غَزوَة بنِي النَّضِير

كانت هذه الغزوة في ربيع الأول من السنة الرابعة، وبنو النضير قوم من اليهود نقضوا العهود، وذهب إليهم النبي في أصحابه فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم، فخلا بعضهم ببعض يأتمرون به، وأراد رجل منهم — يقال له عمرو بن جحاش — أن يلقي عليه صخرة من أعلى الجدار ليقتله، فنبأه الله بذلك، فقام من مكانه، وقد انتهت هذه الغزوة بقهرهم، وإجلائهم عن ديارهم.

ما الكيدُ ما الغدر ما هذي الأباطيل؟
الجيش محتشد والسيف مسلول
بني النضير وما تغني معاقلكم
كفوا الأذى ودعوا العدوان أو زولوا
إن القتيل لمن غرته صخرته
فظن أن رسول الله مقتول
جاءَ البريد بها حرَّان يحمله
من رحمة الملك القدوس جبريل
ما أكذب ابن أبيٍّ إذ يقول لكم
لا تتقوا القوم إن النصر مكفول
أولاكم النصح سلام وأرشدكم
لو أن نصح ذوي الألباب مقبول
مهلًا حييُّ أما تنهاك ناهية
عمَّا أردت ولا يهديك معقول؟
لا الحلف حق ولا الأنصار إن صدقوا
يغنون عنكم وأنى يصدق القيل؟
بنو قريظة هدَّ الخوف جانبهم
والقوم من غطفان غالهم غول
إن الألى جمع الليث الهصور لكم
لهم الحماة إذا ما استصرخ الغيل
أتطلبون دم الإسلام؟ لا حكم
إلا السيوف ويقضي الأمر عزريل
هل ينفع القوم إن أزرى بهم قصر
عن مركب البأس آطام بها طول؟
ملُّوا الحياة وملَّتهم معاقلهم
كلٌّ بغيض وكلٌّ بعد مملول
يدعو كنانة محزونًا وصاحبه
زال الخفاء وبعض القول تضليل
يا قومنا أرأيتم كيف يخلفكم
من كل ذي مقة وعد ومأمول؟
دعوا الحصون وزولوا عن مساكنكم
حُمَّ القضاء وأمر الله مفعول
قضى النبي فما من دون مطلبه
وسوله مطلب للقوم أو سول
وليس للأمر إذ يُقضَى على يده
بالحق من ربه رد وتحويل

•••

تلفتوا ينظرون الدور شاهقة
من حولها النخل تحنيها العثاكيل
والماء ينساب والأظلال وارفة
والزرع في شطئه بالزرع موصول
قالوا أيذهب هذا كله سلبًا
للقوم من بعدنا؟ تلك العقابيل
وأقبلوا يهدمون الدور فاختلفت
فيها المعاول شتى والأزاميل
لها على الكره في أرجائها لغة
كما تردد في الأسماع ترتيل
الروح يهتف والإسلام مبتهج
والكفر في صعقات الهول مخبول

•••

يا للركائب إذ تمشي مذممة
والقوم من فوقها سود معازيل
العز في عرصات الدور مطَّرحٌ
والمال والحَلْيُ في الأكوار محمول
قالوا الرحيل فما أصغت مثقفة
ولا استجاب طرير الحد مصقول
نادَى الموكَّل بالأدنى يعللهم
وفي الأباطيل للجهال تعليل
هذا الذي يرفع الدنيا ويخفضها
هيهات ذلك إرجاف وتهويل
مواكب العار لا وسمُ الهوان بها
خافٍ ولا أثر الخذلان مجهول
ما في الهوادج والديباج يملؤها
للخزي ملء وجوه القوم تبديل
وما الأساور والأقراط نافعة
ولا العقود الغوالي والخلاخيل
تشدو القيان بأيديها معازفها
وما عليها غداة الجدِّ تعويل
تجلَّدوا يتقون الشامتين بهم
لبئسما زعم القوم المهازيل
فيم الشماتة هل كانوا ذوي خطر؟
بل غال أحلامَهم ظنٌّ وتخييل
لهم بخيبر أقدار مؤجلة
وأذرعات وللأقدار تأجيل

•••

أدركتها يا ابن وهب نعمة نصرت
في القوم جدك والمغرور مخذول
تلك الوسيلة من تعلَقْ بها يده
لم يعْده من عطاء الله تنويل
وأنت يا ابن عمير زدت مرتبة
وللمراتب عند الله تفضيل
أنكرت فعلة عمرو حين همَّ بها
فالنفس غاضبة والمال مبذول
رميته من بني قيس بمقتنص
يمشي الضِّرَاء فامسى وهو مأكول
أتلك إذ صدقت يا عمرو أم حجر
يرمي به الصادقَ المأمون إجفيل؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤