طلب المرأة المساواة

فالإغضاء عن كل هذه الفوارق والذهاب إلى المساواة بين الرجل والمرأة بعد وضوح قصورها عنه وظهور نقصها بالقياس عليه، عبثٌ لا موجب له ولا يفيد.

دخل القرن الثامن عشر في أوروبا فرفع حواجز الطبقات، ونزع حوائل الهيئات، فصار الناس سواء في نظر الشريعة، وإن لم يكونوا كذلك في نظر الطبيعة. وانطلقوا يتبارون كما يتبارى الْأَكْفَاءُ، فبعد أن كان لكل طبقة زي تُعرف به، غدونا لا نميز بين أقدار الناس باختلاف أزيائهم أو تشابُه بزاتهم. وكانت المرأة بما جُبِلَتْ عليه من خليقة الغيرة أول من خطا إلى هذا المضمار، فشاقتها الزينة، وراح أدنى النساء يقلدن اعلاهن في التبرُّج والتأنُّق واقتناء المجمِّلات والمحسِّنات. والمرأة لا ينقصها الاقتناع بوجوب اقتنائها كل ما يتمم حسنها ويجلو رونقها، فإذا قصر الرجل في إيتائها بهذه المطالب فهي في شرع الهوى بريئة من عدمه. خير لها أن تلتمس تلك النفائس والتحف عند من يحبوها إياها وهو قرير العين طيب الخاطر، فاستبيحت الأعراض، وتراخت ثقة الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وصدف الناس عن الزواج إلا القادرين الآمنين، وهم قليلون.

وجاء هذا على أثر عهدٍ فشا فيه فساد أبناء الطبقات العليا وبناتها، واتصل منها بغيرها من الطبقات، فرنق ماء حيائهم وأوهن من حفاظهم وعفافهم.

ثم تحول في ذلك القرن وجه المسألة الاقتصاية، واشتد التكالب على الأرزاق، وضاق الخناق، وأخذ الناس بالحُجزات والأطواق، فأصبح أجر العامل لا يفي بأكثر من قوته وحاجته ومأواه، فضلًا عن أن يمون به سواه، فزاد ذلك في إحجام الرجال عن الزواج، وقلَّل شيئًا فشيئًا من عدد المتزوجين والمتزوجات.

كان من هذا وذاك أن كثر بين النساء المنقطعات اللائي لا محيص لهن عن السعي لأنفسهن. فطرقن أبواب الأعمال يزاحمن عليها الرجال. ثم رأين أنه قد آن أن يساوين الرجل في الحقوق وقد حمَّلن أنفسهن واجباته ونزلن معه في هذا المجال. فصِحْن يطلبن تلك المساواة الصورية التي نالها قبلهن نساء الطبقة العليا، بحكم ثروتهن والبيئة التي هن فيها، لا بالعلم أو مساواة الرجل في القدرة والفهم.

على أن من تبين ضعف المرأة، ثم ما وُهِبَتْهُ من جمال الظاهر، ورأى كيف تحتال به على مطالبها، وتستخدمه في مآربها، وأنها لا تعدل به شيئًا من مفاخر الحياة، ولو أوتيت العلم والحكمة، أو رُزِقت الملك والعظمة؛ علم أنه حل منها محل القوة من الرجل، وأنها إنما وُهِبَتْهُ ليكون سلاحها الذي تحفظ به حياتها في هذا الوجود، لئن صدئ في هذه الأيام إفرنده، أو تثلَّم حده، فأولى بها أن تعمد إلى صقله وشحذه، من أن تصول بسلاح سواه، لا يدفع عنها أذى، ولا يرد من مصاوليها أحدًا.

وليس إلا غرورًا كالغرور الذي لا نصادف مثله في غير بنت حواء، يزين لها أن تقول للرجل:

أنا ربة الجمال، وصاحبة القوة فوق الجمال. أسعى سعيك وأدأب دأبك. وليس هذا كل ما عندي. بل إنك لتعمل ولا عائق لك يثنيك عمَّا أنت آخِذ فيه. أما أنا فأعمل كما تعمل، في حين أنهض بأعمال الحمل والوضع والحضانة والتربية، فأغالب عَامِلَيِ التعب والألم، وأنت تنوء بواحد منهما. ولا أراني قانعة بأن أكون مثلك، بل إني لَأَصْلَبُ منك عودًا وأشد جَلَدًا، وأجمل منظرًا وأحد ذكاء و… و…

ولا ندري بعد هذه الدعوة، أتتجاوز المرأة عمَّا فرضته على الرجال من واجب احترام الضعف فيها، أم تتقاضاهم بعده واجب احترام السيادة والسلطان؟

إن الرجل والمرأة صِنوان خُلِقَا ليعيشا معًا. ولا بد لأحدهما من ميزة على الآخر ينتظم بها أمر المعيشة بينهما. فمن تُرى يكون صاحب الميزة منهما؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤