الفصل الثاني

الجزء الأول

(وزير – حرس)

(في دار إسكندر.)

(يوجد طاولة عليها قميص وزجاجة فيها دم.)

وزير (لنفسه) : من يعرفه أنه ابني وهذه طباعه! ما هذه الحال؟ ما هذا المشكل؟ كيف التدبير؟ وذلك مسكين كأنه حمامة وديعة، فقد استمال إليه قلبي … عناد عناد. ما هذا وكيف العمل؟ لا بدَّ من قتلهما إن لم أنل منهما الأرب، كيف تقتلهما يا ظالم، أما عندك شفقة ولا رحمة؟ يا ربي كيف التدبير؟

الجزء الثاني

(وزير – إسكندر – حرس)
إسكندر : أرسلت أستدعي سليم وأسما، وقصدي أن أجرب كُلًّا منهما على انفراد وبغير علم رفيقه، فأرجوك أن تتركنا بخلوة لأرى كيف تنتهي الأمور، وأعلمها عاقبة العصيان لأوامري.
وزير : أحسنت، ولكن أرجوك أن تعاملهما بالرفق ولا تجعل غضبك يهيج، وتذكر نصيحةً طالما كررتها لمسامعك الشريفة:
افعل لغيرِكَ ما يسرُّ
كَ أنه لك يفعلُ
إنِّي أراها خير فلـ
ـسفةٍ لدى من يعقلُ
فتصور ذاتك يا مولاي في مركزهما، أتُطيق أن يزاحمك أحدٌ أو يحرمَك لذَّتَك ليستأثر بها دونك
إسكندر : ما شاء الله على هذه الفلسفة. وهل لا يجب على كل فرد من أفراد الرعية أن يطيع أوامر ملكه؟ وإلا فلأيِّ شيء نحن ملوك؟
وزير : أحسنت يا سيِّدي، ولكن الملوك ليسوا إلا أمناء، وليس شعبهم إلا وديعة عندهم، وإن كان الملك ظالمًا فإلى من يشتكي المظلوم. تأمَّل يا مولاي …
إسكندر : دعني، دعني الآن من فلسفتك، واذهب عني في الحال.
وزير : الله أعطاه يا سيِّدي، وعندك أحسن منها ومن يغنيك عنها، وهو لم يصعب عليه كون الله جعلك ابن ملك وجعله فقيرًا صعلوكًا، فسبحان مقسم الحظوظ.
إسكندر : لله دعني أيها الوزير، إنِّي أراك قريبًا تخرف.
وزير (لنفسه) : أستحق أكثر من هذا أيضًا، فأنا السبب في كل ذلك.
إسكندر (لنفسه) : أُفٍّ، ضاقت بي الدنيا بفسيح جوانبها.
وزير (لنفسه وهو ذاهب) : يجب أن أستدعي لبنى للتبصر بهذا الأمر، لا لا، الأوفق قبل ذلك أن أخبر الملك.

الجزء الثالث

(إسكندر – حرس)
إسكندر (لنفسه) :
ضاع صبري ضاق صدري
ولقد زاد النكدْ
ولقد حِرتُ بأمري
فوهى منِّي الجَلَدْ
كنتُ من قبلُ أراها
في نعيمٍ مستديم
فاعتراني من هواها
في الجوى حر أليم١
(يفتكر) الأوفق أن أتبع رأي الوزير، ومتى حضر الآن سليم أتملَّقه وأعده بالعطاء وغيره، وإذا أصرَّ على العناد … (يفتكر.)

الجزء الرابع

(إسكندر – سليم – حرس)
سليم :
مولاي عبدك حاضر
طوعًا لأمر الآمر
إسكندر :
أحسنتَ فادخل يا فتى
وابشر بخيرٍ وافر
إنِّي من بضعة أيام قد أمرت بعزلك من وظيفتك، وما ذلك إلَّا لأجرِّب صبرَك وثباتك، وإني قد وجدتُك كما أحبُّ أن أجدك، فقد رأيت أن أستدعيك إليَّ وأعوض عليك ما فقدت، فتمنَّ عليَّ الوظيفة التي تريدها فإني أمنحك إيَّاها.
سليم : أطال الله عمر مولاي، فما للعبيد سوى الضراعة لله بحفظ مواليهم.
إسكندر : وإني أهبك الدار التي بنيتها جديدًا على شاطئ النهر مع من فيها من الخدم والبنات والجواري، وهي مفروشة بأثمن الأثاث، وقصدت أن أُعيِّنك كاتم أسراري لكي تعيش سعيدًا، وكل هذا لا أرضى منك تعويضًا عنه سوى …
سليم : سوى ماذا يا سيِّدي؟
إسكندر : سوى، سوى أسما.
سليم : سوى أسما!
إسكندر : نعم، أريد أن تكفَّ عن محبتها واعشق سواها من تريد.
سليم :
أتظنُّ ما أوليتَ من نعم يوا
زي حب أسما كي أميل إلى البدلْ
حاشا فملك الكون عندي لا يسا
ويه ولا يرضى بغَبْنٍ مَنْ عقلْ
وإذا افترضتُ المستحيل وعِفْتُها
وسلوتُ حبيها وحاشاي الزللْ
هل بعدها يحلو لقلبي أن يهيـ
ـم وهل يروق لناظري حسنٌ وهلْ
كلا فلا تطمع بأن أسلو هوا
ها إن ذاك مقدَّرٌ منذ الأزلْ
إسكندر :
خلِّ عنك الجهل واترك ذا الغرورْ
واقبل النصح لتحظى بالحبورْ
فإذا غادرْتَها تنفي الشرورْ
عنك إذ تبلغ مجدًا وهنا
سليم :
لستُ أسلوها ولو ذقت الفَنا
فَهْيَ قصدي وهي سُؤْلي والمنى
إسكندر :
هجت نيراني كقَدْحٍ بالزنادْ
فتلظَّى غضبي في كل نادْ
إن تعمَّدْتَ على هذا العناد
فبحدِّ السيف أشفي العللا
سليم :
لست أسلوها ولو ذقت البلا
فهي قصدي وهي سُؤْلي في الْمَلَا
إسكندر :
هل دهاك الجهل أم هذا جنونْ
لم يعد نحوك لي قلب حنونْ
فاسْلُهَا أو فانتظر كأس الْمَنُونْ
فاصطباري فرَّ منِّي والسلامْ
سليم :
لست أسلوها ولو ذقتُ الحِمَام
فهي قصدي وهي سُؤْلِي والمرام٢
إسكندر : ويلك يا جهول، ألا تهاب نقمتي؟ ألا تلين لنعمتي؟ اقبل النصيحة واتركها، كفاك جنونًا.
سليم : إن هذا الأمر صعب المنال، وما الذي يضطرك يا مولاي لمزاحمتي؟ فإن الله لم يرزقني من ملذَّات هذه الدنيا سوى محبة أسما، وأمَّا أنت فقد أوجدك الله ابن ملك محفوفًا بكل أنواع المسرَّات والملذَّات، فعَلَامَ تزاحمني بنصيبي؟
إسكندر : هذه المحاولات لا تفيدك شيئًا، فأجبني بكل تصريح.
سليم : بكل تصريح لا أتركها ولو سكنت الضريح.
إسكندر : يا قليل العقل، انظر إلى هذه القنينة (يرفع القنينة التي تكون على الطاولة)، فتعلم إلى أين أوصلكما جهلكما أنت وأسما.
سليم : وما هذه القنينة؟
إسكندر (ضاحكًا) : قد استحضرت أسما إلى هذا المقام وخاطبتها كثيرًا، فأصرَّت على العناد فذبحتُها كيدًا بك، وهذا هو دمها.
سليم : ذبحتَ أسما، وما الفائدة من حياتي إذًا؟ فاقتلني أنا أيضًا. أسما ماتت وأنت تخوفني بالموت، وهو لي أهون من شرب الماء.
إسكندر : وقد استدعيتُك لأرى إذا كنت مجنونًا نظيرها، فوجدتُك أشدَّ جنونًا، فتحمل الآن غضبي وسخطي.
(للحرس) أَوْدِعُوهُ السجن وليُعَانِ العذابَ الشديد.
سليم :
مولاي أرجو رحمةً
مِنْ فَرْط جُودك يا همامْ
لم يبقَ لي من مَأْرَبٍ
أرجوه ما بين الأنامْ
فكما قتلت حبيبتي
احكمْ بقتلي والسلامْ
إسكندر : لا لا، كما أنكما عذبتماني بعنادكما، وأورثتماني حسرة لا تزول، هكذا أريد أن أنتقم منك بطول حياتك كيما يطول عذابك، فاذهب إلى السجن واصرف بقية عمرك بالعذاب. (للحرس) خذوه في الحال وتحفَّظوا عليه كالواجب (الحرس يمسكون سليم).
سليم (لنفسه) : آه يا أسما، موتكِ قبلي حمَّلني ما وفَّر عنكِ من الآلام.

(يأخذه الحرس.)

الجزء الخامس

(إسكندر – حرس)
إسكندر (لنفسه) :
نما عجبي من مثل هذي العجائبِ
فقد جعلتْنِي حاضِرًا مثل غائبِ
أنا ابن مليكٍ ذاع في الكون صِيتُهُ
وما مِنْ سبيلٍ لي لِنَيْل مَآرِبي
ويَعْصينيَ الصعلوكُ لم يَخْشَ سَطْوَتِي
وعزميَ أمضى من شِفَار القواضبِ
كأنِّيَ لم أُعرفْ بأني ابن مالكٍ
وقَدْري سَنِيٌّ فوق أسنى الكواكبِ
وأعجبُ مِنْ هذا أريد وأشتهي
أحيط بخَصْمِي الويلَ من كل جانبِ
وما قتلُهُ عندي عسيرٌ وإنه
لَأيسرُ من تمزيقِ بيتِ العناكبِ
ولكنَّما حبي لأسما يصدُّني
ويمنعني نيلَ المنى والرغائبِ
وحبي لأسما فهو أيضًا يميل بي
إلى قتل خَصْمي وهو أكبر جاذبِ
وأعجب من ذا كلما زاد صدُّها
أزيد بها حُبًّا وتحلو مطالبي
لكِ الله يا أسما ألا ما رحمتِ مَن
بحبك قد لاقى أشد المصاعبِ
عَدِمْتُ اصطباري لا أحول عن الهوى
ولو ذُقْتُ في حبيك شر المصائبِ

الجزء السادس

(إسكندر – أسما – حرس)
أسما : قد أتت عبدتك يا سيِّدي حسب الأمر المطاع.
إسكندر : أهلًا بربة الحسن والجمال، الفريدة الخصال، المكملة الأوصاف، الزهية الألطاف. ألا تسمحين لي برفع هذا النقاب قليلًا؛ لأشفي بمرآكِ غليلًا، ولكِ عليَّ ما تشتهين وتحبين، فأنت مالكتي وإني لأوامركِ رهين (يهمُّ أن يرفع نقاب أسما فتمنعه).
أسما : أستغفر الله، فأنت تاج الراس، وملك الناس.
إسكندر : لماذا تحرمينني من مرأى جمالكِ الفتَّان؟
أسما : لم تجر هذه العادة قبل الآن.
إسكندر : اسمحي بأن أُجرِيَها.
أسما : لا أريد أن أكون البادية فيها.
إسكندر : ماذا يضرك؟
أسما : لا يضرني ولكن … لا أريد.
إسكندر : آذني لي ولو قليلًا.
أسما : هذا شيء بعيد (بنفور وإعراض).
إسكندر :
حَتَّامَ هذا الخفا يا ذات كل بها
فهل حلا لكِ تعذيبي وتوليهي
قتلت بالصد قلبَ الصَّبِّ فانعطفي
وعالجيه بوعدٍ منكِ يحييه
لا تظلميه فلا ذنبٌ له أبدًا
إلا تَظَلُّمه مما يقاسيه
أسما : أرجوك أيها الأمير أن توضِّحَ أفكارَك، فإني أرى …
إسكندر : أفكاري هي أن ترفعي القناع يا أسما.
أسما : مستحيل.
إسكندر : لا يمكن إلا أن ترفعيه.
أسما : لا حول ولا قوة إلا بالله. أمرك (ترفع نقابها).
إسكندر (بذاته) :
بدا حسنها الفتَّان
فما الشمس والأقمارْ
وصالَتْ على الولهان
بقدٍّ حكى الخطَّارْ

(لأسما):

ألا يا منى قلبي
دعي الصَّدَّ يا أسما
ولا ترفضي حبي
فلم أقترف جُرما٣
علام يا نور العين تعاملينني بالصدود؟ ألا أستحقُّ تنازلَكِ إلى ودادي؟ جاوبيني.
أسما : أستغفر الله، أنا لا أستحق تنازلك، ولا يليق بقدرك أن تتنازل إلى فتاة حقيرة نظيري.
إسكندر : لم يعد لي من قدر وشأن، لدى حسنكِ الفريد الفتان. فاقبلي كلامي يا أسما وجاوبي حبي، فأمنحكِ ما تشائين وأسلطنكِ على كل مملكتي (أسما تصمت). دعي قلبكِ يميل منعطفًا إليَّ لا إلى غيري، فتفوزي بالسعادة (أيضًا تصمت). أسما اقتبلي كلامي، أسما اقتبلي كلامي.
أسما :
لم أقتبل هذا الكلامْ
قلبي غدا منه كليمْ
فاسمع جوابي والسلامْ
ما بُغْيتي إلا سليمْ
ريم على كل الملاحْ
يسمو فقد عزَّ المليحْ
من فرقه شمس الصباحْ
تُجلي محيَّاه الصبيحْ٤
إسكندر : كيف هذا! تميلين إلى صعلوك دنيء وترفضين ابن ملك يمنحكِ عزًّا وخيرًا، ويجعلكِ ملكة زمانكِ وسلطانة عصركِ وأوانكِ؟
أسما : كل سعادة بلا سليم هي عندي شقاء عظيم.
إسكندر : دعي عنكِ ذكره، فإنه غير أهل لك، واقبلي قلبي الذي ما ذل إلا بين يديك، فمن هو سليم ومن هم نظراؤه؟
أسما : هو حياتي، هو رجائي، هو بُغْيَتِي، هو سُؤْلي.
إسكندر : أسما، عودي إلى عقلكِ واقبلي نصيحتي فإني أُغنيك.
أسما : إن غنائي سليم ولا شيء عنه يغنيني، فاقتصر ولا تطمع بالمحال.
إسكندر (لنفسه) : حتى متى أصطبر! فقد وهى جَلَدِي، وعَدِمْتُ رشدي.
أسما (لنفسها) : إذا عاملته باللين والرقة يطمع فيَّ بلا إشكال.
إسكندر : والآن.
أسما : كذي قبل.
إسكندر : أسما اجعلي صرفًا لهذه الأمور، خير لك.
أسما : إن شئت صرفها، فاصرفني من بين يديك.
إسكندر :
اتركي الجهل فمن يجهل
نادمٌ من بعد حينْ
ذا عنادٌ منك لا يجمل
فاقبلي النصح الثمينْ
لا تظني غضبي في سكون
بعد هذا التعبِ
فلم يعد غيظي يطيق الكمون
فاحذري من غضبي
أسما : مولاي، بالاختصار سليم هو نصيبي، فلا أتركه أبدًا.
إسكندر : ألهذا الحدِّ تتجاسرين يا غبية؟ فلأُعاقبنَّكِ كما عاقبته.
أسما : غاية مرادي أن أنال ما ناله، فنحن في الوداد سواء.
إسكندر : ويلك، وما الفائدة الآن من ودادكِ له وهو لم يعد في قيد الحياة؟
أسما : لم يعد في قيد الحياة؟
إسكندر : وهذا دمه (يريها القنينة).
أسما : هذا دمه!
إسكندر : نعم، فقد استحضرته وعجزت، ولم يقبل أن يتركك، فقتلته وحفظت دمه لأريكِ عاقبة عناده.
أسما : إذا كنت قتلته، فلماذا لا تقتلني أنا أيضًا؟
إسكندر : قتلته لكونه يمنعني نيل آمالي منك.
أسما : بئسما فعلتَ يا ظالم! (لنفسها) لهفي عليك يا سليم يا حافظ العهد والذمام.
أين سيفك؟ أين حُسامك يا عديم الحنو؟ فاغمده في عنقي كما أغمدته في عنق حبيبي، يا سافك الدماء.
إسكندر (بغضب) :
كفِّي اجتراءكِ يا جسورة واقصري
هذا الملام فقد فقدتُ تصبُّري
أسما : ألم تشفق على صباه؟
إسكندر :
لا عشتُ إن لم أنتصف مِنْ كُلِّ مَنْ
يعصي مراسيمي وحق الأكبرِ
أسما : ألم تأخذك الشفقة على جماله؟
إسكندر :
أَنَّى تخالفني صعاليك ولي
بأسٌ أحدُّ من الحُسام الأبترِ
أسما : ألم ينفطر عليه قلبك يا قاسي القلب؟
إسكندر :
فلأجعلن الجنَّ ترهب سطوتي
والأرض ترجف تحت حافر أبجري
أسما : عَلَامَ تُبقي عليَّ؟ اقتلني وأرحني. (لنفسها) آه يا حبيبي سليم، موتك حمَّلني ما وفَّر عنك من الآلام. أمثلك يُقتل؟ ويُقتل ظُلمًا! عاقب اللهُ كلَّ ظالم بما يستحق.
إسكندر (متمشِّيًا) :
لم يحتمل هذا العملْ
قد هاج في قلبي الغضبْ
إن لم تُطيعي بالعجلْ
أمري فإِحْظِي بالأربْ
أسما :
هيهات قد خاب الأملْ
إسكندر :
لاقيتِ من سيفي العطبْ

(عندما تقول: «هيهات قد خاب الأمل» يهجم عليها سالًّا خنجره ليضربها، فيدخل الملك.)

الجزء السابع

(إسكندر – أسما – ملك – حرس)
ملك : تأنَّ أيها الجَهول، ما هذا العمل! لقد سمعت أنك عاشق فتاة فقيرة، وقد قصدت أن تتزوجها، ولم أصدق عنك ذلك حتى أتيتُ بنفسي لأتحقَّق الأمور.
إسكندر : نعم نعم، الذي أخبرك صادق، وهذه هي الفتاة التي أهواها، فانظر إليها واعذرني.
ملك : أحسنت، ولكن هل الذي يهوى بنتًا يُجرِّد عليها السلاح؟
إسكندر : حيث لم تقبل طلبي قصدت أن أُفزعَها وأستعملَ كل الوسائط للحصول عليها؛ لأنها ملكتني وتيَّمتني (الملك يتأمل أسما التي تكون واقفة حزينة).
(للحرس) خذوها الآن، وبعد ذهاب أبي أرجعوها.

(يتكلم سِرًّا عن أبيه.)

ملك : نعم إنها بديعة الجمال، ولكن لا يليق بشأن الملوك أن يتنازلوا إلى فتاة فقيرة كهذه ويعشقوها.
إسكندر : كيف لا أعشقها، وهل أقدر ألَّا أعشقها؟
ملك : صحيح، فإنَّ فيها جاذبًا يستميل القلوب، ولكن لو كانت من عائلة شريفة لا بأس.
(لأسما) لا تبكي أيتها الصبية ولا تحزني، واذهبي إلى بيتكِ وعيشي بسلام.
أسما :
وقاكَ الله يا مولايَ ضيرًا
وجازى فعلك المبرور خيرًا

(تذهب.)

الجزء الثامن

(ملك – إسكندر – حرس)
ملك : وعلى ما أرى أنها غير قابلة ما تروم، ولا يجوز أن تغتصبها، فمن لا يحبك إلا تكلُّفًا لا تنتظر منه الأمانة.
إسكندر : وكيف أعمل إذًا؟
ملك : وكيف تعمل؟ دعها من فكرك، وإن شئت فأخطب لك بنت ملك الفرس؛ فإنها بديعة الجمال فريدة الخصال، وتليق بمقامنا، فإنها بنت ملك، وإذا أردت فأخطب لك بنت ملك الشام فإنها أيضًا …
إسكندر : لا يمكنني يا أبي أبدًا أبدًا؛ فهذه الفتاة غاية مرادي، فلا أحول عنها إذ لا يمكنني أن أحول.
ملك (لنفسه) : ما هذه الطباع التي له!
ملك : انظر من تريد من البنات سواها؛ لأخطب لك إياها.
إسكندر : لا أقدر، لا أريد إلَّاها.
ملك : اسمع كلام أبيك يا إسكندر وانتصح.
إسكندر : هيهات فإني أرى ذاتي غير قادر على تركها؛ لأن محبتها تملكت حشاشتي، فلست أسلوها أو أتركها إلا بالموت.
ملك : أهذه هي طاعة البنين للوالدين، وعلى الخصوص نحن الذين علينا أن ننهج بذلك صراطًا مستقيمًا للرعية، فلا عجب إذا عصاني أحد رعيتي فإن ابني يعصيني.
إسكندر : الطاعة واجبة وضرورية في كل ما هو ممكن أن نطيع به، وليس في شيء لا أقدر على طاعتك به ولو كلفني الأمر فقد حياتي.
ملك : خسئت يا جهول. قد قيل إن سرور الوالدين بالبنين، وأمَّا أنت فسبب قهري وغمي، قبحت وقبح العشق الذي يعمي البصيرة (ويذهب).

الجزء التاسع

إسكندر (لنفسه) :
أموت ولست أُضْرِبُ عن هواها
وأطرح للردى نفسي فداها
تملَّك حبُّها قلبي وعقلي
ولذَّ ليَ التفنُّن في هواها
فَرِحْتُ بحبِّها لكن جَفَتْني
فرُحْتُ ومهجتي تشكو لَظَاها
فإن قالوا وفتك أقول أهلًا
وإن قالوا جفتك أقول آها

الجزء العاشر

(إسكندر – أسما – حرس)
إسكندر : أسما، هذا آخر كلامي معك، وأمامكِ طريقان: إمَّا أنكِ تتمِّمين طلبي فتحصلين على كل سعادة تطلبينها، وإمَّا أنكِ ترفضين طلبي فتقعين في أشر عذاب وهلاك.

(أسما لا تبالي بكلامه، بل تلبث متأمِّلةً بقميص على الطاولة، وهو الثوب الذي أعطته إلى إسكندر في الفصل الأول حينما كان متخفِّيًا بملابس الشحاذ.)

ما بالكِ ساكتة؟ أتتأملين في الثوب الذي أحسنت عليَّ به؟
أسما : أنت هو ذاك المسكين يوسف الذي …
إسكندر : نعم أنا هو ذاك المسكين، أنا الذي احْتَلْتُ عليكم ودخلت بيتكم نظير مسكين سائل؛ لأشاهد جمالكِ وأفتقد أحوالكِ، وهذا الثوب الذي أنعمتِ عليَّ به مثل إحسان، فانظري كم …
أسما (لنفسها وهي تضم القميص إلى صدرها) : آه يا سليم، هذا قميصك …
أسما : هذا ثوب سليم الذي قتلته يا ظالم يا قليل الشفقة.
إسكندر :
وَيْكِ كُفِّي اللوم قد هاج الغضبْ
موغرًا صدري
زدتِ في التقريع جِدًّا والتعبْ
فوهى صبري
فاقبلي نصحي تفوزي بالأربْ
تممي أمري
أو فتلقين مُصابًا حمله صعب
وبلاءً وعذابا
أسما :
إنه عذبُ٥
لا أرى موتي عسيرًا
حيث خاب الأملُ
وإلى الموت أخيرًا
كل حي يصلُ
إسكندر :
زدتِ يا أسماءُ جهلًا
وعنادًا وجنون
فلحلمي لستِ أهلًا
فاستعدِّي للمنون
أسما :
حبَّذا موت قريب
فلقد طاب الحِمامْ
بعدما مات الحبيب
لم يعد لي من مرامْ
إسكندر :
أودعوها السجن حالًا
واحجزوها في انفرادْ

(الحرس تأخذ أسما.)

وأذيقوها وبالًا
ذا جزا أهل العنادْ
إنما لا تأخذوها
أرجعوها، اصبروا
أرجعوها أرجعوها
علَّها تستغفرُ

(الحراس ترجع أسما.)

ويكِ أسما لا تكوني
ذات جهل وغرورْ
واحذري كأس المنونِ
فهي من سيفي تدورْ
أسما :
باطِلًا فالموت أحلى
وهو لي أولى هبهْ
أيها الظالم مهلًا
سوف تلقى العاقبه
إسكندر (للحرس) :
أبعدوها أبعدوها
زاد عندي الإضطرابْ
وإلى السجن خذوها
ولتذقْ مرَّ العذابْ٦

(يأخذونها إلى السجن.)

الجزء الحادي عشر

(إسكندر)

(إسكندر ينظر ليرى أسما ذهبت فيتأثر جِدًّا، فيقول متمشِّيًا بحدة):

إسكندر :
خاب الأمل
بالقرب منها
ما العمل
هل أحتمل بعدي عنها
فلا يطاق
هذا الفراق
صدري ضاق
وصبري زال
وهاج وجدي٧
١  قد: قف على أكناف رامه.
٢  قد:
باهي للسنا
لما انثنى
أزرى القنا
٣  قد: بلابل صفا الأفراح.
٤  قد: يا من أسرني بالجمال.
٥  قد: يا حمام الدوح هيجت الغرام.
٦  على قد: العيون النرجسية (إيكرك سيكاه).
٧  على قد: يا عذب اللمى المنمنم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤