غزوَة بَدر الآخِرة

ويقال لها (غزوة الموعد)؛ لقول أبي سفيان عند رجوعه من أحد: موعد ما بيننا وبينكم بدر — يريد موسمها — كانت في شهر شعبان من السنة الرابعة، خرج النبي إليها في ألف وخمس مئة من أصحابه، وكان يحمل لواءه (علي بن أبي طالب)، وذهب نعيم بن مسعود الأشجعي (قبل إسلامه) وهم يتأهبون للخروج فأخبر المشركين بأمرهم، فجعل له أبو سفيان عشرين بعيرًا إذا هو عاد إلى المدينة فثبَّط المسلمين عن القتال، وأوهمهم أن المشركين في جمع كثير، فما زادهم هذا إلا ثباتًا وقوة: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وكره أبو سفيان القعود خشية العار، فأجمع أن يخرج بالمشركين ثم يرجع بهم من مكان قريب، فلما بلغوا (مجنة)، وهي سوق معروف من أسواق العرب، قال لهم: يا معشر قريش، لا يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجر وتشربون الماء، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا، وأقام النبي بجيشه في بدر مدة الموسم، وهي ثمانية أيام، ينتظر القوم، ثم رجع إلى المدينة.

إليك أبا سفيان لا الوعد صادق
ولا أنت ذو جد ولا القوم أبطال
أتاك ابن مسعود بأنباء يثرب
فما تنقضي منكم هموم وأوجال
لكم عند بدر في لواء محمد
خطوب ترامى بالنفوس وأهوال
هنالك قوم يا ابن حرب كأنَّهم
إذا عصفت ريح الكريهة أغوال
جنود عليها من عليٍّ مظفر
لدى الروع جياش على الهول جوال
دع المرء يذهب بالأباطيل مرجفًا
وَعِدْهُ جزاء الإفك لا حبذا المال
تردد يخشى منك شيمة مخلف
يقول فلا وعد وفيٌّ ولا قال
تمسَّك من قول ابن عمرو بموثق
وطارت به في الجوِّ هوجاء مجفال
مضى يصف الكفار وصف مهوِّل
يقول جموع ما تُعدُّ وأرسال
فما وجفت تلك القلوب ولم تكن
كأخرى لها من هدَّة الرعب زلزال
رجال رسا الإيمان ملء نفوسهم
فلا الجبن منجاة ولا البأس قتال
ولا الموت مكروه على العزِّ وِرده
ولا العيش مورود إذا خيف إذلال
تداعوا فقالوا حسبنا الله إنه
لما شاء من نصر الهداة لفعال
وأرسلها الصديق دِيمة حكمة
لها من فم الفاروق سح وتهطال
محمد إن الله ناصر دينه
ومظهره والحق أقطع فصَّال
لهم موعد لا بدَّ منه ومورد
من الحتف تغشاه نفوس وآجال
عزيز علينا أن نكون مقالة
يرددها قوم مهاذير جُهَّال
يقولون لولا الخوف منَّا لأقبلوا
وإنَّا لإقدام حثيث وإقبال
وخفَّ أبو سفيان يكذب نفسه
ويشهدها من خيفة كيف يحتال
يقول وقد وافى الرجال مجنة
أيا قومنا مهلًا فإنا لضلَّال
أيا قومنا إنا نرى العام مُجدبًا
وشرُّ عتاد الحرب جدب وإمحال
فعودوا إلى عام من الخصب صالح
ولا تقربوا الهيجاء فالقوم أصلال

•••

تقدم جيش الله وارتدَّ جيشهم
وما فيه أكفاء تُهاب وأمثال
وأين من الصيد المصاليت معشر
لهم من مواليهم لدى البأس خذال؟
لبئس الموالي ما تزال تغرهم
ظنون كأحلام النيام وآمال

•••

ألا إنَّها الدنيا أعيد بناؤها
وصيغ لها رسم جديد وتمثال
فلا شأنها الذي كان يرتضى
بنوها الألى بادوا ولا حالها الحال
عفا السالف المغبر من سيئاتها
فتلك بقاياها قبور وأطلال
أتبقى قلوب الناس في ظُلماتها
تظاهرُ أكنان عليها وأقفال؟
هو النور نور الله يملأ أرضه
فتلقَى الهدى فيه عصور وأجيال
أتى مطلقُ الأسرى يحرر أنفسًا
لها من سجاياها قيود وأغلال

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤