أصحابُ القليب

كانوا أربعة وعشرين رجلًا؛ هم: عتبة بن ربيعة، أمية بن خلف، أبو جهل بن هشام، عبيدة والعاص ولدا أبي أحيحة، سعيد بن العاص بن أمية، حنظلة بن أبي سفيان، الوليد بن عتبة، الحارث بن عامر، طعيمة بن عدي، نوفل بن عبد، زمعة وعقيل ابنا الأسود، العاص بن هشام أخو أبي جهل، أبو قيس بن الوليد، نبيه ومنبه ابنا الحجاج السهمي، علي بن أمية بن خلف، عمرو بن عثمان عم طلحة أحد العشرة، مسعود بن أبي أمية أخو أم سلمة، قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزومي، الأسود بن عبد الأسد أخو أبي سلمة، أبو العاص بن قيس بن عدي السهمي، أمية بن رفاعة.

أمر النبي بهم فألقوا في القليب، إلا أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا به ليحركوه فتزايل — تقطعت أوصاله — فألقوا عليه ما غيَّبه من التراب والحجارة؛ فهم أربعة وعشرون إذا استثنيناه، جاء النبي إلى القليب بعد ثلاثة أيام ثم وقف على شفيره وأخذ ينادي زعماءهم بأسمائهم ويقول: «هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقًّا، فإني وجدت ما وعدني الله حقًّا»، وفي رواية أنه قال لهم: «بئس عشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس».

جلس عمير الجمحي مع صفوان بن أمية بن خلف بالحجر فتذاكرا ما أصاب قريشًا يوم بدر، وذكرا أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: والله ما في العيش خير بعدهم، فقال عمير: صدقت، أما والله لولا دَيْن عليَّ ليس له عندي قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لكنت آتي محمدًا حتى أقتله، وإن لي فيهم علة؛ ابني أسير في أيديهم.

فاغتنمها صفوان وقال له: عليَّ دَيْنك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، فتعاقدا على ذلك، وأخذ عمير سيفه فشحذه وسمَّه، ثم انطلق حتى قدم المدينة، ودخل به عمر على النبي وهو آخذ بحمالة سيفه في عنقه، فقال : «أرسله يا عمر، ادن يا عمير، ما الذي جاء بك؟» قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم؛ يعني ولده وهبًا، قال: «فما بال السيف؟» قال: وهل أغنت السيوف عنَّا شيئًا؟ قال النبي: «بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر» وذكر له ما كان بينهما، فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، الحمد لله الذي هداني للإسلام.

قال النبي لأصحابه حين أسلم عمير: «فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره»، ففعلوا وأسلم ابنه، رضي الله عنهما.

كان صفوان يقول لأهل مكة بعد خروج عمير إلى المدينة: أبشروا بوقعة تنسيكم وقعة بدر.

أسلم صفوان (رضي الله عنه) عند تقسيم غنائم حنين بالجعرانة، حين أعطاه النبي واديًا مملوءًا من النعم، وكان يسمى سيد البطحاء.

تلك عقبى البغي فانظر كيف عادا؟
يا له من مصعب ألقى القيادا
أرأيت القوم شرًّا وأذى؟
ورأيت القوم نارًا ورمادا؟
غيبوا في حفرةٍ مسجورةٍ
تخمد الدنيا وتزداد اتقادا
ملئت رعبًا وزيدت روعةً
من عذاب كان ضعفًا ثم زادا
قف عليها وتبيَّن ما بها
هل ترى إلا انتفاضًا وارتعادا؟
يا لهم إذ زعموا أصنامهم
تعجز الله كفاحًا وجلادا
جلَّ ربي لم يغادر بأسه
أنفسًا منهم ولم يترك عتادا
خاصموا الله وعادَوا جنده
وأرى الأصنام أولى أن تعادى
هي غرتهم فضلُّوا وعتوا
واستحبوا الكفر بغيًا وعنادا
حلَّقوا بالأمس في طغيانهم
ثمَّ بادوا في مهاويهِ وبادا
عظةٌ في التُّربِ كانت فتنةً
وعذابٌ كان شرًّا وفسادا

•••

كلْ هنيئًا من قليب قرمٍ
يبلعُ الكفار مثنى وفرادى
طال منك الصَّوم واشتدَّ الطَّوى
فخذِ القوم التِهامًا وازدرادا
جرَّبوا الحرب وجاءوا فلقوا
غُممًا جلَّى وأهوالًا شدادا
سمعوا الصوت وما من ناطقٍ
يخبر السائل منهم حين نادى
يا رسول اللهِ هم في شأنهم
غمرةٌ تطغى وبلوى تتمادى
صدقَ الوعد فكلٌّ موقنٌ
يا له منهم يقينًا لو أفادا
أنكروا الحقَّ وراموا غيره
فكأنَّ الله لا يجزي العبادا
هكذا من يعبدُ الطاغوت لا
يتَّقي ربًّا ولا يرجو معادا
جلَّ ربي وتعالى إنَّهُ
بالغٌ من كلِّ أمرٍ ما أرادا
إرفعي يا دولة الحقِّ العمادا
وأقيمي يا طواغيت الحدادَ
أيُّ حقٍّ ذلَّ في سلطانه؟
أيُّ زورٍ عزَّ في الدُّنيا وسادا؟
إنَّ لِلهِ سيوفًا خُذُمًا
وجنودًا لا يَمَلُّون الجهادا
بعث الأسطولَ في آياتِه
جائلًا يُعيي الأساطيل اصطيادا
قُوَّةٌ أرسلها من أمره
تفتحُ الدُّنيا وتحتلُّ البلادا
إنَّ كلَّ الخير يا صفوان في
مهلكِ القومِ فلا تعدُ الرشادا
دع عميرًا لا تهجه واتَّئد
إنَّ للعاقلِ في الأمرِ اتِّئادا
أخذ السَّيف صقيلًا مرهفًا
يأخذُ الأبطال والبيض الحدادا
ظلَّ يسقيهِ وما أدراه هل
كان سُمًّا ما سقاه أم شِهادا؟
كره الحقَّ فلمَّا جاءه
نبذ الحقد واصفاه الودادا
من حديثٍ أنبأَ اللهُ بهِ
خير من حدَّث عنهُ فأجادا
قال أسلمتُ لربي وكفى
بالسَّبيل السَّمح دينًا واعتقادا
إقرأ القرآن واتبع هديَهُ
يا عمير الخير إنْ ذو الغيِّ حادا
إنَّهُ النُّور الذي يجلو العمَى
إنَّهُ السِّرُّ الذي يُحيي الجمادا

•••

أين يا صفوان ما أمَّلته؟
أين ما حدَّثت تستهوي السَّوادا؟
يا لها داهيةً طارت بها
أعقب الجوَّ وقد كانت نآدا
لا تظنَّ الجود دينًا يُشْتَرَى
سترى الجود المُصَفَّى والجوادا
ستراه واديًا من نعمٍ
يعجزُ الآمال سعيًا وارتيادا
هو من فيضِ العُبابِ المرتمى
يتَقَصَّى الأرض مدًّا واطِّرادا
الرسولُ السَّمحُ والمولى الذي
يسعُ الأجيالَ برًّا وافتقادا
إقترح ما شئت واطمع لا تخف
من ندى كفَّيه نقصًا أو نفادا
حبذا الموئل فيما تتقي
من أذى الدهر وما أعلى المصادا
سببٌ للهِ من يعلق بهِ
لم يخف ضَيْمًا ولم يخش اضطهادا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤