الفقرة الأولى: اللغز الجوهري

تتلخَّص غرابة عالَم الكَم فيما يُعرَف رسميًّا باسم «تجربة الشق المزدوج». وكان ريتشارد فاينمان، الحاصل على جائزة نوبل لإسهاماته في مجال فيزياء الكَم، يفضِّل أن يُسمِّيَها «تجربة الثقبَين»، قائلًا إنها «ظاهرة يستحيل غايةَ الاستحالة تفسيرُها بأي طريقة كلاسيكية، وفيها يكمن جوهر ميكانيكا الكَم. فهي في الواقع تنطوي على اللغز «الوحيد» … الخواص المميزة الأساسية لميكانيكا الكَم برُمَّتها.»١ قد يُدهِش هذا أيَّ شخص لا يتذكَّر التجربة إلا من دروس الفيزياء في المدرسة، حيث تُستخدم «لإثبات» أن الضوء شكلٌ من أشكال الموجات.

كانت التجرِبة في نسختها المدرسية عبارةً عن حجرة مُظلِمة، حيث يُسلَّط الضوء على حاجزٍ بسيط — قطعة من كرتون أو ورق — به ثقبان صغيران، أو شقَّان ضيِّقان مُتوازيان في بعض الأشكال الأخرى للتجربة. ووراء هذا الحاجز يوجد حاجز ثانٍ بلا أي ثقوب. ينتقل الضوء من خلال الثقبَين في الحاجز الأول إلى الحاجز الثاني، حيث يصنع نمطًا من الضوء والظل. تُسمَّى طريقة انتشار الضوء من خلال الثقبين حيودًا، أما النمط فيُسمَّى نمط التداخل؛ لأنه نتاج شعاعَين من الضوء، يأتي كل واحد منهما من أحد الثقبَين، فينتشران ويتداخلان أحدهما مع الآخر. وهو ينسجم تمامًا مع النمط المتوقَّع عند انتقال الضوء في شكل موجة. في بعض المواضع، تتجمَّع الموجات معًا وتصنع بقعةً ساطعة على الحاجز الثاني؛ وفي مواضعَ أخرى تتلاقى قمة إحدى الموجات مع قاع موجة أخرى، فتُلغي كلٌّ منهما الأخرى وتتركان بقعةً مُعتِمة. يمكن رؤية النوع نفسه من نمط التداخل في التموجات التي تنشأ في بِركةٍ راكدة إذا أُلقيت فيها حصاتان في الوقت نفسه. من السمات المميزة لهذا النوع من التداخل أنَّ أزهى بُقَع الضوء على الحاجز الثاني لا تظهر خلف أيٍّ من الثقبَين مباشرةً، وإنما في المنتصف بالضبط بين هاتين النقطتين، بالضبط حيث تتوقَّع أن يكون الحاجز الثاني مُعتِمًا تمامًا لو كان الضوء حقًّا عبارة عن تيار من الجُسيمات. فلو كان الضوء مكوَّنًا من تيار من الجُسيمات، كنت ستتوقَّع أن ترى بقعةً مضيئة خلف كل ثقب، وعَتَمة فيما بين تِلكما البقعتين الضوئيتين.

figure
ريتشارد فاينمان

«جيتي إيميدجز»

لا بأس حتى الآن. يُثبِت هذا أن الضوء ينتقل كموجة، كما أدرك توماس يونج في بداية القرن التاسع عشر. لكن للأسف جاءت في مطلع القرن العشرين تجارِبُ من نوعٍ آخر أثبتت أن الضوء ينتهج سلوك تيار الجُسيمات. تضمَّنت هذه التجارب إطلاق الإلكترونات من سطحٍ معدني عن طريق شعاع من الضوء، فيما يُعرَف بالتأثير الكهروضوئي. عند قياس طاقة الإلكترونات المقذوفة، تبيَّن أن طاقة الإلكترونات كانت دائمًا واحدة مع كل لون من ألوان الضوء. في حالة الضوء الساطع ينطلق عددٌ أكبر من الإلكترونات، لكنها تظل متساوية في مقدار الطاقة، وكذلك الأمر مع طاقة كلٍّ من الإلكترونات التي تنطلق بعددٍ أقلَّ حين يكون الضوء خافتًا. كان ألبرت أينشتاين هو من فسَّر هذا الأمر في إطار جُسيمات الضوء، التي يُطلَق عليها الآن الفوتونات، أو كموم الضوء بلغتِه. تتوقَّف كمية الضوء التي يحملها الفوتون على لون الضوء، لكن طاقة جميع الفوتونات تتساوى في أي لون. وفي ذلك يقول أينشتاين: «أبسط تصوُّر هو أن الكَمَّ الضوئي ينقل طاقته برُمَّتها إلى إلكترونٍ واحد». إن زيادة الضوء تعطي فقط المزيد من الفوتونات (كموم الضوء)، لدى كلٍّ منها القَدْر نفسه من الطاقة لتُعطيه للإلكترونات. وقد نال أينشتاين جائزة نوبل عن هذا العمل، لا عن نظرياته في النسبية. وبعد مائة عام من اعتبار الضوء موجةً، اضطُرَّ علماء الفيزياء للبدء في التفكير فيه باعتباره جسيمًا، لكن كيف لذلك أن يفسِّر تجربة الثقبَين؟

figure
حين يمرُّ الضوء من خلال شقَّين في حاجزٍ ما، تنتشر الموجات من كل شق لتُحدِث نمطَ تداخُل، مثل تموُّجات في بِركة.

تفاقَم الأمر وازداد سوءًا. فبعد أن رأى الفيزيائيون تجاربَ التأثير الكهروضوئي تُلقي بظلال الشك على الطبيعة الموجية للضوء، أُصيبوا بالحيرة والإحباط في عشرينيات القرن العشرين حين اكتشفوا دليلًا على أن الإلكترونات، التي تُعَد الجسيمات النموذجية الأصلية للعالَم دون الذري، قد تسلك سلوك الموجات. انطوَت التجارب على إطلاقِ أشعة من الإلكترونات من خلال صفائح رفيعة من رقائق الذهب، يتراوح سُمكها بين واحد على عشرة آلاف وواحد على مائة ألف من الملِّيمتر، ورصدها على الجانب الآخر لفحصِها ودراستِها. بيَّنت الدراسات أن الأشعة الإلكترونية قد تشتَّتَت عند مرورها عبر الفجوات الواقعة بين صفوف الذرات في المَعدِن، تمامًا مثلما تشتَّت الضوء عند مروره في تجربة الثقبَين. وقد حصل جورج طومسون الذي أجرى تلك التجارب على جائزة نوبل لإثباته أن الإلكترونات عبارة عن موجات. وكان والده، جيهجيه طومسون، قد حصل على جائزة نوبل لإثباته أن الإلكترونات عبارة عن جسيمات (وكان لا يزال على قيد الحياة، وشاهَد جورج وهو يتلقى جائزته). كلتا الجائزتين كانت مستحَقَّة. وليس هناك أدلُّ من ذلك على الغرابة التي تكتنف عالَم الكَم. لكن ليس هذا كلَّ ما في الأمر.

ما زال لغز ازدواجية الموجة والجسيم، كما صار معروفًا، يكمن في قلب التنظير بشأن معنى ميكانيكا الكَم منذ عشرينيات القرن العشرين فصاعدًا. وقد مَنَح قَدْرٌ كبير من هذا التنظير بشأن قواعد وأسُس ميكانيكا الكَم العزاءَ لعلماء الفيزياء الذين سأتناولهم لاحقًا. بَيد أن اللغز قد شهد أوج تألُّقه في سلسلة من التجارب الجميلة بدأت في سبعينيات القرن العشرين؛ لذلك سأتخطَّى مؤقتًا نصف قرن من التماس العزاء من أجل تقديم أحدث الحقائق المتعلِّقة باللغز الجوهري. وإن وجدت ما سيأتي لاحقًا صعبَ التصديق، فتذكَّر ما قاله مارك توين: «الواقع أغرب من الخيال، لكن ذلك لأن الخيال لا بد أن يخضع للاحتمالات، أما الواقع فهو ليس كذلك.»

في عام ١٩٧٤، وضع ثلاثة فيزيائيين إيطاليين، هم بيير جورجيو ميرلي وجيان فرانكو ميسيرولي وجوليو بوتزي، تقنيةً لمراقبة التجربة المكافئة لتجربة الثقبَين مع الإلكترونات. واستخدموا بدلًا من شعاع الضوء شعاعًا من الإلكترونات، التي انفصلت بالغليان عن سلكٍ ساخن، وانتقلت من خلال جهاز يُسمَّى الموشور الثنائي الإلكتروني. تدخل الإلكترونات إلى الموشور الثنائي من خلال مدخل واحد، لكن يعترضها مجالٌ كهربائي يقسِّم الشعاع إلى نصفَين، فتنطلق نصف الإلكترونات من مخرج، فيما ينطلق النصف الآخر من مخرجٍ آخر. ثم تصل إلى شاشة جهاز كشف، أشبه بشاشة الكمبيوتر، حيث يصنع كل إلكترون بقعةً بيضاء حين يصل. تبقى البقع؛ لذا مع مرور مزيد ومزيد من الإلكترونات في التجربة يتكوَّن نمط على الشاشة. عند إطلاق إلكترون واحد من خلال الموشور الثنائي، تكون فرصته متعادلة في الذهاب في أي اتجاه من الاتجاهين، ويصنع بقعةً واحدة على الشاشة. أما عند إطلاق شعاع من عدة إلكترونات خلال التجربة، فإنها تصنع بقعًا متداخلة على الشاشة، وتندمج هذه البقع معًا لتصنع بذلك شكلًا أو نمطًا؛ نمط التداخل المتوقَّع للموجات.

هذا الأمر في حد ذاته لا يستدعي الانزعاج الشديد. فحتى إن كانت الإلكترونات جسيمات، فهناك الكثير منها في الشعاع، ويمكنها التفاعل بعضها مع بعض في طريقها خلال التجربة لتصنع نمط التداخل. فموجات الماء، على كل حال، تصنع أنماط تداخُل، والماء يتكوَّن من جزيئات، يمكن اعتبارها جسيمات. لكن هناك ما هو أكثر من ذلك.

كانت التجربة الإيطالية بالغةَ الدقة، حتى إنه كان يمكن إطلاق الإلكترونات المفردة خلالها واحدةً تلو الأخرى، وإرسالها في مسارها مثل طائرات رِحلات جوية تغادر من مطار مزدحِم. كان التباعد بين الإلكترونات واسعًا مثل التباعد بين تلك الطائرات. فكانت المسافة بين مصدر إطلاق الإلكترونات (في الواقع أن هذه العبارة أرقى قليلًا من السلك الساخن) لشاشة الكاشف عشرة أمتار، ولم يكن أي إلكترون في تيار شعاع الإلكترونات يغادر إلا بعد وصول سابقه إلى مستقَرِّه. يمكنك (على ما أرجو) تخمينُ ما حدث عند إطلاق آلاف الإلكترونات واحدًا تلو الآخر خلال التجربة لتكوين نمط على شاشة الكاشف. لقد صنعت نمطَ تداخُل. لو كانت الجسيمات المفردة تتفاعل معًا لتصنع نمطًا بنفس الطريقة التي تتفاعل بها جزيئات الماء لصنْع نمط؛ إذَن هذا يعني أن التفاعل كان يحدث عبر المكان والزمان على حدٍّ سواء. وقد صارت هذه التجربة تُعرَف باسم «حيود الإلكترون الواحد عبر شقٍّ مزدوج».

حين تنطلق الإلكترونات واحدًا تلو الآخر من خلال مكافئ تجربة الشق المزدوج للضوء، يُحدِث كل إلكترون بقعةً من الضوء على شاشة الكاشف. لكن تتراكم البقع شيئًا فشيئًا مع الوقت لتصنع نمطَ تداخُل، كما لو كانت موجات (انظر الشكل في الصفحة التالية).

figure
منقولة من بحثٍ لإيه تونومورا وآخرين، «أمريكان جورنال أوف فيزيكس» (١٩٨٩).

رغم أن الفريق الإيطالي نشر هذه النتائج المذهِلة في عام ١٩٧٦، فقد فشِلت في إحداث أيِّ صدًى في عالَم الفيزياء. فقد كانت قلَّةٌ من الفيزيائيين مهتمةً آنذاك باكتشاف آلية عمل ميكانيكا الكَم، ما دامت تؤدي الغرض، من حيث إنها تمكِّنهم من استخدام المعادلات لإجراء عمليات حسابية والتنبؤ بنتائج التجارب تنبؤات صحيحة. أما كيفية وصول إلكترون، أو شعاع من الإلكترونات، من النقطة «أ» إلى النقطة «ب»، فهي لا تعني مهندسًا يصمِّم جهاز تلفزيون مثلًا. يمكننا تشبيههم بذلك النوع من سائقي سيارات السباق الموشِك على الاندثار، الذين لم يكونوا يأبَهون بما يجري تحت غطاء محرِّكات سياراتهم، ولكن كانوا يستطيعون الانطلاق في أنحاء حلبة السباق بأقصى سرعة. كانت النصيحة الوحيدة الممتزِجة بقليل من المُزاح للطلبة الذين يريدون معرفةَ «السبب» وراء نجاح المعادلات، هي كما ذكرت: «التزِموا الصمتَ وأجْرُوا العمليات الحسابية»؛ أي استخدِموا المعادلات ولا تنشغلوا بما تعنيه.

صار ذلك الموقف موضعَ تساؤل على نحوٍ متزايد خلال ثمانينيات القرن العشرين، لا سيما بسبب التطورات التي سأتحدَّث عنها في الفقرة الثانية. لذلك حين أجرى فريقٌ ياباني، يترأسَّه أكيرا تونومورا، تجارب مماثلة لتجارب الإيطاليين الرواد، ولكن مع استخدام التقنية المتطورة التي ظهرت في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، أحدثت نتائجهم، التي نُشرَت عام ١٩٨٩، دويًّا أكبر. حتى إنه في عام ٢٠٠٢، اختار استطلاع آراء لقُرَّاء دورية «فيزيكس وورلد» تجربة حيود الإلكترون الواحد عبر الشق المزدوج باعتبارها «أجمل تجربة في مجال الفيزياء». لكن ثَمَّة تفصيلة من تفاصيل هذه التجارب أثارت انتقادات. لا يوجد في تجارب الموشور الثنائي الإلكتروني حاجزٌ مادي، مثل الحاجز الأول في تجربة الشق المزدوج الكلاسيكية الخاصة بالضوء، وكلا المسارَين، أو القناتين، اللذين يمرَّان عبر الجهاز، مفتوح دائمًا. في عام ٢٠٠٨، خطا بوتزي ومجموعة أخرى من الزملاء خطوةً أبعد. فقد طوَّروا تجربةً أمكنَ فيها إطلاق كل إلكترون على حدة من خلال شقَّين حقيقيين ملموسين بحجم النانو في حاجز رفيع، ليُكتشف على الجهة الأخرى بالأسلوب المعهود. وكما هو متوقَّع، صنعت الإلكترونات التي بلغت شاشة الكاشف نمطَ تداخُل. لكن حين سد الفريق الإيطالي أحد الشقَّين وأجرَوا التجربة مرةً أخرى، لم يحدُث تداخُل. لقد كان النمط الذي تكوَّن على شاشة الكاشف مجردَ بقعة خلف الشق مباشرةً، تمامًا كما كنتَ لتتوقع من تيار من الجزيئات. كيف لإلكترون فردي ينتقل بمفرده خلال التجربة من خلال ثقب في جدار أن «يعلم» ما إن كان ثَمَّة ثقب آخر قريب ربما مرَّ من خلاله، وما إن كان ذلك الثقب مفتوحًا أم مغلقًا، فيعدِّل مسارَ رحلته اللاحق بناءً على ذلك؟

كانت الخطوة التالية واضحة نظريًّا، لكنها في غاية الصعوبة عمليًّا. كانت تلك الخطوة هي إجراء تجربة بثقبين، بمقياس النانو، حيث يمكن فتح الثقبين أو غلقهما بينما لا تزال الإلكترونات في طور الانتقال. هل يمكن خداعها بتغيير الإعداد التجريبي بعد أن مضت في رحلتها؟ تبنَّى هذا التحديَ فريقٌ مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه كان يرأسه هيرمان باتيلان، الهولندي المولد، الذي أعلن ما توصَّلوا إليه من نتائج في عام ٢٠١٣. وقد أوردتُ تجربتهم في مقالي الذي نُشِر على كيندل «لغز الكَم»، وبما أنه يشتمل على أرقام دقيقة، فلا يسعني تحسين ذلك الوصف؛ لذلك أسرده هنا مرةً أخرى.

صنع القائمون على التجربة شقَّين في غشاءٍ رقيق من السيليكون المطلي بالذهب. كان «سُمك» (أو بالأحرى «رفع») الغشاء ١٠٠ نانومتر فقط، مطليًّا بنانومترَين من الذهب. كان عرض كل شق ٦٢ نانومترًا، وطوله أربعة ميكرومترات (يعادل النانومتر واحدًا على مليار من المتر، بينما يعادل الميكرومتر واحدًا على مليون من المتر). كانت المسافة الفاصلة بين الشقَّين المتوازيين ٢٧٢ نانومترًا (بدءًا من مركز وسط أحد الشقَّين لمركز الشق الآخر)، وكانت الإضافة الجديدة الفاصلة هي مصراعًا دقيقًا يمكن زجُّه عبر الغشاء باستخدام آلية أوتوماتيكية (محرِّك كهروضغطي) لسدِّ أحد الشقين.

مرَّت الإلكترونات في التجربة من خلال الجهاز بمعدَّل إلكترون واحد في الثانية، مستغرِقةً ساعتين في تكوين النمط على الشاشة. سُجِّلت العملية برُمَّتها على الفيديو. وفي سلسلة متصلة من التجارب، لاحظ الفريق ما يحدث عند فتح كلا الشقَّين، وعند غلق شق واحد، وعند نقل المصراع لسد الشق الآخر. وكما هو متوقَّع، أظهر النمط الذي تكوَّن عند فتح الشقين تداخلًا، لكن لم يحدث ذلك عند فتح واحد فقط من الشقين. فكان على رأس كل الألغاز التي كشفت عنها (أو ربما يجب أن أقول أكَّدتها) التجارب الإيطالية واليابانية أن الإلكترونات «عرفت» مرة أخرى كَمْ شقًّا كان مفتوحًا. بدا الأمر وكأن كل إلكترون كان «يعرف» إعدادات التجربة بدقة حين انطلق في رحلته عبر الجهاز، بل وما حدث أيضًا للإلكترونات التي انطلقت قبله وتلك التي جاءت بعده.

كان ريتشارد فاينمان قد تنبَّأ بحدوث هذا قبل نصف قرن. فقد تخيَّل إجراء تجربة الشق المزدوج بالإلكترونات، بناءً على ما كان يعلمه الناس آنذاك عن سلوك الضوء واكتشاف الموجات الإلكترونية. فقال في كتاب «محاضرات في الفيزياء» إنه سيصف تجربةً افتراضية «ليس عليكم أن تحاولوا إجراءها»؛ لأن «الجهاز سيتحتَّم إنشاؤه على مقياس صغير إلى حدِّ الاستحالة لتوضيح النتائج التي نريدها». لكن ما كان مستحيلًا في عام ١٩٦٥ صار ممكنًا في ٢٠١٣. وكان ذلك من شأنه أن يسُرَّ فاينمان الذي كان شغوفًا بتكنولوجيا النانو، من بين أشياء أخرى. فقد بلغوا، على حد قول باتيلان وزملائه، «التحقيق الكامل لتجربة فاينمان الافتراضية». وقد كشفت بالفعل عن اللغز الجوهري لعالم الكَم؛ «قلب فيزياء الكَم … اللغز الوحيد». ولا أحد يعلم كيف يمكن للعالم أن يكون بذلك الشكل.

هوامش

(١) «محاضرات في الفيزياء»، المجلد الثالث. مصطلَحَا «فيزياء الكَم» و«ميكانيكا الكَم» متبادلان في هذا السياق. أما الفيزياء «التقليدية» فيُقصَد بها كل شيء قبل النِّسبية ونظرية الكَم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤