الانتِخابُ الجنسِيُّ

فلست ممن يرجون من الانتخاب الجنسي نفعًا للمرأة أو لنوع الإنسان، ما دام الانتخاب على هذا النمط. وإن البقرة لتنفع نوع البقر بغريزتها الانتخابية أكثر ممَّا تنفع المرأة نوع الإنسان. ذلك لأنه ليس للمرأة — كما قدمت — رأي ذاتي في الرجل، فهي لا تُحسن الاختيار ولا تتحرى الأصلح في تمييزها بين الرجال.

وليس أيسر — على من رام أن يتحقق ذلك — من أن يلحظ أحوال رجالنا، وينظر فيما جعلهم يتنافسون بينهم لاسترعائها واجتذاب قلبها.

فالفتيان لا يزالون يتبارون في التعطُّر، وصف الطُّرَرِ، وفَتْلِ السبال، ورشاقة المشية، والتأنُّق في الهندام، والترصُّد في الطرقات، إلى ما شاكل ذلك ممَّا لا يتعدى الجمال الظاهر، ويؤدي العكوف عليه إلى سقوط الهمة وموت النفس.

فليت هذا الانتخاب الجنسي، إذ أخفق في تحسين الأجيال المقبلة، قد سلم الجيل الحاضر من شره ونجا من بوائقه!

والمرأة — ما تُركت لنفسها — راضية بذلك منهم. لا تكلِّفهم التباهي بمكرُمة أو التسابق إلى فضيلة ليستحقوا وُدَّها ويرجحوا سواهم لديها.

وليس هذا في مصر بلد المرأة الجاهلة. ولكنه كذلك في أوروبا بلد السوبرمان المترقية. وما أكثر «الظرفاء» هناك ممَّن لا هَمَّ لهم إلا التصدي للنساء في كل مكان!

•••

أما من عداهم الشباب وخلفهم رونق الصبا، فأولئك يتجاذبونها بالنوال، ويرغبونها بالمال. والمال بغية نفس المرأة، به تقتني نفيس العقود، وثمين الجواهر، وسَنِيَّ الثياب، وزَكِيَّ الروائح والعطور، وتزدهي على أترابها. فهو إذا لم يُرْضِ عاطفة العشق فيها أرضى عاطفة الغيرة، وكلتاهما بالمنزلة الأولى بين عواطف نفسها.

والمرأة مادية في رغباتها ومقاصدها؛ فقد يتسلى الرجل عن حاله بالفلسفة كما يقولون. وتأبى هي أن تتجاوز ببصرها الواقع الملموس. وقد يُجِلُّ الرجل عظيمًا زريًّا ولا ترى المرأة فيه إلا ما يضحك منه ويُتنادر عليه.

•••

وهناك رجل من زمرة أُسَمِّيهَا قرود النساء، لا هو بالغني الوسيم ولا بالغني الكريم. ولكنه ذو حظوة عند المرأة. ذلك رجل سبر طباعها، وخبر تقلُّبات أهوائها. فعرف ما يضحكها ويعجبها، وما يسرها ويحببها، فيتلاعب بعواطفها، يأتيها من جانب غرورها اليوم، ومن جانب غيرتها غدًا، ومن جانب مشتهياتها وهواجسها مرة أخرى، فتستملح عشرته، وتستطيب حديثه. وما أقرب ما بين الحب والاستحسان في قلوب النساء.

وإنا لنسمع عن نفور زوجات العلماء والعقلاء من أزواجهن وتبرُّمهن بعشرتهم. وما لذلك من سبب إلا أنهم لا يتنزلون إلى إرضاء صغائر المرأة، ولا يحسنون ما يحسنه هؤلاء القرود.

•••

فليس أحظى عند المرأة من هؤلاء الثلاثة: فتى ذو جمال، أو صاحب مال ونوال، أو خلب نساء ختال. تتخيرهم وتقدهم على سواهم، وما هم بأطيب الأزواج ولا بأحسن الآباء ولا بخير الرجال.

وما شر الثلاثة أُمَّ عمرو
بصاحبك الذي لا تصبحينا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤