هذا الكتاب

صدر هذا الكتابُ أول مرة منذ سبعة أعوام ضمن قراءات ودراسات أخرى في الفلسفة، وصادف قبولًا لدى قرائه في ذلك الحين، فرأيت أن أُسهِمَ به في الحراك التنويري الراهن حول المسألة الديمقراطية.

•••

وبعد … نَعْرِض في هذا الكتاب الوجيز لقضية الديمقراطية، فلا نجد بُدًّا من العودة إلى أبجديتها كما وضعها مُعلِّمو الديمقراطية الكبار من أمثال جون ستيوارت مل وجون ديوي وتشارلس فرانكل وكارل بوبر، ذلك أننا نستخدمُ هذه اللفظةَ في مُماحَكاتِنا الهزليةِ استخدامًا يَزيغُ بها عن معناها القويمِ الذي قصده بها أئمَّتُها، والذي يجعلها الآليَّةَ السياسية التي من شأنها أن تخلقَ مجتمعًا قادرًا على حل مشكلاته وتصحيحِ أخطائه وتعديلِ وجهته دون كُلفةٍ باهظةٍ ودون إراقةِ دماء.

والديمقراطيةُ قبلَ كلِّ شيءٍ مُناخ.

إنها المناخُ الصحي للنبتةِ البشرية المبدِعة المفطورة على التحوُّل والخَلْق لا على التكرار والاجترار، إن الحرية التي يتيحُها المناخُ الديمقراطي ليست ترفًا ورفاهةً وزيادةَ فضْل، إنَّها «خاصةٌ جوهرية» essential property للنبتةِ البشرية، بها تكون ما هي وبدونها تكون أيَّ شيءٍ آخر، وأنت حين تسلبُ الإنسانَ حريتَه فأنت لا تسلبُه شيئًا يمكن أن يعيشَ بدونه أو يتقوَّمَ بغيرِه، إنما تسلِبُه «ماهيتَه» التي بها يكونُ بشرًا، بشرًا يبتكِر ويختار ويبدِع نفسَه، ويحملُ بالتالي مسئوليتَه ولا يُلقيها، بمكرٍ وتواطؤٍ أخرسَ، على عاتق الطغاة يختارون له ويُسيِّرونه ويحمِلون عنه عبءَ الحياة.

لسنا نعني بذلك أن الديمقراطيةَ مفتاحٌ سحري يحل جميعَ المشكلات أو حجابٌ موصوفٌ يحفظ حاملَه من العين، أو بابُ مغارةٍ أسطورية يُفضي إلى الكنز في لحظةٍ فارقة تفصِل بين الشقاء والنعيم.

الديمقراطية ليست بابًا، الديمقراطية طريق؛

طريقٌ تُعبِّدُه الأقدامُ ذاتُها،

طريقٌ «يُخَطُّ لا من أجل السير وإنما بفعله»؛

ومِن ثَمَّ فلا وجهَ ولا مبرِّرَ ولا معنى لتسويف السَّيْر.

عادل مصطفى

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤