كلمات

قضيتُ أيامي في مدينة «طيبة»، أحيا حياة مفعمة بالتفكير، فقد وجدتُني على حين فجأة أشهد عالمًا فخمًا، يتجلَّى في آفاقٍ عجيبة.

كانت تزدلف إليَّ أرواح من ملكوت السماء، في باحات المعابد الخاشعة، وفي جوف الوديان الموحشة، وفوق الأفاريز البديعة القائمة على قبور «طيبة»، وفي المروج المزهرة في السهل الفسيح، وبالجملة في كل موطن حللتهُ للأحلام والفكر.

هي أرواح جميلة، لا حدَّ لروعتها، في نظراتها تلك الدعة التي لا تُحَاكَى، والتي هي سرُّ الآلهة.

هذه الأرواح الملوكية كشفت لي الغطاء عن تاريخ مصر القديم المجيد، ومنها عَرَفْتُ كيف كان صنيع أولئك الملكات، اللواتي حلَّت فيهنَّ روح الوطن أجيالًا طِوالًا، وفي حضرتهنَّ خطرت على القلب ذكرى ملكات أُخر، من ملوك العهد الإسلامي العظيم.

ولما أحطت خبرًا بأطراف ماضيهنَّ، علمت علمًا ليس بالظن مبلغ ما باء بهِ الشرق من خسران جلل، بنسيانهِ حتى الأسماء ممن كنَّ لتاجه الخلاب زينة لا يبلغها ثمن.

وما كنت لأحاول ها هنا تدوين تاريخ الملكات المصريات؛ فذلك يعلو على متناول قواي وما لديَّ من وسائله، إنما أريد أنْ أجمع في سلسلة رسائل — أنشرها تباعًا — تذكار أحاديث وتأملات تداولتُها مع بعض أولئك الملكات.

ويلذُّ لي أنْ أشعر بأن تلك الأرواح المصرية المجتباة بين النساء، تستطيع أنْ تحمل من ملأها الأعلى إلى مصريات هذا الزمن، نفحةَ نورٍ وقوةَ عزمٍ من نفحات عنصرهنَّ الأول.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤