إِسْلَامُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ)

قال خالد (رضي الله عنه): لما جاء النبي لعمرة القضية تغيبت ولم أشهد دخوله، وكان أخي الوليد دخل مكة معه، فطلبني فلم يجدني، فكتب إليَّ:

بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإني لم أرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وقلة عقلك، ومثل الإسلام هل يجهله أحد؟! سألني عنك رسول الله فقال: «أين خالد؟» قلت: يأتي به الله، قال: «ما مثله يجهل الإسلام، ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين لكان خيرًا له»، ولقد مناه على غيره، فاستدرك يا أخي ما فاتك، فقد فاتك مواطن صالحة.

قال خالد: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرتني مقالة رسول الله ، ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة، فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة.

ثم خرج إلى المدينة، فلقي صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وعثمان بن طلحة، فعرض عليهم الإسلام، فما قبله إلا عثمان، ولقي خالد وصاحبه عمرو بن العاص فوافقهما، وقدموا على النبي فأسلموا (رضي الله عنهم).

قم ودع الأوثان والأصناما
أفما ترى برهان ربك قاما؟
يا خالد اعمد للتي هي عصمة
لذوي البصائر وانبذ الأوهاما
الله رب العالمين ودينه
دين السلام لمن أراد سلاما
إقرأ كتاب أخيك ما لك مصرف
عما يريد ولن ترى الإحجاما
أقبل رعاك الله إنك لن ترى
كسبيل ربك مطلبًا ومراما
سأل النبي بأيِّ حالٍ خالد
أفما يزال يجانب الإسلاما؟
إني رايت لخالد من عقله
فيما يمارس مُرشدًا وإماما
ما مثله يرتاب في دين الهدى
فيرى الضياء المستفيض ظلاما
إنا لنعرفه رشيدًا حازمًا
ونراه شهمًا في الرجال هماما
لو أنه جعل المضرَّة والأذى
للمشركين لما استحقَّ ملاما
ولكان عندي يا وليد مقدَّمًا
يلقى لديَّ البر والإكراما

•••

أقبل أخي وتلاف أمرك لا تكن
ممن إذا وضح السبيل تعامى
كم موطن جلل لو أنك لم تغب
عنه لكنت إذن أجلَّ مقاما
يكفيك ما ضيعت ليس بحازم
من لا يزال يضيِّع الأياما

•••

نشط الهمام وراح يدرك نفسه
يبغي لها عند النبيِّ ذماما
ألقى إلى الوادي الخصيب برحله
فأصاب فيه مرتعًا ومساما
أيُقيم بالوادي الجديب فلا يرى
إلا سرابًا كاذبًا وجهاما
لاقى بعكرمةٍ وبابن أميَّة
شرًّا يعبُّ عبابه وعُراما
قال ائتيا نبغي النجاة فأعرَضا
وتنازعا قولًا يشبُّ ضراما
وأجابها عثمان دعوة ناصح
يأبى الهوى ويُجانب الآثاما
مضيا على سنن الطريق فصادفا
عَمْرًا فقالا ما لنا؟ وإلى ما؟
يا عمرو دين الله لسنا كالألى
جعلوا الحلال من الأمور حراما
قال اهتديت ولن أكون كمن يُرى
طول الحياة لنفسه ظلَّاما
ومشَوْا فما بلغ الرسول حديثهم
حتى بدا متهلّلًا بساما
سرَّته مكة إذ رمت أفلاذها
كبدًا تكنُّ الحب والإعظاما
بعثت إليه من الجبال ثلاثة
رضوى يصاحب يذبلا وشماما
خفَّ الوليد يقول لا تتمهلوا
إن الحديث إلى النبي ترامى
حُثُّوا المطيَّ فإنه مترقب
وأرى جوانحكم ترفُّ أواما

•••

وفدوا كرامًا يؤمنون بربهم
ورسوله بيض الوجوه وساما
نفضوا الهوان عن الجباه فأصبحوا
شمَّ المعاطس يرفعون الهاما
أفيعبدون مع الغواة حجارة؟
أم يعبدون الواحد العلَّاما؟
كُشِفَ اللثام عن اليقين ولن ترى
كالجهل سترًا والغرور لثاما
لو طاوع الناس الطبيب لما اشتكى
من يحمل الأدواء والآلاما
إعرف لربك حقَّه فلحكمة
خلق العقول وأنشأ الأحلاما
أرأيت كالإسلام دينًا قيِّمًا
ساس الأمور ودبر الأحكاما؟
الله أحكم أمره وأقامه
للعالمين شريعة ونظاما
نادى النبي به فأفزع صوته
أممًا بآفاق البلاد نياما
ودعا إليه وسيفه بيمينه
يمضي حياة مرَّة وحِماما
تمضي أباطيل الحياة ولن ترى
لسوى الحقائق في الزمان دواما

•••

صَعقت نفوس المشركين وهالهم
همٌّ إذا انجلت الهموم أقاما
قالوا فقدناهم ثلاثة قادة
ما مثلهم بأسًا ولا إقداما
ما أعظم البلوى ويا لكِ نكبةً
ملكت علينا النقض والإبراما
نزل البلاء بنا فكان مضاعفًا
وجرى العذاب معًا فكان غراما

•••

إني إخال البيت يشرق جوُّه
وإخال مكة ترفع الأعلاما
يا ابن الوليد لك الأعنَّة كلها
فالقَ المقانب وادفع الأقواما
سترى المشاهد ترجف الدنيا لها
وترى الحصون تميد والآطاما
بشِّر حماة الشرك منك بوقعة
توهي القوى وتزلزل الأقداما

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤