قِسمَة الغَنَائِم

بدأ النبي بالذين أسلموا يوم الفتح تألفًا لهم، وتثبيتًا للإيمان في قلوبهم، فأعطاهم من هذه الغنائم ما أرضاهم؛ وهم المؤلفة قلوبهم، ومنهم أبو سفيان أعطاه فأجزل، وسأله أن يعطيه لابنيه يزيد ومعاوية ففعل، ومنهم حكيم بن حزام، أعطاه مئة من الإبل، ثم سأله فزاده مئة، ثم سأله ثلاثة فكذلك، وقال له: «يا حكيم إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى».

فأخذ حكيم المئة الأولى وترك ما عداها، وقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعوه في خلافته ليأخذ من الفيء فيأبى، وكذلك كان في خلافة عمر (رضي الله عنهما)، ولم يأخذ الأنصار وكبار المهاجرين شيئًا من هذه الغنائم، فقال رجل من المنافقين: هذه قسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله (تعالى)، وأخبر النبي فغضب وقال: «إذا لم أعدل فمن يعدل؟ رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر»، واستأذن خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب أن يضربا عنق هذا المنافق فقال: «لا تفعلا، فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية، لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي».

أرأيت حكمة سيد الكرماء؟
وعرفت شيخ السادة الحكماء؟
تلك السياسة حزمها ودهاؤها
ناهيك من حزم وفرط دهاء
مر يا محمد واقضِ ما لك عائب
في كل أمر ترتضي وقضاء
ولربما خفِيَ الصواب فأسفرت
عنه وجوه الرأي بعد خفاء

•••

بدأ النبيُّ بغير من كانوا له
خير الصحابة عند كل بلاء
يرجو مودتهم ويبني منهم
للدين صرح أمانة ووفاء
أعطى أبا سفيان وابنيه فما
أندى سجايا الواهب المعطاء
وحبا حكيمًا ما أراد ثلاثة
ونهى هواه فكال خير حباء
وأصابها مئة له من نفعها
ما جلَّ عن عدٍّ وعن إحصاء
قال ارعويت فلست أرزأ بعدها
أحدًا وآلى حلفة الأمناء
يُدعَى ليأخذ من أبي بكر ومن
عمَرٍ فما يزداد غير إباء

•••

يا ويح للعباس يغلب حلمه
أن كان دون مراتب الرؤساء
أبدى الشكاة فكان صنع محمد
صنع الطبيب يريد حسم الداء
قال اقطعوا هذا اللسان بنفحة
عني وتلك سجيَّة العظماء

•••

صفوان أسلمَ فانجلت غمراته
وأفاق بعد غواية وغباء
لما رأى الإسلام يسطع نوره
كره الضلال وضاق بالظلماء
ومشى على الأثر الكريم يزينه
خلق الهداة ومَظهر الحنفاء
صفوان سر في نور ربك إنه
يهديك في سير وفي إسراء

•••

يا زيد قم بالأمر واكتب واجتنب
خطأ الغواة وكبوة الجهلاء
أحصِ الرجال وآت كلًّا حقه
مما أفاء الله ذو الآلاء

•••

ما أكرم الأنصار والصحب الألى
حرموا فمن صبر ومن إغضاء
نزلوا على حكم النبيِّ وسرَّهم
ما كان من ثقة وحسن رجاء
قوم رسا الإيمان ملء قلوبهم
وسما عن الشهوات والأهواء
لا تملك الدنيا عليهم أمرهم
في شدة من دهرهم ورخاء
ما ضرَّ من يسخو بمهجة نفسه
أن لا يفوز من امرئ بسخاء؟
نالوا بفضل الله عند رسوله
ما لم ينل أحد من النعماء
إن الثناء إلى الرجال يسوقه
لأجلُّ من إبل تساق وشاء

•••

خسر الذي آذى النبيَّ بقوله
ظلَم الرجالَ ولجَّ في الإيذاء
أثِم المنافق إنها لكبيرة
وكذاك يأثم ناطق العوراء
صبرًا رسول الله لست بأول
ما حيلة الحكماء في السفهاء؟
موسى أخوك أصيب من أعدائه
بأشد ما تَرمي قُوى الأعداء
إن أنت لم تعدل فمن ذا يُرتجى
للعدل تحت القبة الزرقاء؟
نفر الحفاظ بخالد ورفيقه
والموت مُصغٍ والمهنَّد راء
لولاك إذ جاوزْتَ أبعد غاية
في الحلم جاوز غاية الأحياء
قلت اسكنا لا تقتلاه فإنه
سيكون رأس الشيعة النكراء
يُغلون في دين الإله فيخرجوا
منه خروج السهم يوم رِماء
لا يذكر الأقوام أن محمدًا
يجزي الألى صحبوه شرَّ جزاء

•••

تلك النبوة يا محمد فاضطلع
منها بأعباء على أعباء
أدِّب وعلِّم تلك مدرسة الهدى
فُتِحتْ وأنت مؤدِّب العلماء

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤