاد إلى مرسية في سنة ست وعشرين وقد حصل في رحلته علومًا جمة ورواية فسيحة، وكان عارفًا بالسنن والآثار، مشاركًا في علم القرآن وتفسيره، حافظًا للفروع، بصيرًا باللغة والغريب، ذا حظ من علم الكلام، مائلًا إلى التصوف مؤثرًا له، أديبًا بليغًا خطيبًا فصيحًا، ينشئ الخطب مع الهدي والسمت والوقار والحلم، جميل الشارة، محافظًا على التلاوة بالخشوع، راتبًا على الصوم، وولِّي خطة الشورى بمرسية مضافة إلى الخطبة بجامعها، وأخذ في إسماع الحديث وتدريس الفقه، ثم ولِّي القضاء بها بعد انقراض دولة الملثمة، ونقل إلى قضاء شاطبة فاتخذها وطنًا، وكان يسمع الحديث بها وبمرسية وبلنسية، ويقيم الخطب أيام الجمع في جوامع هذه الأمصار الثلاثة متعاقبًا عليها.

وقد حدَّث بالمرية، وهناك أبو الحسن بن موهب، وأبو محمد الرشاطي، وغيرهما، وسمع منه أبو الحسن بن هذيل جامع الترمذي، وألَّف كتابه «شجرة الوهم المرقية إلى ذروة الفهم»، ولم يسبق إلى مثله، وليس له غيره، وجمع فهرسة حافلة، ووصفه غير واحد بالتفنن في العلوم والمعارف، والرسوخ في الفقه وأصوله، والمشاركة في علم الحديث والأدب، وقال ابن عيَّاد في حقه: إنه كان صليبًا في الأحكام، مقتفيًا للعدل، حسن الخلق والخلق، جميل المعاملة، لين الجانب، فكه المجالسة، ثبتًا حسن الحظ، من أهل الإتقان والخط والضبط، وحكي أنه كانت عنده أصول حسان بخط عمه مع الصحيحين بخط السلفي في سفرين، قال: ولم يكن عند شيوخنا مثل كتبه في صحتها وإتقانها وجودتها، ولا كان فيهم من رزق عند الخاصة والعامة من الحظوة والذكر وجلالة القدر ما رزقه. وذكره ابن سفيان أيضًا، وأبو عمر بن عات، ورفعوا جميعًا بذكره، وتوفي بشاطبة مصروفًا عن قضائها آخر الحجة سنة خمس، ودفن أول يومٍ من سنة ست وستين وخمسمائة، ودفن بالروضة المنسوبة إلى عمر بن عبد البر، ومولده في رمضان سنة ٤٩٦.

والشيخ الفاضل المتقن أبو عبد الله محمد بن علي بن يوسف بن محمد بن يوسف الأنصاري الشاطبي الأصل، البلنسي المولد في أحد ربيعي سنة أحد وستمائة، ولقبه المشارقة برضيِّ الدين، وتوفي بالقاهرة سنة ٦٨٤ — رحمه الله تعالى — وقد تقدمت ترجمته.

ونزيد ها هنا أنه حدَّث عن أبي المنير وغيره، واشتغل الناس عليه بالقاهرة، وله تصانيف مفيدة، وسمع من الحافظ أبي الربيع بن سالم، وكتب على صحاح الجوهري وغيره حواشي في مجلدات، وأثنى عليه تلميذه أبو حيان، رحم الله تعالى الجميع. ومن فوائده قوله: نقلت من خط أبي الوليد بن خيرة الحافظ القرطبي في فهرسة أبي بكر بن مفوَّز: قد أدركته بسني ولم آخذ عنه، واجتمعت به، أنشدني له أبو القاسم بن الأبرش يخاطب بعض أكابر أصحاب محمد بن حزم والإشارة لابن حزم الظاهري:

يا من تعنى أمورًا لن يعانيها
خلِّ التعاني وأعطِ القوس باريها
تروي الأحاديث عن كل مسامحة
وإنما لمُعانيها معانيها

قال: وأنشدنا لبعضهم:

لا رعى الله عزمة ضمنت لي
سلوة الصبر والتصبر عنه
ما وفت غير ساعة ثم عادت
مثل قلبي تقول: لا بد منه

وقرأ الرضي ببلده على ابن صاحب الصلاة آخر أصحاب ابن هذيل، وسمع منه كتاب التلخيص للواني، وسمع بمصر من ابن المنير وجماعة، وروى عنه الحافظ المزني واليونيني والظاهري وآخرون، وانتهت إليه معرفة اللغة وغريبها. وكان يقول: أحرف اللغة على قمسين: قسم أعرف معناه وشواهده، وقسم أعرف كيف أنطق به فقط — رحمه الله تعالى. ومن فوائد الرضي الشاطبي المذكور ما ذكره أبو حيَّان في البحر قال: وهو من غريب ما أنشدنا الإمام اللغوي رضي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي لزينب بنت إسحاق النصراني الرسعيني، وقد سبق ذكر هذه الأبيات:

عدي وتيم لا أحاول ذكرهم
بسوء ولكني محب لهاشم
وما يعتريني في علي ورهطه
إذا ذكروا في الله لومة لائم
يقولون: ما بال النصارى تحبهم
وأهل النهى من أعرب وأعاجم
فقلت لهم: إني لأحسب حبهم
سرى في قلوب الخلق حتى البهائم

ومن نظم الرضي المذكور:

منغص العيش لا يأوي إلى دعةٍ
من كان في بلدٍ أو كان ذا ولد
والساكن النفس من لم ترض همته
سكنى بلاد ولا سكنى إلى أحد

وله:

لولا بناتي وسيئاتي
لطرت شوقًا إلى المماتِ
لأنني في جوار قومٍ
بغَّضني قربهم حياتي

وتحاكم إلى رضي الدين المذكور الجزار والسراج الوراق أيهما أشعر، وأرسل إليه الجزار شيئًا فقال: هذا شعر جزل من نمط شعر العرب، فبلغ ذلك الوراق، فأرسل إليه شيئًا، فقال: هذا شعر سلس، وآخر الأمر قال: ما أحكم بينكما — رحمه الله تعالى.

وأم العز بنت أحمد بن علي بن هذيل أخذت قراءة نافع عن أم مُعفَّر — حرم الأمير محمد بن سعد — وبرعت في حفظ الأشعار، وتوفيت بشاطبة إثر خروجها من حصار بلنسية سنة ٦٣٦.

وأبو عبد الله محمد بن أحمد حيَّاز الشاطبي الأوسي، قدم مصر، وكان أخذ عن ابن برطله، وابن البراء، وغيرهما، وعمل فهرسة شيوخه على حروف المعجم، وحج وعاد إلى بلده، ومات يوم الجمعة حادي عشر رجب سنة ثماني عشرة وسبعمائة — رحمه الله تعالى وغفر له.

وأبو عثمان سعيد بن يونس بن عيال — قاضي شاطبة — توفي في المحرم سنة ٤٤٠، ذكره ابن بشكوال في الصلة.

وأبو محمد عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة السعدي الشاطبي، قدم مصر ودمشق طالب علم، وسمع أبا الحسن بن أبي الحديد، وأبا منصور العكبري، وغيرهما، وصنف غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام على حروف المعجم، وسمعه عليه أبو محمد الأكفاني، وتوفي بأرض حوران من أعمال دمشق في رمضان سنة ٤٦٥ — رحمه الله تعالى ورضي عنه — عن المقري في النفح، وقد سبق بعض ترجمته نقلًا عن ابن الأبار في التكملة.

هوامش

(١) بمناسبة «نفزة» نقول: إنه جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي: نفزة — بالفتح ثم السكون وزاي — مدينة بالمغرب بالأندلس. وقال السلفي: نِفْزَة — بكسر النون — قبيلة كبيرة، منها بنو عميرة وبنو ملحان المقيمون بشاطبة، ينسب إليها أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن الفقيه النفزي، أحد الأئمة على مذهب مالك، وله تصانيف. وأبو العباس أحمد بن علي بن عبد الرحمن النفزي الأندلسي سمع مشايخنا ودخل نيسابور وأصبهان، وخرج من بغداد سنة ٦١٣ ودخل شيراز. وأبو عبد الله محمد بن سليمان الميالسي النفزي، وهو ابن أخت غانم بن الوليد بن عمرو بن عبد الرحمن المخزومي أبي محمد، من الأندلس، روى عن خاله، مات في شوال سنة ٥٢٥، ومولده سنة ٤٣٤. قال أبو الحسن المقدسي: وأبو محمد عبد الغفور بن عبد الله بن محمد بن عبد الله النفزي، وله تصانيف، مات في ربيع الآخر سنة ٥٣٩، وأبوه من أهل الرواية، مات في سنة ٥٣٧. انتهى كلام ياقوت.
وجاء في تاج العروس: ونفزة بلدة بالمغرب، هكذا نقله الصاغاني. وقال ياقوت في المعجم: مدينة بالأندلس. وقال شيخنا: وهذا غلط ظاهر؛ إذ لا يعرف ببلاد المغرب بلدة يقال لها نفزة، وإنما المصنف رأى النسبة إليها فظنها بلدة، وهي قبيلة مشهورة من قبائل البربر الذين بالمغرب، كما في البغية في ترجمة الشيخ أبي حيَّان. وقال في نفح الطيب: وخلص عبد الرحمن الداخل إلى المغرب، ونزل على أخواله نفزة، وهم قبيلة من برابرة طرابلس. انتهى.
قلت: وهكذا ذكره الحافظ في «التبصير»، ونسب إليها جماعة من المحدثين كالمنذر بن سعيد البلوطي النفزي، ذكره الرشاطي، ومحمد بن سليمان المالقي النفزي وعبد الله بن محمد النفزي، ذكرهما ابن بشكوال، ثم قال: ونفزة قرية بمالقة، منها ابن أبي العاص النفزي شيخ الشاطبي. فالعجب من إنكار شيخنا على المصنف وقوله: إنه لا يعرف بالمغرب بلدة اسمها نفزة، وقد صرَّح ياقوت في معجمه في المجلد الثاني لما سرد قبائل البربر فقال: وهذه أسماء قبائلهم التي سمِّيت بها الأماكن التي نزلوا بها، وهي هوارة وأمناهة وضريسة ومُغيلة وفجُّومة وليطة ومطماطة وصنهاجة ونفزة وكِتامة … إلى آخر ما ذكر، فكيف يخفى على شيخنا هذا؟
قلت: ومن المنسوبين إلى هذه وجيه الدين موسى بن محمد النفزي، محدِّث، مات بمصر.
والإمام أبو عبد الله محمد بن عبَّاد النفزي، خطيب جامع القزويني الذي دفن بباب الفتوح من مدينة فاس، وله كرامات شهيرة، وعبد الله بن أحمد بن قاسم بن مناد النفزي، ممن لقيه البرهان البقاعي، مات قريب الخمسين والثمانمائة. ا.ﻫ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤