تعدُّد الزوجات

ولقد هال شوبنهور كثرة فرائس العزوبة في أوروبا فعمد إلى وصفة شرقية، وقال بوجوب الاقتداء بأمم الشرق في إباحة تعدد الزوجات.

ونحن ننقل كلمته في هذا الصدد، حتى يفقه القُرَّاء ماذا هوَّن على حكيم غربي أن ينصح قومه بالرجوع إلى ما نعالج التخلص منه في شرقنا ونعدُّه منكرًا تجب إزالته. قال:

يقضي الزواج في البلاد التي تقصر الرجل على زوج واحدة تنصيف حقوق الرجل وتضعيف واجباته. وإذا كان القانون يمنح المرأة كل ما يسمح به للرجل فقد كان حقًّا عليه أن يمنحها عقلًا كعقله واستعدادًا كاستعداده. وإنه بقدر ما تزيد هذه الحقوق والمزايا التي خصت الشرائع بها المرأة عن مقدار ما خصتها به الطبيعة، نرى هنالك نقصًا بَيِّنًا في عدد النساء اللائي ينتفعن فعلًا بتلك الحقوق والمزايا، وعلى ذلك فلا نتيجة لإثبات هذا النص في شرائعنا إلا أنها حَرَمَتْ فريقًا من النساء حقوقهن الطبيعية بقدر إمتاعها الفريق الآخر منهن بحقوق فوق ما يجب لهن ويناسب طبيعتهن.

فإن هذه الميزة المجافية للوضع الطبيعي، التي نالتها المرأة بحكم سُنَّة الوحدة في الزواج وما يتبعها من أصول الزوجية وحدودها، فصيرتها نِدًّا للرجل مساويًا له، وما هي كذلك في الواقع، إن هذه الميزة من شأنها أن تجعل عقلاء الرجال وأذكياءهم يترددون طويلًا قبل الرضا بما يقضي به الزواج من التجاوز عن حقوقهم والتجرُّد عن مزاياهم. فينشأ من ذلك أنه بينما تجِد كل امرأة عائلًا لها بين الأمم التي أساغت تعدُّد الزوجات، نرى من جهة أخرى أن عدد النساء المتزوِّجات في البلاد التي حظرته محدود بالنسبة إلى عدد لا يُحصى من بنات جنسهن يظلن ولا عائل ولا ولي لهن، فيعيش بنات الطبقات العليا منهم عيشة تبتُّل عقيم، ويعاني الأخريات أشد الأعمال وأفدح الأثقال، أو يتلوثن بلوثة العهر، فيقضين حياة بعيدة عن السرور بُعدها عن الشرف. ثم يصبح وجودهن في هذه الحالة أمرًا لازمًا، فيتخذهن المجتمع درعًا يُذاد بها عن عفة أخواتهن اللائي أسعدهن الجَد بالزواج أو بانتظاره. وإن في لندرة وحدها ثمانين ألف بَغِيٍّ! فهل يقال إلا أن هؤلاء النسوة الشقيات، إنما هن ضحايا بشرية على مذبح وحدة الزوجية.

هؤلاء النسوة هن الكفة الشائلة في ميزان ترجح فيه حقوق المرأة من جانب لتهبط من الجانب الآخر. ولا مناص من وجودهن إلى جانب «السيدات» اللائي يحمين نظام وحدة الزوجية في أوروبا، فيظهرن بما يطيب لهن من ادعاء وخيلاء.

ومن ثَمَّ فتعدُّد الزوجات سُنَّة نافعة للنساء باعتبارهن نوعًا. هذا على أنني لا أرى ثمة مانعًا معقولًا يصد رجلًا أصيبت زوجته بداء عضال، أو بقيت عاقرًا لا تلد، أو كانت لا تناسبه سنًّا، من أن يقترن بزوجة أخرى. وإن كثيرًا من الناس يصبأون إلى مذهب المرمون ليصبحوا في حل من الاقتران بأكثر من واحدة.

ولا يعجبني هذا المذهب التجاري في الزواج. أو لا أستحسن أن يكون القوت هو الجامع بين الجنسين لما سأُبيِّنه بعد. ولكن الذي أراه وأحسب أنني مصيب فيه، أنه سواء كان الزواج موحدًا أو معددًا، شرعيًّا أو مدنيًّا، لا يحسن أن يترك للمرأة كل الرأي فيه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤