بَينَ الْخَزرَج وَالمُهَاجِرِين

كان المسلمون على الماء بعد انتهاء هذه الغزوة، فاختصم أجير لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) اسمه جهجاه مع رجل من حلفاء الخزرج، وهو سنان بن فروة، فضربه الأول حتى سال منه الدم فنادى: يا معشر الأنصار، ونادى الضارب: يا معشر المهاجرين، فأقبل جمع من الجيشين وشهروا السلاح، فكادت تكون فتنة عظيمة لولا أن خرج رسول الله وقال: «ما بال دعوى الجاهلية؟»، فقالوا: رجل من المهاجرين ضرب رجلًا من الأنصار، فقال: «دعوها — يريد دعوى الجاهلية — فإنها منتنة»، فترك المضروب حقه، وسكنت الفتنة.

جهجاه ما لك هجتها مذمومة
هوجاء لولا الله ظلت تعصف؟
الخزرج انطلقوا لنصر حليفهم
ومضى لنصرتك الكماة الدلَّف
لَسنانُ إذ تؤذيه منك بضربةٍ
أولى وأخلق من تحب وتألف
هفت السُّيوف إلى السُّيوف وأوشكت
صُمُّ الرماحِ على الرماحِ تقصَّف
ومشى النبيُّ يقول يا قوم اسكنوا
أكذاك تضطرب الجبال وترجف؟
تدعون دعوى الجاهلية جهرةً
فمَن الدُّعاة من الهداة الهتف؟
أوَلستم النفر الذين بنورهم
يجد السَّبيلَ الحائرُ المتعسِّف؟
ردوا السُّيوف إلى جماجم معشر
فيهم مردٌّ للسُّيوف ومصرف

•••

هدأ الرجال وراح ظالم نفسه
يهذي فيمعن أو يظن فيسرف
لجَّ النفاق فقائلٌ لا يستحي
مما يقول وسامعٌ لا يأنف
ما بال من جمحت به أهواؤه
أفما يزال على الغواية يعكف؟
يؤذي رسول الله يزعم أنه
في قومه منه أعزُّ وأشرف
ويقول موعدنا المدينة إذ يرى
أيُّ الفريقين الأذل الأضعف
فَلنُخرجَنَّ محمدًا منها غدًا
وليعلمن الأمر ساعة يأزف

•••

سمع ابن أرقم ما يقول فهاجه
غضبٌ يضيق به التقيُّ الأحنف
ومضى يقصُّ على النبيِّ حديثه
فيكاد عنه من الكراهة يصدف
قال اتئد فلقد يغان على الفتى
فيزلُّ منه السَّمع أو يتحرف
فمضى على أسف يلوذ بعمهِ
فيُلامُ غير مكذَّب ويُعنَّف
قال اقتصد يا عم ما أنا بالذي
يغضي إذا اغتاب الرسول مُحدِّف
ثقلت عليَّ من الغبيِّ مقالة
جلل تهدُّ بها الجبال وتنسف
والله لو ألقى صواعقها أبي
لحملتها وذهبت لا أتخفف

•••

رُوِي الحديث وغيظ من مكروهه
عمر فغيظ المشرفي المرهف؟
أغرى بقائله مخوفَ غراره
ما كان يعلم من أذاه ويعرف
سأل الرسول الإذن فيه لعله
يشفيه من دمه بما يترشف
فأبى وقال أليس من أصحابنا؟
دعه فتلك أشد ما أتخوف

•••

وأتى ابنُه فدعا أبي أنا خصمه
فدعوه لي إني به لمكلَّف
مرني رسولَ الله أكْفِك أمره
فلقد عهدتك راحمًا تتلطف
إني أحب أبي وأعرف حقه
ولأنت بي وبه أبر وأرأف
سيفي أحق به فإن يك غيره
عظم الأسى فيه وهال الموقف
إني لأخشى أن أرى دم مؤمن
بيدي لأجل أبي يراق وينزف
قال النبي ارفق بشيخك وارعه
إن العقوق من البنين لمتلف

•••

القاذف الجبار زُلزِل قلبُه
بالرعب يُلقَى والمخافة تقذف
ضاقت مذاهبه فأقبل ضارعًا
وأخو الهوان الضارع المستعطف
جحد الحديث وراح يحلف ما جرى
صدق المنبِّئ وافترى من يحلف
إن ابن أرقم لم تكن لتخونه
أُذُنٌ تعي وتصون ما تتلقف
يبقى بها نقش الكلام كأنما
نقشت على الصخر الأصم الأحرف
صُوَرٌ إذا وَلِي اللسان أداءها
فالزور من أعدائها والزخرف
ما رُمتُ وصفًا حسب زيد أنه
بفرائد الوحْي المنظَّم يوصف
الله أنزله بيانَا صادعًا
كبت الألى قلبوا الأمور وزيفوا
كشف الغطاء عن النفاق بسورة
نزلت وكان غطاؤه لا يكشف
جُرْمٌ إذا استخفى مخافة ذاكر
نادى الزمان به وضجَّ المصحف

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤