وَفْد تُجَيْب

تُجيب — ويجوز فتح تائها — قبيلة من كندة، جاء وفدها إلى النبي وكانوا ثلاثة عشر رجلًا يسوقون صدقات أموالهم، فسُرَّ بهم وأكرم مثواهم، وقالوا: إنا جئنا بحق الله في أموالنا، فقال: «ردوها فاقسموها على فقرائكم»، قالوا: ما جئنا إلا بما فضل عنهم، فقال أبو بكر: ما قدم علينا مثلهم، قال الرسول الكريم: «إن الهدى بيد الله (عز وجل)، فمن أراد به خيرًا شرح صدره للإيمان»، وسألوه عن القرآن والسنن فزاد سرورًا بهم، واستأذنوه في الرجوع، ودعوه، فأرسل إليهم بلالًا بأسنى الجوائز، وقال: «هل بقي منكم أحد؟»، قالوا: غلام خلفناه على رحالنا، قال: «أرسلوه»، فأقبل يقول: قد قضيت للناس حوائجهم، فاقضِ لي حاجتي، وهي أن تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني، ويجعل غناي في قلبي، ففعل وأمر له بجائزة.

تجيب بعثت الوفد أما سبيله
فسمح وأما منتواه فصالح
أتى في ذمام الله يؤتيه حقه
من المال يهديه سنًّا منه واضح
فأكرم مثواهم وأعلى مكانهم
رسول لمن يبغي المحجَّة ناصح
وقال لهم ما بي إلى المال حاجة
وحسبي من الخيرات ما الله مانح
خذوه فردُّوه على فقرائكم
فينعم مكروب وينهض رازح
فقالوا كفيناهم فما منهم امرؤ
له حاجة تُطوَى عليه الجوانح
وقال أبو بكر هم القوم ما رأت
كمقدمهم منا العيون اللوامح
وسَرَّ رسولَ الله حسن صنيعهم
فما مثله إذ يمدح القوم مادح
فلما استزادوه من الحق زادهم
ولن تسأم الحق العقول الرواجح
رأوا موردًا عذبًا فألقوا بأنفس
ظماء بها من وقدة اللُّوح لافح
فما مثلهم فيمن هدى الله وارد
ولا مثله فيمن شفى الداء ناصح
هم استأذنوه في الإياب وودَّعوا
تُشيِّعهم منه العطايا الدوالح
بلال انطلق خلف الرجال فأعطهم
جوائزهم إن التقيَّ لرابح
وسلهم أفيهم من تأخر رفده؟
فيعطى ويلقى قومه وهو فارح
فقالوا غلام في الرحال مخلَّف
على وجهه وسم من الخير لائح
وجاء يقول القول برًّا وحكمة
فواعجبي أين النهى والقرائح؟
قضيت رسول الله حاجة قومنا
ولي حاجة بالباب والله فاتح
سل الله أن يرضى فيغفر حوبتي
ويرحمني إني إلى ذاك طامح
بهذين فادعُ الله لي ثم بالغنى
غِنى القلب إن المعدم القلب طائح
دعا بالذي ودَّ الفتى وأجازه
فلم يبقَ من حاجاته ما يطارح
صفا قلبه من كل شيء يشوبه
وطابت بتقوى الله منه الجوارح
وإن له بعد النبيِّ لمشهدًا
يهون به عادٍ من الخطب فادح
سيكفي أبا بكر تقلُّب قومه
إذا جهل الأقوام والجهل فاضح
همُ النفر الأخيار ما في رحالهم
شقيٌّ ولا ناءٍ عن الرشد جامح
أقاموا كرامًا ثم عادوا أعزة
لهم شرف عالٍ مقيم وبارح
فما فاتهم خير ولا نال سعيهم
من الناس غادٍ في البلاد ورائح
ألا إنه الإسلام لا مجد مثله
وإن صاح بالبهتان والإفك صائح
أغنِّي به فليطرب الدهر ولتدع
تطاريبها هذي الطيور الصوادح
وإني لأقضي للعروبة حقها
وإن لجَّ مفتون وأرجف كاشح
وماذا على الأعداء إن قام ماجد
يناضل عن أحسابها وينافح؟
نصبت لها نفسي فما لان جانبي
وجُلْتُ فما ضاقت عليَّ المنادح
لك الحمد ربي إنها لك نعمة
وإني لما يُرضيك منِّي لكادح
فيا رب هل للشعر بعدي خليفة
يقوم به إن غيَّبتني الصفائح؟
أرى الجدَّ أودى إذ أبى الجدَّ أهله
فلم يبقَ إلى ما تعوَّد مازح
ألحُّوا على الأخلاق فانقضَّ ركنها
وحاقت بأبناء البلاد الجوائح

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤