مِن قِبَاء إِلى المدينَة

أقبل فتلك ديار يثرب تقبل
يكفيك ما أشواقها ما تحمل
طال التَّلَوُّم والقلوب خوافقٌ
يهفو إليك بها الحنين الأطول
القوم مذ فارقت مكَّةَ أعينٌ
تأبى الكرى وجوانحٌ تتململ
يتطلَّعون إلى الفجاجِ وقولُهُمْ
أفما يطالعنا النبيُّ المرسل؟
أقبلت في بيض الثِّياب مباركًا
يزجي البشائر وجهك المتهلِّل
يا طيب ما صنع الزُّبير وطلحةٌ
ولصعنك الأوفى أجلُّ وأفضل
خفَّ الرجال إليك يهتف جمعهم
وقلوبهم فرحًا أخفُّ وأعجل
هي في ركابك ما بها من حاجةٍ
إلا إليك وما لها متحول
هجرت منازلها بيثرب وانتحت
أُخرى بمكة دورها ما تؤهل
وفدان هذا من ورائك يرتمي
عجلًا وهذا من أمامك ينسل
انظر بني النَّجَّار حولك عكَّفًا
يردون نورك حين فاض المنهل
لم ينزلوك على الخئولة وحدها
كلُّ المواطن للنُّبوَّة منزل
نزلوا على الإسلام عندك إنَّه
نسبٌ يعمُّ المسلمين ويشمل

•••

ما للديار تهزُّها نشواتها؟
أهي الأناشيد الحسان ترتَّل؟
رفَّتْ نضارتها وطاب أريجها
وتردَّدت أنفاسها تتسلسل
فكأنَّما في كلِّ مغنًى روضةٌ
وكأنَّما في كلِّ دارٍ بلبل
هُنَّ العذارى المؤمنات أقمنه
عيدًا تحيِّيه الملائك من عل
في موكبٍ للهِ أشرق نوره
فيه وقام جلاله يتمثَّل
جمع النَّبيِّين الكرام فآخذٌ
بيد الإمام وعائذٌ يتوسَّل
يمشي به الرُّوح الأمين مسلِّمًا
وجبينه بفم النَّبيِّ مقبَّل
إيهٍ بني النَّجَّار إنَّ محمَّدًا
لأشدُّ حُبًّا لِلَّتي هي أجمل
خلُّوا سبيل الله ما لرسوله
عمَّا أعدَّ من المنازل معدل
ذهبت مطيَّته فقيل لها قفي
هذا مناخك لست ممَّن يجهل
النَّاس في طلب الحياةِ وها هنا
سِرٌّ لها خافٍ وكنزٌ مقفل
أعطي أبا أيَّوب رحلكِ واحمدي
من أمر ربِّك ما يجيءُ ويفعل
ودعي الزِّمام لأسعد بنِ زُرارةٍ
فإليهِ بعد الله أمرك يوكل
لَمَّا حملت الحقَّ أجمع والهدى
أمسى بحبل اللهِ حبلكِ يوصل
يتنافس الأنصار فيك وما دروا
لمن المفاز وأيُّهُمْ هو أوَّل
هي كيمياءُ الحقِّ لولا أنَّها
تهدي العقول لخلتُها لا تعقل
دنيا من العجبِ العجابِ ودولةٌ
يهوي النُّضار بها ويعلو الجندل
أرأيت أهل الكهف لولا سِرُّها
هل كان يكرم كلبُهم ويُبجَّل؟
شكرًا أبا أيُّوب فزت بنعمةٍ
فيها لنفسك ما تريد وتسأل
ما مثلُ رفدك في المواطن كلها
رفدٌ يضاعف أو عطاءٌ يجزل
للهِ دارك من محلَّة مؤمنٍ
نزل الحمى فيها وحلَّ المعقل
نزل النَّبيُّ بها فحلَّ فِناءها
مجدٌ يقيم وسؤددٌ ما يرحل
مجدُ النُّبوَّةِ في ضيافةِ ماجدٍ
سمحِ القرى يسدي الجزيل ويبذل
وسعت جفان المُطعِمين جفانه
كرمًا فما يأبى ولا هي تبخل
أضفى على السَّعدين بُرْد سماحةٍ
فاهتزَّ جودُهما وأقبل يرفل
جذلان محتفلًا يقرِّب منهما
للهِ ما يرضى وما يتقبَّل
جعل القرى سببًا إلى رضوانهِ
والبِرُّ والإيمان فيما يجعل

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤