سرية عبد الله بن رواحة الأنصاري إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر

لما قتل أبو رافع أمَّرت اليهود عليها أسير بن رزام، فغضب لقومه وسار في غطفان وغيرهم يجمعهم للحرب، وبلغ النبي ذلك فوجه عبد الله بن رواحة وبعض أصحابه في رمضان من السنة السادسة يستطلعون الخبر، وعادوا بعد ثلاثة أيام يذكرون ما رأوا وسمعوا، فبعثه إلى أسير في ثلاثين رجلًا، فعرضوا عليه أن يسير معهم إلى النبي ليحسن إليه ويستعمله على خيبر، فشاور قومه فرضي بعض وأبى بعض، وسار ومعه جمع منهم، فلما كان في الطريق ندم على سيره، وأراد الفتك بابن رواحة فقتله، وقتل المسلمون من كان معه إلا رجلًا اشتد في الهرب، وكان ذلك في شوال من السنة السادسة.

أأنت يا ابن رزام تغلب القدرا؟
جرب لك الويل من غرٍّ وسوف ترى
جرب أُسَيرُ ولا تجزع إذا عثرت
بك التجاريب إن الحرَّ من صبرا
كذبت قومك إن الحر ليس له
من غالب فاعتبر إن كنت معتبرا
هيهات ما لك إلا الغيُّ تتبعه
والغي يتبعه في الناس من فجرا
بئس الأمير وبئس القوم إذ جعلوا
لك الإمارة كيما يدركوا الظفرا
الظافرون بنو الإسلام لا فزعًا
يرى العدى في الوغى منهم ولا خورا
هم الألى يلبسون الحرب زينتها
إذا تعرَّتْ وولَّى الذادة الدُّبُرا
ماذا تحاول بالأشياع تندبهم؟
حاولت يا ابن رزامٍ مطلبًا عسرا
ظننتها غزوة تخفى مكائدها
فما احتيالك في السرِّ الذي ظهرا؟
لو لم يوافِ رسول الله مُخبرُه
وافاه من ربه من يحمل الخبرا
كم فضَّ جبريل من صمَّاء مغلقة
أنحى على سترها المكنون فاشتهرا

•••

على أبي رافع فلتبك من أسف
واستبق نفسك إن كنت امرأ حذرا
ذلَّت يهود فما يُرجَى لها خطر
على يديْ من نهى فيها ومن أمرا
دعها أُسَيْر لك الويلات من رجل
ضلَّ السبيل فأمسى يركب الغَرَرا
ألست تبصر عبد الله في نفر
أعظمْ به وبهم من حوله نفرا؟
جاءوك يا ابن رزام لو تطاوعهم
لأذهب الله عنك الرجس والوَضَرا
لكنك المرء لو ترميه صاعقة
تنهاه عن نزغات الغيِّ ما ازدجرا
ردُّوا لك الخير تسديه إليك يد
ما مثلها من يد نفعًا ولا ضررا
قالوا انطلق معنا إن كنت منطلقًا
فأتِ الرسول وسله تبلغ الوطرا
ما شتئ من سؤدد عالٍ ومن شرف
على اليهود ويجزي الله من شكرا
أبى وراجعه من نفسه أمل
أغراه بالسير حتى جدَّ مبتدرا
ثم انثنى يتمادى في وساوسه
يظن ذلك رأيًا منه مُبتسرا
واختارها خطة شنعاء ماكرة
فحاق بالجاهل المأفون ما مكرا
أراد شرًّا بعبد الله فانبعثت
منه صريمة عادٍ ينقض المررا
رآه أخون من ذئب فعاجله
بالسيف يورده منه دمًا هدرا
وانقضَّ أصحابه يلقون من معه
من قومه فاستحرَّ القتل واستعرا
لم يترك السيف منهم وهو يأخذهم
إلا حشاشة هافٍ يسبق البصرا
مضى مع الريح لا يأسى لمهلكهم
ولا يبالي قضاء الله كيف جرى
كذلك الغدرُ يلقى الويل صاحبُه
وكيف يأمن عقبى السوء من غدرا؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤