ملك القطن

المنظر

(حوش أمام بيت السنباطي. البيت بناؤه مُرتفِع وبابه عبارة عن بوابة ضخمة وواسعة، لدرجة أنه من المُمكِن رؤية ما يدور داخل البيت. البوابة في الوسط. باب الحوش إلى اليمين. إلى اليسار باب صغير آخر يؤدِّي إلى ملحقات البيت. الحوش به أكياس قطن نائمة وواقفة. في الركن الأيمن حامل (شاليش للسيبية) منصوب على ثلاثة عروق خشب تربطها طارة من حديد. هناك كيس معلَّق إلى بوابة البيت، وجارٍ «حشوه». محمد ابن قمحاوي داخله وأمه طوال الوقت تملأ قفة بالقطن من المخزن في الداخل، وتناول ابنها الذي يحشو.)

(يُفتح الستار على عوض وسعد زغلول يَلعبان على الأكياس القريبة من الباب. السنباطي جالس على كيس في الوسط. الزوجة تَخيط جلبابًا لابنها الكبير على ماكينة خياطة برجْلٍ قديمة، ولها صوت مُزعِج. والماكينة موضوعة قريبًا من البوابة.)

الوقت

(قبيل غروب أحد أيام أكتوبر.)

(السنباطي جالس إلى كيس في الوسط يرتدي جلبابًا إفرنجيًّا أبيض، وعاريَ الرأس، وواضعًا ساقًا فوق ساق، ومنهمكًا في الحساب في دفتر ببرواز أحمر معه. يحسب أحيانًا، وأحيانًا يضع القلم بين أسنانه، يُكلِّم نفسه، ولكنه يوجه الكلام بحيث يبدو وكأنه يكلم كيسًا من الأكياس.)

السنباطي : مصيبة … واللهِ، أكبر مصيبة! مطلوب مني النهاردة ٢٥٠ جنيه، والقطنية كلها مش محصلة ٢٠٠. أروح فين وآجي منين ياخواتي؟
نظيرة (تُوقِف ماكينة الخياطة، وتتأمل ما كانت تخيطه وهي تغني) :
وبتسأليني باحبك ليه؟
سؤال غريب ما أجاوبش عليه!
جلابية كمال قرَّبت تخلص أهه، والنبي اسم الله فيها. تعالى يا سنباطي وحياتك أما أقيس ياقتها عليك لحسن بسلامته نايم.
السنباطي (لنفسه) : أروح فين وآجي منين يا ناس؟
نظيرة : إنت موش سامع؟ باقول لك تعالى أقيس الياقة عليك.
السنباطي : إيه؟
نظيرة : إعمل لي تايه عاد زي عوايدك. تعالى هنا (يذهب إليها السنباطي وهو يهز رأسه، ويحرك يديه).
نظيرة : إلبس كده.

(يحاول أن يرتدي الجلباب فلا يعرف.)

حتى الجلابية ما انتاش عارف تلبسها؟ مصايب إيه دي يا أخواتي! إيه الخيبة دي؟ إوعى كده.
(تلبسه هي الجلباب) ياخي بلا حزن (يحاول السنباطي أن يخفض رأسه ليتفرج على الجلباب).
نظيرة (ممسكة بالياقة وتكاد تخنقه) : بص لفوق، عايز تشوف إيه؟
السنباطي : بس أتفرج على الديل يا شيخة.
نظيرة : وانت مالك ومال الديل؟ دي بتاعة كمال. وانت مالك ومال ديلها؟ بص لفوق.
السنباطي (ووجهه إلى أعلى) : أروح فين يا ناس وآجي منين؟ القطنية قال! الواحد طول السنة يقول القطن القطن. بدلة لسعد في القطن، جزمة لكمال في القطن، حقن للضغط في القطن، وآدي القطن.
نظيرة : إنت بتعمل مقدمات؟ عمال تلت وتعجن ليه؟ اسمع يا سنباطي، آني بأقول لك أهه، آني ماليش دعوة، تطلع السما (تجذب الياقة إلى أعلى)، تنزل الأرض (تجذب الياقة إلى أسفل)، تروح يمين تروح شمال (تدير رأسه إلى اليمين واليسار) آني ماليش دعوة. والله العظيم الكردان بتاعي إن ما إيجه السنة دي لعاملة اللي ما يعمل (تخنق عليه).
السنباطي : الله! يا شيخة حاتفطسيني، حاسبي، إيه ده؟
نظيرة : آني عايزة الكردان وبس (تخنق عليه).
السنباطي : يا شيخة إعقلي، ابن قمحاوي جوه الكيس بيحشي ليسمع بقى يبقى مش كويس.
نظيرة : ماليش دعوة.
السنباطي : والبنك اللي له ١٥٠ جنيه؟
نظيرة : ماليش دعوة.
السنباطي : والمدارس؟
نظيرة : يتحرقوا بجاز.
السنباطي : والأبواب السبعة اللي مفتوحين على آخرهم؟ بس اوعي تخنقي. ولسه دور قمحاوي راخر، كل المزارعين اتحاسبوا في أمانة الله إلا هوه، آني عارف دوشته بتاعة كل سنة. كل سنة لازم يبقى يوم حسابه يوم سواد. (ينظر إلى عوض ابن قمحاوي) هو أبوك راح فيه يا وله؟
عوض : راح يصلي.
السنباطي : وده وقته؟ موش نلم للتاجر محصوله، ويبقى يروح مطرح ما يروح، امشي يا واد روح انده له.
عوض (لسعد ابن السنباطي) : إن كنت ابن أمك وأبوك صحيح اطلع على الكيس من غير ما تمسك بإيديك.
سعد : وإيه يعني؟ هه.

(يحاول الصعود.)

السنباطي (يهم بأن يعاود النداء، ولكنه ينتظر نتيجة محاولة ابنه. وحين يفشل يصرخ في عوض) : امشي يا واد انده أبوك. امشي روح.
عوض (لسعد) : موش قلت لك موش حاتعرف تطلع؟ بص لي شوف! هيو الله (يصعد الكيس مرة واحدة).
السنباطي : امشي جاك وجع في بطنك. امشي.
عوض : تعالى ننده أبويا يا سعد.
سعد : لأ.
عوض : هاودني.
سعد : اللأ.
السنباطي : إنت بتقول له يا سعد حاف يا وله؟ قول له يا سي سعد يا وله، امشي يا كلب.
عوض (لسعد) : طيب حاعمل قطر (يقلد صوت القطار) تش تش (ويجري خارجًا).
سعد : طيب خليني أنا الراس (يجري وراءه) أنا الراس وانت السبنسة. امسك في ديلي وخليك السبنسة.
نظيرة (تكون في تلك الأثناء مشغولة بمساواة الذيل. وتعود لقياس الياقة لآخر مرة) : إنت حر. أنا قلت لك وانت حر. تنقطع إيدي آني اللي مديتها لك بالكردان وانت داير لايص، آني اللي أستاهل. الواحدة تبقى قاعدة في وسط النسوان زوعة. إن رحت في فرح والا في ميتم لم ألق حاجة ألبسها. بقى النسوان تبقى من هنا لهنا صيغة، وآني ما ساوتش مرات عبد الحميد اللي من جنس الغوايش بتلبس دستة. هو آني ماليش نفس؟

(تشدد من قبضتها على رقبته، ويحاول أن يتخلص من يديها، فتترك القياس وتنهار على الماكينة، وتَهُم بالبكاء.)

هو آني انكتبت في خانة المنسيين؟
السنباطي : إلاه يا نظيرة!
نظيرة : آني عاد لي قيمة في البلد؟ (تنفجر باكية).
السنباطي (يغير طريقته فورًا، يطبطب عليها) : حاضر حاضر. من عيني دي ومن عيني دي. كردان وحلق وكل اللي انتي عاوزاه إن شالله أبيع الفدانين اللي حيلتي. آني أقدر على زعلك؟ بس اروح فين يا ناس وآجي منين؟

(يَلمح قمحاوي داخلًا من باب الحوش.)

طيب خشي بقى لحسن الراجل إيجه.
نظيرة (تكف عن البكاء، وتنظر إلى الناحية التي أقبل منها قمحاوي شذرًا. تتمتم بلا حماس) : هو يعني ده راخر الواحدة تستخبى عليه؟ يا خي بلا نيلة وسخام عالي.

(تتهادى إلى البيت بلا حماس.)

(يدخل قمحاوي مرتديًا سروالًا طويلًا يمتد إلى ما تحت الركبة بكثير وصديري، وله شارب أشيب، وذقن نامية، ويمشي على الدوام منحنيًا. وعلى رأسه عمامة متسخة. وكلامه همهمة، وحين يراه السنباطي داخلًا ينهمك، وهو لا يزال مرتديًا جلباب ابنه فوق جلبابه، في الكتابة والتحديق في الدفتر. يمر به قمحاوي، وهو لا يزال يتمتم بختام الصلاة، ويتجاوزه دون أن ينطق حرفًا، وينحني على فصوص القطن المبعثرة على الأرض، ويلتقطها ويضعها في يده.)

السنباطي (بعد أن ظلَّ فترة من الزمن منحنيًا على الدفتر منتظرًا أن يُحييه قمحاوي بلا فائدة) : ياخي قول سلام عليكم. إنت داخل على أموات؟
قمحاوي (يرفع صوته بختام الصلاة) : لا إله إلا الله محمد رسول الله. أشهد أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، اللهم يا ذا الجلال والإكرام. آمين (يرفع كفيه ويملِّس بهما على وجهه، ويكون القطن لا يزال في يده، فيملس به على وجهه أيضًا. يلتفت إلى السنباطي) السلام عليكم.
السنباطي (متجاهلًا سلامه) : كنت فين؟
قمحاوي : كنت باخطف العصر قبل الشمس ما تحج (ينهمك في لمِّ القطن المبعثر وتنظيفه وإمساكه بيده).
السنباطي : إنت موش عايز حسابك ولا إيه؟
قمحاوي (منصرفًا تمامًا إلى لمِّ القطن المبعثر، يقول وهو ما زال منحنيًا) : حد يكره قبض الفلوس؟
السنباطي : طيب. اسمع حسابك يا سيدي، (يقلب في الدفتر) قمحاوي أبو إبراهيم، قمحاوي أبو إبراهيم، (يبل إصبعه ويقلِّب الصفحات) قمحاوي أبو إبراهيم، (يُلصق الدفتر بعينيه) أيوه، شوف يا سيدي، إحنا صح لينا من زرعتك ٩ قناطير، و٣٠ رطل، ينوبك منهم التلت يعني تلات قناطير وعشرة أرطال، والقنطار بعناه بعشرين يبقى لك ٦٢٠٠ قرش، يعني يا سيدي اتنين وستين جنيه.
قمحاوي (يتوقف عن لمِّ القطن ويلتفت بفرحة) : كام يا أفندي؟
السنباطي : اتنين وستين جنيه.
أم محمد (وهي غادية رائحة باستمرار تملأ القفة وتفرغها قطنًا. طويلة ورفيعة جدًّا وسمراء جافة كعود القطن الجاف. تسمع الرقم فتتوقَّف وتزعق. وكلامها دائمًا زعيق كصراخ العرسة) : والمصحف الشريف إن ما عرشت الدار السنة دي، لآني سايبهالك وماشية.
محمد (من داخل الكيس) : وآني يابا عاوز اتجوز.
قمحاوي (ينفض يديه بشدة؛ ليُسكتها) : بتقول كام يا فندي؟
السنباطي : قلنا ده اللي ليك (٦٢ جنيه) واللي عليك. أروح فين يا ناس، وآجي منين؟
قمحاوي (يتحفز) : أيوه؟
السنباطي : شوف يا سيدي، لك ٦٢ جنيه، وعليك يا سيدي يا سيدي (وبهزار) ولا سيدك إلا أنا (يقرب الدفتر من عينيه) آه، وعليك ٧ جنيه تمَن شوالين كيماوي. سامع؟
قمحاوي (تنفك عقدة وجهه الخالدةُ للمرة الأولى والأخيرة، ويحاول أن يستظرف) : أيوه، سامع يا افندي، ما بلاش اللي علينا، وخليها اكده واكده.
السنباطي : اسمع تاني اللي عليك وانت ساكت. قلنا: ٧ جنيه تمن شوالين كيماوي.
قمحاوي : سبعة ليه يا افندي؟! إذا كان الحكومة بتبيع الشوال بتلاته وربع.
السنباطي : أصلي شاريهم من السوق السودة، زي ما انت عارف.
قمحاوي : سوق إيه؟
السنباطي : السوق السودا.
قمحاوي : سوق إيه يا خويا دي؟ تبقى يوم إيه؟ السبت ولَّا الحد ولَّا يوم إيه؟
السنباطي : يا جدع دي موش سوق. يعني شاريهم بره التسعيرة من واحد، فلازم ياخد فيهم حق الدخان، ولَّا إيه؟
قمحاوي (يهز رأسه علامة قلة التصديق ثم يقول) : وغيره؟
السنباطي : وعليك يا سيدي ٢١٥ ساغ تمَن البذرة. ماشي؟
قمحاوي : ماشي.
السنباطي (في سره) : يا مسهل يا رب. (ثم لقمحاوي) وسلفية اتنين جنيه لزوم أنفار لجني القطن. الاتنين جنيه اللي خدتهم يوم السوق اللي قبل اللي فات.
قمحاوي : وانت مش عايز يا افندي تشيل في الجمع؟
السنباطي : يا راجل يا شايب اعقل. إنت عايز تطلع شرع لروحك، هو فيه مالك في الدنيا بيشيل في الجمع؟ موش كله على المزارع؟
قمحاوي : هو المزارع كفر يا ناس؟ اشمعنى امَّال المالك بياخد على الجاهز.
السنباطي : والله احنا كده. الناس كلها كده. وان كان عاجبك (ثم بصوتٍ حاسم) وعليك ٨٠ ساغ من تقاوي الغلة اللي فاتت و٤٠ قرش إيجار عدد ٤ كيس لجني القطن.
قمحاوي : لإيه؟
السنباطي : لجني القطن.
قمحاوي : وجني دي إيه يا أفندي؟
السنباطي : يعني جمع القطن يا سي قمحاوي.
قمحاوي (يضحك فجأة ويقهقه عاليًا) : والله عجايب، عشنا لما بقى الجمع جني.
السنباطي : وعليك يا ابو محمد ٤٠ قرش طرق.
قمحاوي (جادًّا) : طرق إيه؟
السنباطي : إلاه يا قمحاوي، إنت كل سنة تعمل الموشح ده؟ طرق يا أخي بتاعة كل سنة؟
قمحاوي : ماني يا أفندي كل سنة بادفع الطرق السودة دي. آني مالي ومالها؟ إنتو اللي بتركبوا العربيات اللي بطوط على السكة الزراعية. وآني طول طول عمري باسرع واروح من على قيد الصيايمة. يعني هم اللي حقيتهم ياخدوا مني طرق. آني مالي ومال الطرق دي؟
السنباطي (بشخط) : ما هو آني عارف يومك المهبب ده مش ح يفوت. كل سنة ترازي فيه المرازية دي. يا جدع حرام عليك، آني عندي ضغط، وكلمة زيادة وأموت. إنت عاوز تموتني؟ إنت عاوز تقتلني؟ يا قمحاوي، يا أبو إبراهيم، كل سنة ليك الدور ده؟ أروح فين يا ناس من الراجل ده وآجي منين؟ اسمع. آني موش عاوز ولا كلمة، آني حا أقول لك على الحساب كله مرة واحدة، وموش عايز ولا كلمة. وعليك عشرة جنيه إيجار الدرة الصيفي بتاعة حوض الساقية، و٦٠ ساغ محاضر دودة.
قمحاوي : والمحاضر كمان!
السنباطي (مقاطعًا) : ولا كلمة، يبقى كله كام؟ كله كام يا سنباطي ٥ و ٨ تلاتاشر، و۳ ستاشر (يستحيل كلامه إلى همس، ويشير بقلمه إلى عملية جمع مجموعة أمامه، وكأنه يجمعها من جديد) شوف يا سيدي، عليك ٥٦٦٠ قرش، يعني ستة وخمسين جنيه وستين ساغ خصمًا من أصل المبلغ، يبقى لك ٥٤٠ قرش.
قمحاوي (يظهر على وجهه الوجوم الشديد. ثم لابنه داخل الكيس) : ما تدك الكيس كويس، دُك يا واد الحتة الطرية دي خلينا نخلص، دك يا واد، دك يا واد، ياني يا اللي عايز تتجوز! دك.
السنباطي : إنت موش سامع ولَّا إيه يا قمحاوي؟
قمحاوي : دك يا جحش بكعبك.
السنباطي : قمحاوي.

(قمحاوي: ينظر إليه ولا يتكلم.)

السنباطي : ما انتاش سامع؟
قمحاوي : سامع إيه يا أفندي؟
السنباطي : الحساب.
قمحاوي : حساب إيه؟
السنباطي : حساب القطن.
قمحاوي : قطن إيه؟ (يلتفت إلى الكيس) يا واد هنا هه. إنت انطرشت؟
السنباطي : قطن إيه إيه؟ حسابك يا أخي. باقي لك خمسة جنيه واربعين قرش.
قمحاوي (يغمض عينيه ويواجه السنباطي) : بتوع إيه؟
السنباطي : اللي باقي لك من القطن.
قمحاوي : يفتح الله.
السنباطي (بهزار) : وجع بطنك. إحنا بنهزر؟ يفتح الله إيه؟ اللي أبوه حساب ما يموتش. هو أنا جبت حاجة من عندي؟
قمحاوي : حد عارف؟
السنباطي : اسمع يا قمحاوي. خلي عقلك في راسك واتكلم كويس. إنت انهبلت؟ كلام إيه ده؟
قمحاوي : كلام ما كلامشي، أنا يا افندي زرعت القطن، ونقيته من الدودة وجمعته، وجبته لغاية باب الدار. فلوس مانيش عايز فلوس، ورزقي على الله.
السنباطي : أصلك كبرت يا راجل، وبقيت تخرف. والله كل سنة بتكبر وتخرف. هي دي أول سنة؟ إنت بتزرع لينا بقالك عشرين سنة. إنما الظاهر إنك كبرت.
قمحاوي : آني موش عاوز فلوس. إن الله الغني. خليهم زكاة عن العيال.
السنباطي : إنت حاتزكي عليَّ يا قمحاوي؟
قمحاوي (منفجرًا) : ما أزكيش ليه؟! إذا كانت الدنيا خربت، بقى ٣ فدن قطن، اقعد ست تشهر مغروز فيهم لما انقطم وسطي، وفي الآخر ينوبني خمسة جنيه؟! يرضيك كده يا ربنا؟ إنت شايف أهه. يرضيك؟ إن كان ده يرضيك آني راضي.
السنباطي : اسمع يا قمحاوي، آني راجل ضلالي؟
قمحاوي : إنت سيد الناس كلها.
السنباطي : ذمتي واسعة؟
قمحاوي : معاذ الله.
السنباطي : والنبي يا شيخ لما يكون المليم ح يحييني، حد الله بيني وبينك. (ثم صائحًا) أنا ما حدش في بلدك كلها حداه شرف زيي، وآدي حسابك أهه، إن كان فيه مليم زيادة يبقى بعشرة جنيه. إنما كلام كتير ما احبوش.
قمحاوي : اسمع يا افندي، آني حدايا كلمة واحدة بس: حسابك ده موش داخل عقلي. ظلم إيه ده يا ناس؟ هي الدنيا خلص منها العدل؟ أشتغل ست تشهر آني ومراتي وولادي واللي اكريهم وكل ده بخمسة جنيه؟! يا ناس، الواحد يقتل له نفر ويروح اللومان؟! هو ما فيش عدل يا خلايق؟

(يخرج من المسرح وهو يصرخ ويتوعد.)

السنباطي : الواحد كل سنة يقول: فُضَّك يا وله من قمحاوي وشورته، ما فيش فايده، والنبي يا أبو شيبة عكرة لتكون السنة دي آخر سنينك. أعوذ بالله! دا ولا حساب الملَكين. يا سعاد، يا بت يا سعاد، هاتي حبة حمرة يا بنتي، هاتي حبة حمرا. ولَّا على إيه اتعبك يا بنتي؟! أروح انا اجيبها.

(يدخل إلى المنزل.)

سعاد (تدخل من الباب الصغير الذي على اليسار. ترتدي جلبابًا منزليًّا فلاحيًّا، وتمضغ لبانة ولها ضفاير) : مين اللي كان بينادي؟

(تتلفت فلا تجد أحدًا.)

محمد (بهزار) : أنا اللي بنادي عليكي يا ست سعاد، لما حِسِّي اتنبح.
سعاد : إنت؟ ياخي نادتك أختك (بتمثيل) وعايز إيه حضرة جنابك؟
محمد : عايز تحنِّي بنظرة على اللي حب ولا طالشي. آني من السنة للسنة يا ست سعاد باستنَّى يوم الحشي زي ما باستنى العيد؛ بس علشان خاطر اقدر اخش هنا ليلة واشوفك.
سعاد (بدلع) : إيه قلة الأدب دي؟
محمد : والنبي الفطيرة اللي بعتي لي حتة منها مع اخويا ما دقتها. لسه صاررها في منديل، وشايلها في جيبي.
سعاد : شايلها ليه؟
محمد : علشان كأني شايلك في جيبي. أصل انتي عندي زي الفطيرة الغلة، اللي كلها سمن وسكر.
سعاد : وانت عندي زي الرغيف الحاف الناشف.
محمد : والنبي يا ست سعاد نفسي أغمس لقمة.
سعاد (باستنكار ودلع) : تغمس إيه؟ فشرت.
محمد : وحياة النبي، لقمة واحدة وبس. آني ميت من الجوع.
سعاد : إيه؟ جيت أشمه كلته كله؟!
محمد : أبدًا والمصحف الشريف، لقمة واحدة ما في غيرها.
سعاد : وجبت لي إيه امال بدل الفطيرة؟
محمد : حاجيب ليكي إيه؟ مخ بصل؟
سعاد : آني موش عايزه بصل.
محمد : أمال انتي عايزه إيه؟
سعاد : آني عايزه انزاح من البيت ده.
محمد : آخدك طوالي بس ارضي.
سعاد : أبويا عايز اللي ياخدني من هنا، يا يكون أفندي، يا صاحب طين.
محمد : أمال انتي عايزه اللي ياخدك مين؟
سعاد : أي واحد، بس عايزه اطلع من هنا.
محمد : يعني آني ما انفعش؟
سعاد : آني اللي ياخدني يكون طول العرق اللي في الصالة وتخنه وسرح زيه.
محمد : وآني ما أنفعش؟
سعاد : إنت طول العرق؟
محمد : آني طوله وطوله، واطول منه كمان.
سعاد (تضحك) : تبقى تنفع.
محمد (يمد يده من داخل الكيس) : والنبي لقمة واحدة بس؛ أصلي ميت من الجوع، واحدة ما في غيرها.
سعاد (تضربه) : إوعى.
محمد : آي (صناعية).
سعاد (تنفجر ضاحكة وتنهال على الكيس ضاربة) : هه هه هه.
محمد : آي! والنبي ضربك حلو يا ست سعاد، والنبي ما تبطلي ضرب. (سعاد تلمح أمه مقبلة حاملة القفة، فتتركه وتدخل) والنبي ضربك زي أكل الزبيب يا ست سعاد، كمان والنبي، اضربي كمان، بالقوي هنا.
أم محمد (تسمع هذا الكلام وتنظر إلى ظهر سعاد المختفي) : يه. يادي الندامة! (تبحث بعينها حتى تجد قنو بلح الذي يستعمل كمِقشات في القرى، فتنزل المقطف، وتتناول القنو وتنهال على الكيس ضربًا).
محمد : آي. أيوه، أهو الضرب ده منجه، والنبي منجه، وده موز. أي، دي سباطة موز بحالها. الله! جرى إيه يا ست سعاد؟ ده الضرب ده جوافة، يا خرابي! ده بقى فجل يا ولاد.
أم محمد : عامل لي رمرم يا ابن قمحاوي؟ ياخي استنى لما توكل روحك. (تضربه) خد كل يا خويا، خد حلِّي.
محمد : الله! الله الله! إعقلي يا ولية، القنو بيوجع يا مرة. اسكتي والنبي لحسن أنط في بطنك.
أم محمد (ترمي القنو) : إيه الحدوتة دي يا وله؟ إنت مالك ومالها؟ إحنا قد بنت السنباطي؟ إنت انهبلت في عقلك يا وله، ودي تستعناك تشيل شبشبها؟
محمد : اسكتي يا وليه بلاش دوشة فاضية. إيه يعني بنت السنباطي؟ أمال لو عرفتي اللي فيها؟
أم محمد : فيها إيه يا اللي خالك حسن ابو جمعة الاهبل؟
محمد : أصل ابنك ولد يا مرة، والنبي دي لو أعوز، تلف ورايا الدنيا.
أم محمد : على إيه؟ من قلة الندى.
محمد : هو آني موش راجل زي بقيت الرجالة؟
أم محمد : هي يا واد الحكاية حكاية رجالة؟ إنت فلاح وهي ست.
محمد : والله ما انتي عارفة حاجة. أهي الست إن عليت ولَّا وطيت عايزة راجل وخلاص، وآني فلاح، إنما راجل. وهي ست ست، إنما يعني إيه؟ موش بنت زي بقيت البنات؟ دي بعتت لي فطيرة يا مرة، والنهاردة جابت لي كباية شاي.
أم محمد : يا واد، انت لسه طايش وعقلك فارغ، شوف خالك مين وخالها مين؟
محمد : إحنا في الاخوال يا شيخة؟ إذا كانت هي راضية، يبقى مالي آني ومال خالها وخالي؟
أم محمد : دي عايزه سرايا يا وله، حاتنيمها على ضهر الفرن؟ انحط وشوف لك واحدة تقدر عليها وتقدر تشغَّلها. دي يا وله حاتشيل تبن؟! دي حاتحش برسيم؟! دي حاتكنس الدار، وتترب ورا البهايم؟! دي يا وله اللي ياخدها لازم يستتها.
محمد : أصلك هبلة من بتوع زمان، والنبي ليلة واحدة وياها، واخليها لك تقوم من الفجر على الغيط، ويعني حايجرى إيه إن عازت خدمة؟ إن عازت يا ستي، أكري لها واحدة.
أم محمد (تمسك بالقنو وتضرب الكيس) : كنت اكري لأمك ياخي جتك حزن النيلة (تلمح السنباطي خارجًا، فتأخذ القفة وتدخل).
محمد : والنبي لمجوزها وإن وقف أبوها قدامي لقاتله.
السنباطي (يسمع ما قاله محمد) : هي مين يا واد اللي حاتجوزها وتقتل أبوها؟
محمد : دي واحدة كده من العزب التحتانية يا افندي.
السنباطي (يغمغم) : ياخي جاتك داهية انت وابوك. أروح فين يا ناس وآجي منين؟ (يلمح قمحاوي والشوادفي قادمَين) ورايح جايب لي فردة بُلغة قديمة علشان يحاسب له. الحاج شوادفي قال؟ تفوه. (يبصق، ثم يرفع صوته) مين؟ الحاج شوادفي؟ ده نور إيه ده؟ ده حلم ولَّا عِلم يا ولاد؟ يا تُلتميت مرحبه، أهلًا وسهلًا، اتفضل.
شوادفي (يدخل مرتديًا جبة قديمة وقفطانًا قذرًا، وطربوشًا. في الخمسين، وحليق اللحية والشارب، وفي يده مِسبحة مكونة من ألف حبة. ويمشي منحنيًا وصوته ضعيف ويقرب من الخَنافة) : السلام عليكم.
السنباطي : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. يا ألف مرحبه، اتفضل، كراسي يا بنت. كراسي يا ولد.

(يقول هذا فلا يظهر بنت ولا ولد.)

الحاج : وعلى إيه يا سنباطي أفندي؟ خليها كده أحمدي، نقعد هنا على الكياس أحمدي.
السنباطي : والله لا يمكن. كراسي، كراسي يا بنت، كراسي يا ولد.
الحاج : وحياة قبر الرسول ما آني قاعد إلا هنا.
السنباطي : يا حاج شوا …
الحاج : خلاص! حلفنا.

(الشوادفي يجلس على الكيس، وعلى الكيس المقابل يجلس السنباطي، ويجلس قمحاوي القُرفصاء على الأرض.)

السنباطي : قهوة ولَّا شاي؟ ولَّا نجيب كاكولا ساقعة حالًا من الدكان؟
الحاج : ولا حاجة بتاتًا.
السنباطي : والله ما يمكن، قهوة ولَّا شاي؟ حلفت.
الحاج : وآني حلفت.
السنباطي : ع الريحة ولَّا زيادة؟
الحاج : خليها سادة بقى وأمرنا لله.
السنباطي : قهوة سادة حالًا يا بنت.
نظيرة (من داخل البيت، بصوتٍ منخفض، ولكنه مسموع) : أيوه هناك، عامل لي يا أبو علي ياخي؟ على مهلك شوية، والنبي ما يدوقها، ده ما بيهونش عليه اللضى.
السنباطي : أهلًا وسهلًا.
الحاج : أهلًا بك.
السنباطي : نورتنا.
الحاج : الله ينور عليك.
السنباطي : رِجل عزيزة.
الحاج : يعز مقدارك.
السنباطي : يا تلتميت ألف مرحبه.
الحاج : الله يحفظك يابو كمال. الله يحفظك.
السنباطي : أهلًا وسهلًا.
الحاج : أهلًا بك.
السنباطي : نورتنا.
الحاج : الله ينور عليك، ربنا يجعله عامر.
قمحاوي (مقاطعًا) : بتقول حسابنا كام يا افندي؟
السنباطي : حساب إيه دلوقت يا قمحاوي؟ ياخي استذوق شوية.
الحاج : استنى شوية يا قمحاوي.
قمحاوي : الشمسة غطست يا افندي، والدنيا اتأخرت، وبكرة حدانا إن شاء الله تخضير.
السنباطي : هي الدنيا طارت؟
قمحاوي : طارت ولَّا ما طارتشي يا افندي، عايزين نخلص. الحاج شوادفي حضرته خير. خلصنا.
السنباطي : تبقى انت جايبه علشان كده يعني؟
الحاج : أبدًا والله، موش جاي علشان كده بتاتًا. آني جاي بس أقول لك سلام عليكم.
قمحاوي : حاعمل إيه؟ آني راجل لا باعرف اقرأ ولا اكتب، ولا بافهم في حساباتكو دي. والحاج موش غريب، أهو كبير عيلتنا ويقرب لك، وآدي انتو أفندية زي بعض، تعرفوا تحاسبوا بعض.
السنباطي : طيب هو قريبي صحيح، إنما يقرب لك انت منين؟
قمحاوي : أمال إيه؟ هو الدم يبقى ميه يا ولاد؟ موش تبقى المرحومة أمه من الشلاقمة، والشلاقمة اخوال جدي؟ هو الدم يبقى ميه يا ولاد؟
السنباطي : كده يا حاج؟
الحاج : أظن كده. أظن كده على ما أظن. كان المرحوم أبويا يقول لي كده. على العموم المسألة موش غريبة بتاتًا. كلمتين ونخلصها وننتهي.
السنباطي : يا راجل وده يصح؟ والله ما نتحدث إلا بعد القهوة. القهوة يا بنت.
الحاج : معلهش والنبي، لحسن آني كنت صايم النهاردة، وتعبان. إنت عارف، أصلي باصوم الاتنين والخميس بقالي ٢٢ سنة.
السنباطي : يا سيدي الحكاية بسيطة (يفتح فمه ويغلقه وكأنه يتكلم).

(يدخل ابن السنباطي سعد، وابن قمحاوي عوض، وهما على هيئة قطار؛ سعد هو الرأس، عوض ممسكًا ذيله.)

عوض : إنت طول السكة عامل راس وآني سبنسة. خليني أعمل آني راس شوية.
سعد : اللأ.
عوض : والله ما خليتني ماني عنت لاعب وياك.
سعد : لا. حاتلعب ورجلك على رقبتك.
عوض : والله ماني عنت لاعب إلا إذا عملت الراس.
سعد : تبقى جبان.
عوض : إنت اللي جبان، طول السكة عاملني سبنسة، ومش عايزني أعمل راس أبدًا، هي فوضى؟
سعد : والله إن ما رضيت تبقى سبنسة إلا شاتمك.
عوض : والله ماني لاعب إلا لما اعمل راس.
سعد : العب يا ابن الكلب.
عوض : لا، إلا أبويا. والله العظيم إن ما سكت لاوريك.
سعد : حاتعمل إيه يعني؟ طب هه. يلعن أبوك.
عوض : شاهدين؟ شاهدين؟ طيب يلعن، يلعن أبوك انت.
السنباطي : آدي الحكاية يا سيدي.

(يلتفت فجأة ويقوم واقفًا.)

يلعن أبوه إزاي يا ولد؟ إزاي تشتمه يا وله؟
عوض : ما هو، ما هو هو اللي شتمني الأول.
السنباطي : ولما يشتمك يا صرصور تشتمه؟
عوض : أمال يقول لي يلعن أبوك ازاي؟ هو أبوه أحسن من أبويا؟
السنباطي : هو أبوه مين يا وله؟ إنت عارف أبوه مين؟
عوض : أيوه عارف. ابن السنباطي افندي.
السنباطي : مين السنباطي ده يا وله؟
عوض : آني عارف؟ آني ما فيش حد أحسن من أبويا، اللي يلعن أبويا ألعن أبوه.
السنباطي : إمشي داهية تلعن أبوك قليل الأدب ما تربتش. إمشي انجر روح العب بعيد. تعالى يا سعد، آني مش قايل لك ما تلعبش مع أولاد الفلاحين دول؟! دول كلهم قمل وبراغيت، ويعلموك القباحة وقلة الأدب. امشي يا واد يا صرصور انت.

(عوض وسعد يبتعدان عن بعضهما بعض الوقت، ثم يُساهيان الجماعة ويعودان إلى اللعب بعد حين.)

قمحاوي : جرى إيه يا راجل؟ دول عيال بيلعبوا مع بعض، هو ده يصح؛ تقل عقلك وقيمتك؟! (ثم بزعيق) هو ده يصح؟!
السنباطي (بزعيق) : يصح إيه يا راجل؟
الحاج : جرى إيه يا جماعة؟ موش كده. ده ما يصحش بتاتًا.
السنباطي : موش شايف يا حاج؟ شايف. يصح يا حاج؟
الحاج : يا أفندي.
السنباطي : يا حاج.
الحاج : يا افندي.
السنباطي : يا حاج.
الحاج : يا افندي.

(صمت.)

الحاج : هيه. خلينا في الجد، وبعدين؟
السنباطي : وبعدين إيه يا شيخ؟ (ثم مستأنفًا الحساب) يا قمحاوي احمد ربنا. يا أخي قول الحمد لله. هي مصاريفك قد مصاريفي؟ دا آني بارمي في بحر، يا أخي ولادي عايزين يتعلموا.
قمحاوي : وآني ولادي يا ناس عايزين ياكلوا. عايزين ناكل بس يا خلق. وحياة النعمة دي عايزين ناكل.
السنباطي : يا أخي اتلهي، ما انت بتاكل أهه، هو فيه حد بيموت من الجوع؟
قمحاوي : ما حدش بيموت من الجوع يا افندي، بس فيه ناس بتموت من كتر النعمة. كتر النعمة بيخلي الناس تكفر وتتجبر يا سنباطي افندي.
السنباطي : يا اخي جاتك لهوه. هي فين النعمة؟ يا أخي غيرش ربك ساترها، فين النعمة يا قمحاوي يا فلسفوف؟ وريها لي كده.
الحاج : برضه انت يا سنباطي افندي الخير والبركة. والحكاية كلها بسيطة.
السنباطي : يا حاج شوادفي، اللي ابوه حساب ما يموتش. والمسألة موش تايهة. آدي حسابه اهه، إن كان فيه غلط مليم يبقى علي بجنيه. اتفضل. (يعطيه الدفتر) آدي اللي له واللي عليه.
الحاج (يأخذ الدفتر ويحاول أن يختلس النظر في باقي محتوياته) : أيوه اللي ابوه حساب ما يموتشي بتاتًا.

(السنباطي: يقوم ويفتح الدفتر على صفحة قمحاوي.)

الحاج (يقرأ ويحسب) : الكدب على الله حرام، إنما الحساب زي ما هو مكتوب هنا مضبوط. الكذب على الله حرام يا ناس، بس يعني …
السنباطي : إيه؟
الحاج : فيه شوية كده يعني، زيادة شوية.
السنباطي : إزاي؟ فين؟
الحاج : مثلًا يعني انت محاسب على عشرة جنيه إيجار درة، كتير على الله عشرة جنيه.
السنباطي : حسب الاتفاق يا حاج شوادفي. اسأله آني شارط عليه كده ولَّا لأ. والشرط عند الحرت ينفع ساعة الكيل. عشرة جنيه كتيرة ليه؟
الحاج : آني شايف برضك كده إنهم كتير على الله.
السنباطي : طيب يا حاج شوادفي، آني غلطان. آني مستعد احاسبه زي ما انت محاسب مزارعينك.
الحاج : آني؟
السنباطي : أيوه، محاسبهم على قد إيه؟
الحاج (بابتسامة باهتة) : بأقل من كده.
السنباطي : والله يا خويا ما أقل أبدًا. إنت موش محاسب أحمد أبو عبد الرحيم على ١٢ جنيه إيجار الدرة؟ هو فيه حاجة بتستخبى؟ ومش محاسب الولية أم علي على ١٣؟ إنت مش مسلمهم حتى الفدان ٢٠ قيراط بس؟ يعني الفدان فدان وربع، إنت مش بتحاسب كده؟
الحاج : بتاتًا، بتاتًا، ما حصلش. والكعبة الشريفة اللي زرتها وملست عليها يا شيخ، إنه ما حصل. وأصل أرضنا برضك شديدة شوية عن أرضك يا سنباطي افندي.
السنباطي : أرضك أحسن من أرضي؟ والله أرضي ولا أراضي المنوفية. إنت بتقول إيه يا شوادفي أفندي؟ يا راجل اقعد اعوج واتكلم عدل. إنت بتقول إيه؟ أرضك أحسن من أرضي؟
الحاج : يا سنباطي افندي، ما تتكلمش الكلام ده. اسأل البلد كبيرها وصغيرها تقول لك. هو فيه في الدنيا كلها أرض زي حوض البحري؟ داني شاري الفدان بتسعميت جنيه؛ جنيه ينطح جنيه.
السنباطي : طيب افرض يا سيدي إن أرضك أحسن من أرضي. آديني مسلِّم الدرة أقل منك اتنين جنيه.
الحاج : ثم ما تنساش يا سنباطي افندي إن الواد ابن عبد الرحيم أصله ضلالي ومجرم شوية. فين ده وفين قمحاوي؟
السنباطي : يا راجل حرام عليك. إنت عايز تخرب بيتي؟ إنت مش عارف مصاريف الأولاد؟ موش عارف زنقة المدارس؟ أروح فين يا ناس وآجي منين؟ عارف ولَّا ما انتاش عارف؟
الحاج : عارف والله يا خويا، كان الله في العون. والنبي محمد ابني جاني ديك النهار، وقال لي: يابا عايز ٥٠ جنيه. ليه يا ابني؟ قال لي: الكلية والكتب والبدل. قلت له: طيب يا ابني. والله ما كان معي منهم غير عشرين، والباقي قضيتهم من خلق الله، وقلت له: روح يا ابني، الله يفتح عليك.
نظيرة (من داخل البيت بصوتٍ مسموع) : أيوه هناك. ياخي بلا معر، ابنك قاعد يشحت في مصر، وانت خد يا ابني، وروح الله يفتح عليك؟! دا انت جلدة جزمة قديمة، تحط المليم على المليم علشان تشتري القيراط. والنبي آني ما يعجبني كلام الفشخرة دي.
السنباطي (يتنحنح) : والقطن السنة دي إيدك منه والأرض؛ الفدان خمس قناطير قال! فين أيام ان كانت الدنيا دنيا، والفدان بيجيب بالعشرة والخمستاشر؟
الحاج : فين احنا وفين الكلام ده؟
السنباطي : وادي انت شايف يا حاج، أزود على روحي، واديله من حدايا.
الحاج : والله شايف. أصل النار ما بتحرقش إلا اللي ماسكها. والله كان الله في العون.
السنباطي : يا أخي ما علينا من الفساتين والجزم وقسط الراديو.
الحاج : أيوا أيوا أيوا.
السنباطي : وده جهاز على ناحية، وده خزين للبيت.
الحاج : معلوم معلوم معلوم معلوم.
قمحاوي (يتدخل) : عم الحاج!
الحاج : بقى شوف يا قمحاوي، الحكاية أصلها نسايب وقرايب، والسنة دي كده. السنة الجاية إن شاء الله تتعدل.
قمحاوي : عم الحاج!
السنباطي : كان لزومه إيه يا أخي تتعب الحاج، وتجيبه لحد هنا؟ الحساب وريتهولك بالمليم.
الحاج : يا قمحاوي والله، السنباطي افندي أشرف واحد في بلدنا. ده كفاية إنك زارع لراجل طاهر زيه.
قمحاوي : عم الحاج! هو كل الحجاج كده يا خواتي؟! يا راجل قول كلمة الحق. بقى آني جايبك تحاسب لي، يقوم لقيتك يا عبد المعين تنعان؟
الحاج : ما هو يا قمحاوي، الحساب مظبوط.
قمحاوي : مظبوط إزاي؟ من رابع المستحيل. ده كله كلام فارغ. هو الحساب اللي يخليني اشتغل أنا واولادي ست تشهر بخمسة جنيه يبقى مظبوط؟! مظبوط منين بس؟! ده كله غلط في غلط، ده كلامك يا حاج؟! ده كلامك يا راجل؟!
الحاج : طيب اسمع يا قمحاوي، اسكت انت. شوف يا سنباطي افندي، امسحها في دقني دي، هو له كام؟
السنباطي : خمسة جنيه واربعين قرش.
الحاج : طيب، نخليهم قول ستة جنيه واربعين قرش.
السنباطي : والله يا حاج لما يكون على رقبتي، وربنا المعبود جيِّتك عندي تسوى ألف جنيه. بس موش كتير نزوده جنيه؟! بلاش يا سيدي الاربعين قرش دول، خليهم ستة جنيه. أمري إلى الله. بس اروح فين يا ناس وآجي منين؟
الحاج : يا أخي انت جيت في جمل يا سنباطي افندي؟ ستة ستة، زي بعضه. كويس كده يا قمحاوي؟ عاجبك كده؟
قمحاوي : عاجبني إيه؟
الحاج : ستة جنيه؟
قمحاوي : بتوع إيه؟
الحاج : حقك.
قمحاوي : كام؟
الحاج : ستة جنيه.
قمحاوي : يفتح الله!
الحاج : لا، حقه مالكش حق بتاتًا يا قمحاوي. أهو انت دلوقت خليت رقبتي زي السمسمة يا راجل. تكسر كلام الرجالة؟
قمحاوي : رجالة مين يا حاج؟! هو ده كلام رجالة؟! الراجل هو اللي يقول الحق.
السنباطي : إيه الكلام اللي زي الطوب ده؟!
قمحاوي : والمصحف الشريف كلامكو ما يمشي علي من هنا لحد هناك. هو ما عدشي ذمة يا ناس؟! ما عدشي عدل؟! الدنيا خربت علاولة؟! أزرع القطن وما ينوبني منه الا خمسة جنيه؟!
الحاج : طيب يا قمحاوي! والله لاحققك في العيبة دي، وماني سايب حقي عندك بتاتًا.
قمحاوي : تحاققني إيه يا شيخ؟ (يقوم واقفًا) آني والله قلبي بيقول لي من جوه: إن كل ده كلام فارغ. حساب إيه ده؟! طيب انت موش بتقول إن إحنا صح لينا تسع قناطير وكسور؟ واد يا عوض. خد يا وله.
عوض : أيوه يابا.
قمحاوي : تعالى هنا يا وله. الاوزان اللي انت مقيدها فين؟
السنباطي : وده عارف الوزن منين؟!
قمحاوي : أمال، عارف. أمال إيه عارف. ما هو بسلامته متعلم في الإلزام، ووديته حدَى الشيخ سالم القبانيي مخصوص علشان يتعلم حساب القطن. وكان واقف جنبك وانت بتوزن كل وزنة من القطن لما كنا بنجمعه. أمال إيه؟ هي نومة؟ انت مقيد قد إيه يا وله؟
عوض (يدعبس في جلبابه ويخرج ورقة) : ١٥٠٠ رطل يابا.
قمحاوي : جاك ألف وخمسميت عفريت يركبوك! يعني قد إيه يا وله؟
عوض : يعني عشر قناطير يابا وخمسين رطل صافي.
قمحاوي (بزعيق) : شفت عاد يا حاج؟ وتقول لي تسع قناطير، شفت عاد؟
السنباطي : ده كلام فارغ، ورقة إيه دي؟ إنت لقيتها على التل يا ولد. ورقة إيه دي؟ آني ما ينفعنيش الكلام ده، آني ما اعرفش حساب العيال ده. ما يمكن كان بيقيد غلط.
الحاج : معلش يا سنباطي افندي، خليك — زي ما بيقولوا — ورا الكداب لغاية باب الدار، وريني يا واد الورقة دي، وريني الدفتر يا أفندي، (يقارن بينهما) يا ناس، الكذب على الله حرام، حسابه مظبوط يا سنباطي افندي.
السنباطي : مظبوط ازاي؟! وريني. (يظل برهة يقارن) بس، شفت بقا الغلطة فين؟ شوف شغل العيال بقى. اتفضل، أهو موش خاصم خسية المخزن.
قمحاوي : إيه خسية المخزن دي؟
السنباطي : إنت مش عارف يا قمحاوي إن القطن لما يستنى في المخزن يقوم يخس؟
قمحاوي : يقوم يا راجل العشر قناطير يخسوا قنطارين بحالهم؟! الحساب ده مزور، والله والله والله لما اروح في الحديد ماني منقول من هنا إلا اما آخذ حقي على داير مليم.
السنباطي : حقك إيه راجل يا ضلالي يا قليل الدين؟ آني حاسب عليك قنطار وعشرين رطل خسية، تقوم تقول: قنطارين؟! إنت عايز تنهبني؟ إنت عايز تخرب بيتي؟
الحاج : يا افندي.
السنباطي : يرضيك يا حاج؟
الحاج : يا افندي.
السنباطي : يا حاج.
الحاج : يا افندي!
السنباطي : يا حاج!
الحاج : أقول لك يا سنباطي افندي، اللي حدى قمحاوي منطال، نخليهم سبعة جنيه.
السنباطي : والله لا يمكن.
الحاج : علشان خاطري، امسحها في دقني، نخليهم سبعة.
السنباطي : إنت قلت كلمة حكمة يا حاج، ستة جنيه يعني ستة جنيه.
الحاج : علشان خاطري، ولَّا أقول لك والله ما أزعلك بتاتًا، وآدي الجنيه من عندي أنا.

(يمد يده في داخل جيبه، ولكنه يتمهل ولا يخرج شيئًا.)

السنباطي : عيب يا حاج، إنت بتشتمني في بيتي؟ طيب بس عشان خاطر إنك قلت الكلمة زي بعضه. وخمس برايز كمان، يبقى ستة ونص. والله طالعين من لحم الحي يا ناس، أروح فين وآجي منين؟!
نظيرة (من الداخل) : إنت عايز تديله ستة جنيه ونص؟! والنبي ما يمكن.
السنباطي : معلش يا أم كمال، ما هي الحكاية واحد.
نظيرة : والنبي لما يكون روحه على تعريفة، إنت ناسي اللي مطلوب منا؟ يا سنة سودة السنة دي!
الحاج (يتنحنح) : قلت لك يا سنباطي أفندي أدفع آني الخمس برايز.

(السنباطي: يقوم ويدخل إلى بيته.)

نظيرة : طلاقي كوم، والخمس برايز دول كوم.
السنباطي : يا ستي، يهديكي ربنا.
نظيرة : آني قلتها وبس.
السنباطي : آني اديت كلمة.
نظيرة : ما تمشيش عليَّ.
السنباطي : يرضيكي أرجع في كلامي قُدام الناس؟
نظيرة : طلاقي كوم، والخمس برايز كوم.
السنباطي : اللهم طولك يا روح! (يعود إلى الجلسة ويغمز للحاج وقمحاوي) طيب خلاص، ستة جنيه، (يغمز مرة ثانية) ستة جنيه بس.
أم محمد (وهي عائدة بالقفة) : ستة جنيه إيه دول؟ دول يعرشوا الدار؟!
قمحاوي : بت، امشي انجري جاكي وجع لما يجرجر مصارينك. مالك ومال الكلام ده؟ امشي انجري شوفي شغلك.
السنباطي : خلاص يا قمحاوي (يغمز له).
قمحاوي : خلاص إيه؟
السنباطي : حسابك، اتفقنا ستة جنيه.
قمحاوي : بتوع إيه؟
السنباطي : حقك.
قمحاوي : في إيه؟
السنباطي : الله! في القطن.
قمحاوي : يفتح الله!
السنباطي والحاج : حقة مالكش حق، إلاه يا قمحاوي دانت زودتها علاولة! إن شا الله تنفلق.

(يسمع تصفيق من الخارج.)

أصوات : ياهوه، يا اهل الله، يا اللي هنا.
السنباطي : أيوه، مين؟ (بحدة) مين انت؟
صوت : أنا ابو اسماعين، نسيتني يا سنباطي افندي؟ أنا التاجر اللي اشترى القطن.
السنباطي : أهلًا وسهلًا، نسيتك ازاي؟ أهلًا وسهلًا، يا تلتميت ألف مرحبة، اتفضل.
التاجر (يدخل، ضخم الجثة، يرتدي جلبابًا بلديًّا فاخرًا، وعمامة وطربوشًا، ويتكلم بلهجة مديرية أخرى) : يا رب يا ساتر، يا رب يا ساتر، إحم إحم، وسعوا لنا السكة يا ولاد، يا هوه يا اهل الله، السلام عليكم.
الجميع : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

(سنباطي يتركهم ويستمر في تنقية القطن المبعثر.)

اتفضل، يا تلتميت ألف مرحبة، كراسي يا بنت، شاي يا ولد، قهوة يا بنت.
التاجر : أقسم بالله ما آني قاعد إلا هنا، خلي عنهم (يضرب كيس قطن) لا والله صلاة النبي أحسن، الله ينور عليك، عاش مين حشى، بعودة الأيام، كل سنة وانتم طيبين. أهو كله بختك يا أبو بخيت. والله ما شفت بيعة زي بيعتكو دي. حاكم انت يا سنباطي افندي راجل أمير، والأمير دايمًا حاجته مقضية.
السنباطي : أهلًا وسهلًا، يا ألف مرحبة، قهوة. مش كده؟ قهوة يا بنت.
التاجر : كله قسم ونصيب. والله على ريق النوم من الصبح، وداير ألف بلاد الناس. بس لو كان فيه لقمة صغيرة، بس لقمة بشعرة ملح تحت القهوة، بس لقمة بشعرة ملح.
السنباطي : لقمة بس؟ جهزي عشا يا بنت، والله لنتعشى سوا.
نظيرة (من الداخل) : طيب حاسب على روحك لحسن تنخزع، عزنها لوكاندة، والله. سخام إيه ده؟ (تقلد زوجها) جهزي عشا يا بنت.
السنباطي : عشا بسرعة لحسن البيه مستعجل.
التاجر (يفرح جدًّا للقب البيه) : قسمتنا ناكل مع بعض عيش وملح. ربنا يجعله إن شا الله عامر. تعب كلها الحياة!
السنباطي : أي والله، كان الله في العون.
التاجر : كان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، آني عارف إني حأقابلكو، طيب والله أنا عملت عملة النهاردة ما يعملهاش ولي من أولياء الله؛ كنت شاري بيعة تحت كده في عزبة من العزب، ومدي الراجل عربون على حساب القنطار ١٥ جنيه. مديله كتير؟ ١٠٠ ورقة. يقوم ييجي الراجل النهاردة ويقول لي: عايزين نقطع على القطن يا أبو إسماعين. قلت له: تقطع النهاردة النهاردة؟ قال لي: أيوه. قلت له: إنت عارف القنطار النهاردة باتنين وعشرين واخسر كتير في بيعتك. قال لي إحنا حنرجع في كلامنا يا أبو إسماعين؟ قلت له: والله لما يكون على ميت ألف جنيه. ورجت قاطع على البيعة. فيها خسارة كتير؟ ٢٠٠٠ جنيه. كنت قادر أسيب العربون في داهية والغي البيعة. إنما تبقى عيبة، والراجل يتربط من لسانه، وكلها قسم ونصيب. ما كانش لينا في البيعة دي أكل عيش.
الحاج : كل واحد بياخد حظه، إنما أظن يا أستاذ إن في ناس بتكسب ألافات من القطن ده؟
التاجر : شوف يا سيدي، المكسب على قد ما تقدر تقول. بس ابعد عن صنف أبو جلابية اللي زي حالاتنا كده. القطن في الغيط تراب. بيجي المخزن يبقى صفيح، ينشال على عربية النقل يبقى نحاس، يدخل في البنك يبقى دهب. القطن ده، ده غول اللهم احفظنا. ده دنيا بحالها فيها الباشوات والبهوات والملوك. إنما كل الحكاية بختك يا أبو بخيت. آني واحد من الناس إيدي دي بتصرف في الشهر بيجي مليون جنيه. يا سنباطي افندي، والنبي ما في لزوم للتعب. كفاية لقمة بحصوة ملح تحت القهوة.
السنباطي : إزاي؟ وده يصح؟ العشا يا بنت.
الحاج : إنما كانت خبطة شينة بتاعت الراجل اللي قطع النهاردة. معلهش حظوظ.
التاجر : تمام، تمام. هي المسألة بختك يا أبو بخيت، حقه الا دي؟ كل واحد بياخد حظه. ربك برضك ما بينساش عبيده. البنك كنت حاطط في المحلج بتاعه خمسميت عربية على حسابي. كنت شاري القنطار فيهم باربعتاشر وتلاتاشر وخمستاشر، موش كله. الخواجا من شهر يقول لي: بيع يا خبيبي، أحسن لك. أقول له: لا. بيع. أقول: لا. رحت النهاردة باعت له تلغراف قلت له: بيع بسعر الحاضر. الخواجا نيكولا بسكلاني بيع بسعر الحاضر. والإمضا أبو إسماعين.
الجميع : وسعر الحاضر كام؟
التاجر : زي ما خدت من السنباطي افندي؛ باتنين وعشرين.
الحاج : ويبيع ويخلي لك المكسب لما تروح تاخده برضه؟
التاجر : أمال؟! هي المسألة كلمة، قسم ونصيب.
قمحاوي (يقفز واقفًا) : بتقول بكام يا سيدنا الشيخ؟
التاجر : باتنين وعشرين.
قمحاوي : يعني خدت من الافندي القنطار باتنين وعشرين؟
التاجر : يا عيب الشوم، وأنا حانهز؟! أقسم بالله باتنين وعشرين.
قمحاوي (بزعيق) : ومحاسبني على عشرين يا سنباطي افندي؟! الدنيا خربت يا ناس، ما عدشي فيه ذمة في البلد دي.
السنباطي : اسكت يا قمحاوي، وطي حسك وبلاش كلام فارغ، أبو إسماعين بك شاري مني القطن كله بالسعر ده، هو أنا ما عنديش مزارعين غيرك؟! القطن التاني كله أنضف من قطنك، فآني بعت المخزن كله على اعتبار إنه جود باتنين وعشرين. قطنك انت فولي جود. يعني لما يتنطط ما يجبشي ١٨. محاسبك على عشرين، كفرت؟
قمحاوي : حقة اسمع يا أفندي، كله إلا قطني، اوعى تقول عليه تلت التلاتة. بقا آني قطني فاليشوت؟ والله ما كان إكسرا نمرة واحد ما ينفعشي. داني منقيه لوزة لوزة. قطني آني فاليشوت؟ طيب داني كنت بافرزه في الغيط قبل ما اجيبه. داني بقيت فرحان بشوية القطن كأني لاقي لقية. داني بقيت اخلي الاولاد يستحموا في الترعة قبل ما يمدوا إيديهم على الجمع علشان ما يعرقوش على القطن. قطني آني فاليشوت؟ قول كلام غير ده يا أفندي. ده كانت اللوزة حدايا أعز من عين ولد من ولادي. قطني آني فاليشوت؟! والله ما أحاسب إلا على اتنين وعشرين.
السنباطي : يا قمحاوي، إحنا خلصنا من حسابك وانتهينا، حنرجع لعنب ديبه من تاني؟! خلاص، خلصنا.
قمحاوي : خلصنا إيه؟ على سبعة جنيه؟ حساب إيه ده؟! هي فتة؟ والله والله والله (ينتهي قسمه إلى غمغمة).
التاجر : وإن شاء الله بإذن واحد أحد حاتخلصوا حشي إمتى؟
السنباطي : ده آخر كيس.
محمد (من داخل الكيس) : حشي وزن يا أفندي، والنبي كل كيس حايخمس.
التاجر : طيب يا سيدي، أهو كله قسمة ونصيب. تحب تاخد فلوس دلوقتي؟ حاكم طول ما معايا فلوس تفضل تاكل في جسمي كده لحد ما يخدها صاحبها. تاخد ١٠٠ دلوقتي، والباقي إن شاء الله تاخده قبل ما يطلع أول كيس من عتبة الدار.
السنباطي : ١٠٠ بس؟ دا احنا عايزين لكشة.
التاجر : معلهش، كله قسم. أصلي والنبي كنت جايب معايا حسبة بسيطة كده بتاعت ١٦ ألف جنيه. ما باقي منهم إلا شوية الفكة دول.
(يخرج كيسًا ضخمًا جدًّا من جيب الصديري الداخلي، ويخرج منه رزمًا من أوراق النقود) لكشة إيه يا سنباطي افندي؟ والله الواحد صدق من قال: كالحمار يحمل أثقالًا، إنت شايف الكيس ده؟ ياريتها كلها فلوسي. كلها وحياتك فلوس البنك. ما عليَّ أنا إلا اوزعها على خلق الله. (الجميع مشغولين في التحديق في النقود) أصل الحكاية، بختك يا أبو بخيت، وكله رايح للبنك. نكون إحنا فين من الملايين؟ والله واحد ديك النهار قال إن فرغلي اشترى صفقة من البورصة، وبعد خمس دقائق بس باعها وكسب فيها نص مليون جنيه. قاعد على القهوة حاطط رجل على رجل وبيشرب شيشة. ما عليه إلا يقول: أشتري ولَّا ابيع. دي ولاد بتلعب بالفلوس لعب. الجنيه من جنيهاتهم زي نتاية الأرنب؛ الجنيه بيجيب في الشهر ثمانية، وفلوسنا خايبة قوي، تلاقي الجنيه معصي، عمره ما يقدر يجيب قرش ساغ واحد. خد يا شيخ خد. (يعد النقود) بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الرحمن الرحيم. آدي واحد، ما لوش تاني، ما جمع الله بين رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما؛ تلاتة. الخلفاء الراشدين أربعة. وخامس الخمسة ما يخمس الا بخمسة. اتفضل، آدي يا سيدي خمسين أهم، وآدي يا محترم ورقة بمية علشان تنبسط. وهو كله من عمر النهار.
السنباطي (يتناول المبلغ باحتراسٍ شديدٍ وكأنه قنبلة، ويفحص الأوراق بتدقيقٍ شديدٍ، ويغمغم أثناء ذلك) : فلوس إيه يا شيخ؟ هم بيقعدوا. ما آني باخدهم منك من هنا أديهم للبنك تاني. كل سنة باستلف من البنك ١٥٠ جنيه على القطن، أبيعه من هنا وادِّي للبنك فلوسه، ويفضل لي نكلة. الواحد يروح فين يا ناس وبيجي منين؟
قمحاوي : أمال الفلوس دي كلها بتروح فين؟ باخدها آني؟! يمكن باخدها آني يا ولاد!
التاجر : بقى يا ولد العم، الفلوس دي كلها بتطلع من البنك. كل سنة البنك يطلع فلوس تلف الدنيا وترجع للبنك تاني. وما ترجعش بإيدها فاضية أبدًا، لازم تشفط القرشين اللي مع الواحد برضك، إحنا ما علينا إلا نشمها بس، أنا واحد من الناس كل اللي بينوبني من الحكاية دي إني باعرف الناس الطيبين اللي زيكو كده.
الحاج : يعني القناية كلها بتصب في البنك؟
التاجر : تمام، تمام.
محمد (من داخل الكيس) : يابا قمحاوي يابا قمحاوي.
قمحاوي : مالك يا وله؟
محمد : آني عايز بنك يابا.
التاجر : يبقى واصلك كام يا سنباطي افندي؟
السنباطي : دول ١٥٠.
التاجر : وعربون ٥٠؟
السنباطي : يبقى ٢٠٠ الكل.
التاجر : والباقي إن شاء الله قبل ما يطلع أول كيس، بس والنبي استعجل لينا اللقمة شوية لحسن نازل لغاية النصايحة كده.
السنباطي : العشا يا بنت، اخلصي شوية، إيه ده؟ اخلصي شوية (يدخل ابن السنباطي كمال، وهو شاب كبير الحجم وملظلظ، ويرتدي جلبابًا إفرنجيًّا، وشعره طويل ومنكوش، ولا يرتدي شيئًا في قدميه) مين؟ كمال؟ إنت صاحي من النوم والَّا إيه؟ يا كمال فين؟ يا أبو إسماعيل بك، ده ابني مصطفى كمال، واللي بيلعب هناك ده سعد زغلول.
التاجر : على اسم سعد باشا.
السنباطي : أمال! الله يرحمه ويحسن إليه. وده على اسم مصطفى كمال أتاتورك؛ قورته شبهه تمام. سلم يا كمال، سلم على عمك. اسم الله عليه في تجهيزي، (ثم لكمال هامسًا) آني مش قلتلك ما تمشيش حافي؟ (يتقدم كمال وهو في منتهى الخجل للسلام).
التاجر : باسم الله ما شاء الله. باسم الله ما شاء الله. ربنا يزيد ويبارك.
السنباطي : تعالى يا سعد، تعالى سلم على عمك يا وله (يأتي سعد الذي كان يلعب في هذه الأثناء مع عوض. أتى عوض معه يريد أن يسلم هو الآخر).
السنباطي (لعوض) : قلت لك امشي يا واد انت بعيد! ياللا، امشي روح العب بعيد. قدم يا سعد سلم. قدم سلم.
قمحاوي : تعالى هنا يا عوض. تعالى اما اقولك.

(يأخذه إلى الناحية اليمنى من المسرح، ويظلان يتهامسان ويحسبان، والابن يخطط على الأرض ويجمع ويطرح.)

(كمال ينتهي من التسليم ويقف في منتهى الكسوف والخجل.)

السنباطي : مالك؟ فيه إيه يا كمال؟
كمال (خجلان) : عايزك في كلمة.
السنباطي (يأخذه على ناحية) : فيه إيه؟
كمال : أمي بتقول لك عايزه تتفرج على الورقة أم ميت جنيه.
السنباطي : إيه الكلام الفارغ ده؟ روح قول لها تجهز العشا حالًا.
كمال : حاضر (يتجه إلى الداخل).
السنباطي (يقف ويفكر وهو ينظر إليه) : واللا اسمع يا كمال (يعود كمال) لحسن تخليها ليلة سودة الليلة دي. خد، بس تجيبها على طول. اوعى تسيبها في إيدك. (ثم يعود إلى الجلسة) أهلًا وسهلًا. يا تلتميت مرحبة.
التاجر والحاج : الله يحفظك.
السنباطي : يا ألف ألف مرحبة.
التاجر والحاج : الله يبارك فيك.
السنباطي : خطوة عزيزة.
التاجر والحاج : يعز مقدارك.
السنباطي : نورتونا.
التاجر والحاج : الله ينور عليك.
السنباطي : يا ألف ألف مرحب.
التاجر والحاج : الله يبارك فيك.
التاجر : بس والله يا سنباطي افندي تستعجل لنا اللقمة شوية. قسم ونصيب. مقسوم لي آكل عيش وملح وياكو. والله الواحد لما يركب طيارة ما هو ملاحق. لسه عندي وحياة النعمة ١٥٠٠ عربية لازم يوصلوا النهاردة المنصورة. والدقيقة تأخير بتقطع بألف جنيه. يا ترى هي الساعة كام دلوقت؟ (يخرج ساعته من جيبه، وفي نفس الوقت يخرج السنباطي والشوادفي ساعتيهما) ياه الساعة خمسة وربع!
الحاج : وعشرة. أنا ظابط على الشمس.
السنباطي : أنا عندي خمسة واربعتاشر. اظبط ساعتك يا ابو اسماعين بك. دي تفانوس ماشية بالدقي. ظبطها على الراديو.
الحاج : اظبط على خمسة وعشرة يا أستاذ. والنبي الساعة دي بقالها معايا ٣٠ سنة ما مسحتها ولا لعب فيها ساعاتي. دي الشمس تأخر وهي ما تأخرش.
التاجر (بلهفة) : طيب والنبي عندكو راديو؟ عايز أسمع نشرة الأخبار. زمان الأخبار خلصت وبيذيعوا أسعار القطن بتاعة النهاردة. قسم ونصيب. لولا ربنا ألهمني أشوف الساعة كانت فاتت مني النشرة.
السنباطي : أمال، راديو فيليبس. خمستاشر لمبة على كيفك. افتح الراديو يا كمال.
الحاج : ونسمع احنا برضه؛ لحسن لسه ما بعناش.
التاجر : حضرتك لسه ما بعتش؟ إن شاء الله يكون قطنك من نصيبنا.
الحاج : إن شا الله.
التاجر : وحياة النبي اللي زرته ومسكت شباكه، ما حد ياخد قطنك إلا ابو اسماعين. قسم ونصيب. شوف ربك موضبها إزاي؟ وآدي انت شايف أهه. لازم اسمع نشرة الأخبار؛ ليه؟ علشان أشتري بالعدل والقسطاس. لازم أشتري بسعر آخر نشرة. سعر دقيقة بدقيقة، كنتش عارف إني حاخد قطنك؟ أبدًا إنما انت شايف.
صوت الراديو : وإليكم أسعار الإقفال ببورصة نيو أورليانز. قطن طويل التيلة ٥٣٫٨٩ بنزول ١٣ بنط قطن (في هذه الأثناء يكون قمحاوي قد انتهى من حسابه مع ابنه، فيأتي للجماعة وعلى وجهه تصميمٌ خطير).
قمحاوي (للسنباطي) : يا أفندي.
الجميع : هس. اسمع.
الراديو : بهبوط ٥٦ بنط.
قمحاوي : يا أفندي.
السنباطي : هس. استنى شوية. اسكت.
قمحاوي (بزعيق) : والله ما اسكت أبدًا. إن شا الله الدنيا تنهد. اسمع يا أفندي. لا الحاج شوادفي ولا دياولو. آني عملت حسابي كله دلوقت. آني عايز ٢٢ جنيه ونص حقي في القطن. عايزهم حالًا على داير مليم.
الجميع : هس. اسكت. اسكت. خلينا نسمع.
السنباطي : اتنين وعشرين إيه؟
التاجر والحاج : هس.
قمحاوي : اتنين وعشرين جنيه ونص، وتعريفة كمان.

(التاجر والحاج يظلان يسمعان الأخبار ويسدان آذانهما.)

السنباطي : بتوع إيه؟
قمحاوي : حقي في القطن.
السنباطي : يفتح الله!
قمحاوي : يا افندي آني باقول عايز حقي.
السنباطي : بس كده؟ حاضر. من عيني دي وعيني دي. يا غالي، والطلب رخيص يا أبو محمد.
قمحاوي : يا افندي آني عاوز اتنين وعشرين جنيه ونص.
السنباطي : وفوقهم بوسة كمان.
قمحاوي : يا افندي.
السنباطي : إنت مالكش عندي حاجة. إيه رأيك بقى؟
قمحاوي : يا افندي عيب.
السنباطي : باقول لك كده حقك زي ما اتفقنا؛ ستة جنيه ونص. لا زايد مليم ولا ناقص مليم.
قمحاوي : أصلي آني غلطان اللي اجيب لك القطن لحد عندك واسيبك تتحكم فيَّ. آني كنت لازم اروَّحو من الغيط. أصلي ابن كلب ذمتي نضيفة.
السنباطي : كنت روَّحو كده، وأنا تاني يوم كنت اخليك تتشعبط على شباك المركز.
قمحاوي : آني عاوز اتنين وعشرين جنيه ونص.
السنباطي : هي كلمة؛ ستة جنيه ونص، يعني ستة جنيه ونص. موش عاجبك اخبط راسك في الحيط.
قمحاوي : بتقول كام؟
السنباطي : ستة جنيه وخمس برايز.
قمحاوي : يا ناس الواحد يطق. يطق الواحد يا ناس. الواحد يكفر يا خلق. اللهم طولك يا روح. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

(يتنهد.)

محمد (من داخل الكيس) : معلشي يابا. بكرة ييجي يوم يرضي الكل.
قمحاوي : اخرس انت، اسكت. يرضي الكل قال؟ هو فين اليوم ده؟ هو فين اليوم اللي يرضي الكل ده؟ إحييني آني النهاردة وموتني بكرة. الدار عايزه تتعرش. إحييني النهاردة وموتني بكرة (ثم للسنباطي) إنت بتقول كام يا افندي؟
السنباطي (بإهمال مقصود) : ستة جنيه ونص.
الحاج (هامسًا لقمحاوي) : استعوض الله وخدهم أبرك من عينيه. أحسن من بلاش.
قمحاوي (بصوتٍ مرتفع) : أحسن ليه يا حاج؟ هو آني سارقه؟ داني زارعه يا ناس. أمري إلى الله. الصبر يا رب الصبر. هات يا سيدي اللي عايز تجيبه.
السنباطي (يضحك ضحكة صفراء) : جاتك لهوه. أمال على إيه فلقة الراس من الصبح؟!
قمحاوي : ما هو سبعة زي تمانية. كله محصل بعضه. والله آني قلبي حاسس من جوه إن كل ده كلام فارغ. بقا ازرع الزرعة يا ناس واجيبها لغاية باب الدار بستة جنيه؟! هات يا سيدي، هات الفلوس.
السنباطي (مواصلًا ضحكته الصفراء) : جاتك لهوه. إنت مش عارف كل سنة بيحصل إيه؟
قمحاوي : لا. موض عارف. كل سنة بيحصل إيه؟
السنباطي : اللي بيصح لك مش بتقيده على حساب مصاريف السنة الجاية. هه. (يفتح الدفتر) له مبلغ وقدره ستة جنيهات.
قمحاوي : إنما آني عايز حقي دلوقت حالًا. عايزه حالًا.
السنباطي : وآني موش مستعد اديك حقك. وبعدين تيجي تصرف على الزرعية ما تقدرش. أروح آني فين ساعتها وآجي منين؟ وانت عارف كل سنة بيحصل كده. اشمعنى السنة دي يعني؟
قمحاوي (بزعيق هائل) : بقا كل سنة أطلع من المولد بلا حمص يا ولاد؟ والله لاعمل شيخ منصر. والله ما عنت خابط فيها ولا خبطة. والله ما عنت زارع عندك. بطل يا وله، بطل يا ابن الكلب. اطلع من الكيس. اطلع يا وله. قدامي يا وليه على الدار. والله ما عنت خابط فيها ولا خبطة.
السنباطي (بضحكة صفراء أخرى) : كل سنة بتعمل الموشح دا، وبعدين تجوع وترجع لي مدلدل ودانك. كل سنة ليك الدقة دي. يا أخي، إكرم الشيبة. إكرمها يا شيخ. اسمع، والله إن ما كملت حشي القطن لكاري عشر رجالة على حسابك يحشوه. سامع والا ما انتاش سامع؟

(قمحاوي وابنه وامراته في طريقهم للخارج.)

قمحاوي : إكري إن شا الله تكري ١٠٠.
الحاج : جرى إيه يا قمحاوي؟ جرى إيه يا سنباطي افندي؟ يا اخوانا جرى إيه؟ تعالى يا قمحاوي. يا راجل اعقل.
السنباطي : سيبه. سيبه وانا اكري عشر رجالة.
الحاج : تعالى يا قمحاوي، ياخي ما يبقاش عقلك صغير.

(يذهب إليه ويحضره.)

قمحاوي (يرجع) : والنبي موش علشان حاجة بس علشان خاطر ما فيش رجل غريبة تنحط في قطني. اطلع يا واد كمل الكيس. وحياة الختمة الشريفة، ما عنت خابط فيها ولا خبطة. عايز يجيب عشر رجالة يلغوصوا في قطني؟
السنباطي : بلاش يمين الختمة ده يا قمحاوي. ما كل سنة بتحلف، وكل سنة بتوقع اليمين.
ابن قمحاوي : معلشي يابا، بكرة ييجي يوم يرضي الكل.
قمحاوي (يتنهد بحرقة وعمق) : الواحد يطق يا ناس ويكفر؟! أطلع من المولد بلا حمص؟!(ثم ينحني على الأرض ويظل يجمع اللوز المبعثر وينظفه، ويضعه في الكيس وهو يغمغم) إحييني النهاردة وموتني بكرة. إحييني النهاردة يا خويا وموتني بكرة. (يظل يفعل هذا مدة، ثم يتوقف فجأة ويرفع ظهره ويقول) الله! ريحة إيه دي يا ناس؟ (يعود ينحني مرةً أخرى، ولكنه يعتدل فجأة) دي ريحة شياط، دي ريحة القطن يا ولاد!
أصوات (من الداخل) : ريحة شياط!
السنباطي : إيه؟!
أصوات (من الداخل) : ريحة شياط يا ولاد!

(تبدأ دخانة تتصاعد من داخل المنزل.)

أصوات (من الداخل) : حريقة يا ولاد!
قمحاوي : دي ريحة قطن، دي في القطن. (الدخان متكاثر) إجري يا واد يا محمد، ميه يا ولد. البلاص يا نفيسة. إملا حجرك تراب يا عوض.
التاجر : يا نهار منيل. في القطن؟ مال البنك يا ولاد؟! مال الخواجات يا ولاد؟! إلحق طفي يا جدع. النجدة النجدة.
السنباطي : حريقة! روحوا يا ولاد، روحوا يا ولاد. يا ستار يا رب، يا ستار يا رب. راح القطن! الأرض انحجز عليها وراحت. (صفافير وناس كثيرون يقبلون ملهوفين) العوض على الله، يا كمال، يا سعد، إنده امك وسعاد وتعالوا. إوعوا تستنوا في الدار، إطلعوا بره. يا ستار يا رب! طفوا يا ولاد، طفي يا قمحاوي، اجري يا محمد، روحوا يا ولاد.
قمحاوي (يخرج من البيت وأولاده وامرأته يتبعونه) : حصل خير يا سنباطي أفندي حصل خير، جات سليمة الحمد لله، انطفت خلاص. (الدخان ينقشع تدريجيًّا) آدي الحريقة يا سيدي. بسلامته ابنك كان مداري في المخزن بيشرب سيجارة، قامت الولعة شبكت في القطن.
الحاج (يلكز قمحاوي في جنبه ويقول بصوتٍ منخفض) : ما كنت تسيبه ينحرق. متحمس على إيه؟ إنت نابك منه حاجة؟ ما كنت تسيبه يتحرق.
قمحاوي (بزعيقٍ هائل) : أسيبه ازاي يا حاج؟! أسيبه ينحرق ازاي يا ناس؟! لو كنت انت اللي زرعته ما كنتش تقول كده؛ ده عرَقي، ده شقايا، دا حتة مني. أسيبه يتحرق ازاي؟!
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤