انتشار الإسلام

يبدأ تاريخ الإسلام بالهجرة، فقد هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة، فرارًا مما كان القرشيون يسومونهم إياه من الخسف والإهانة وهم قليلون لا يقوون على دفعهم، وقد رأوا من أهل المدينة مؤازرة ونصرة بما أظهروه من البيعة المعروفة ببيعة العقبة فأمر النبي المسلمين بالهجرة إلى المدينة فلاقاه أصحابه هناك بالترحاب وأنزلوه وأنزلوا الذين هاجروا معه على الرحب والسعة.

(١) التعاهد بين المهاجرين والأنصار

وأول عمل باشره بعد نزوله هناك المعاهدة بين أصحابه المسلمين (المهاجرين والأنصار) وبين اليهود من أهل يثرب على الاتحاد والتكاتف في الدفاع عن المصالح العامة، وكتب بين الفريقين كتابًا يعترفون فيه أنهم أمة واحدة، وقد أورد ابن هشام نص ذلك الكتاب ثم خص المهاجرين من قريش والأنصار من يثرب بعهود أخرى سموها المؤاخاة، فآخى بين أصحابه المهاجرين والأنصار بعهد وثيق، هذا هو الحجر الأول من أساس الدولة الإسلامية والمسلمون يومئذ بضع عشرات، وفرضت الزكاة والصيام وأقيمت الحدود وفروض الحلال والحرام وغير ذلك من دعائم الإسلام، ثم انضم إلى المسلمين بعض وجهاء المدينة فتأيد الإسلام بهم كما تأيد من قبل بحمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب.

(٢) الغزوات

فلما فرغوا من ذلك فكروا في ما بينهم وبين أهل مكة من العداء، فعمدوا إلى مقاتلتهم، لنصرة الإسلام فحدثت الغزوات المشهورة — وهي أول الحروب الإسلامية — بدأت بالغزو والقتال على عادة العرب في جاهليتهم وانتهت بفتح المدن والممالك، وأشهر الغزوات وأهمها غزوة بدر الكبرى، لأن فوز المسلمين فيها قوى عزائمهم ونشطهم على موالاة الغزو.

(٢-١) غزوة بدر الكبرى

بدر آبار بين مكة والمدينة، تنزل عندها القوافل التجارية المسافرة بين مكة والشام، وكان القرشيون أهل تجارة تسير قوافلهم إلى الشام تحمل إليها البضائع — كما تقدم — فعلم المسلمون في السنة الثانية للهجرة أن قافلة من القرشيين أهل مكة، قادمة من الشام ومعها الأموال يخفرها ثلاثون رجلًا يرأسهم أبو سفيان بن حرب كبير أهل مكة يومئذ، فانتدب النبي أصحابه لغزو القافلة وأخذ أموالها، فبلغ أبا سفيان ذلك فعجل بإرسال رسول يطلب النجدة من أهل مكة، فجاءه منهم ٩٥٠ رجلًا فيهم مائة فارس، وخرج المسلمون وهم ٣١٣ رجلًا منهم ٧٠ من المهاجرين والباقون من الأنصار، ولم يكن معهم إلا فرسان وسبعون جملًا، وبلغهم بعد خروجهم من المدينة أن قافلة قريش قاربت آبار بدر، فسبقهم المسلمون إلى المكان وبنوا للنبي عريشًا جلس فيه ومعه أبو بكر، وتهيأ أصحابه للحرب.

ثم رأوا قريشًا مقبلين وهم نحو ثلاثة أمثالهم، وفيهم نخبة رجال مكة الذين قاوموا الإسلام وأهانوا النبي وفي جملتهم أبو جهل بن هشام، وعلم النبي أن هذه الواقعة حد الفصلين إما أن ينتصر المسلمون ويتأيد الإسلام إذا غلبوهم، وإما أن تعود العائدة عليهم إذا غلبوا، فلما رأى القرشيين قادمين في مثل هذا العدد نظر إلى أصحابه فإذا هم قليلون فقال «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض».

وباشروا القتال بالمبارزة على جاري العادة، ثم قتل أبو جهل فجاءوا برأسه إلى النبي فسجد وشكر الله، ودارت رحى الحرب فكان النصر للمسلمين، وقد قتل منهم أربعة عشر رجلًا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، وقتل من القرشيين سبعون رجلًا وفيهم من أشراف بطون قريش كلها، وخصوصًا بني أمية وبني مخزوم وبني أسد، وأسر منهم سبعون رجلًا فيهم عقبة بن أبي معيط فأمر بقتله، لما كان من أذاه النبي بمكة، وكان أكثر المسلمين جهادًا في تلك الواقعة علي بن أبي طالب ابن عم النبي وحمزة بن عبد المطلب عمه، وفر من بقي من القرشيين وفيهم أبو سفيان بن حرب رئيسهم وعمرو بن العاص الذي صار من أكبر قواد الإسلام فيما بعد، ساروا يطلبون مكة وغادروا الأموال والأمتعة فاستولى المسلمون عليها وتنازعوا في تفريقها، ففرقها النبي عليهم بالسواء ولم يأخذ لنفسه شيئًا، ثم بعث القرشيون يفتدون أسراهم، فاجتمع من ذلك مال كثير، وقد عاد أهل مكة مخذولين، فانكسرت شوكتهم وعظم أمر المسلمين، ومما زادهم تأييدًا أن أبا لهب المشهور بمقاومة الإسلام، لم يخرج يوم بدر من مكة، لكنه أرسل من يحارب عنه على جاري عادتهم في من يتخلف عن الحرب، فلما أخبروه بفشل القرشيين اشتد به الحزن حتى مات بعد بضعة أيام، ولواقعة بدر شأن عظيم في تاريخ الإسلام، لأنها كانت فاتحة الانتصارات الأخرى.

(٢-٢) واقعة أحد

ثم إن القرشيين عادوا بعد هذه الكسرة فاجتمعوا في السنة التالية، وقائدهم أبو سفيان وعددهم ثلاثة آلاف فيهم ٧٠٠ دارع و٢٠٠ فرس، وتهيأوا للأخذ بثأر قتلاهم في بدر، وساروا لمهاجمة المدينة ومعهم النساء يضربن الدفوف ويندبن قتلى بدر ويحرضن الناس على مقاتلة المسلمين، وكان في جملة رجال الحملة خالد بن الوليد الذي اشتهر بين قواد المسلمين بعد ذلك، فلما أقبلوا على المدينة تشاور النبي وأصحابه فكان رأيه البقاء في المدينة للمدافعة، ورأى مثل ذلك أيضًا رجل من الصحابة اسمه عبد الله بن أبي بن سلول، ولكن أكثر الصحابة أشاروا بالخروج عليهم، فأطاع النبي الأكثرية وخرج في ألف منهم حتى توسطوا بين المدينة وجبل أحد، وباسم هذا الجبل سميت هذه الواقعة «غزوة أحد»، وكان ابن أبي هذا قد غضب، لأن النبي خالف رأيه وأطاع الآخرين، فلما توسطوا الطريق تقهقر هو وثلث الرجال، وأشاع القرشيون في الجند أن محمدًا قتل، ففشل المسلمون ولم يظفروا في هذه الواقعة، وقتل منهم حمزة بن عبد المطلب عم النبي، وكان قتله سببًا في زيادة الفشل كما كان إسلامه مؤيدًا للإسلام، وبلغت جملة قتلى المسلمين سبعين رجلًا، وأصيب النبي نفسه بضربة شجت رأسه ودخل بعض حلق المغفر «الدرع» في الشجة فسال الدم، ومثل القرشيون بقتلى المسلمين تمثيلًا شنيعًا، فقطعوا الآذان والأنوف حتى إن هندًا بنت عتبة امرأة أبي سفيان «وأم معاوية» شقت بطن حمزة وأخرجت كبده ولاكتها فلم تستطع أن تبتلعها فلفظتها.

وكانت هذه الواقعة أشد ما أصاب المسلمين إلى ذلك الحين، لكنهم كانوا قد ذاقوا لذة النصر فنسبوا هذا الفشل إلى خيانة عبد الله بن أبي المتقدم ذكره، وعادوا إلى مواصلة الغزو حتى كانت واقعة الخندق.

(٢-٣) واقعة الخندق

وذلك أن قبائل العرب لما رأوا انتصار القرشيين في أحد تحزبوا لأهل مكة وانضموا إليهم، وفيهم قريش وغطفان وسائر قبائل العرب وبنو النضير من اليهود — وكان المسلمون قد أجلوهم عن أماكنهم كما سيأتي فحرضوا قريشًا على الحرب — وحملوا على المدينة في بضعة عشر ألفًا ونحو أربعمائة فرس وألف بعير، وهم الأحزاب وبهم تعرف الواقعة أيضًا، وكان المسلمون لا يزيد عددهم على ثلاثة آلاف، فاضطربوا وخافوا، وقد تعلموا من الواقعة الماضية أن لا يخرجوا من المدينة.

وكان في جملة الصحابة يومئذ رجل من فارس له خبرة بفنون الحرب اسمه سلمان الفارسي، فأشار على النبي بحفر الخندق — وكان العرب لا يعرفون ذلك من قبل — فقال له سلمان «كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا، فإن ذلك من مكايد الحرب» فاستحسن النبي ذلك وأمر بالحفر، وكان هو نفسه يشتغل معهم بحمل التراب، ولم يكن عندهم العدد اللازمة فاستعاروا بعضها من بني قريظة، فاحتفروا الخندق حول المدينة في بضعة عشر يومًا.

وأقامت الأحزاب حول المدينة وحاصروها والخندق يمنعهم من مهاجمتها، فقضوا بضعة وعشرين يومًا لا يقاتلون إلا بالمراماة بالنبال والحصي، وقد هالهم أمر الخندق وعلموا أنها مكيدة جديدة، على أن بعضهم حاول الوثوب بفرسه من فوق الخندق فسقط فيه واندقت عنقه، فزاد الرعب في قلوب الأحزاب، فلما طال بهم الانتظار عمدوا إلى البراز، فخرج أحدهم وطلب البراز فخرج إليه علي بن أبي طالب فغلبه علي، واتفق على أثر ذلك سقوط الأمطار وهبوب الرياح، فأثرت في خيام الأحزاب وكفأت قدورهم، وأهل المدينة في منازلهم قلما أثرت فيها الأنواء، فتشاءم أولئك وعادوا على أعقابهم، فزال عن المسلمين عار أحد بهذه الهزيمة.

(٣) الفتوح

كل ما تقدم من الحروب لا شيء من الفتح فيه وإنما هو غزو ومقاتلة، وأما الفتوح الإسلامية فأولها فتح أرض بني النضير وهم يهود، حدث حادث دعا إلى مطالبتهم بالجلاء عن بلادهم فطلب النبي أن يجلوا عنها فحاصرهم ستة أيام «سنة ٤ﻫ»، فطلبوا إليه أن يخلي سبيلهم على أن يحملوا معهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فأجابهم إلى ذلك فخرجوا وظل ما بقي من أموالهم فيئًا للنبي خاصة يعطي منه من يشاء، وكذلك حصل في قريظة وخيبر، وكان لخيبر حصون كثيرة فتحوها تباعًا.

figure
حصن خيبر.

أما القرشيون بعد واقعة الخندق فقد هان عليهم مهادنة المسلمين، فعقدوا معهم صلحًا في نحو السنة السادسة للهجرة مفاده «أن من شاء من أهل المدينة أن يقدم مكة للحج أو العمرة أو أن يجتاز بها إلى اليمن أو الطائف فهو آمن، ومن قدم من أهل مكة أو من معهم من أهل الشام والمشرق ومر بالمدينة فهو آمن».

(٣-١) واقعة مؤتة

فتفرغ المسلمون لنشر الدعوة الإسلامية، وكان لفشل الأحزاب مع كثرة عددهم تأثير شديد على قبائل العرب وعظم الإسلام في نفوسهم، فجعلوا يفدون إلى المدينة لقبول الدعوة من تلقاء أنفسهم، وفي جملة الوافدين رجلان لهما شأن عظيم في تاريخ الإسلام، هما خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وكلاهما من أشهر القواد، فاعتز المسلمون بهم واتسعت آمالهم، فأرسل النبي في السنة التالية رسله إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، في جملتها كتاب إلى المقوقس وإلى مصر، وبعث «سنة ٨ﻫ» جندًا لمحاربة الروم في الشام، فحاربوهم في قرية من قرى البلقاء في حدود الشام مما يلي حوران اسمها مؤتة، وتلك أول حروبهم مع الروم، والعرب لم يجربوا الجنود المنظمة بعد، فلم يفلحوا فعادوا إلى المدينة وقد قتل منهم بضعة من خيرة الصحابة فيهم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب أخو علي.

figure
كتاب النبي إلى المقوقس عثر عليه بعض الفرنسيين سنة ١٢٧٥ﻫ. (تفصيل ذلك في الهلال صفحة ١٠٣ و١٦٠ سنة ١٣).
وحدثت في أثناء ذلك حادثة أفضت إلى نقض الصلح بين المسلمين وقريش، فرأى أبو سفيان أنهم لم يعودوا يقوون على مناوأة المسلمين، فجاء بنفسه إلى المدينة لتجديد العهد، وأدرك المسلمون ضعف عدوهم فلم يغفلوا عن هذه الفرصة، فلما سألهم عن الصلح لم يجيبوه جوابًا صريحًا عن قبولهم إياه،١ فلما عاد إلى مكة تجهزوا على عجل لكي يباغتوها قبل أن يتأهب أهلها للدفاع، فساروا حتى أقبلوا عليها وهم عشرة آلاف وفيهم المهاجرون والأنصار وقبائل من العرب المحالفة، وكان أبو سفيان وبعض كبراء قريش قد خرجوا من مكة يتجسسون، فلقيهم العباس بن عبد المطلب عم النبي، فسأله أبو سفيان عما هنالك، فأخبره العباس بقوة جندهم واعتزاز أمرهم، فقال أبو سفيان «لقد أصبح أمر ابن أخيك عظيمًا» فأشار عليه العباس أن يستأمن، فلم يرَ لنفسه خيرًا من ذلك، فجاء معه إلى معسكر المسلمين، فأكرم النبي وفادته ومنع الصحابة من إيذائه، لأنهم كانوا ينوون الإيقاع به، وزاد في تعظيمه حتى جعل كل من يدخل بيته من أهل مكة يوم الفتح آمنًا مثل من يدخل المسجد.
figure
مسجد مكة وفي وسطه الكعبة.

فعاد أبو سفيان وأخبر أهل مكة بما كان، فاستضعفوه وخذلوه وشتموه حتى إن امرأته هند بنت عتبة أخذت بشاربيه وقالت «اقتلوا الحميت الدسم الأحمس … قبحه الله من طليعة قوم» فلم يبالِ.

ثم دخل المسلمون مكة وفتحوها، وسار النبي توًّا إلى الكعبة فكسر الأصنام التي كانت في المسجد حولها وفي جوفها، ونزع ما كان على جدرانها من صور الملائكة وغيرها، وكان ذلك آخر عهد مكة بالوثنية، وتحولت الكعبة من ذلك الحين إلى مسجد يعبد فيه الله، وأسلم أهل مكة كافة وفيهم أبو سفيان وأولاده، وفي جملتهم معاوية٢ بن أبي سفيان مؤسس دولة بني أمية.

(٣-٢) المؤلفة قلوبهم وغزو الطائف

وسمى النبي أشراف مكة الذين أسلموا بعد الفتح «المؤلفة» أو «المؤلفة قلوبهم»، إشارة إلى تأليف قلوبهم لتتألف بهم قلوب أقوامهم، تعزيزًا للإسلام، وفي السيرة الحلبية أن من المؤلفة قلوبهم من تألفهم النبي ليسلموا مثل صفوان بن أمية، ومن تألفهم لدفع شرهم، وكان يتألفهم جميعًا بالعطاء فيميزهم به عن سائر الصحابة كما سترى، وفي ذلك من حسن السياسة والحلم وسعة الصدر ما فيه.

وبعد فتح مكة بعث النبي سراياه إلى ما حولها يدعو الناس إلى الإسلام، ثم غزا حنينًا والطائف، وشتان بن مجيئه إلى الطائف الآن ومجيئه في أول دعوته، لقد جاءهم يومئذ مستنصرًا وجاءهم الآن فاتحا، فغلبهم وغنم غنائم بلغ مقدارها ٢٤٠٠٠ من الإبل و٤٠٠٠٠ من الغنم و٤٠٠٠ أوقية من الفضة، فلما عمد إلى تفريقها في أصحابه بدأ بالمؤلفة قلوبهم فأعطى أبا سفيان مائة بعير وأعطى ابنه معاوية مائة بعير وابنه يزيد مائة بعير وأعطاهم الفضة، فكان جملة ما أخذه أبو سفيان وأولاده ثلاثمائة بعير ومائة وعشرين أوقية من الفضة، فقال أبو سفيان «بأبي أنت وأمي يا رسول الله لأنت كريم في الحرب وفي السلم».

(٣-٣) عتب المهاجرين والأنصار

وفعل النبي نحو ذلك في سائر الأشراف مثل الحارث بن هشام أخي أبي جهل المشهور وصفوان بن أمية وغيرهما، فشق ذلك على المهاجرين والأنصار وهم دعامة الإسلام وأهل السابقة، فكيف يتركون وتفرق الغنائم في من لم يسلموا إلا مكرهين بعد أن غلبوا على مدينتهم؟ فتشاكى الصحابة في ما بينهم وقالوا «كيف يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا لا تزال تقطر من دمائهم؟» فبلغ ذلك النبي فجمعهم وسألهم فاعترفوا له بما قالوا فصوب قولهم ولكنه قال لهم «إني لأعطي رجالًا حديثي عهد بالكفر أتألفهم ليحسن إسلامهم ويسلم غيرهم تبعًا لهم، وأما أنتم فوكلتكم إلى إسلامكم الثابت الذي لا يتزلزل، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم؟ …» وقال مثل ذلك للمهاجرين فارتضوا.

ثم عادوا إلى المدينة في نحو السنة التاسعة للهجرة وقد اعتز جانبهم وذاع أمر سلطانهم في كل جزيرة العرب، فجعل الناس يفدون على المدينة يدخلون في الإسلام.

(٣-٤) محاولة فتح الشام

فلما اعتز المسلمون ودانت لهم جزيرة العرب كلها تقريبًا، عادوا إلى توسيع دائرة الفتح، فأمر النبي سنة ٩ﻫ بالتجهز لإعادة الكَرَّةِ على الروم، فجهزوا جندًا عدده ثلاثون ألفًا فيهم عشرة آلاف فارس، وتلك أكبر حملة استطاعها المسلمون إلى ذلك الحين بذلوا فيها كل ما في وسعهم من المال والرجال، ولكنهم لقوا في الطريق شدة عظيمة من العطش، فنزلوا قرية بين المدينة والشام اسمها تبوك وهم يظنون الروم يجتمعون إليها ومعهم عرب لخم وجذام، فجاءهم صاحب أيلة «وهي مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام في رأس خليج العقبة» فصالحهم على الجزية، وفي أثناء هذه الحملة سطا خالد بن الوليد على صاحب دومة الجندل بين المدينة ودمشق، على سبع مراحل من هذه وهو عربي نصراني من كندة، فأخذه خالد وقتل أخاه وأخذ منه قباء من ديباج مخوصًا بالذهب وأرسله إلى المسلمين، فلما رأوه تعجبوا منه لأنه أول عهدهم بمثل هذه الملابس، ثم عادوا إلى المدينة ولم يفتحوا شيئًا من بلاد الروم.

وفي السنة الحادية عشرة للهجرة توفي صاحب الشريعة الإسلامية، والإسلام لا يزال حديثًا، فسعى الذين حط الإسلام من نفوذهم أو وقف في سبيل أغراضهم فارتدت معظم قبائل العرب عنه، إلا أهل المدينة ومكة والطائف، وأصبح الإسلام في خطر شديد، لو لم يتداركه أبو بكر.

١  أبو الفدا ج١ ص١٩٨.
٢  السيرة الحلبية ٨٠ ج٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤