أُمُّ كُلْثُومٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا)

هي بنت عقبة بن أبي معيط، وأخت عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، أسلمت وبايعت النبي قبل هجرته إلى المدينة، وخرجت من مكة بعد رجوعه من الحديبية مهاجرة لله ولرسوله، فلما بلغت المدينة ذهبت إلى دار أم سلمة (رضي الله عنها) وهي من أمهات المؤمنين، فرحب بها الرسول الكريم، وخرج أخواها عمارة والوليد في طلبها، يريدان ردها بالحق الذي في العهد، فقالت: يا رسول الله، أنا امرأة ضعيفة لا تردني إلى الكفار، إني أخافهم على ديني، فنزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ الآية، والامتحان أن تستحلف المهاجرة أنها إنما هاجرت لله ورسوله، وبهذه الآية الكريمة خرجت المؤمنات المهاجرات من حكم الرد الذي وضع في ذلك العهد، فبقيت السيدة أم كلثوم وكانت أول مهاجرة، ولم يكن لها زوج بمكة فتزوجها زيد بن حارثة (رضي الله عنه).

أجيبي أم كلثوم أجيبي
ترامت دعوة الداعي المهيب
لَمَكَّةُ إذ يضام الدين فيها
أحقُّ بكل أفَّاكٍ مريب
خذي قصد السبيل إلى ديار
محبَّبةِ المسالك والدروب
حمى الإسلام يمنع كل عادٍ
وغيل الحق يدفع كل ذيب
رعاكِ الله فانطلقي وسيري
ولا تهِني على طول الدئوب
أردتِ الدين معمور النواحي
فخوضي البيد مقفرة وجوبي
تُطيلين التلفُّت من حذار
وقلبك لا يقر من الوجيب
رويدك إن عين الله ترعى
خطاك فلن يسوءك أن تئوبي
أرى أخويك في أمر مريج
وهمٍّ من مصابهما مذيب
يلف حشاهما حزنٌ عجيبٌ
لِرَوْعَةِ ذلك الحدث العجيب
لكلٍّ منهما في الحيِّ عينٌ
تدور كأنها عين الحريب
وقلب دائم الخفقان هافٍ
طويل الوجد متَّصل اللهيب
هنا كانت فأين مضت؟ وأنَّى
تعاود خدرها بعد المغيب؟
أما عند ابن عفَّانٍ شفاء
فيكشف كربة العاني الكئيب؟
أتذهب أختنا لا نحن ندري
ولا هو عنده علم اللبيب؟
كفى يا بنت عقبةَ ما لقينا
من الأحداث بعدك والخطوب

•••

قفي يا أمَّ كلثوم فهذا
محطُّ الرحل للنائي الغريب
حللت بفضل ربك خير دار
بطيبة فانعمي نفسًا وطيبي
تلقَّاك النبي فأيَّ بشر
رعتْ عيناك في الكرم الخصيب؟
يرحِّب ما يرحِّب ثم يضفي
عليك حنان ذي النسب القريب
وما نسب بأقرب من سبيل
يؤلَّف بين أشتات القلوب
سبيل الله ليس إذا ما
بلوتِ السبل أجمع من ضريب
هُدَى الساري يسدده فيمضي
بمخترق السباسب والسهوب
يمرُّ بآخرين لهم عواء
يُشيَّع بالتوجُّع والنحيب
يرى سبل النجاة وكيف ضلُّوا
فيعجب للمصارع والجنوب
ويحمد فالق الإصباح حمدًا
يهزُّ جوانح الوادي الطروب
تعالى الله ينزل كل بَرٍّ
بِعالٍ من منازله رحيب

•••

عمارة والوليد ولا خفاء
على فرط التجهم والشحوب
هما عرفا السبيل فلا مقام
وكيف مقام مختبل سليب؟
أهابا بالرسول أعِدْ إلينا
وديعتنا فما بك من نكوب
هو العهد الذي أخذت قريش
وما لك غير نفسك من حسيب
سجيَّتُك الوفاء وما علمنا
عليك الدهر من خلق معيب
برأيك فاقض وارددها علينا
فإنك أنت ذو الرأي المصيب

•••

عناها أن تُردَّ ولا ظهير
يقيها ما تخاف من الكروب
فصاحت إنني امرأة وما لي
على المكروه من عزم صليب
بربِّك يا محمد لا تدعني
فريسة كل جبَّار رهيب
يعذِّبني لأترك دين ربي
إلى دين المآثم والذنوب
أأرجع يا حمى الضعفاء ولهى
وما لي في ظلالك من نصيب؟

•••

أتى التنزيل يصدع كل شكٍّ
ويجلو ما استكنَّ من الغيوب
ويحكم حكمه عدلًا وبرًّا
فيُلقي بالدواء إلى الطبيب
إذا جاء النساء مهاجرات
يردن الله ديَّان الشعوب
بقين مع النبيِّ وإن تمادت
لجاجةُ كل عرِّيض شغوب

•••

ليهنكِ أم كلثوم مقام
كريم عند مرجوٍّ مثيبِ
وزوجٌ ذو محافظة نجيب
يفيء إلى ذرى النسب النجيب
يفيء إلى ذرى الإسلام منه
فتى للسلم يُرجَى والحروب
وما زيد بن حارثة بِنكْس
إذا التقت الكماة ولا هيوب
أخو المختار من عليا قريش
ومولاه الحبيب أبو الحبيب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤