غَزوَة بَنِي قُرَيْظَة

كانت هذه الغزوة يوم رجع المسلمون من غزوة الخندق، فأمر النبي بلالًا (رضي الله عنه) فأذن في الناس بالقتال، وبعث مناديًا يقول: يا خيل الله اركبي، ثم سار إلى بني قريظة في ثلاثة آلاف مقاتل، وكانت الراية في يد علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه).

ولجأ اليهود إلى حصنهم فحوصروا فيه خمسًا وعشرين ليلة — على أصح الروايات.

ونصح كعب بن أسد كبير اليهود لقومه وعمرو بن سعدى، فلم يقبلوا، وضاق بهم الأمر، فبعثوا إلى النبي يطلبون أن يرسل إليهم أبا لبابة — من الأوس حلفائهم — فلما جاءهم قالوا: تحقن دماؤنا، ونأخذ ما تحمل الجمال إلا الحلقة السلاح، وعرض ذلك على النبي فأبى، وطلبوه ثانية ونزلوا عن الأموال والحلقة فأبى، ثم نزلوا على حكمه ، وحكم سعد بن معاذ (رضي الله عنه)، فأمر بهم فكتفوا، وبالنساء والذراري فجعلوا ناحية، وقتل حيي بن أخطب في من قتل منهم.

ترامى الجيش واندفع الرعيل
فقل لبني قريظة ما السبيل؟
سلوا كعبًا وصاحبه حييًّا
نزيل الشؤم هل صدق النزيل؟
أطعتم أمره فتلقفتكم
من الأحداث داهية أكول
وكان دليلَكم فجنى عليكم
وقد يجني على القوم الدليل
دليل السوء لا عقلٌ حصيف
يسدده ولا رأي أصيل
تفرقت الجموع وأدركتكم
جنود الله يقدمها الرسول
جهلتم ما وراء الغدر حتى
رأيتم كيف يتعظ الجهول
ألم تروا اللواء مشى إليكم
به وبسيفه البطل المهول؟
حذارِ بني قريظة من علي
ولا يغرركم الأطم الطويل
وما يجديكم الهذيان شيئًا
وهل يجدي المُخبَّل ما يقول؟
وما لبني القرود سوى المواضي
يكون لها بأرضهمُ صليل

•••

تواروا كالنساء محجَّبات
حمتها في المقاصير البعول
خلا الميدان لا بطل ينادي
ألا بطل؟ ولا فرس يجول
أقاموا مُحْجَرين على هوان
أقام فما يريم ولا يحول
يرنِّق عيشهم جوع وخوف
كلا الخطبين أيسره جليل
يبيت الهم منتشرًا عليهم
إذا انتشرت من الليل السدول
يلفهم السهاد فلا رقاد
يطيب لهم ولا صبر جميل
يخاف النومَ أكثرُهم سهادًا
كأن النوم في عينيه غول
إذا مالت به سِنَة تنزَّى
يظن جوانب الدنيا تميل
تطوف بهم مناياهم طنونًا
توهَّجُ في مخالبها النصول
بهم وبحصنهم مما دهاهم
وحاق بهم جنون أو ذهول

•••

يقول كبيرهم يا قوم ماذا
ترون؟ أهكذا تَعمَى العقول؟
أليس محمد من قد علمتم
فما الخَبَل الملحُّ وما الغفول؟
رسول الله ما عنه صدوف
لمن يبغي النجاة ولا عدول
أبعد العلم شكُّ؟ بل ضللتم
على علم وذلكم الغلول
هلموا نَتَّبعه فإن أبيتم
فليس لنا سوى الأخرى بديل
نضحِّي بالنساء وبالذراري
ونخرج والدم الجاري يسيل
بأيدينا السيوف مسللات
نصون بها الذمار إذا نصول
فإلَّا تفعلوا فالقوم منَّا
بمنزلة تنال بها الذحول
لهم منَّا غدًا بالسبت أمن
فإن تك غرة شُفِيَ الغليل
هلموا بالقواضب إن أردتم
فما يغني التردد والنكول
عصوه وراضهم عمرو بن سعدى
فما اجْتُنِبَ الجماح ولا الجفول
أبوها جزية ثقلت عليهم
وقالوا بئسما يرضى الذليل
ففارقهم على سخط وضغن
وراح يقول لا نعم القبيل
نهاهم قبل ذلك أن يخونوا
فكان الغدر والداء الوبيل

•••

توالَى الضُّرُّ عبئًا بعد عبءٍ
فهدَّ قواهم العبءُ الثقيل
دَعَوْا يستصرخون ألا دواء
فقد أشفى على الموت العليل؟
لعل أبا لبابة إن ظفرنا
بمقدمه لعثرتنا مقيل
وأرسله النبي فخالفوه
وقالوا لا يصاب لنا قتيل
لكم منَّا السلاح إذا أردتم
وتنطلق الركائب والحمول
وعاد فراجعوه على اضطرار
وهان عليهم المال الجزيل
إليك أبا لبابة ما منعنا
وشرُّ المال ما منع البخيل
خذوه مع السلاح وأطلقونا
فحسب محمدٍ منَّا الرحيل
فقال دماؤكم لا بدَّ منها
وذلك حكمه فمتى القبول؟
أجب يا كعب إن الأمر حتم
فماذا بعد إلَّا المستحيل
وما من معشر يا كعب إلَّا
على حكم النبي لهم نزول
نصحت لكم وما للقوم عذر
إذا نصح الحليف أو الخليل

•••

هوَوا من حصنهم وكذاك تهوي
وتهبط من معاقلها الوعول
وجاءوا ضارعين لهم خوار
يجاوبه بكاء أو عويل
يبثُّ الوجدَ مبتئس حزين
وتذري الدمع والهة ثكول
قضاء الله من قتل وسبْي
مضى والبغي دولته تدول

•••

يقول الأوس إن القوم منَّا
على عهد وقد طمتِ السيول
موالينا إذا خَطبٌ عناهم
عنانا ما يشُقُّ وما يعول
وهم حلفاؤنا نحنو عليهم
ونحدب إن جفا الحدِبُ الوصول
أنقتلهم بأيدينا؟ فعفوًا
رسول الله إن أثم الضلول
فقال جعلت أمر القوم طرًّا
إلى سعد فنعم هو الوكيل
وجيء به يقول له ذووه
ترفق إنك المولى النبيل
فقال دعوا اللجاج فإن سعدًا
بنصرة ربه الأعلى كفيل
فصاح يقول وا قوماه منهم
رجال عزمهم واهٍ كليل
أتى فأقرَّ حكم الله فيهم
وآل الأمر أحسن ما يئول
عليٌّ والزبير لكل عضب
صقيل منهما عضب صقيل
هما استبقا نفوس القوم نهبًا
وروح الله بينهما رسيل

•••

تقدم يا حييُّ فلا محيص
ورِدْ يا كعب ما ورد الزميل
لكل من شقاء الجِدِّ وِرد
وسَجْل من منيته سجيل
أصابكما من الأقدار رامٍ
هوى بكما فشأنكما ضئيل
لبئس السيدان لشر قوم
همُ البرحاء والداء الدخيل
منابت فتنة خبثت وساءت
فلم تطب الفروع ولا الأصول
قلوب من سواد القوم عمْيٌ
وألباب من الزعماء حول
أضلَّهُمُ الغباء فهم كثير
وعمهم البلاء فهم قليل

•••

تخطَّفهم هريت الشدق ضارٍ
له من محكم التنزيل غيل
فما نجت النساء ولا الذراري
ولا سلم الشباب ولا الكهول
تهلَّلت المنازل والمغاني
وأشرقت المزارع والحقول
وبات الحصن مبتهجًا عليه
لآل محمد ظل ظليل

•••

لعمر الهالكين لقد تأذَّى
تراب في حفائرهم مَهيل
طوى رجسًا تكاد الأرض منه
تمور بمن عليها أو تزول
يساقُ السَّبْيُ شرذمةٌ بنجد
وأخرى بالشآم لها أليل
جلائب لا أبٌ في السوق يحمي
ولا ولد يذبُّ ولا حليل
تُجَرُّ على الهوان ولا مغيث
بأرض ما تجرُّ بها الذيول
أصاب المسلمون بها سلاحًا
وخيلًا في قوائمها الحجول
مكرمة تُعدُّ لكل يوم
كريم الذكر ليس له مثيل
إذا ذكرت مناقبه الغوالي
تعالت أمة واعتزَّ جيل
مناقب ما يزال لها طلوع
إذا الأقمار أدركها الأفول
لها من نابه الأدب انبعاث
فما يُخفي زواهرها الخمول
ضمنتُ لها البقاء وإن عنتني
من الدهر العوائق والشغول
وما تغني الخزائم حين تُلوَى
إذا انطلقت لحاجتها الفحول
تُخلِّدُها مصونات حسان
حرائرُ ما لها أبدًا مُذيل
صفايا الشِّعر لا خلق زرِيٌّ
يخالطها ولا أدب هزيل
لعلَّ الله يجعلها ربيعًا
لألباب أضرَّ بها المحول
فوا أسفا أتُطمعني القوافي
فيخلف مطمع ويخيب سول؟
ووا حربا أما يُرجَى فكاك
لأسرى ما تفارقها الكبول؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤