بَعد حَفر الخَندَق

لما انتهى المسلمون من حفر الخندق أمر النبي أن يجعلوا ظهورهم إلى جبل (سلع)، وأن يستعدوا للقاء العدو، ثم أعطى لواء المهاجرين إلى زيد بن حارثة، ولواء الأنصار إلى سعد بن عبادة، وأمر بصرف الغلمان الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة من سنهم، وكانوا يعملون في الخندق، وكان بنو قريظة على عهد معه ، فما زال حيي بن أخطب بسيدهم كعب بن أسد القرظي حتى نقض العهد، ومزق الصحيفة، وكان أبو سفيان هو الذي حرض ابن أخطب على ذلك.

مضت السيوف وولت الأرباب
فإلى الهزيمة أيها الأحزاب
لا اللات نافعة ولا أخواتها
كلٌّ بلاءٌ واقعٌ وعذاب
في السفح من سلع قضاءٌ رابض
والويل حين يثور أو ينساب
يبغي الفرية والمنيَّة مخلب
ويصول والأجل المعجَّل ناب
هو يا ابن حرب ما علمت وحربوا
الغيل بَسْل والليوث غضاب
أشَفى سليط وابن عوف ضغنكم
أم ثَمَّ ضغن واغر وضباب؟
لا بوركتْ تلك السيوف فإنها
لتصيب من أعدائها فتصاب
كل الذي نلتم ونالت من دم
عطَب يُتاح لكم معًا وتباب

•••

زيد وسعد في الفوارس فانظروا
إن كان يَصدق نفسه المرتاب
الله أكبر كل شيءٍ دونه
صدق الذين دعاهُمُ فأجابوا
ثوبوا جموع المشركين فإنما
غرتكم الأوثان والأنصاب
لا يُعجبنَّ بني قريظة غدرُهم
فمحمد للغادرين عقاب
هب ابن أخطب فاستزلَّ بمكره
كعبًا وأمرُ الجاهلين عجاب
يا للصحيفة إذ يمزقها أما
ينهاه عن خطأ الغواة صواب؟

•••

خطر الفحول فأين تذهب فتية
مُلْدُ السواعد والسيوف رطاب؟
قال النبي دعوا القتال لمعشر
بلغوا النصاب فللقتال نصاب
إن تذهبوا ناجين من غمراته
فَلكُمْ إليه مرجع ومآب
لن يُحرَموا في الله أجر جهادكم
إذ تعملون ويعمل الأصحاب
عنق المجاهد ليس يُغمط حقُّه
سِيَّانِ سيف قاطع وتراب
الخندق الهيجا حملتم عبئها
والأمر جدٌّ والخطوب صعاب

•••

هاتيك خيل ابن الوليد وصحبه
تدنو فتطمع تارة وتهاب
باب من الهيجاء لم ترَ مثله
فيما تُسدُّ وتُفتح الأبواب
ذُعر الفوارس في متون جيادهم
لمَّا تردَّى الفارس الوثاب
نظروا فكان لهم بمصرع نوفل
خطب تطيش لهوله الألباب

•••

الجو مستعر يشبُّ أواره
ويعبُّ فيه من اللهيب عُباب
جرت النبال به يذيب وطيسُها
بأس الألى لولا الرجاء لذابوا
ماذا لهم بعد الغرور وما لقوا
في الحرب إن كذب الرجاء وخابوا؟

•••

دفعوا الجياد وصاح عمرو صيحة
هاج الهزبر لها وماج الغاب
شيخ قضى في الغالبين لنفسه
فقضى عليه الأشوسُ الغلاب
يا عمرو خذها من علي ضربة
هي إن سألت عن الجحيم جواب

•••

حِبَّان لا سلمت يداك ولا سقى
أحياء قومك ما حييت سحاب
أرسلته سهمًا تضجُّ لهوله
أمم الكتاب وتفزع الأحقاب
من ذا رميت؟ رماك ربُّك بالتي
تنهدُّ من صدماتها الأصلاب
أخزيت أمك لا تُحَدِّثْ بعدها
عن طيب أمك ها هنا الأطياب
دم من جرحت وإن جهلت مكانه
في القوم مسك ساطع وملاب
سعد العشيرة والكتيبة حوله
أسد العرين تزينها الأحساب
الفارس المرجوُّ يقدم قومه
عند الوغى والسيد المنتاب
إن جَدَّ جِدُّ الضرب فهو مهنَّد
أو جنَّ ليل الخطب فهو شهاب

•••

أغرى عيينة وابن عوف مطمع
يعيا بأيسر أمره الطلاب
تركا أبا سفيان في غفلاته
وكأنما يُلقى عليه حجاب
لم يبصر الذئبين حين تسللا
ومن الرجال ثعالب وذئاب
قالا رضينا السلم يشبع قومنا
تمرًا وراضي السلم ليس يعاب
تمر المدينة إن أصبنا نصفه
فلكم علينا ذمة وكتاب
ندع القتال وإن أبى حلفاؤنا
فاشتدَّ لوم واستحرَّ عتاب
لهم الكريهة يُطعَمون سمومها
ولنا طعام سائغ وشراب

•••

هاجا من السعدين سورة غضبة
هي للضراغم شيمة أوداب
أبيا اصطناع الرأي في وهج الوغى
لم تصطنعه قواضب وحراب
وتنازعا نظرًا يهول ومنطقًا
يوهي القلوب الصمَّ وهي صلاب
مَنْ هُمْ؟ أيجمل أن يقال تحكموا
فينا ونحن السادة الأقطاب؟
نحمي مدينتنا ونمنع نخلها
من أن يحوم على جناه ذباب

•••

قال النبي بدا المغيَّب فارجعا
ولكل نفس موعد وحساب
النصر عند الله يجعله لنا
إن شاء وهو المنعم الوهاب
صبرًا على حرِّ القتال فإنه
خطب يزول وغمرة تنجاب

•••

شغل القتال عن الصلاة وإنها
سكن لنا من ربنا وثواب
قم يا بلال مؤذنًا لنقيمها
سكن القتال وزالت الأسباب
ربِّ ارمهم بالنار ملء بيوتهم
وقبورهم فلو اتقوك لتابوا
وببأسك انصرنا وزلزل جمعهم
تزُل الهموم وتذهب الأوصاب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤